سوريا: ماذا وراء الترويج لسيناريو حرب؟
لم تكن محاولة اغتيال رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي في حي المزة الدمشقي، ولا محاولة اسقاط الطائرة المدنية الروسية بصاروخين، المترافقة مع الهجمات على سلسلة مطارات عسكرية وقبلها استهداف الرادار في درعا، مجرد اخبار امنية منعزلة. يترافق ذلك مع محاولة احياء التهمة العراقية «الكيميائية» ضد دمشق، في جهد دولي تشارك فيه اسرائيل بشكل حثيث، سواء من خلال تشجيع الاميركيين على التدخل العسكري المباشر، او اقله الترويج لفكرة الضربة العسكرية ضد سوريا.
وبينما يجري تصعيد منظم للاحتقان المذهبي في العراق، تشارك فيه اطراف خليجية ووسائل اعلام محسوبة عليها، وتبذل جهود لتأجيج التوترات الطائفية والمذهبية في لبنان، وتتهم ايران بشكل منهجي بالتدخل في الازمة السورية، ومحاولة عرقلة اتفاق المصالحة التركية مع الاكراد، تحاول اسرائيل في هذه الاثناء رسم «الخطوط الحمراء» التي تناسب مصالحها في ما يتعلق بسوريا ولبنان وايران، في حين يترافق كل ذلك مع تداول مصادر عربية وغربية الحديث عن سيناريو عمل عسكري غربي - اسرائيلي، كما ينقل مراسل «السفير» الزميل محمد بلوط، يستهدف سوريا، بذرائع من بينها الاتهامات الكيميائية، وتوجيه ضربات عسكرية تنفذها الولايات المتحدة بالتعاون مع اسرائيل، ضد مقارّ القيادة العسكرية السورية ومخازن الاسلحة، تترافق مع عدوان اسرائيلي يطال منطقة الحدود اللبنانية السورية، وذلك بعد اسابيع من «الانجازات» العسكرية التي حققها الجيش السوري في المواجهة العسكرية مع مسلحي المعارضة خصوصا في ريف دمشق ومنطقة القصير.
وبينما تقول المصادر ان درعا قد تكون محور اي عمل عسكري محتمل ضد دمشق، خصوصا مع تزايد الحديث عن استضافة الاردن معسكرات لتدريب مجموعات من المسلحين لاستخدامهم مستقبلا في اي تدخل عسكري، كان من اللافت تصاعد الاشتباكات والغارات في منطقة درعا بين الجيش ومسلحي المعارضة.
وبينما تشهد الجبهة الديبلوماسية جمودا شبه شامل، بانتظار تغير المعطيات الميدانية، ما زالت الانظار مصوبة باتجاه اللقاء المفترض بين الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين في حزيران المقبل. وفي هذه الاجواء، جرى اتصال هاتفي بين اوباما وبوتين عبّر خلاله الاول عن قلقه من قضية استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، وهو ما يثير لدى الروس الهواجس من تكرار سيناريو التدخل العسكري الغربي، عبّر عنها إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صراحة برفض موسكو تكرار التجربة العراقية في سوريا.
وقال لافروف إن «محاولات القوى الغربية توسيع نطاق تحقيق تجريه الأمم المتحدة بخصوص استخدام أسلحة كيميائية في سوريا ما هو إلا ذريعة للتدخل في الحرب الأهلية السورية»، مضيفا «ربما تكون هناك حكومات وعدد من الأطراف الخارجية التي تعتقد انه من اجل الإطاحة بالنظام السوري فإن كل الوسائل لا بأس بها. لكن موضوع استخدام أسلحة الدمار الشامل خطير جدا، ويجب ألا يكون هناك هزل بشأنه. ومن غير المقبول التكهن بأهدافه السياسية والجغرافية».
ويأتي الحديث عن سيناريوهات وخطط لاستهداف سوريا، على خلفية الأسلحة الكيميائية، في إطار زيادة الضغط على النظام السوري. وقالت مصادر عربية وغربية إن أوساطا أمنية عربية وغربية تتداول توقعات بوجود خطط برية وصاروخية تستهدف دمشق انطلاقا من درعا والجولان، وأخرى إسرائيلية تستهدف قطع الاتصال بين قواعد الجيش السوري و«حزب الله» شمال غرب دمشق ومنطقة البقاع الغربي.
وتضيف إن عمليات التحضير مستمرة بوتيرة عالية، وتشمل توزيعا للمهام بين الإسرائيليين الذين يتولون العمليات البرية انطلاقا من الجولان ضد الفرق السورية، ويتولى الأميركيون العمليات الصاروخية والجوية. وتتضمن خطط التدخل في سوريا، كما كان قد اقترح السيناتور الأميركي جون ماكين، ضربات صاروخية لمراكز الأركان وسلسلة القيادة السورية، لقطع اتصالاتها بالألوية السورية التي تقاتل في درعا، وفتح الطريق نحو العاصمة السورية أمام قوات المعارضة.
وتشير المصادر إلى انه سيكون على قوات من «الجيش الحر»، قليلة الخبرة جرى تدريبها في معسكرات أردنية في الأشهر الأخيرة، دور رئيسي في الاندفاع نحو دمشق، في منطقة تعمل فيها خمس فرق سورية مدرعة على تخوم درعا - دمشق، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الألوية.
ويحظى بترجيح قوي سيناريو تدخل قوات برية إسرائيلية من الجولان السوري المحتل ضد الفرق السورية المدرعة المنتشرة، وضد قواعد لـ«حزب الله» في البقاع الغربي وعلى سفوح الجبال والممرات المؤدية إلى دمشق، لفصله عن قواعده في الجنوب اللبناني وعن قواعد الفيلق السوري الثاني المتمركز في الزبداني، والقوات الفلسطينية، فيما يكتفي الأميركيون بتوجيه ضربات صاروخية للتجمعات السورية، ولمخازن الأسلحة الكيميائية المهددة بالسقوط بيد «حزب الله» أو المعارضة السلفية الجهادية، التي تعمل في ريف دمشق، حيث تنتشر هذه المخازن، بحسب تقارير غربية.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس الأول، اجتماعاً خاصاً للمجلس الأمني المصغر للتداول في الشأن السوري استمر أربع ساعات. ولاحظ معلقون أن هذا أول اجتماع رسمي منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة للبحث في سوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد. وكان نتنياهو طلب من وزرائه امس الاول الامتناع عن الادلاء بتصريحات ومواقف حول سوريا، فيما برزت اصوات اسرائيلية دعت الى تدخل عسكري مباشر في الازمة السورية، وسط تهديدات موزاية ضد لبنان.
وقد عرضت في الاجتماع التقديرات الاستخبارية، وكذلك ما يوصف في إسرائيل بأنه الخطوط الحمراء، سواء ما تعلق منها بانتقال أسلحة كيميائية أو متطورة إلى «حزب الله» أو غيره من المنظمات. كذلك جرت محاولة لبلورة موقف من الجماعات المختلفة في سوريا، ومناقشة الموقف الواجب على إسرائيل اتخاذه من محاولات الغرب تسليح المعارضة السورية.
وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيانات، نفذ الطيران الحربي السوري غارات عدة على مناطق في ريف دمشق والرقة وحمص. وأوضح ان «احدى الغارات استهدفت بلدة جاسم، مسقط رأس الحلقي، ما ادى الى مقتل 11 شخصا، بينهم ثمانية مقاتلين معارضين». وتشهد هذه المنطقة عمليات كر وفر بين القوات السورية والمسلحين.
والتقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، في نيويورك، قبيل اجتماعه مع وفد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية.
وأعلن مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أن بوتين وأوباما اتفقا، خلال اتصال هاتفي بينهما، على «عمل كل شيء ممكن من أجل حل الأزمة السورية»، مضيفا أن «بوتين وأوباما أكدا أهمية استمرار الاتصالات بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري وجهودهما الرامية إلى وضع خطوات مشتركة في الملف السوري».
وذكر البيت الأبيض، في بيان، «تدارس أوباما وبوتين الوضع في سوريا، وشدد أوباما على القلق إزاء الأسلحة الكيميائية السورية». وكرر وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل إن الولايات المتحدة والحلفاء يواصلون محاولاتهم للتوصل إلى تفاصيل ما إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية، موضحا أن وكالات الاستخبارات «تواصل تقييم ما حصل، ومتى وأين».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل اجتماع مع رئيس بعثة التفتيش الدولية بقيادة العالم السويدي ايك سلستروم في نيويورك، ان المحققين يجمعون ويحللون المعلومات المتاحة بشأن الهجمات المزعومة بالأسلحة الكيميائية بما يشمل زيارات محتملة لدول قالت إن لديها أدلة على استخدام أسلحة كيميائية.
وقال ديبلوماسي غربي إن مسؤولين بريطانيين عرضوا على سلستروم أدلة أسست لندن عليها تأكيدها بأنه توجد أدلة «محدودة لكنها متنامية» على أن السلطات السورية استخدمت أسلحة كيميائية، مضيفا ان سلستروم وجد أن الأدلة غير حاسمة.
وشدد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، أمس، على أن النزاع في سوريا ليس بين سنة وشيعة «بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية ومعارضيها. ليست حكومة سوريا حكومة شيعية، ولا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنية. إنما المنفذون لهذا السيناريو المأساوي كانوا بارعين في قدرتهم علي استغلال المشاعر الدينية للسذج في هذا الحريق المهلك».
وأضاف إن «الأموال التي يمكن استخدامها في تحقيق رفاه خلق الله، تنفق في التهديد والتكفير والاغتيال والتفجير وإراقة دم المسلمين وإضرام نيران الأحقاد الدفينة... هذه اليد الغادرة تستثمر من دون شك الجهل والعصبية والسطحية في مجتمعاتنا، وتصب الزيت علي النار. مسؤولية المصلحين والنخب الدينية والسياسية في هذا الخضم ثقيلة جداً. ليبيا بشكل، ومصر وتونس بشكل أخر، وسوريا بشكل، وباكستان بشكل آخر، والعراق ولبنان بشكل، تعاني اليوم أو في معرض المعاناة من هذه النيران الخطرة».
وفي هذه الاثناء، اتهمت تركيا إيران بأنها تسعى لتخريب عملية المصالحة بين الدولة التركية و«حزب العمال الكردستاني». ونقلت صحيفة «ميللييت»، أمس، عما سمّته «مصدرا حكوميا رفيع المستوى» قوله إن محاولة تعطيل الحل جاءت عبر القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني الذي اجتمع مع قادة «الكردستاني» في جبال قنديل قبل أيام، عارضا عليهم مساعدات عسكرية لقاء وقف عملية المصالحة.
وأضافت الصحيفة انه ظهر أن إيران قامت بتحركات ديبلوماسية سرية لدى قيادة جبل قنديل منذ مدة بهدف ثني «حزب العمال الكردستاني» عن تنفيذ قراره الانسحاب من تركيا، حيث التقى سليماني مع الرجل الثاني في «الكردستاني» مراد قره يلان.
ويشمل العرض الايراني بحسب الصحيفة، عدم الانسحاب من تركيا واستمرار حرب «حزب العمال الكردستاني» على تركيا مع تزويد الحزب بأسلحة ثقيلة. وتقول الصحيفة إن هذا العرض أكده، كما المصدر الحكومي الرفيع المستوى، كذلك قيادة إقليم كردستان.
وتذكر الصحيفة إن إيران منزعجة من عملية المصالحة بين الدولة التركية و«الكردستاني» والتي رتبتها الولايات المتحدة، وتهدف إلى وأد النزعة الإسلامية لدى الأكراد وتفتيت المنطقة على أسس اتنية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد