الجميع أوصدوا الأبواب إلا سوريا

معبر التنف ـ الجمل  أخيراً تمكنت العائلات الفلسطينية العالقة على الحدود العراقية ـ الاردنية ، في مخيم طريبيل منذ شهر 19 آذار الماضي، من الدخول الى الأراضي السورية، بعد أن نقلتهم سيارات وكالة الأنوروا ، عبر معبر التنف  الى مخيم الهول في محافظة الحسكة ، حيث تم يوم أمس الثلاثاء إدخال 244 لاجئ فلسطيني فيم 70 طفلاً و30 امرأة  فروا من الأوضاع الأمنية السيئة في العراق، وبعد تعرضهم للتهديد المباشر. ومن هؤلاء اللاجئين هناك 34 لاجئ جاؤوا مباشرة من العراق وقال صلاح سلمي للجمل الذي بقي مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد لأكثر من أسبوعين في الصحراء: كانت أيام عصيبة فقد رفضت الحكومة الأردنية دخولنا الى أراضيها، وبقينا عالقين هناك دون مأوى ودون طعام . وفيما كانت العائلات الفلسطينية تشكر الرئيس السوري والحكومة السورية وحكومة حماس،  كان صوت خالد مشعل يأتيهم مرحباً عبر الموبايل وقد وضع على مكبرات الصوت.
وقد استقبلتهم سوريا  تنفيذاً للاتفاق بين سوريا والحكومة الفلسطينية ، خلال زيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار الأخيرة الى دمشق. والتي جاءت بعد إلغاء  الحكومة الأردنية بشكل مفاجئ لزيارته الى عمان، وبعدما استقبلته مصر على مضض، بينما استقبلته دمشق بأبواب مشرعة ، وكرمته بحملة تبرعات شعبية شملت المحافظات والأرياف بالإضافة الى الاتفاق على إنهاء  معاناة الهاربين الفلسطينيين من جحيم العراق. والذي كان عددهم 187 لاجئ في نهاية نيسان الماضي ليصبح 244  لاجئ  يوم استقبالهم في سوريا .

قضية اللاجئين الفلسطينيين  في العراق برزت لدى نزوح 89 فلسطينياً نصفهم من الأطفال إلى الحدود الأردنية, قبل أن ينضم إليهم 100 شخص آخرين, منذ 19 آذار €مارس€ الماضي, ليعلقوا في مخيم «طريبيل», فلا السلطات العراقية تسمح لهم بالعودة, ولا السلطات الأردنية تسمح لهم بالعبور نحو أراضيها. وأخيرا, منعت السلطات العراقية حافلة تقل 50 فلسطينيا من الوصول إلى منطقة الحدود, وبلغت الأزمة أوجها في 24 آذار €مارس€, عندما تعرض مخيم «طربييل» لعاصفة اقتلعت 30 خيمة وتركت سكانها في عراء الصحراء يناشدون الدول العربية والسلطة الفلسطينية فتح الحدود لهم لأغراض أمنية وإنسانية وطبية. إلا أن الحكومات العربية رفضت إدخالهم الى أراضيها بسبب حيازتهم للوثيقة الفلسطينية الصادرة عن الجمهورية العراقية "صدام حسين", حتى جواز السلطة الفلسطينية الذي يتمسك به الفلسطينيون كوسيلة تضمن لهم حق العودة, لا ينفع إذا لم يمهر بتأشيرات سفر أوروبية تضمن للدول العربية التي ستستقبلهم عدم بقائهم على أراضيها. وقد بذل رئيس الجامعة العربية عمرو موسى جهداً خاصاً للوصول الى حل مع الحكومة العراقية, إلا أن رسالة رد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري جاءت مخيبة لآمال الفلسطينيين إذ جاء فيها تأكيد بأن "وزارة الخارجية لم تلمس أو تشعر بأي تعامل سيئ يستهدف الفلسطينيين بالعراق"!!
ومع إعلان عاطف عدوان وزير شؤون اللاجئين الفلسطينيين نهاية الأسبوع الماضي: «إن سوريا ستستضيف اللاجئين الفلسطينيين العالقين عند الحدود بين العراق والأردن» بناء على ما تم الاتفاق عليه بين وزارة الخارجية الفلسطينية وبين الحكومة السورية, حتى وُضع حد أنهى معاناتهم, بحل قد يكون موقتاً, أو يطول إلى حين استتباب الأمور في العراق. وقد عبرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على لسان الناطق باسمها وليام سبيندلر في جنيف عن امتنانها لـ«عرض الحكومة السورية تقديم حل للمجموعة التي تقيم في مخيم عند معبر طريبيل الحدودي داخل العراق». وقد تم نقلهم إلى سوريا يوم أمس ليشكل استقبالهم بادرة عملية جيدة ضمن إطار المبادرات السورية المبذولة لدعم حكومة «حماس» التي فتحت لها دمشق أبوابها على مصراعيها.
ولم يبدأ اللاجئون الفلسطينيون في العراق بالهرب نحو حدود البلدان المجاورة الأكثر أمناً, إلا بعد تزايد حالات الاعتداءات عليهم, انحطت إلى استهداف عنصري مبني على موقف سياسي منهم يتهمهم بالضلوع في الإرهاب تارة, وبتعاونهم مع نظام الحكم السابق تارة أخرى, حتى بلغ عدد المعتقلين والمفقودين والمقتولين منهم في العراق منذ بدء الحرب الأميركية 106 أشخاص, كحصيلة أولية دقيقة أجريت مع ذويهم, وهي ما اعتبرتها رابطة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا مفوضية العراق نسبة بالغة الخطورة بحد ذاتها لكون عدد اللاجئين الفلسطينيين بالعراق لا يتجاوز 22100 فلسطيني وفقا لإحصائيات الاونروا في آب العام 2003 وقد تم تسجيل حالات تعذيب وتنكيل جسدي ونفسي وقعت على المعتقلين منهم في المعتقلات العراقية الحكومية. كما بينت جثث بعض المختطفين تعرضهم لحالات تعذيب وحشية من قبل خاطفيهم, تنم عن انتقام مروع, تم فيها اتباع أبشع أنواع التعذيب مثل: توثيق اليدين والقدمين والجلد بالسياط وكيّ الجسد بقطع حديد حارة, وسكب مادة البنزين على اليد اليمنى وإضرام النار فيها, كذلك كيّ الظهر بواسطة مكواة حامية, ثم سكب مادة حامض الكبرتيك على الوجه والبطن, وتثقيب القدمين... إلخ الى إزهاق روح الضحية بالخنق, أو بطلقة في الجبين.
كما تم تسجيل حوالى 150 حالة اعتداء طاولت المجمعات الفلسطينية من قبل الميلشيات العراقية, والقيام بعمليات ترهيب شملت الاعتداء على جامع القدس بالبلديات والهجوم المكثف على العمارات السكنية, والعثور فيما بعد على منشورات تهديد للاجئين الفلسطينيين في منطقة الحرية بغية تهجيرهم, وقيام وحدات من لواء الذئب بعملية دهم وتفتيش تدعمها القوات الأميركية في المجمع الفلسطيني بالبلديات بتاريخ 10/4/2006 وأكثر المخاطر التي تواجه الفلسطينيين, كالتي يواجهها الشعب العراقي, هي التفجيرات وأعمال العنف, إلا أن الاختلاف بينهما حسب رابطة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا / مفوضية العراق, هي أن الناجي الفلسطيني يتعرض إلى الاعتقال من قبل قوات الحكومة العراقية بتهمة الضلوع في التفجيرات.
مشكلة الفلسطينيين في العراق عدم وجود وضع قانوني واضح لهم, وصعوبة تأمين الثبوتيات اللازمة من الجهات العراقية الرسمية. إذ يترتب عليهم لإجراء معاملة الإقامة, إحضار جميع أفراد العائلة ليقفوا طوابير ليستحصلوا على ورقة من وزارة المهجرين تثبت أنهم من لاجئي العام 1948, مع تأييد سكن من المجلس البلدي, وقبل الحصول على هذه الوثيقة لا بد لهم من التعرض للابتزاز ودفع الغرامات, ومنهم من لا تمدد إقامته بسبب مخالفات مرورية في زمن الرئيس السابق, فضلاً عن جهل الجهات الحكومية بأختام تمديد الإقامة.

أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق قبل تدهورها جراء الحرب الأخيرة, لم تكن أقل سوءاً عما تعانيه سائر المخيمات الفلسطينية في المنطقة, فهناك 1700 عائلة تسكن في مبان متهالكة, منشأة من ايام الاستعمار البريطاني سنة 1917, تفتقر لشروط الحياة الضرورية من ماء وكهرباء, وثمة مستأجرون بأسعار باهظة, ومنهم من جرى طردهم من قبل أصحاب المنازل, في وقت وصلت فيه نسبة البطالة أعلى معدلاتها منذ الوجود الفلسطيني بالعراق متجاوزة نسبة الـ 80% نتيجة الانفلات الأمني والطرد من الوظائف الحكومية والأهلية بسبب الهوية الفلسطينية, ما انعكس سلباً على الوضع الصحي, داخل مجموعة بشرية تبلغ فيها نسبة الأطفال ما دون سن 15 سنة 60 %  غالبيتها تعاني أمراض فقر الدم والضعف العام وسوء التغذية والإرهاق النفسي, وتفشي أمراض كالروماتيزم والسرطان وغيرها, ويقابلها عدم قدرة ذويهم على علاجهم سواء بالداخل أو الخارج. أما الحالة الصحية لما هم فوق سن 15 عاماً, فتبين أوضاعهم السيئة, إصابة العديد منهم بأمراض مزمنة قلبية وارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها. ومما زاد الأمور سوءاً عجز وكالة الغوث «الأونروا» عن تقديم مساعداتها جراء تفاقم تردي الوضع الأمني, وعدم قدرتها على دفع مستحقاتها للحكومة العراقية.
لا شك في أن انقاذ مجموعة من اللاجئين سيزيد أسهم سوريا في الشارع العربي الذي لا يزال مؤمنا بقضية فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني بإقامة وطن له وحق العودة للاجئين, عدا عن ارتفاع أسهمها في الشارع الفلسطيني, كونها عبر أكثر من خمسة عقود تحتضن الفلسطينيين وتمنحهم الحقوق ذاتها الممنوحة للمواطنين السوريين.

إلى الندوة