الأكثرية تسيس اغتيال الجميل وعون يحذر من فتنة مسيحية

22-11-2006

الأكثرية تسيس اغتيال الجميل وعون يحذر من فتنة مسيحية

عشية عيد الاستقلال اللبناني، عاد مشهد الحقد الاسود الى شوارع بيروت، لكنه انتقل هذه المرة، الى اسلوب غير مألوف، يتمثل بالقتل المباشر بالرصاص الأخرس وفي وضح النهار، في عملية اغتيال سياسي، جاء توعناصر من الأجهزة الأمنية يتفحصون سيارة الجميل بعد الاعتداءقيتها في خضم تأزم داخلي، ذهب ضحيتها الوزير والنائب والقيادي في قوى الرابع عشر من آذار الشهيد بيار امين الجميل (34 عاما) ومرافقه سمير الشرتوني.
وفي الوقت نفسه، نجا لبنان من مشروع فتنة داخلية، خاصة ان جريمة اغتيال الجميل جاءت خارج السياق الداخلي الانقسامي، بدليل اجماع اللبنانيين، في السلطة والمعارضة، على ادانة القتلة ودعوة السلطة والاجهزة الامنية الى كشف الجناة ومعاقبتهم.
وإذا كانت ردة فعل بعض الكتائبيين والمناصرين، الذين سيحتفلون هذا الشهر بالعيد السبعين لحزبهم، جاءت محملة بالانفعالات العاطفية، فإن ردة فعل والد الشهيد وأحد اقطاب 14 آذار، الرئيس امين الجميل، جاءت كبيرة ومتعالية على الجراح، ومحذرة من الاساءة الى القضية التي آمن بها نجله، حيث دعا الى عدم التصرف بغرائزية وان تكون ليلة استشهاده ليلة صلاة وتفكير بكيفية حماية لبنان.
وقد ألقت جريمة اغتيال الوزير الجميل بثقلها على الواقع السياسي الداخلي، تجميدا للوساطات التي كانت بلغت حد تحقيق خرق معين، في موضوع حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك فرضت تأجيلا موقتا لخيار المعارضة اللجوء الى الشارع، فيما قررت قوى الرابع عشر من آذار، تحويل مأتم الجميل، عند الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم غد الخميس في كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، الى تظاهرة سياسية للاكثرية ضد المجرمين ومن يغطيهم سياسيا على حد تعبير احد اقطاب الاكثرية.
وعلى جاري عادة بعض اقطاب الاكثرية، فإن اصابع الاتهام، توجهت الى جهة حصرية وحيدة، هي سوريا، فيما كانت بعض القوى السياسية الاخرى، تدعو الى عدم اقحام الجريمة النكراء في بازار الاتهامات العشوائية والاستثمار الداخلي. وصدرت في الوقت نفسه استنكارات لبنانية وعربية وعالمية للجريمة ابرزها الموقف الصادر عن مجلس الامن الدولي والرئيسين الاميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك والامين العام للامم المتحدة كوفي انان.
كذلك خيّم هذا الحدث السياسي الامني، على مناقشات مجلس الامن الدولي، ليل امس، حول نظام المحكمة الدولية، فانبرى المندوب الاميركي جون بولتون، مرددا ان جريمة اغتيال الجميل تكشف لماذا نحن بحاجة الى اقامة المحكمة بأسرع وقت ممكن ولماذا يجب ان تتمتع بالمرونة التي تتيح لها ايضا محاكمة مرتكبي عمليات الاغتيال السياسية الاخرى.
وفي التفاصيل التي اوردتها مصادر امنية وعسكرية أنّه قرابة الساعة الثالثة والنصف، من بعد ظهر أمس، وبعيد لحظات من خروج الوزير بيار الجميل من منزل حنا داغر في محلة الجديدة مقدماً التعازي لأفراد الأسرة بوفاة معيلهم، وما إنْ مشى بسيارته وهي من نوع كيا رصاصية اللون، طاردته سيارة جيب هوندا سوداء اللون، تحمل لوحة مزوّرة وتقصّدت تجاوزه قبل ان تتوقف امامه فجأة، فتصطدم سيارة الجميل بالهوندا، حيث تعطلت على الفور، ونزل مسلح من السيارة الامامية وبيده رشاش مجهز بكاتم للصوت من عيار 9 ملم وأمطر الجميل ومرافقه الشرتوني بأربع وعشرين رصاصة، ثمّ عاد إلى سيّارته حيث كان في انتظاره السائق وشخص آخر، ليتواروا عن الأنظار بهدوء، إلى جهة غير محدّدة بينما قتل الجميل ومرافقه مباشرة، وأصيب عنصر جهاز أمن الدولة مارون ساسين في المقعد الخلفي بحالة صدمة.
ورجّحت مصادر أمنية، أن يكون اكتشاف هذه الجريمة أهون من سابقاتها لأسباب عدة أوّلها أنّ الجاني كان ظاهراً للعيان وليس مختبئاً، وثانيها أنّه حضر بسيارته وإن كانت مسروقة، أو تمّ التلاعب بشكلها وأرقامها، وثالثها أنّها وقعت في وضح النهار، وفي مكان ومناسبة محددين، ورابعها أنّ الرصاصات انهمرت، بطريقة احترافية بالغة الدقة، على الجميل الذي كان وراء مقود السيارة.
وحصل استنفار قضائي وامني وتم استجواب عدد غير محدد من الشهود بينهم المرافق ساسين وشخص كان يمر قرب السيارة واصيب بالرصاص مباشرة وما زال قيد العلاج، فيما قام عناصر فرع المعلومات في قوى الامن بعملية فحص السيارة ورفع عينات منها وجمع فراغات الرصاصات عن الطريق العام والشظايا من داخل السيارة.
ومن المقرّر أن تقوم الأجهزة الأمنية المعنية بدرس المنطقة التي وقعت فيها الجريمة ورسم خريطة لها، والتحقّق من السيارة المشتبه فيها على الرغم من وضع لوحة مزوّرة عليها للتمويه. وعقد اجتماع قضائي مساء امس في مكتب المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا في وزارة العدل خصص لدرس التفاصيل والمعطيات التي زوّدتهم بها الأجهزة الأمنية.
وفور شيوع خبر الجريمة، تدافعت حشود كتائبية ومتنية الى مستشفى مار يوسف في الدورة، واطلق بعض الحاضرين هتافات ضد شخصيات المعارضة، وخاصة العماد ميشال عون، فيما كان مناصرون للراحل ينزعون صور عون او يحرقونها في ساحة ساسين في الاشرفية او يقومون بقطع الطريق بالاطارات المشتعلة امام بيت الكتائب المركزي في الصيفي وفي مناطق اخرى ابرزها الكحالة في الجبل وزحلة في البقاع وبلدة بكفيا في المتن الشمالي.
ونفذ الجيش اللبناني بالتنسيق مع قوى الامن الداخلي، سلسة اجراءات امنية مشددة في العاصمة والمناطق، وخاصة في بعض النقاط الحساسة، فيما انعقد اجتماع وزاري موسع في السراي الكبيرة، وجّه خلاله رئيس الحكومة فؤاد السنيورة نداء الى اللبنانيين قال فيه: ان القتل لن يرهبنا والحكومة مستمرة في تحمل مسؤولياتها، داعيا اللبنانيين للتنبه الى ما يخطط لهم من فتن لضرب الوحدة الوطنية اللبنانية واعاقة مسيرة الدولة. وقال ان هذا الاعتداء يجعلنا اكثر التزاما بالمحكمة الدولية. وأعلنت رئاسة الحكومة الحداد لمدة ثلاثة ايام بدءا من اليوم وحتى الجمعة، فيما أُلغيت احتفالات الاستقلال في القصر الجمهوري وفي الفياضية.
وتلقى السنيورة اتصالات مستنكرة وشاجبة ابرزها من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي ابلغه استنكاره لما جرى وبمصادقة مجلس الامن على مسودة النظام الاساسي للمحكمة وعلى الاتفاق بين لبنان والامم المتحدة بخصوص المحكمة وأبلغه دعمه للحكومة.
وتلقى السنيورة اتصالات تعزية وتضامن ابرزها من وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس الحكومة الايطالية رومانو برودي، الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، مفوض الامن والشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا.
وأدان البطريرك الماروني نصر الله صفير الجريمة ودعا الجميع الى ضبط النفس، والامتناع عن كل ما يؤجج مشاعر الحقد ويغذي نار الفتنة التي لا يرغب فيها إلا أعداء لبنان.
وعقدت قوى الرابع عشر من آذار اجتماعا مشتركا مع المكتب السياسي الكتائبي في الصيفي، صدر بعده بيان اعلن فيه المجتمعون ان الكيل طفح والكأس امتلأت والحزن تحول الى غضب، وجرحنا لن يلتئم. سنحاسب المجرمين ومعهم سنحاسب كل من يغطي هذه الجريمة بمواقفه السياسية وتواطئه بشعارات يعرف انها ورقة توت للارهاب السياسي الذي يحاول مرة جديدة اغتيال لبنان(...) والعالم اجمع سيسمع في الايام المقبلة صوت لبنان الحقيقي، صوت الحرية والسيادة والاستقلال.
ودعت قوى 14 آذار انصارها واصدقاءها الى المشاركة الكثيفة في المأتم الشعبي للشهيد بيار الجميل في كاتدرائية مار جرجس المارونية في بيروت عند تمام الساعة الواحدة بعد ظهر نهار غد الخميس والى الاستعداد لكل تحرك حضاري وسلمي والابتعاد عن اي مظهر من مظاهر الفتنة والشغب التي لا تخدم سوى اهداف القتلة الاشرار. كما دعت الى اعتبار يوم الخميس يوم حداد وطني تقفل فيه جميع الدوائر الرسمية والادارات العامة في كل لبنان.
وتبلغ رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري نبأ اغتيال الجميل اثناء مؤتمر صحافي عقده في قريطم وتحدث فيه عن تطورات المحكمة الدولية والوضع الحكومي، وقد أنهى المؤتمر لدى تبلغه النبأ ، ثم وجه اصابع الاتهام الى سوريا والنظام الامني، وقال لشبكة سي ان ان: اننا نعتقد ان أيادي سوريا موجودة في هذه الجريمة، لانه خلال ايام كانت ستعقد جولة ثانية بشأن المحكمة الدولية التي تحاول سوريا دائما التملص منها. ودعا في بيان لاحق الى اوسع مشاركة في مأتم التشييع غدا.
وحذر رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي توجه على الفور الى مستشفى مار يوسف ومن ثم الى اجتماع الصيفي، من الانجرار الى الفتنة الداخلية وقال كما استنكرنا منذ البداية الاغتيالات سلميا وديموقراطيا، سنستمر ولن ندعهم ينالون الفتنة الداخلية، والمحكمة الدولية آتية لا محالة.
وبدا قائد القوات سمير جعجع ونواب القوات حريصين على الربط بين الازمة الداخلية وجريمة الاغتيال، ودعا جعجع الرئيس اميل لحود الى الاستقالة فورا، والوزراء الشيعة الى العودة عن استقالاتهم...
لحود وبري وعون وحزب الله يُدينون
في المقابل، قال الرئيس اميل لحود ان هذا العمل الارهابي لن ندعه يمر وسنعمل المستحيل لكشف المجرمين الذين هم ضد جميع اللبنانيين.
وقال الرئيس نبيه بري ان الجريمة هي ضد كل لبنان واللبنانيين. واتخذ باسمه وباسم المجلس النيابي صفة الادعاء ضد المجرمين.
وترأس العماد ميشال عون اجتماعا استثنائيا لتكتل التغيير والاصلاح اصدر بيانا طالب فيه بالكشف عن الجناة بأسرع وافعل الوسائل، معتبرا ان الجريمة تستهدف وحدة اللبنانيين مبديا خشيته من ان يكون الهدف افتعال فتنة بين المسيحيين، محذرا من الانزلاق الى ما خطط له المجرمون.
واصدر حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة وعدد كبير من احزاب المعارضة بيانات استنكار وادانة للجريمة. وقال حزب الله في بيانه ان الذين ارتكبوا هذه الجريمة يريدون دفع لبنان إلى الفوضى والضياع والحرب الاهلية ويريدون قطع الطريق على اي معالجات سلمية وسياسية وديموقراطية للأزمات القائمة في البلاد. وتابع ان طبيعة الاستهداف والاسلوب والتوقيت والمكان كلها امور تثير العديد من الشبهات الكبيرة وتدعو إلى التدقيق والتأمل بما حصل قبل اتخاذ المواقف او الانجرار إلى ردود الافعال التي ستكون على حساب الوطن وتحقق اهداف القتلة.
وسأل الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية عن المستفيد من الجريمة، وطلب من قائد القوات جعجع، من دون ان يسميه، تقديم معلوماته حول الاغتيالات الى الاجهزة الامنية، معتبرا ان الاكثرية الوهمية تستفيد من الجريمة بينما ادى الاغتيال الى ارباك المعارضة وتأجيل قرار نزولها الى الشارع.
وصدرت ردود فعل دولية وعربية منددة بالاغتيال، كان ابرزها من دمشق التي نددت بالجريمة النكراء التي تستهدف زعزعة الاستقرار والسلم الاهلى فى لبنان. وشدد مصدر سوري اعلامي على حرص سوريا على امن لبنان واستقراره ووحدة أبنائه والحفاظ على سلمه الأهلي.
واكد السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى، في مقابلة مع قناة سي ان ان ان دمشق ليست متورطة على الاطلاق في اغتيال الجميل. واشار الى ان الاغتيال حصل في وقت اعربت دمشق عن رغبتها في العمل من اجل بسط السلام في العراق.
وكانت السفارة السورية في واشنطن، اعتبرت في بيان، ان الادعاءات المتعلقة بتورط دمشق في الاغتيال مهزلة ترمي الى تشويه سمعتها. واضافت للاسف، هذا العمل الوحشي دليل جديد على انه في كل مرة تضعف القوى السياسية اللبنانية التي تدافع عن برنامج مناهض لسوريا، يتم الضغط على الزناد لاعادة اشعال النيران وانزال الناس الى الشوارع للاحتجاج على سوريا.
وأدان الرئيس الأميركي جورج بوش بقوة اغتيال الجميل، وقال متحدثا امام القوات الأميركية المتمركزة في هاواي إن التحقيق يتعين أن يحدد شخصيات القتلة، وكذا تلك القوى وراء مقتله، واضاف إن الولايات المتحدة تؤيد جهود الحكومة اللبنانية في الدفاع عن ديموقراطيتها ضد المحاولات التي تقوم بها سوريا وإيران وحلفاؤهما لبث عدم الاستقرار والعنف في هذا البلد الهام.
وأدان الرئيس الفرنسي جاك شيراك الاعتداء الشنيع واعرب عن رغبته في ان تتم ملاحقة ومعاقبة القتلة. وأعلنت باريس ان وزير خارجيتها فيليب دوست بلازي سيصل الى بيروت في الساعات المقبلة للمشاركة في تشييع الجميل.
وأدانت موسكو استئناف الاغتيالات السياسية في لبنان، وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية ان استئناف ممارسة الاغتيالات السياسية في لبنان بعد فترة من الهدوء النسبي يثير لدينا قلقا شديدا.
وأصدر مجلس الامن بيانا رسميا ادان فيه بشكل قاطع اغتيال الجميل... وهو وطني كان رمزا للحرية والاستقلال السياسي للبنان. وقال البيان يدين مجلس الامن أي محاولة لزعزعة استقرار لبنان من خلال الاغتيال السياسي او غيره من الاعمال الارهابية، مضيفا ان اعضاء المجلس الخمسة عشر قلقون من الآثار المحتملة لقتل الجميل على مساعي الحكومة لبسط سلطتها في ارجاء البلاد وترسيخ الديموقراطية.
وطلب المجلس من الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان إطلاع المجلس بشكل منتظم وأكد استعداده لدعم الحكومة الشرعية المنتخبة ديموقراطيا في لبنان.
وادان الاتحاد الاوروبي باشد العبارات قوة الجريمة الوحشية مؤكدا مساندته غير المحدودة للحكومة الشرعية في لبنان.
واعرب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن ادانته الشديدة للجريمة، وقال ان اغتيال الجميل يؤكد مجددا على الحاجة الملحة لوضع استراتيجية لمجمل الشرق الاوسط لدعم انصار الديموقراطية والطريق المناسب لحل النزاعات في كل مكان.
من جهتها، ادانت ايران هذا العمل الجبان وعبرت عن تضامنها مع عائلة بيار الجميل.
اما اسرائيل، فرأت في الاغتيال دليلاً يثبت أن الصراع في المنطقة هو بين متطرفين ومعتدلين. ونقل موقع معاريف الالكتروني عن مصدر اسرائيلي رفيع قوله إن الاغتيال هو إشارة سورية واضحة للسنيورة بأنه التالي في الدور، ولذلك عليه أن يستقيم مع خطها.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...