«حنظلة» الغائب الوحيد في معرض ناجي العلي
كان بودي لو أني شممت رائحة ناجي العلي في هذا المعرض الفني وكنت أتمنى أن أقتفي شيئاً من آثاره.. كنت تواقاً لأن أرى حنظلة معلقاً على هذه اللوحات التي بلغ عددها ثلاثة وثلاثين لوحة لكني لم ألمح شيئاً وكأن ناجي العلي ليس موجوداً وحضوره الطاغي في العالم لم يحرض الفنانين الذين شاركوا في هذا المعرض على عمل فني يخلد الرجل.
إذاً المعرض السنوي الثاني كان بعيداً عن روح العلي وبعيداً عن ذكرى اغتياله التي حدثت يوم 22/7/1987 وتوفي يوم 29/8/1987 ولهذا كان لابد من أن أستعيد محطات من حياة ناجي العلي كي ألج الى ما احتواه المعرض.
ناجي سليم حسين العلي:
لقّب بضمير الثورة ولد في قرية الشجرة عام 1936 في الجليل الشمالي من فلسطين وكغيره من المشردين الفلسطينيين لجأ الى لبنان عام 1948 مع عائلته باتجاه بنت جبيل ثم الى مخيم عين الحلوة شرق صيدا، كانت حياته في ذلك المخيم أقرب الى حياة المذلة ماحرضه على صحوة فكرية مبكرة تجلت في هذا الشعور العارم بالظلم والاضطهاد وأنه مع الشعب الفلسطيني وقعوا ضحية مؤامرة خسيسة قادتها القوى الاستعمارية آنذاك متمثلة بفرنسا وبريطانيا..
درس الطفل ناجي في مدرسة اتحاد الكنائس المسيحية حتى حصوله على الشهادة الابتدائية ولما تعذر عليه متابعة دراسته اتجه الى سوق العمل يقطف الثمار ثم ليمتهن بعد ذلك مهنة لمدة سنتين في المدرسة التابعة للرهبان البيض وعاد الى بيروت ليعمل في ورشة صناعية ونصب خيمة في مخيم شاتيلا وعاش فيها.. في عام 1957 حصل على دبلوم في الميكانيك وسافر الى السعودية ليعمل مدة سنتين وكان يرسم أثناء راحته.. في عام 1959 أبعد عن حركة القوميين العرب لعدم انضباطه وحين قوي عوده السياسي والفكري أصدر في العام 1960 نشرة سياسية بخط اليد سماها «الصرخة» وفي العام نفسه دخل الى أكاديمية أليكسي بطرس للرسم ولم يداوم فيها سوى شهر واحد نتيجة ملاحقته من قبل الشرطة اللبنانية التي رأت فيه ثائراً فلسطينياً مزعجاً فدكته في سجونها وأصبح حنظلة زبوناً دائماً لمعظم السجون اللبنانية مرة في سجن المخيم وأخرى الى سجن القلعة في صيدا ومرات الى سجون العاصمة لكن هذه السجون لم تثن ناجياً عن طموحه فعاد ليدرس الرسم في صور في الكلية الجعفرية لسنوات ثلاث مكنته مع موهبته وذخيرته المعرفية والنضالية للعمل في الكويت في مجلة الطليعة رساماً ومخرجاً وصحافياً وذلك في العام 1963 وترك الكويت عدة مرات لأنه لم يكن يطيق البقاء في مكان واحد لمدة طويلة فنفسه القلقة كانت تجبره على الرحيل والانتقال من مكان الى مكان وعاد في العام 1968 الى الكويت ليعمل في السياسة الكويتية وذلك حتى العام 1975 علماً أنه في العام 1974 كان في جريدة السفير أيضاً التي استمر فيها حتى عام 1983 بعد أن أصبح في العام 1979 رئيس رابطة رسامي الكاريكاتير العرب.. وأثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 اعتقله الاسرائيليون ثم أطلقوا سراحه وعاد في العام 1983 الى الكويت، ولكن مع جريدة القبس هذه المرة وبقي فيها للعام 1985 وبعد أن ضاق به أهل البيت ذرعاً كما في بيروت ترك الكويت الى لندن وعمل في القبس الدولية.. كانت رسوم ناجي في تلك الأثناء تنتقل من جريدة الى جريدة عربية وعالمية اذ أصبح لامعاً على المستوى العالمي واشترك في عشرات المعارض في أنحاء العالم كله ماشجعه على إصدار ثلاثة كتب في الأعوام 1976 ـ 1983 ـ 1985 ضمت الكثير من رسومه وحين شرع لإصدار رابع كتبه نال منه رصاص الوحوش لكن قبل ذلك حصل على الجوائز الأولى في معرضي 1979 ـ 1980 في دمشق اللذين أقيما لرسامي الكاريكاتير العرب.
ناجي العلي الذي استشهد في مثل هذه الأيام من عام 1987 في لندن كان عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين وله أكثر من أربعين ألف لوحة فنية كاريكاتيرية عدا عن تلك التي ظلت حبيسة الأدراج حتى يومنا هذا وقد اختارته صحيفة أساهي اليابانية واحداً من عشرة رسامي كاريكاتير على مستوى العالم، تزوج من وداد صالح نصر من صفورية فلسطين وله منها خالد وأسامة وليال وجودي.
في 8/2/1988 وصف الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس ناجي العلي بأنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر ومنحه جائزة «قلم الحرية الذهبي» وهو أول صحافي ورسام عربي ينال تلك الجائزة «من كتاب ناجي العلي».
ثلاثة وثلاثون فناناً سورياً وفلسطينياً شاركوا في المعرض الثاني السنوي حملوا أفكارهم وإرثهم المعرفي والثقافي والوطني الفلسطيني فسكبوه ألواناً ورؤى جمعتهم الى الوطن المدمى فجاءت اللوحات صدى تلك الرؤى وذلك الحنين فمحمد الوهيبي قدم لوحة ذات حضور لافت أشكال أنثوية عارية سوداء ووجوه غير واضحة القسمات تتجه الى الطريق المحدد لها بعزيمة وثبات، لوحة أقرب الى الموزاييك ومحمود السعدي قدم نحتاً لرجل وامرأة من البرونز يمسك الرجل بيدها وهو مطأطئ الرأس، وهناك أيضاً مجموعة من المنحوتات لزكي سلام وخالد جازية وهناء ديب التي صنعت منحوتها من قطع المعادن، وهناك في المعرض مجموعة مهمة من اللوحات للفنانين والفنانات ايمان العر وحسن أبو صبيح ومعتز العمري ونور كتعة وتميز عبد اللطيف مهنا بلوحة جمعت الرؤى والطموح والعادات والتقاليد الفلسطينية وميساء موسى قدمت لوحة تجريدية كذلك رائد الصفدي الذي وشى لوحته بمكونات فلسطينية مختلفة ونبيل شبلاق قدم لوحة المرأة العارية وهي أيضاً غير واضحة المعالم فالوجه مطموس وكذا الجسد وفي لوحة عاهد جمعة مجموعة من الأجساد البشرية العارية وخلفها هلال أسود ربما ليرمز الى حالة البؤس التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وقدم هيثم مصطفى امرأة تحمل مفتاح القدس هذا المفتاح الذي كان موجوداً في اغلب اللوحات المعروضة وكذلك علي جروان قدم امرأة تحمل المفتاح وخلفها مجموعة من النساء يتجهن الى القدس بوجوه تملؤها العزيمة والاصرار.
وبالمختصر كان الحضور لافتاً وكنت أتمنى أن يكون ناجي العلي حاضراً في الأعمال الفنية التي عرضت.. ولكن ربما تلافى القائمون على المعرض ذلك في السنوات المقبلة.
سهيل الذيب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد