رسائل الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية وافتتاح حقل القتل التركي
الجمل: شهدت الساعات الأولى من فجر يوم الإثنين 31 أيار (مايو) 2010م. قيام القوات الخاصة التابعة للبحرية الإسرائيلية, بتنفيذ عمليتين عسكريتين مزدوجتين, الأولى هي اعتراض سفن قافلة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة, والثانية هي عملية القتل الانتقائي-الجماعي للناشطين الأتراك: فما هي حقيقة السيناريو وما هي أهدافه المعلنة وغير المعلنة؟ وما هي التداعيات المحتملة لذلك؟
بيئة العملية العسكرية الإسرائيلية: لماذا القوات الخاصة الإسرائيلية؟
جاءت العديد من القوافل التي حملت المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة, وكان واضحا أن إسرائيل قد رتبت الأمور بحيث يكون تعاملها مع هذه القافلة مختلفا: أطلق رموز الإسرائيليين المزيد من التصريحات التي تحمل الوعيد, إضافة إلى سعي الإعلام الإسرائيلي إلى وصف هذه القافلة الإنسانية بأنها مرتبطة بالإرهاب والحركات الإرهابية.
لم تكتف السلطات الإسرائيلية بالتصريحات والتهديدات, وإنما سعت إلى الضغط على بعض حكومات المنطقة, من أجل قطع الطريق على هذه القافلة, وعلى سبيل المثال لا الحصر, فقد دفعت الضغوط الإسرائيلية السلطات المصرية إلى الإعلان رسميا بأنها سوف لن تستقبل مطلقا هذه القافلة, إضافة إلى قيام السلطات القبرصية بعدم السماح لسفن القافلة بالمرور عبر الموانئ القبرصية, وما كان لافتا للنظر أن الوسائط الإعلامية الدولية المرتبطة بإسرائيل مثل هيئة الإذاعة البريطانية, وشبكة سي إن إن, وإن بي سي, وفوكس نيوز, وغيرها, كان أداءها الإعلامي يعكس من خلال ضعف التغطية الإعلامية, المزيد من نوايا التعتيم الإعلامي المقصود بما يوفر الغطاء لإسرائيل, وتحديدا للقوات الخاصة الإسرائيلية باقتراف جريمتها المخططة والمدبرة سلفا ضد القافلة, وضد الناشطين المدنيين الأتراك!! سعت الوسائط الإسرائيلية إلى تمهيد المسرح بشكل مسبق بما يجعله مواتيا للقوات الخاصة الإسرائيلية لكي تتقدم وتقوم بتنفيذ مهامها, وفي هذا الخصوص نشير إلى أبرز خطوات تمهيد المسرح التي قامت بها إسرائيل:
• الإعداد الميداني: نشرت البحرية الإسرائيلية عشرات الزوارق الحربية السريعة إضافة إلى بعض قطع البحرية الإسرائيلية على طول المياه المقابلة لقطاع غزة, وإضافة لذلك, فقد تم الإعلان بأن ميناء أشدود الإسرائيلي قد تم إعداده من أجل استقبال سفن القافلة الستة والتي سوف يتم إجبارها على الرسو فيه, بحيث يتسنى للإسرائيليين اعتقال الناشطين والتحقيق معهم, إضافة إلى فحص طبيعة المساعدات المحمولة في هذه السفن.
• الإعداد النفسي: سعت إسرائيل إلى القيام بعملية "تنميط" واسعة النطاق, بما تضمن الربط بين الناشطين المدنيين المشاركين في القافلة, وحركة حماس الفلسطينية, إضافة إلى وصف قدوم هذه القافلة باعتباره يشكل "انتهاكا للسيادة الإسرائيلية" إضافة إلى التعتيم على حجم المشاركة الدولية في هذه القافلة, والتي ضمت 750 ناشطا ينتمون إلى أربعين دولة.
على خلفية الإعداد الميداني والنفسي لمسرح العملية العسكرية البحرية الإسرائيلية, كان من المتوقع أن تحدث عملية اعتراض بحري عادية, يتم بموجبها إجبار سفن القافلة الستة على الذهاب باتجاه ميناء أشدود الإسرائيلي، وبدلا عن ذلك فقد حدثت المفاجأة: تقدمت القوات الخاصة الإسرائيلية, ونفذت عملية إنزال واسعة النطاق ضد السفن الستة, وتقول المعلومات بأن المروحيات الإسرائيلية قد قامت بتنفيذ عملية إنزال المئات من جنود القوات الخاصة الإسرائيلية (وتحديدا القوة 13) على سطح السفن, وبدأ فورا في إكمال المهمة الحقيقية غير المعلنة والمتمثلة في قتل أكبر عدد ممكن من الناشطين المدنيين الأتراك.
لماذا القتل الانتقامي الجماعي المنظم ضد الناشطين الأتراك؟
تشير الوقائع الجارية على خط تل أبيب-أنقرا, بأن إسرائيل ظلت أكثر وعيا وانزعاجا من التحولات الجارية في الساحة السياسية التركية, وبسبب توجهات أنقرا الرامية إلى إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية, إضافة إلى سعي أنقرا إلى القيام بالدور الرئيسي من أجل حفظ الاستقرار وأمن الشرق الأوسط, فقد رأت إسرائيل بأن صعود أنقرا كقوة إقليمية سوف لن يترتب عليه سوى الإضرار بطموحات إسرائيل الرامية إلى زعامة منطقة الشرق الأوسط, وفرض النفوذ على شعوبها ودولها..
الأداء السلوكي العسكري بواسطة القوات الخاصة الإسرائيلية الذي استهدف قتل أكبر ما يمكن من الأتراك, هو أمر يحمل بين طياته المزيد من المؤشرات والتي يمكن فك شفراتها وقراءة رسالتها على النحو الآتي:
• إذلال رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان والرئيس التركي عبد الله غول.
• إضعاف مكانة حزب العدالة والتنمية في أوساط الرأي العام التركي, باعتباره حزبا يسيطر على حكومة تركية عاجزة عن حماية المدنيين الأتراك.
• إظهار إسرائيل باعتبارها القوة القاهرة في الشرق الاوسط, والتي لا تميز بين الجميع في منطقة الشرق الأوسط, طالما أن الجيش الإسرائيلي وقواته الخاصة سوف لن يترددا في قتل كل من يقف في وجه إسرائيل رافعا راية الرفض والمقاومة للهمجية الإسرائيلية على الشرق الأوسط.
• إضعاف مكانة تركيا في أوساط الرأي العام العربي, بحيث ينشأ إدراك عربي-شرق أوسطي مفاده أن تركيا ليست جديرة بالقيام بأي دور فاعل في منطقة الشرق الأوسط.
إن قيام القوات الإسرائيلية بعمليات القرصنة واعتراض السفن والزوارق, بما في ذلك زوارق صيادي السمك الفقراء, إضافة إلى عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء, هي عمليات درجت إسرائيل على القيام بها بشكل متكرر واكتسبت فيها خبرة واسعة, ولكن ما هو جدير بالانتباه هذه المرة, هو استخدام عملية الاعتراض البحري كغطاء, من أجل تنفيذ عملية سفك دماء واسعة للناشطين الأتراك, بما معناه أن إسرائيل قد سعت من جهة إلى ردع منظمات المجتمع المدني التركية من مغبة الوقوف إلى جانب الحقوق العربية العادلة والمشروعة, ولكنها من الجهة الأخرة تورطت في توسيع نطاق حقول القتل الإسرائيلي, بما أضاف حقل القتل الفلسطيني وحقل القتل اللبناني, وحقلا جديدا هو الحقل التركي, والتحية من موقع الجمل الإلكتروني لشهداء القافلة, وناشطيها الأتراك الذين خضبت دماءهم الزكية الحمراء القانية مياه البحر الأبيض المتوسط صباح اليوم!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد