التفاوض المباشر في أيلول على ما تبقى من فلسطين
بدا واضحاً من الإعلان الأميركي حول استئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد إحداث ضجة إعلامية، عبر دعوته إلى حفل افتتاحها الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني. وحدد الإعلان الوجهة التي تتطلع إليها إدارة أوباما، ليس في الصيغة فحسب، وإنما أيضا في التوقيت.
وسارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الترحيب بدعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لاستئناف المفاوضات المباشرة في واشنطن في الثاني من أيلول المقبل. فاستئناف المفاوضات المباشرة كان مطلباً إسرائيلياً بامتياز، لكنه في الوقت ذاته غطاء مطلوب لأنظمة الاعتدال العربية. ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية في هذه العملية كانت بين فكي كماشة الحاجة الإسرائيلية والرسمية العربية. أما إدارة أوباما، التي برهنت مرارا على استعداها للتراجع عن مواقفها إذا كان في ذلك خدمة لإسرائيل، فقد وجدت نفسها مندفعة أكثر نحو هذا التراجع خدمة أيضاً لأنظمة الاعتدال العربية.
ولا يخفى على أحد أن اختيار التوقيت، مطلع أيلول، يشير إلى محاولة منح حكومة نتنياهو جائزة ترضية لتسهيل إبقائها على قرار تجميد الاستيطان الشكلي والجزئي والمحدود. كما أنه يوفر لأنظمة الاعتدال العربية الفرصة للتوافق علناً مع المواقف الأميركية المناهضة لإيران، والتي ينتظر أن تتطور في الشهر المقبل.
كما أن هناك من يتحدث عن مصلحة إدارة أوباما الداخلية في الإعلان عن «إنجاز» استئناف المفاوضات بعد وقت قصير من إعلان الانسحاب القتالي من العراق. إذ ان هناك في الولايات المتحدة من يتصورون أن بوسع هذا الإنجاز الإعلامي السياسي التغطية على الفشل الميداني العسكري. ويعتقد البعض أن أوباما وحزبه الديموقراطي بحاجة إلى أي صوت في الانتخابات النصفية للكونغرس، بعدما تبين مقدار تراجع شعبية الرئيس واحتمال خسارة حزبه الغالبية في مجلسي الكونغرس في تشرين الثاني المقبل.
وتكفي قراءة سريعة لإعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، الذي دعت فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونتنياهو إلى واشنطن لبدء المفاوضات، لإظهار مقدار ما طرأ من تراجع على الموقف العربي والفلسطيني إزاء المفاوضات. فكلينتون أوضحت أن القمة، التي لم تعد ثنائية بين نتنياهو وعباس، وإنما خماسية، يشارك فيها أوباما والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك، ستطلق مفاوضات من دون شروط مسبقة. وبرغم إشارتها إلى إطار زمني لمدة عام للمفاوضات، إلا أنه ليس هناك أكثر من الأميركيين تأكيداً بأن الجداول الزمنية ليست مقدسة.
ومن المؤكد أن الإعلان الأميركي لا يمكن قراءته بعيداً عن إعلان الرباعية الموازي، والذي بذلت الولايات المتحدة فيه دوراً كبيراً في تلطيف لهجته. فالإعلان الأميركي والرباعي خلا تماماً من الإشارة للنقطة الجوهرية التي مراراً ما عرقلت المفاوضات، وهي وقف الاستيطان.
ورفضت الرباعية، تحت ضغط أميركي، مطلباً فلسطينياً بأن يتضمن إعلانها إشارة واضحة بأن حدود عام 1967 هي أساس
المفاوضات لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والوقف التام للاستيطان. ورأى الأميركيون في ذلك استفزازاً لحكومة نتنياهو التي لا يمكن أن تقبل بمفاوضات على أساس قواعد كهذه.
وفي كل الأحوال فإن وزارة الخارجية الأميركية تنفست الصعداء بأنها بعد عشرين شهراً من المحاولات الفاشلة، أفلحت في التوصل إلى إعلان كهذا. ويمكن القول إن الضغط الأميركي المتواصل منذ أشهر على السلطة الفلسطينية والقيادات العربية قد قاد إلى هذه النتيجة. وكانت الاتصالات بين واشنطن وتل أبيب قد تكثفت في الأيام الأخيرة تمهيداً لهذا الإعلان. وبذلت إسرائيل جهداً واضحاً للتأكيد على أن إعلان استئناف المفاوضات سيشدد على أنها تجري «من دون شروط مسبقة»، وهذا ما حدث فعلياً.
وسارع ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية إلى الاحتفال بالإعلان. وجاء من مكتب نتنياهو أن «رئيس الحكومة يدعو منذ عام ونصف العام إلى استئناف المفاوضات المباشرة. وقد أعرب عن رضاه عن التوضيحات الأميركية بأن المفاوضات ستجري من دون شروط مسبقة. وأضاف أن «إسرائيل ترغب بمفاوضات جدية وشاملة»، مشيراً إلى أن «تحقيق السلام تحد صعب لكنه ممكن. ونحن نذهب للمفاوضات من منطلق رغبة حقيقية في التوصل لاتفاق سلام بين الشعبين، عبر المحافظة على المصالح القومية لإسرائيل، وفي مقدمتها الأمن».
ويرى معلقون إسرائيليون أن نتنياهو كان ينتظر بفارغ الصبر هذا الإعلان الذي يمكنه من التعامل مع كل من الولايات المتحدة والفلسطينيين ومحور الاعتدال العربي من دون أن يقدم تنازلات لأي منهم. ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك، أن قبول هذه الأطراف بالاشتراطات الإسرائيلية يضمن لحكومة نتنياهو مواصلة المفاوضات من دون المخاطرة بانعكاسات داخلية من ناحية، ومن دون التقدم فعلياً نحو أي حل. فالصيغة المعلنة تشير إلى عجز الأطراف الدولية عن التمسك بمواقف يمكن أن تقود إلى حل سياسي أو تفرض حلاً سياسياً للصراع العربي الإسرائيلي.
وفي المقابل فإن السلطة الفلسطينية وقيادتها، التي أكدت مراراً في الأشهر الماضية أنها لن تقبل استئناف المفاوضات من دون التزام إسرائيل بالكف عن الاستيطان، وخصوصاً في القدس، ستضطر لابتلاع لسانها. وستظهر السلطة وكأنها سيدة نفسها، وتعمد إلى عقد اجتماعات، سواء للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو اللجنة المركزية لحركة فتح، لتعلن في النهاية قبولها بالدعوة الأميركية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد