نشاطات الوقت المُستقطع في وزارة الثقافة
الجمل ـ أنور بدر: كلما تابعت نشاطات وزارة الثقافة, انتابني إحساس مُشاهدي اللعب في الوقت المُستقطع من زمن المباريات الأصلي, فهو تمرير للوقت بالنسبة للفريق الرابح, وجهد يائس بالنسبة للفريق الخاسر, وشعور باللا جدوى بالنسبة للمشاهد, وقد تتردد الوزارة في تصنيف نفسها ضمن خانة الرابح أو الخاسر, وهي تجهد لإثبات وجودها في مواجهة العجز عن الفعل, تجهد للمشاغبة في مشهد الغياب, وهي تعرف أنه جهدٌ لا يصنع ثقافة ولا يُشكل حاضنة للمثقفين.
وربما يكون حال المسرح لدينا خير مثال ٍ على هذا الجهد الضائع, إذ دخل المسرح في ثبات امتد لعقدين ونيف, لم تفلح استعادة مهرجان دمشق المسرحي في استعادة الحياة إلى خشبته المتيبسة, فرأت الوزارة مشكورة هذه المرة, أنها ربما تكتشف الترياق في المحافظات الطرفية بعد أن وهن القلب في العاصمة, فجالت بضعة عروض من محافظة إلى أخرى, وتوزعت الجوائز هنا وهناك, دون أن تفلح في خلق حراك مسرحي حقيقي.
وحين انطلق مهرجان الهواة المسرحي الأول في سوريا, سارعت الوزارة لإطلاق مهرجان موازٍ له, لم يضف كثيراً إلى ما كنا شاهدناه في مهرجانات المحافظات.
وتفاءلنا خيراً حين أعلنت الوزارة عن مشروعها لتأسيس مسارح لفرق المسرح القومي في المحافظات, التي اقتصر وجودها على بضع محافظات سابقاً, ووعدت الوزارة ببناء مسارح جديدة لهذه الفرق أو إعادة تجهيز مسارحها الموجودة بتقنيات الإضاءة والصوت بما يسمح بتقديم عروض جيدة أو لائقة. وفعلاً تمّ افتتاح مسرح طرطوس, وأقرّ تأسيس فرق للمسرح القومي في كل من محافظات إدلب, الحسكة, حماة, وبقدر ما تكون هذه الخطوات إيجابية للانتقال بالعمل المسرحي في المحافظات من بُعد الهواية إلى طور المؤسسة, بما يعني ذلك من حماية للعاملين في هذه المسارح وضمان حقوقهم المادية والمعنوية, وتشجيعهم على التطور والعمل. بقدر ما تدفعنا لخشية الاستسلام لإغراءات الكسل الوظيفي بعد ما يكونوا قد اطمأنوا إلى حجم الراتب أو المكافأة.
لكن من تابع احتفال حماة بهذه المناسبة, لا بُدّ أن يخرج بحصيلة من اليأس تعادل الإنشائية والبؤس التي قام عليها عرض "كشف الضو عن معنى لو" وهو من توليف وإخراج محمد شيخ الزور, الذي لمع نجمه في سبعينيات القرن الماضي ثم هاجر إلى الخليج وعاد بعد عقدين من الزمن مُتقاعداً. إلى أن كلفه السيد وزير الثقافة بإدارة المسرح القومي العتيد في هذه المحافظة.
وأستطيع مع باقي المشاهدين أن نجزم بأنّ العرض الذي شاهدناه شكل انتكاسة حقيقية لمساعي الوزارة باتجاه تنشيط الحركة المسرحية في محافظة حماة, لأنها ذهبت في غير اتجاهها الصحيح, فهذه المحافظة تمتلك ثلاث فرق مهمة كانت تتابع نشاطاتها الفنية وتقديم عروضها حين كان شيخ الزور يتابع رحلته الخليجية, ويعرف القائمون على المسرح في سوريا وضمن وزارة الثقافة كلاً من يوسف شموط وعصام الراشد ومولود داوود ويعرفون أهميّة الأعمال التي قدمت باسم نقابة الفنانين في حماة تارة وباسم شبيبة الثورة تارة أخرى, وباسم مديرية الثقافة أو سواها ممن يقبل بإصباغ مشروعيته على هذه الأعمال التي حصدت غير قليل من الجوائز في العديد من المهرجانات المسرحية المحلية, فلماذا تمّ تجاوز الجميع باتجاه شيخ الزور الذي قدّم عرضاً مُملاً في تنظيراته حول المسرح ومملا في تهريجه المبتذل, ومحبطا في محاولة اتكائه على عناصر سياسية لمنح القوة إلى عرض هزيل, وبشكل ٍ خاص حين اختتم العرض بنشيد حماة الديار, فالنشيد وسواه من الرموز الوطنية ليست ملكاً لأحد, ولا يجوز الاستقواء بها في مزاد الهبوط المسرحي.
وقد وجد الدكتور عجاج سليم مدير المسارح والموسيقى ومعه نضال سيجري مدير المسرح القومي نفسيهما في ورطة أمام مدعوين رسميين ومثقفين تلقوا وعودا حول المسرح, جماليته وأهميته, مما اضطر الفنان نضال سيجري للاعتذار بطريقة لبقة حين أشار بعيد العرض, وفي كلمة يفترض أن تكون شكرا للفرقة وللمساهمين بالعرض, لوجود أشكال أخرى من المسرح غير الشكل الذي شاهدناه, مضمرا بلباقته أيضا أن ما شاهدناه ليس مسرحا.
وزارة الثقافة في قرار إسنادها تأسيس أو إدارة المسرح القومي إلى الفنان محمد شيخ الزور كانت كمن ضيّع هاتفه الخليوي في المواصلات, وجاء المنزل يبحث عنه, فهي أغمضت عينيها عن كل النشاطات والأسماء الهامة مسرحياً في محافظة تعد من أنشط محافظات القطر بهذا الصدد, وأغناها بالطاقات الفنية, وكانت حريصة على متابعة مهرجانها السنوي لعقدين من الزمن, وكانت قادرة من خلال مجموعة من الشباب الهواة أن تقدّم أكثر من عرض في كل عام, فلماذا تهدر إمكانيات الفرقة الوليدة؟ ولماذا تهدر طاقات ممثلين هواة تعبوا على أنفسهم؟ كي نستعيد فناناً فقد ألقه وفقد صلته بالمسرح؟!
ومع ذلك نتمنى أن لا يكون تأسيس فرق للموسيقى والفنون الشعبية التي وعدنا بها الدكتور عجاج سليم مدير المسارح والموسيقى مُجرّد لعب في الوقت المُستقطع أيضاً. كما نتمنى على مديرية المسارح والموسيقى وعلى وزارة الثقافة أن تبحث عن النبتة الصالحة لرعايتها, وأن لا يكون الموضوع مُجرّد تنفيعات وعلاقات شخصيّة. مؤكدين في النهاية أن تأسيس فرقة للمسرح القومي في حماة وفي سواها من المحافظات خطوة إيجابية, لكن يجب تصحيح مسارها, وأعتقد أن التراجع عن الخطأ فضيلة, ولن يصح غير الصحيح في النهاية.
الجمل
إضافة تعليق جديد