العراق 2012: سيناريو الكابوس المتوقع
الجمل: تشهد الساحة السياسية العراقية في هذه الأيام حراكاً ساخناً مصيرياً، بسبب الخلافات حول ملف انسحاب وخروج قوات الاحتلال الأمريكي بحلول نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2011م القادم، وفي هذا الخصوص تقول التقارير والتسريبات باحتمالات أن تؤدي هذه الخلافات إلى تصاعد المخاطر، المهددة لأمن واستقرار العراق ومنطقة الشرق الأوسط: فماهي حقيقة الخطر العراقي القادم. وما هي تداعيات هذا الخطر على منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سوريا في كافة الجوانب المتعلقة بملف القوات الأمريكية في العراق؟
* خروج القوات الأمريكية من العراق: الشكوك واللايقين
على أساس اعتبارات الاتفاق المسبق بين بغداد وواشنطن، فقد تحدد حلول نهاية عام 2011م الحالي كموعد لخروج القوات الأمريكية من العراق، وتم اعتماد هذا الأمر بواسطة الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي، ولكن، ومع اقتراب الموعد المحدد لخروج القوات الأمريكية برزت المواقف الآتية:
• تزايد الخلافات العراقية ـ العراقية، بحيث برزت أطراف سياسية عراقية تطالب بخروج القوات الأمريكية وفقاً للموعد المحدد، وأطراف سياسية عراقية أخرى تطالب بضرورة استمرار بقاء القوات الأمريكية.
• تزايد الخلافات الأمريكية ـ الأمريكية، بحيث برزت أطراف سياسية أمريكية تطالب بضرورة الالتزام بقرار سحب وخروج القوات الأمريكية من العراق، وأطراف سياسية أمريكية أخرى تطالب بتأجيل قرار الانسحاب.
وتأسيساً على ذلك، تقول التسريبات والمعلومات، بأن هذه الخلافات أصبحت هامشية وشديدة الهشاشة، واتضح ذلك من خلال تصريحات السفير الأمريكي الأخيرة في العراق، والتي أكد فيها صراحةً بأن كل الأطراف السياسية العراقية أصبحت تطالب ببقاء القوات الأمريكية لفترة أطول في العراق، وإضافة لذلك، برزت تسريبات سياسية عراقية، تقول بأن القوى السياسية العراقية أصبحت موافقة على بقاء القوات الأمريكية في العراق، ولكن ضمن وجهات نظر مختلفة، يتمثل أبرزها في الآتي:
• قوى سياسية عراقية تطالب بوجود عسكري أمريكي أكبر وأكثر ضخامة في العراق، وتتمثل في الحركات السياسية الكردية.
• قوى سياسية عراقية تطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي ضمن مستوياته الحالية، وتتمثل في الحركات السياسية الإسلامية السنية المرتبطة بالسعودية.
• قوى سياسية عراقية تطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي ضمن مستويات صغيرة محدودة، وتتمثل في الحركات السياسية الإسلامية الشيعية المرتبطة بإيران.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن دول الجوار الإقليمي العراقي، أصبحت جميعها أكثر اهتماماً بالنظر لوجود القوات الأمريكية في العراق، وفقاً لمصالحها، ومتطلبات حماية أمنها الإقليمي إزاء مستقبل العراق الذي بات محفوفاً بالمخاطر، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• الموقف السعودي: يؤيد بشدة بقاء القوات الأمريكية في العراق، باعتباره يمثل الضمانة الأساسية لمنع النفوذ الإيراني في العراق، إضافة إلى حماية السكان العراقيين السنة من مخاطر عمليات التطهير العرقي التي يمكن أن تحدث على يد المليشيات الشيعية.
• الموقف الإيراني: تقول بعض التسريبات بأن طهران أصبحت أكثر قبولاً لفكرة الوجود العسكري الأمريكي المحدود الصغير الحجم في العراق.
• الموقف التركي: ترغب أنقرا في بقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق ضمن حجم صغير ومحدود.
أما بالنسبة للموقف السوري، فما هو معروف أن موقف دمشق الرسمي هو مع إنهاء احتلال العراق وخروج كافة القوات الأجنبية من العراق، وبرغم عدم وجود ما ينفي هذا الموقف، فإن بعض التسريبات العراقية، أشارت إلى أن دمشق، سوف لن تتدخل لجهة فرض وجهة نظرها على العراقيين.
بالنسبة للموقف الإيراني، فإن التسريبات الأخيرة، أشارت إلى أن طهران، أصبحت أكثر اهتماماً باعتماد وجهة النظر البراجماتية إزاء ملف وجود القوات الأمريكية في العراق، وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى النقاط الآتية:
• سعت واشنطن إلى تكثيف ضغوطها لجهة منع إسرائيل من القيام بتنفيذ أي عملية عسكرية ضد إيران، على أساس اعتبارات أن الرد الإيراني الانتقامي سوف يستهدف حياة مئات آلاف الأمريكيين الموجودين في العراق، وبالتالي، ترى طهران بأن أي خروج أمريكي من العراق في هذا الوقت سوف يفسح المجال أمام تل أبيب لجهة القيام باستهداف القدرات النووية والصاروخية والاستراتيجية الإيرانية. طالما أن المبرر الأمريكي لن يكون موجوداً لجهة منع إسرائيل.
• تدرك طهران جيداً بأن خروج القوات الأمريكية من العراق، سوف يفسح المجال أمام احتمالات اندلاع الصراع الشيعي ـ السني المسلح، الأمر الذي سوف يجعل إيران مضطرة لجهة التدخل إلى جانب حلفائها الشيعة العراقيين، خاصة أن السعودية سوف تسعى إلى تحميل إيران المسؤولية عن أي صراع سني ـ شيعي عراقي، فإن الوجود المحدود للقوات الأمريكية في العراق سوف يكون عاملاً رادعاً لاحتمالات اندلاع مثل هذا الصراع، وحتى إن اندلع، فإن الذي سوف يتحمل المسؤولية سوف يكون هو واشنطن باعتبارها موجودة في المسرح العراقي.
• برغم الخصومات المتزايدة بين طهران وواشنطن، فإن الأبواب الخلفية والقنوات السرية بين الطرفين ما تزال موجودة، وهناك حد أدنى من التفاهم وتبادل وجهات النظر، وفي هذا الخصوص فإن صفقة عدم تشديد الضغوط الأمريكية ضد طهران مقابل القبول بوجود عسكري أمريكي محدود في العراق، يمكن أن يقدم الحل المرضي للطرفين.
من المتوقع أن تتضح الصورة أكثر فأكثر إزاء مدى مصداقية أو عدم مصداقية إنفاذ قرار خروج القوات الأمريكية بالكامل من العراق في نهاية هذا العام، وتقول التسريبات، بأن مواقف الكتل السياسية العراقية الرئيسية الأربعة: ائتلاف دولة القانون (المالكي) ـ الائتلاف الوطني العراقي (الجعفري) ـ القائمة العراقية (علاوي) ـ التحالف الكردستاني (البرزاني ـ الطالباني)، سوف تعكس بصورة واضحة مدى قابلية هذه القوى السياسية للانسجام مع فرضية التعايش مع استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، طوال ما كان ذبك ينسجم مع مصالحها السياسية والاقتصادية.
* العراق في عام 2012م: القراءة في سيناريو الكابوس المحتمل
تشير كل المعطيات والدلائل على أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل في ظل هذه الظروف تفادي سيناريو الكابوس العراقي المحتمل، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• في حالة بقاء القوات الأمريكية: بسبب الرفض الشيعي العراقي لاستمرار الوجود الأمريكي، فمن المتوقع أن تظهر بعض الفعاليات المسلحة الجديدة التي تسعى إلى استخدام القوة ضد وجود القوات الأمريكية، وأيضاً ضد القوى السياسية العراقية التي توافق على استمرار هذه القوات، ومن المتوقع أن يؤدي اشتعال هذا النزاع إلى عمليات استقطاب واصطفافات عراقية جديدة، تقوم على أساس المزيد من الخطوط الجديدة، والتي سوف يكون من أبرزها: الرافضون لوجود القوات الأمريكية ضد المؤيدين لوجود القوات الأمريكية سنة أو شيعة أو أكراد.. أياً كانوا.
• في حالة خروج القوات الأمريكية: بسبب الخلافات المذهبية الطائفية السنية ـ الشيعية، والخلافات الإثنية العرقية العربية ـ الكردية، فمن المتوقع أن تسعى الجماعات السنية والجماعات الكردية لجهة الوقوف في وجه أي محاولة للصعود الشيعي في العراق، الأمر الذي سوف لن يؤدي سوى إلى خطر عودة المواجهات ضمن سيناريو يتطابق في كثير من التفاصيل مع سيناريو الصراع العراقي الدامي الذي شهدته الساحة السياسية العراقية خلال عام 2006 وعام 2007م.
في كلتا الحالتين، فإن هناك احتمالات أكبر لجهة أن يأخذ أي صراع عراقي ـ عراقي طابعاً عابراً للحدود، وفي هذه الحالة، يمكن الإشارة إلى أكثر بلدان الجوار الإقليمي تعرضاً لانتقال عدوى المخاطر والتداعيات، على النحو الآتي:
• سوريا سوف تكون عرضة للتهديد لعدة أسباب، من أبرزها أن هناك أطراف دولية وإقليمية سوف تسعى لاستخدام الساحة العراقية كمنصة انطلاق لشن العمليات السرية ضد سوريا، خاصة أن هناك ظروف مواتية لذلك، من أبرزها انفتاح الحدود العراقية ـ السورية لحركة الجماعات والأفراد، إضافة إلى طول امتداد خط الحدود العراقية ـ السورية المصحوب بوجود المزيد من التقاطعات القبلية والإثنية والجماعات العابرة للحدود.
• السعودية: سوف تتأثر في حالة وجود أي صراع عراقي ـ عراقي، وذلك لعدة أسباب من أبرزها انعكاس الخلافات السنية ـ الشيعية العراقية على العلاقات السنية ـ الشيعية السعودية، وبالذات في مناطق شرق المملكة العربية السعودية، إضافة إلى إدراك العديد من الأطراف والفصائل العراقية إلى تورط الرياض في الساحة السياسية العراقية، سواء لجهة ارتباط الرياض مع واشنطن، أو لجهة ارتباط ودعم الرياض للفصائل والجماعات السنية العراقية.
الأكثر احتمالاً، وهو ما لم تتطرق إليه العديد من التحليلات السياسية يتمثل في أن الساحة السياسية العراقية سوف تظل لفترة طويلة قادمة مسرحاً لحرب مخابراتية واسعة النطاق، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• توجد معطيات واضحة تشير إلى أن صعود تحالف أطراف مثلث دمشق ـ بغداد ـ طهران. هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، الأمر الذي سوف يربط سوريا والعراق وإيران، ويجعل منهما كتلة جيو ـ سياسية إقليمية واحدة، وتبعاً لذلك، سوف لن يكون هناك أمام أنقرا سوى خيار الانضمام لهذه الكتلة.
• تسعى واشنطن من أجل منع قيام أي تكتل جيو ـ سياسي سوري ـ عراقي ـ إيراني، لأنه سوف يهدد أمن إسرائيل، ويوف يؤدي إلى إبعاد تركيا عن واشنطن، وأيضاً إلى تهديد استقرار المصالح الأمريكية في الخليج، مع احتمالات أن يتوسع هذا التكتل بما يغري الأطراف الأخرى مثل مصر إلى الانضمام إليه.
وتأسيساً على ذلك، تسعى واشنطن حالياً لجهة إقامة تحالف سعودي ـ تركي، يعمل بالتعاون مع الجماعات السياسية الإسلامية السنية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ليلعب دور الموازن للتحالف السوري ـ الإيراني، والذي يجد دعم وتعاون حزب الله الشيعي اللبناني، والعديد من فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي هذا الخصوص فإن الرهان الأمريكي الرئيسي يركز على أن بقاء القوات الأمريكية في العراق وإكمال إدماج العراق في خط علاقات أنقرا ـ الرياض، سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى إدماج السعودية والعراق وتركيا، ضمن تكتل جيو ـ سياسي موحد يقطع الطريق وربما ينهي احتمالات صعود التكتل الجيو ـ سياسي السوري ـ العراقي ـ الإيراني.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد