أزمة زمبابوي: الفجوة بين الحقيقة والوهم وتأثير العامل الإسرائيلي

03-07-2008

أزمة زمبابوي: الفجوة بين الحقيقة والوهم وتأثير العامل الإسرائيلي

الجمل: شاهد الناس في سائر أنحاء العالم صعود الأزمة الكينية وتداعياتها ويشاهد الناس حالياً صعود أزمة زمبابوي وتداعياتها، وإذا تجاوزنا مجرد الاكتفاء بمشاهد الأخبار والتقارير وتوجهنا نحو التحليل فإنه تبدو لنا بعض الجوانب والأبعاد المثيرة للجدل، فمن يصدق أن "الأزمة الكينية" كانت تتم متابعتها بشكل دقيق لجهة المماثلة والمحاكاة (الأنالوجيا) بينها بين الأزمة اللبنانية، ومن يصدق أن أزمة زمبابوي الحالية تمثل في ظاهرها صراعاً سياسياً بين قوى الحكم وقوى المعارضة، ولكنها في باطنها تمثل لجهة الأنالوجيا والمحاكاة سيناريو يخضع حالياً للاختيار والفحص والتدقيق تمهيداً لاستخدامه ضد الدول المارقة كسوريا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والسودان.
* حقيقة الأزمة في زمبابوي: الفجوة بين الوهم المعلن والحقيقة غير المعلنة:
بدأت تظهر أزمة زمبابوي على سطح الأحداث عندما أعلن الرئيس روبرت موغابي حملة إصلاح الأراضي التي هدفت إلى معالجة الاختلالات التي خلفها نظام المستوطنين البيض العنصري الذي انتزع الأراضي الزراعية من السكان المحليين وحول ملكيتها للمستوطنين البيض، وقد أدى ذلك إلى مفارقة كبيرة تمثلت في الآتي:
• يمثل عدد المستوطنين البيض 1% من إجمالي عدد سكان زمبابوي البالغ 13.4 مليون نسمة.
• يملك البيض 75% من الأراضي الزراعية بينما يملك بقية السكان 25% منها.
• أراضي المستوطنين هي الأراضي الزراعية الخصبة أما أراضي بقية السكان فهي الأراضي الجافة الجدباء وشبه الصحراوية الغير قابلة للزراعة.
لم يلجأ موغابي لتطبيق قانون إصلاح الأراضي في أول الأمر، ولكن بسبب معاناة السكان الأصليين وتزايد السخط الشعبي بادر إلى تطبيق القانون خاصةً وأن ملكية المستوطنين للأراضي أدت إلى سيطرتهم على الاقتصاد لأن زمبابوي بلد يعتمد بالأساس على الزراعة ومن يسيطر عليها يسيطر على الاقتصاد.
خلال فترة ما قبل استقلال زمبابوي ظلت السوق الأوروبية المشتركة والمجموعة الأوروبية تعطي المزايا والاستثناءات للمستوطنين المسيطرين على الزراعة بإمداد دول الاتحاد الأوروبي في تعاقدات طويلة الأجل مع المستوطنين البيض. ومع قيام موغابي بتطبيق قانون الإصلاح بدأت العديد من الدول الأوروبية والغربية وعلى وجه الخصوص بريطانيا بصب جام غضبها عليه.
* الاتحاد الأوروبي والصراع مع موغابي:
بعد تزايد الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي والرئيس موغابي الذي رفض التراجع عن قرارات الإصلاح سارعت المفوضية الأوروبية إلى إدراج اسم زمبابوي ضمن قائمة البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان، ومن ثم أخذت الحملة طابعاً دولياً تجاوز حدود القارة الأوروبية عابراً الأطلنطي إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعد ذلك تم نقل ملف زمبابوي إلى مرحلة العقوبات.
• أوقفت دول الاتحاد الأوروبي وارداتها القادمة من زمبابوي.
• أوقفت أمريكا وكندا وارداتها من زمبابوي.
لم تكتف دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وكندا بالمقاطعة الاقتصادية وانتقلت إلى خطوة جديدة تضمنت الدفع باتجاه فرض العقوبات الزاحفة ضد زمبابوي:
• أوقف البنك الدولي تعاملاته مع زمبابوي.
• أوقف صندوق النقد الدولي تعاملاته مع زمبابوي.
• أوقفت منظمة التجارة العالمية تعاملاتها مع زمبابوي.
• أوقفت البنوك والمؤسسات المصرفية العالمية تعاملاتها مع زمبابوي.
* ردود الأفعال داخل زمبابوي والتصعيدات الغربية:
كان طبيعياً أن يتأثر اقتصاد زمبابوي الهش الذي يعتمد على الزراعة والصادرات الزراعية ومن أبرز ما أدت إليه الضغوط الغربية:
• ركود قطاع الصادرات الزراعية.
• حرمان الاقتصاد من تدفقات النقد الأجنبي بما أدى إلى عدم قدرة زمبابوي على استيراد حاجاتها من الخارج.
• ارتفاع معدلات التضخم إلى ما يطلق عليه الاقتصاديون اسم "التضخم الجامح".
• ارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق.
• انخفاض القدرة الشرائية بقدر كبير من جراء تدهور قيمة العملة الوطنية.
• تفشي الفساد والجرائم.
وعلى خلفية هذه التداعيات لجأت حكومة موغابي إلى استخدام أجهزة الأمن والشرطة والجيش للسيطرة على الأوضاع المنفلتة.
* ردود الأفعال الإقليمية والدولية:
استطاعت بلدان الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية والحكومة الكندية والأمريكية النجاح في بناء تحالف دولي محكم ضد نظام موغابي، وإضافةً للحملة الدولية التي نجح هذا التحالف في شنها، فقد استطاع هذا التحالف بناء تحالف إفريقي يتكون من البلدان الإفريقية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي وأمريكا، وهي كينيا، أوغندا، رواندا، ملاوي، زامبيا، نيجيريا، مصر، المغرب، أثيوبيا، تشاد، إضافةً إلى جنوب إفريقيا التي ما تزال مترددة بعض الشيء.
* الصراع داخل زمبابوي: العامل الإسرائيلي:
قد يندهش الكثيرون من جراء ظهور تأثير هذا العامل في الصراع في زمبابوي ولكن كما يقال "إذا عرف السبب بطل العجب":
• المستوطنون البيض الذين هاجروا من أوروبا والموجودون خلال فترة النظام العنصري والذين ما زال جزء كبير من أسلافهم موجودين حالياً هم من اليهود الغربيين.
• تقول الموسوعة اليهودية بأن يهود زمبابوي هم من اليهود الأشكينازي الغربيين.
• يطلق سكان زمبابوي على يهود البلد تسمية "اليهود الشعيانية".
• تعتبر مزارع يهود الشعيانية الأشكينازي البيض من أكبر مصادر التبغ في العالم، وتقول الموسوعة اليهودية بأن اليهود هناك ظلوا يسيطرون على مزارع التبغ وصادراتها إلى أوروبا وأمريكا أكثر من 100 عام.
• في عام 1898م –قبل أكثر من 100 عام- أنشأ يهود الشعيانية المنظمة الصهيونية الإفريقية التي كانت أول منظمة صهيونية إفريقية ترتبط بالحركة الصهيونية العالمية.
• توجد الكثير من المعابد اليهودية في زمبابوي التي يرتادها بشكل أساسي على مدى 100 عام يهود الشعياني الذين يشكلون نسبة عالية من المستوطنين البيض.
• ظلت الشركات والمنشآت الأوروبية الغربية والأمريكية والكندية تعتمد وتعطي الأولوية لشراء احتياجاتها من التبغ واللحوم والسلع الزراعية من الشركات والمزارع التي يملكها بشكل أساسي يهود الشعيانية.
تقول المعلومات بأن مصادرة موغابي لمزارع التبغ قد وجهت ضربة قاسية ليهود الشعيانية لأنها:
• أنهت الاحتكار اليهودي لإنتاج وتصدير التبغ.
• قطعت إمدادات التبغ عن شركات الدخان والتوباكو العالمية وبالذات شركة مارلبورو الأمريكية وغيرها من شركات التبغ الفرنسية والبريطانية والأوروبية التي يملك اليهود جزءاً كبيراً من رأسمالها.
وتشير التحليلات إلى أن منظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وجمعيات ومنظمات اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا ومنظمة الإكليف اليهودية الفرنسية وغيرها قد لعبت دوراً كبيراً في تصعيد الحملة السياسية ضد نظام موغابي.
* إلى أين تمضي الحملة ضد موغابي:
تتزعم منظمة الدفاع عن الديمقراطية الموجودة في أمريكا الحملة السياسية والإعلامية ضد موغابي، وهي نفس المنظمة التي سبق أن أشرفت على إدارة ملف الثورات الملونة في منطقة القوقاز والقفقاس وآسيا الوسطى وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إضافةً إلى أنه نفس المنظمة التي تتولى دعم قوى 14 آذار في لبنان وما يعرف بمنظمات المجتمع المدني في البلدان العربية.
من أبرز خبراء منظمة الدفاع عن الديمقراطية نجد اللبناني وليد فارس والمصري أباظة إضافةً إلى اليهودية الأمريكية باولا دوبريانيسكي التي أطلقت على المظاهرات التي أعقبت اغتيال الحريري تسمية "ثورة الأرز" وإضافةً لذلك تجدر الإشارة إلى أن السياسي اللبناني نجاح واكيم سبق أن تحدث إلى قناة الجديد اللبنانية قائلاً بأن نفس مجموعة خبراء منظمة الدفاع عن الديمقراطية الذين أشرفوا على إدارة ملف الثورة البرتقالية في أوكرانيا كانوا موجودين في أحد البنايات التابعة للحريري في لبنان، خلال فترة المظاهرات التي أعقبت اغتيال الحريري.
المواجهة السياسية تدور حالياً بين الرئيس موغابي (زعيم تحالف الاتحاد الوطني الإفريقي الزمبابوي – الجبهة الوطنية) وزعيم المعارضة المدعوم بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مورغان تشفانفيدي وقد تم إجراء جولة انتخابية رفضت المعارضة الاعتراف بها ثم أعيدت الانتخابات مرة أخرى وأعلن فيها فوز موغابي ولكن المعارضة رفضتها، وحالياً تضغط الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي من أجل ليس إعادة الانتخابات وإنما من أجل حظر الزعيم موغابي من العمل السياسي. هذا، وقد سارع حلفاء أمريكا الأفاقة بقيادة كينيا إلى مطالبة الرئيس موغابي الاستقالة وإفساح المجال أمام الأطراف السياسية الأخرى لتخوض المنافسة. وقد ركزت الحملة الإعلامية الأمريكية – الأوروبية الغربية على ربط أزمة زمبابوي الاقتصادية والسياسية بشخص الرئيس موغابي وظهرت الكثير من التحليلات الأمريكية والغربية القائلة بأن رحيل موغابي عن السلطة هو السبيل الوحيد لحل أزمة زمبابوي.
* أزمة زمبابوي و"أنالوجيا" المماثلة السياسية:
تشير بعض التسريبات والتحليلات الأمريكية إلى أن أزمة زمبابوي سيتم الاستناد عليها باعتبارها تمثل المجال الخصب الذي يمكن أن تستفيد منه مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية في فهم نموذج عملية تغيير النظام بالوسائل غير العسكرية. وبكلمات أخرى، فإن نموذج تغيير النظام في زمبابوي سيكون بمثابة المرشد النظري لخبراء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومراكز الدراسات الأخرى، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تصميم وإعداد النماذج التي يمكن استخدامها في عملية استهداف إيران وسوريا وفنزويلا والسودان وكوريا الشمالية وغيرها من الدول المغضوب عليها أمريكياً وإسرائيلياً.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...