أوباما يريد لحربه تفويضاً زمنياً مفتوحاً وكيري خائف على أمن إسرائيل
هدفان تركزت عليهما ساعات المرافعة التي قام بها جون كيري وتشاك هايغل والجنرال مارتن ديمبسي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي: التملص من مشهد تكرار الجريمة السابقة العراقية أولاً، وإقناع الأميركيين بجدوى الحرب على سوريا ثانيا.
شاهد ملايين العرب وغيرهم حول العالم كيف تطبخ مفردات الحرب على بلد عربي يشهد شلال دم منذ اكثر من عامين. كل المفردات استخدمت لتبرير الهدف امام اعضاء اللجنة الاميركية. الرئيس الاميركي باراك اوباما الذاهب غدا الى روسيا، اعلن صراحة انه يريد تصويتا سريعا من جانب الكونغرس على قرار يفوضه توجيه «ضربات محدودة ومتناسبة» ضد سوريا.
سيقت كل الاتهامات التي يمكن استخدامها: حماية الامن القومي من التهديد الكيميائي، شل قدرات الرئيس السوري بشار الاسد على شن هجمات جديدة، تغيير حسابات الاسد، وفي الوقت ذاته منع زيادة خطر المتطرفين في سوريا، التحدث بصوت واحد امام العالم، حماية الحلفاء اسرائيل وتركيا والاردن من خطر الحرب الاهلية السورية...
وهكذا استمرت الجلسة لساعات ما بعد منتصف الليل، قبل انتقالها لاحقا الى جلسات سرية، اختار وزير الخارجية الاميركية جون كيري الا يتحدث سوى خلالها، بعيدا عن الاعلام والجمهور والتلفزيونات، عن ايران و«حزب الله» وهما الطرفان اللذان وصفهما في الجلسة العلنية، بانها اكبر حلفاء دمشق، وان «اسرائيل ستكون اقل امنا» ما لم تتدخل الولايات المتحدة عسكريا ضد سوريا. وقال كيري ان «ايران تأمل بان تشيحوا النظر عما يحدث. ان عدم تحركنا سيعطيها بالتأكيد امكان ان تخطئ في نياتنا في احسن الاحوال، او حتى ان تختبر هذه النيات».
حضور اسرائيل بوضوح في شهادة كيري لم يكن مفاجئا لأي متتبع للسياسة الاميركية ازاء «الحليف الاول»، بقدر مجموعة اخرى من الملاحظات التي برزت خلال شهادات كيري وهايغل وديمبسي، والتي من بينها تكرار الاشارة الى ان الولايات المتحدة تحظى بتأييد حلفاء عرب واقليميين ودوليين لحربها المحتملة ضد سوريا، من بينهم السعودية والامارات وتركيا وفرنسا.
كما كان من الملاحظ ان الرجال الثلاثة الذين تولوا مهمة الهجوم الرئيسي الاول للادارة الاميركية لاقناع النواب والرأي العام الاميركي بخيار الحرب، تجنبوا الاجابة صراحة، وخصوصا كيري، عما اذا كان اوباما سيلجأ الى الكونغرس في التاسع من ايلول الحالي، كاجراء شكلي فقط، ام انه سيلتزم بما سيصدر عن النواب الاميركيين في حال رفضوا تفويضه، وهو احتمال مستبعد على ما يبدو.
وبرغم الملاحظات الكثيرة وبعض الاسئلة القاسية التي واجهها كيري، بالاضافة الى هايغل وديمبسي، حرصوا مرارا على التأكيد ان الهدف كما هو معلن منذ ايام، شن «ضربات محدودة».
الا ان كيري حث الكونغرس على عدم ربط العملية «بلحظة زمنية واحدة»، معتبرا أن هناك خيارات لاحقة تملكها القوات الأميركية للهجوم إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية في المستقبل. وقال «اذا كان غبيا للقيام بهذا الامر مجددا فان لدى الجنرال (ديمبسي) امكانات للقيام بهذا مجددا». وتابع «من المهم بالنسبة الى الاسد ان يعرف انكم لم تقيدوا (التفويض) بحالة واحدة معينة باستخدام الاسلحة الكيميائية. يمكنكم تقييد القرار، ولكن بالنسبة الى الاسلحة الكيميائية، فانه سيكون خطأ كبيرا تجريد الجنرال ديمبسي ومؤسسته من الخيارات لتنفيذ ما نحاول الوصول اليه بالقوة».
وبعدما حدد اوباما في وقت سابق من اليوم، مصطلح «المحدودة والمتناسبة» الفضفاض لوصف هجماته المحتملة ضد سوريا، قدم كيري من جهته مقاربة لا تقل خطورة عندما قال انه قد يكون «من المستحسن عدم استبعاد خيار وجود قوات على الارض»، وهو ما يخالف ما رددته الادارة الاميركية في الايام الاخيرة، بأن الذهاب الى هذه الحرب لن يكون مشابها لما جرى في العراق وافغانستان، بوجود قوات اميركية على الارض السورية.
كما اضاف كيري وهايغل هدفا آخر للحرب الاميركية المحتملة على سوريا. وبالاضافة الى الحديث عن «شل قدرات الاسد» و«تغيير حسابات الاسد»، فان وزير الخارجية الاميركي قال بوضوح ان الاسد «لا يمكن ان يكون جزءا من أي تسوية في المستقبل» بشأن سوريا، مستبقا بذلك تفاهمات جنيف مع الروس الذين سيكون الرئيس الاميركي بضيافتهم غدا في قمة مجموعة الدول العشرين.
وشدد كيري وهايغل على أن الهدف من التحرك هو «تقويض قدرة الأسد على شن هجمات كيميائية جديدة، وردع الطغاة والمجموعات الإرهابية» عن استخدام أسلحة الدمار الشامل.
وقال كيري «ليس الآن وقت الانزواء في مقعد، ولا وقت اتخاذ موقف المتفرج على مجزرة»، مضيفاً «لا بلدنا ولا ضميرنا يسمحان لنا بأن ندفع ثمن السكوت».
وأضاف أن «وكالات الاستخبارات الأميركية أجمعت على أن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية في ريف دمشق في 21 آب الماضي، وأن الإدارة واثقة بذلك، والإدارة واثقة بالأدلة هذه المرة، هي تختلف اختلافاً كلياً عن الأدلة الخاطئة والمعيبة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق في العام 2003».
واعتبر كيري أن عدم تصرف الولايات المتحدة سيشجع على «استخدام السلاح الكيميائي مجدداً، سواء من قبل النظام السوري أو حليفيه إيران وحزب الله، أو حتى كوريا الشمالية»، موضحاً أن «التفويض الذي تطلبه الإدارة الأميركية سيكون لشن عملية عسكرية محددة الأهداف، ومحدودة زمناً ونطاقاً، ولن تشمل أي بلد غير سوريا، وأهدافها ستنحصر في عقاب الأسد، ولن تشمل نشر جنود في سوريا، إلا إذا حصل انهيار كامل هناك، ووقع مخزون الأسلحة الكيميائية في يد جبهة النصرة أو مثيلاتها».
وأضاف أن «مقاتلي حزب الله الذين يقاتلون إلى جانب قوات الأسد، يأملون بأن يفوز الانزواء الأميركي في الكونغرس، في حين أن كوريا الشمالية تعول على ازدواجية الولايات المتحدة»، محذراً من أن أعداء الولايات المتحدة «يسمعون صمتنا».
ورفض وزير الخارجية الأميركي أن ينص التفويض الذي تطلبه الإدارة على عدم نشر قوات على الأرض، قائلاً «لن نسحب خياراً أساسياً عن الطاولة». وأضاف «لا نستبعد دخول قوات برية لتأمين الترسانة الكيميائية السورية».
وعن رد فعل محتمل من الرئيس السوري على العملية العسكرية الأميركية، علق كيري قائلاً إنه «إذا كان الأسد غبياً كفاية ليتجاهل الآثار المترتبة على قراراته، فلدينا من الطرق ما سيدفعه إلى الندم، من دون أن نذهب إلى حرب»، لافتاً إلى أنه «لا يمكن أن يكون الأسد جزءاً من أي تسوية في المستقبل».
وأوضح أنه «إذا لم نتصرف، فمصداقيتنا ستتقوض أمام حلفائنا، وسيرى البعض أننا غير قادرين على الالتزام بوعودنا»، مضيفاً أن «مصالحنا قد تتأثر بشكل كامل إذا لم يتم إقرار العمل العسكري».
وتحدث هايغل عن خطورة «عدم التحرك»، معتبراً أنه يعرض «أصدقاء أميركا» والتزاماتها الدولية للخطر. وأضاف أن «عدم التحرك تصدياً لاستخدام سوريا لأسلحة كيميائية سيضر بمصداقية تعهد أميركا بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي».
وأشار وزير الدفاع الأميركي إلى أن «دولاً إقليمية وغربية، أعربت عن دعم موقفنا، كالسعودية والإمارات وتركيا».
أما رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، فشدد بدوره، على أن القوات الأميركية «وضعت أهدافاً عسكرية بناء على غايات العملية»، وأنها جاهزة للقيام بها. وأضاف «لم أكلف بتغيير اتجاه الحرب الأهلية السورية، وإنما بإيجاد خيارات لتقليص القدرات العسكرية للرئيس بشار الأسد».
وأتى ديمبسي على ذكر روسيا، قائلاً إن «توجيه ضربة أميركية لسوريا قد يجعل روسيا تزيد مساعداتها العسكرية للأسد»، مشيراً إلى أن «هناك مؤشرات على أن الروس أكدوا لسوريا، إذا دمرت أميركا شيئاً فإنهم سيقومون بإصلاحه».
وفي وقت سابق أمس، قال أوباما إنه واثق بأن الكونغرس سيوافق على تحرك عسكري أميركي في سوريا، وإن الولايات المتحدة لديها خطة أوسع لمساعدة مسلحي المعارضة على «الانتصار» على الجيش السوري.
وأثناء اجتماع مع زعماء في الكونغرس داخل البيت الأبيض، دعا أوباما إلى تصويت برلماني عاجل، مؤكداً أن خطة الولايات المتحدة ستكون محدودة النطاق ولن تكرر حروب أميركا الطويلة كما حصل في العراق وأفغانستان.
وقال إن «ما نتصوره شيء محدود. إنه شيء متناسب، وسيحد من قدرات الأسد»، مضيفاً أنه «في نفس الوقت لدينا استراتيجية أوسع ستسمح لنا برفع قدرات المعارضة».
وتابع أوباما «لم أكن لأذهب إلى الكونغرس لو لم أكن جاداً إزاء المشاورات، وأؤمن بأن إعطاء التصريح على نحو يضمن إنجاز المهمة سيكسبنا قدراً أكبر من الفعالية». وسُئل إن كان واثقاً بأن الكونغرس سيؤيد توجيه ضربة إلى سوريا، فأجاب «نعم».
وفي تكرار لما ردده مسؤولون في الإدارة الأميركية للترويج لفكرة توجيه ضربة، قال أوباما إن «عدم محاسبة الأسد، سيبعث برسالة إلى خصوم واشنطن مفادها أن المعايير الدولية الخاصة بمسائل مثل عدم الانتشار النووي ليس لها معنى».
وأضاف «سنطلب عقد جلسات وإجراء تصويت عاجل. أقدر بشدة أن كل الموجودين هنا بدأوا بالفعل وضع جداول لعقد جلسات، ويعتزمون إجراء تصويت بمجرد عودة الكونغرس بكامل أعضائه إلى الانعقاد الأسبوع المقبل».
وحضر الاجتماع رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري جون بينر، وزعيمة الديموقراطيين في المجلس نانسي بيلوسي، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، ورؤساء لجان الكونغرس المعنية بالأمن القومي والقوات المسلحة.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد