تصدع المعبد 2/3.. قداسة الجغرافية وسياسة الهجوم الإقليمي
بدأت قصة المملكة العربية السعودية بتركيبتها الحالية في شباط/فبرايرعام 1945 على ظهر حاملة طائرات أمريكية (يو أس أس كينسي) بعد يومين بالتحديد من مؤتمر يالطا الذي قسم النفوذ في العالم بين المنتصرين بالحرب العالمية الثانية.
حضر الرئيس الأمريكي حينها (فرانكلين روزفلت) وأجرى مباحثات لمدة يومين مع أكثر من شخصية عربية، وفي 14 شباط/فبراير استقبل روزفلت ملك سلالة أل سعود بصفته ملكا على الجزيرة العربية التي أصبح اسمها المملكة العربية السعودية، وأتى هذا اللقاء بتعهد لفظي من روزفلت هو الأهم في تاريخ الولايات المتحدة قضى بنوع من التحالف الاستعماري بين آل سعود والولايات المتحدة تؤمن بموجبه الأخيرة أمن المملكة السعودية مقابل تعهد الملك بتأمين سوق النفط الذي تحتاجه أمريكا فضلا عن التعهد بقيام دولة لليهود في أرض فلسطين..
منذ ذلك التاريخ عاش آل سعود تحت الحماية الأمريكية التي جعلت من مملكة آل سعود أساس الاستقرار في المنظومة الاستعمارية الأمريكية في مجمل العالم الإسلامي أوجد آل سعود لحكمهم غطاء دينيا وأسبغوا على جغرافيا مملكتهم لباس القداسة مطلقين عليها بلاد الله الحرام، واعتمدت العائلة مع المحيط الإقليمي القريب والبعيد سياسة هجومية بامتياز ولكن بطريقة حرة وغير مباشرة و بدأت بحرب اليمن وانتقلت إلى مواجهة إيران ومن ثم العراق وحاليا سوريا، كما أنها شكلت الغطاء الديني الإسلامي لحروب الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد السوفياتي حيث كانت أموال النفط ودعوات رجال الدين الوهابيين والمفتين وقودا لنصر الولايات المتحدة في أفغانستان على الاتحاد السوفياتي وهذا ما أدى إلى انهياره بعد سنوات قليلة من هزيمته الأفغانية.
طيلة سبعين عاما حافظت السعودية على استقرار ثابت في منطقة مضطربة مليئة بالحروب والانقلابات، خاضت كل حروبها بيد الآخرين عبر المال والفتوى الدينية بدءا من حرب اليمن مع مصر عبد الناصر مرورا بحرب العراق وإيران وحرب الكويت والاحتلال الأمريكي إلى العراق الذي شكلت السعودية منصة انطلاق لغزوه وصولا إلى حرب ليبيا والأحداث الحالية الجارية في سوريا، وتأتي حرب صعدة عام 2010 الحكم والنفوذ فيها حيث خاضت السعودية لأول مرة حربا مباشرة بجيشها وساندتها فرق كوماندوس من المغرب والأردن وسلاح الجو الإماراتي والأمريكي، وتعتبر حرب صعدة نقطة تحول تاريخية وإستراتيجية بالنسبة للمملكة وبداية الانهيار والتصدع في المعبد الذي البس هالة القداسة ودافعت عنه جحافل الآخرين إلا في صعدة التي اضطر فيها للقتال بلحمه الحي مباشرة. هذا التحول الجذري جعل العائلة المالكة تمارس سياسة هجومية عدوانية على الإقليم بطريقة علنية بعيدة عن التخفي والحذر وأصبحت مع الربيع العربي سياسة هروب إلى الأمام مع الاحتلال العسكري للبحرين والتدخل المباشر والقوي في سوريا.
واتت هذه الأحداث مع ترسخ قاعدة سياسة جديدة في الغرب تراجعت فيها أهمية العائلة السعودية المالكة في الولايات المتحدة الأمريكية رغم عدم توفر البديل حاليا الذي يحافظ على تدفق النفط وسببت أحداث 11 أيلول/سبتمبر نقلة نوعية في مفهوم التمسك بالحكم السعودي الذي اتبعته الولايات المتحدة والغرب منذ العام 1945 وخرج الكلام عن احتمالات التغيير وضرورته خرج عن دائرة المحظور وهذا بحد ذاته يثير الرعب في أوساط العائلة المالكة .
اختلفت النظرة الأمريكية للعائلة السعودية المالكة وتشهد العلاقات بين الطرفين ضبابية وعدم وضوح فالولايات المتحدة ترى السعودية ترفع مستوى تعاملها التجاري مع الصين بعين الريبة وتعتبر هذا إخلال باتفاق (روزفلت ، عبد العزيز).
واشنطن تظهر تراجع اهتمامها بوجود آل سعود في الحكم عبر تعظيم دور قطر العربي والدولي، وهذا الدور القطري يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسانده لأحداث تقسيم في المملكة العربية السعودية بما أن مناطق النفط سوف تبقى تحت سيطرة أمريكا بطريقة أو بأخرى، لكن هذا الوضع الأمريكي يصطدم بالمصلحة الإسرائيلية التي ترى في بقاء آل سعود حبل النجاة الوحيد لإسرائيل في إعصار الربيع العربي حسب تقرير صدر عن جامعة تل أبيب في بداية شهر تموز/يوليو 2012 ويعتبر التقرير السعودية أمل إسرائيل الأخير ضد ما تسميه إسرائيل التوسع الإيراني وفي الحفاظ على وضع في الشرق الأوسط يميل لمصلحة إسرائيل.
وتواجه السعودية حاليا ظروفا تحمل الكثير من المفارقات والتناقضات التي تشهد على ضعف البيت الداخلي السعودي عائليا واجتماعيا وعدم استقرار وتوازن المجتمع الذي يسير في خط تصاعدي نحو تفتيت هذا البلد الذي بنته الولايات المتحدة عامل ثبات واستقرار في النظام الإقليمي كله ولا شك أن تزعزع هذا النظام الإقليمي سوف يتبعه زلزالا دراماتيكيا في السعودية. التي يعتبر نظامها مجموعة تراكمات مصالح وضغوط تظهر في الأزمات.
فالسعودية من ناحية تجد نفسها في موقع هجومي ومدمر بشكل واضح كما تفعل حاليا في سوريا في نفس الوقت تجد نفسها عرضة لتكون أولى ضحايا السلاح الذي تستعمله في تسعير النار الطائفية في المنطقة في مواجهة إيران وعبر التدخل في الأحداث السورية وهنا نستحضر كلام ديك تشيني لبندر بن سلطان بن عبد العزيز الذي طالب الولايات المتحدة بالعمل على إعطاء السنة في العراق نسبة أكبر في الحكم تتناسب مع حجمهم فأجابه تشيني وهل هذا الكلام ينطبق على حجم الشيعة في الخبر وتمثيلهم في الحكم؟.
ومن المفارقات أن هذا الهجوم غير المسبوق في التدخل في سوريا وفي احتلال البحرين يتناقض مع الوضع الداخلي للسعودية الذي يشهد اضطرابات على خلفية الفساد الكبير المستشري في أوساط العائلة الحاكمة التي تستفيد من النسب الأكبر من الثروة، وعلى خلفية انتفاء وجود الحريات بأدنى معاييرها كما أن هذا الهجوم العلني في الإقليم يتناقض مع السياسة التي اتبعتها العائلة السعودية الحاكمة في ممارسة نفوذ أقليمي ودولي ولكن بشكل مخفي ومستور وعماد هذه السياسة شراء ذمم الناس والشركات العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كما حصل في صفقة الطائرات البريطانية والتي عرفت بصفقة اليمامة التي أغرقت كل المؤسسة البريطانية من شركات النفط إلى شركات السلاح مرورا بشخصيات بريطانية وعربية في عمليات رشاوى بأرقام خيالية، ومثال هذه الصفقة عشرات الصفقات المالية والتجارية أمنت للعائلة حكما مستقرا رغم السياسات الداخلية القمعية والتخلف والاضطهاد الذي تعاني منه شرائح المجتمع المتعددة خصوصا المرأة، ورغم عداء المحيط العربي والإسلامي للعائلة الحاكمة وتبعيتها الكاملة للسياسة الأمريكية، لكن الأحداث العربية والإقليمية تقترب بسرعة نحو السعودية الهدف الكبير والنهائي في كل هذه التحولات الجارية.
نضال حمادة
المصدر: المنار
إضافة تعليق جديد