"حلول" سورية ـ إيرانية في غياب سوريا وإيران

29-07-2006

"حلول" سورية ـ إيرانية في غياب سوريا وإيران

سعاد جروس : رغم وجود قناعة داخل الأوساط الأميركية والغربية, بأنه لا يمكن التوصل الى وقف لإطلاق النار, وإيجاد مخرج للحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان, من دون إقامة حوار مباشر مع كل من سوريا وإيران, لا تزال إدارة الرئيس بوش تصر على استبعادهما عن أي نقاش حول هذه المسألة. ما يثير أكثر من سؤال حول أجندة هذه الحرب, وعما إذا كانت تحمل أهدافاً أميركية, تم توريط إسرائيل في تحقيقها, أم أنها أجندة دولية بما فيها أطراف عربية, يسعى كل طرف منها لتحقيق ما يخدم مصالحه؟
إذا اعتبرنا وصف وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للعدوان الإسرائيلي على لبنان بأنه مخاض لشرق أوسط جديد, فلا شك أن أميركا لن تجد لها أي مصلحة في وقف إطلاق النار, ولا في الاستعانة بالدورين السوري والإيراني لإيجاد مخرج للحرب الدائرة. فهذان البلدان يشكلان صخرة ممانعة يصطدم بها المشروع الأميركي في المنطقة, وقد سعت الولايات المتحدة الأميركية منذ احتلالها العراق إلى تفتيت هذه الصخرة بكل الوسائل, فعمدت إلى عزلهما دولياً مع فرض ضغوط هائلة على ايران من خلال ملفها النووي, ومن قبلها على سوريا من خلال ملف لبنان وإصدار القرار 1559, ومن ثم ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري, وما تخلله من قرارات دولية لإحكام الحصار عليها, في حين لم تكف سوريا عن إعلان رغبتها في إقامة الحوار ولعب دور إيجابي في العراق, إذا التزمت أميركا بإيجاد سلة من الحلول لكافة القضايا العالقة في المنطقة, بما فيها إعادة أراضيها المحتلة وإحياء عملية السلام, وهو ما قابلته أميركا بسد أبواب الحوار والاستمرار بتوسيع رقعة «الفوضى البناءة» في المنطقة, كأفضل وسيلة لإعادة تشكيل المنطقة حسب مخطط (الشرق الأوسط الكبير) الذي صار اسمه (الشرق الأوسط الجديد)
وحسبما أعلن عن متطلبات هذا المشروع, فإن أول خطوات تنفيذه بدأت بتفتيت العراق ودول المنطقة, على أساس إعادة تشكيل جغرافيتها السياسية وفق تقسيم ديني اثني لدويلات صغيرة منزوعة السلاح, تحت رعاية أميركية تنحو لتحويل المنطقة إلى سوق حرة مفتوحة. من هنا فإن الحرب التي أعلنتها إسرائيل على لبنان تم التخطيط لها مسبقاً, بدليل أن المجتمع الدولي بدل أن يتداعى لوقف إطلاق النار في الساعات الأولى, أعطى مع عدة أطراف عربية ضوءاً أخضر لإسرائيل لخوض حرب بالنيابة عنهم للقضاء على المقاومة, حسب غاياتهم ومصالحهم الخاصة. وهو ما عبر عنه دينيس روس (المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط) بالقول: «من أجل درء حرب واسعة النطاق, ومن أجل وضع نهاية للأزمة الجارية حالياً, بالشكل الذي يمنع حزب الله وحركة «حماس» من استئناف الصراع بكل سهولة وفقاً لاختيارهما, فإن الولايات المتحدة الأميركية لا بد من أن تلجأ للافادة من استغلال المزايا الإستراتيجية الهامة, التي أتاحها الواقع القائم حالياً.. فالسعوديون, والمصريون, والأردنيون, إضافة إلى بعض الأطراف الأخرى, بدأوا يعترفون بأن إيران هي التي تقوم بتحريك واستخدام «حزب الله» وحركة «حماس», لأجل أغراضها وغاياتها. كذلك أصبحوا يدركون ويقدرون ما يفرضه ذلك من خطر وتهديد ليس على إسرائيل والولايات المتحدة فقط, وإنما بالقدر نفسه على الحكومات العربية غير الإسلامية. لقد حان الوقت الآن للولايات المتحدة, لكي تعمل مع «هؤلاء» الذين بإمكانهم خلق واستحداث «مظلة عربية» تعمل من أجل دعم وإسناد حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة, والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهذه (المظلة العربية) يمكن أن تبرر عملية الدعم والمساندة في نشر قوات الجيش اللبناني في المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود الإسرائيلية. إن تقديم المساعدة في توطيد وإرساء الأمن على الحدود اللبنانية­ الإسرائيلية, وحدود إسرائيل­ غزة, بما يوقف وينهي عمليات إطلاق الصواريخ من المناطق التي احتلتها إسرائيل, سوف لن ينهي فقط الأزمة الجارية حالياً, وإنما سوف يمهد الطريق ويفسح المجال أمام مستقبل واعد بالأمل».
وفقاً لهذه الرؤية الأميركية, يمكن فهم ما تبذله أميركا من مساع حثيثة لتشجيع استمرار إسرائيل في إطلاق النار وتدمير لبنان بحجة تدمير المقاومة, إذ يتم دفع جميع الأطراف باتجاه الحل الذي تفرضه الإدارة الأميركية وهو نشر قوات دولية يرسلها حلف الناتو على الشريط الحدودي جنوب لبنان, وقد أعلنت إسرائيل قبوله. وبنجاح المخطط الأميركي تُكسر الحلقة الأقوى في التحالف السوري­ الإيراني, المتمثل بـ«حزب الله» والفصائل الفلسطينية المقاومة, مما يُمكنها من دق إسفين بين ايران وسوريا, وبذلك يسهل عليها عزل إيران تمهيداً لتوجيه ضربة إليها, من خلال سعيها إلى تشكيل حلف عربي سني بمواجهة الوجود الفارسي الشيعي الايراني في المنطقة, تلعب فيه أميركا دور الشرطي الذي لا بد منه. وإذا كان التحالف السوري الإيراني يقف حائلاً دون قيام هذين المحورين, فإن الحاجة الأميركية تصبح ماسة لعزل سوريا وإضعافها تماماً وتجريدها من كل أوراق قوتها في المنطقة.
هذا السيناريو الذي ترسمه أميركا على الورق, مرهون بما سترسمه الحرب على الأرض بالدماء, فالخسائر الفادحة التي تتكبدها إسرائيل لأول مرة في تاريخ صراعها مع العرب, بدأت تدفع الرأي العام الإسرائيلي نحو إدانة استمرار تدمير لبنان, ورفض القيام بحرب أميركية بالوكالة. هذا من جانب, ومن جانب آخر, لن يكون من السهل نشر قوات دولية لحلف الناتو في لبنان في حال رفض «حزب الله» هذا الحل, كما سيدفع هذا الرفض باتجاه توسيع دائرة الحرب, وعندها لن تقف سوريا على الحياد, كما أعلن وزير الإعلام السوري محسن بلال, بأن إسرائيل إذا دخلت لبنان فلن تقف سوريا مكتوفة الأيدي, وبالتالي ايران أيضاً لن تقف على الحياد؛ وقد صرح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن أي اعتداء على سوريا هو اعتداء على إيران.
وإذا كانت ثمة مصالح لأميركا بتوسيع الحرب, لا يبدو الأمر كذلك بالنسبة الى إسرائيل التي بدأت تعيد حساباتها بعد أسبوعين من المواجهات الشرسة مع المقاومة اللبنانية, وقد كتبت «هآرتس» تحت عنوان (الصدع يكبر): «إن إسرائيل لن تستطيع أن تكسب أي ربح إضافي من هذه الحرب سوى صيت دموي. هذا هو الوقت المناسب للتوقف». وتلك الأصوات التي بدأت تعلو, تجعل إسرائيل حريصة على إبقاء القناة الدبلوماسية مفتوحة على نحو موارب, عبر الوسيط الألماني, فبعدما رفضت الوساطة الألمانية في بادئ الأمر التي سعت لاحتواء الأزمة ووقف النار بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي, عادت و قبلت تلك الوساطة بعد ان وضعت شروطاً رفضها «حزب الله», ومنها تسليم الأسيرين الاسرائيليين كشرط لوقف إطلاق النار. كما بحث هورست فرايتاع مبعوث وزارة الخارجية الألمانية مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم الحلول الممكنة لحل الأزمة, وبدوره شرح المعلم رؤية سوريا لطبيعة الحل المرتكز على ضرورة وقف إطلاق النار وإتاحة الفرصة أمام الجهود الدبلوماسية من اجل تبادل الأسرى مع بذل جهود دولية لإحلال التسوية العادلة والشاملة للصراع العربي ­ الإسرائيلي, تستند الى تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومبدأ الأرض مقابل السلام.
وإذ تسعى سوريا لحرف مسار الأزمة باتجاه إيجاد رزمة حلول لكافة القضايا, فإن أميركا لا ترغب بهذه الحلول, لأن ذلك سيعني بشكل أو بآخر فشل مشروع (الشرق الأوسط الجديد), والقبول بأمر واقع تفرضه تداعيات الأحداث في المنطقة, وهو ما لا يمكن التكهن بنتائجه, كما لا يمكن رسم مساراته مسبقاً, وهنا تكمن العقدة التي وجدت إسرائيل نفسها متورطة فيها, للخروج من الأزمة. وهناك احتمالان حول كيفية خروج إسرائيل من الورطة, إما بمتابعة مخططها بواسطة الاستعمال المفرط للقوة بهدف خلق واقع جديد جنوب لبنان, أو تفعيل القنوات الدبلوماسية والسعي بشكل غير مباشر لدى سوريا وإيران للدخول بالحوار حول الأزمة بغض النظر عن الأجندة الأميركية. والأرجح أن الاحتمال الثاني هو الأبعد, على الأقل ريثما تختبر أميركا آفاق الاحتمال الأول في تحقيق الغايات المرجوة, وما سيترتب عليه من خسائر, وقد كان هذا واضحاً في زيارة رايس الى المنطقة, إذ لم تحمل معها حلولاً, بل طلبات منها, حث أولمرت على الاستمرار بالحرب, ومطالبة الدول العربية بتمويل الحرب تحت ستار تعويض لبنان عما خسره من بناه التحتية, والمشاركة في منح الشرعية لحل سيطرح في روما على مقاس المشروع الأميركي ­ الإسرائيلي. وكل ذلك مؤشرات تؤكد أن الحرب الدائرة رحاها على ارض لبنان هي أول الصدامات الدموية بين مشروع الشرق الأوسط الجديد ومحور الممانعة في المنطقة, بعد تمهيد أربع سنوات مضت على احتلال العراق.

االمصدر : لكفاح العربي
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...