الحدث السوري على طاولة التوازنات الدولية ودلالات الموقف الروسي

16-05-2011

الحدث السوري على طاولة التوازنات الدولية ودلالات الموقف الروسي

الجمل: تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل يومين محذراً واشنطن وحلفاءها الأوروبيين الغربيين من مغبة التمادي في استهداف سوريا، مؤكداً رفض موسكو التام لكافة التحركات الدولية والإقليمية الرامية إلى تصعيد الحدث السوري باتجاه الأقلمة والتدويل: كيف يمكن قراءة تصريحات الوزير الروسي وما هي حقيقة الأهمية الاستراتيجية لتداعيات الحدث السوري. وما مدى احتمالات مصداقية أن يشكل الحدث السوري نقطة انقلاب رئيسية في مسيرة النظام الدولي؟

* الموقف الروسي: توصيف المعلومات الجارية

تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مؤخراً في العاصمة الكازاخستانية ألما آتا، بشكل مستفيض وواضح عن الحدث السوري، مؤكداً موقف موسكو تجاه تطورات الأحداث والوقائع الجارية في سوريا، وفي هذا الخصوص نشير إلى أبرز النقاط الواردة في حديث الوزير الروسي، على النحو الآتي:
•    تأكيد موسكو على أن القوى الغربية قد تجاوزت الخط المسموح به إزاء ليبيا وإزاء سوريا.
•    تأكيد موسكو على أن التمادي الغربي في ملف الحدث السوري سوف يؤدي بالضرورة إلى حالة من الانفلات الذي تصعب السيطرة عليه.
•    تحذيرات موسكو الواضحة ضد أي تدخل خارجي أجنبي في سوريا.
•    تحذير المعارضة السورية من مغبة وخطورة السعي من أجل تكرار سيناريو التدخل الأجنبي ضد ليبيا في سوريا.
•    تأكيد إدراك موسكو بأن الذي يمنع التهدئة في سوريا، هو سعي بعض الأطراف لجهة الدفع باتجاه التصعيد باعتباره السبيل الذي يتيح لهم الحصول على الدعم الغربي.
•    الإشارة إلى عدم رضا وعدم قبول موسكو لقيام الأطراف الغربية بالتدخل لجانب أحد طرفي الصراع، بدلاً من العمل على تحقيق التهدئة.
•    اتهام موسكو للأطراف الغربية بأنها، أصبحت متورطة في التصعيدات التي أصبحت تهدد استقرار سوريا وأيضاً استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وإضافة لذلك، تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قائلاً بأن الأطراف الغربية قد سبق وأن رفضت وجهة نظر موسكو التي طالبت بضرورة الحوار كوسيلة لحل الأزمة الليبية، الأمر الذي دفع موسكو إلى الامتناع عن التصويت داخل مجلس الأمن الدولي في قراره الذي فرض منطقة حظر الطيران على ليبيا، وأباح لأطراف التحالف الدولي استخدام القوة، وعلى خلفية ما قامت به الأطراف الدولية في ليبيا، فإن موسكو سوف تقوم من الآن وصاعداً بتشديد عملية التدقيق الفاحص في كافة مشروعات القرارات الدولية، التي تتضمن  بنودها أي تفويض باستخدام القوة، والسبب الرئيسي لهذا الموقف، هو القناعة الراسخة التي توصلت لها موسكو بأن الأطراف الغربية أصبحت أكثر تمادياً في استخدام هذه القرارات كوسيلة وغطاء لإطلاق يدها في استهداف خصومها.

* الحدث السوري هل يقلب طاولة التوازنات الدولية والإقليمية؟

تشير القراءة الفاحصة في حديث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى مضمون ومحتوى ما صرح به في كازاخستان، وفي مقابلته مع صحيفة موسكو فيسكي نوفوستي، بأن الموقف الروسي لا يعبر فقط عن مجرد الرفض لأي تدخل أجنبي في الشأن السوري. وإنما ينطوي على المزيد من الطاقة الدبلوماسية ذات الطابع الردعي الاستباقي، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
•    لقد ظلت موسكو أكثر اهتماماً بمسايرة عمليات الإجماع الدولي، إما بالوقوف إلى جانبها أو الوقوف إلى جانب الحياد عن طريق الامتناع عن التصويت في قرارات مجلس الأمن الدولي التي لا تجد القبول الروسي.
•    امتنعت موسكو عن التصويت مع أو ضد قرار التدخل الدولي في ليبيا، واختارت الوقوف إلى جانب الحياد، ولكن من خلال عملية إنفاذ القرار، فقد تأكدت موسكو تماماً بأن القوى الغربية تمارس الكثير من التحايل والتجاوزات لحدود ونطاق ولاية القرارات الدولية.
وتأسيساً على ذلك، نلاحظ أن موسكو قد سعت هذه المرة لجهة اتخاذ موقف روسي لجهة التعامل مع ملف الحدث السوري، يقوم على الآتي:
•    الرفض القاطع لقيام الأطراف الغربية باستخدام البيانات والقرارات الدولية باتجاه أقلمة وتدويل ملف الحدث السوري.
•    إطلاق التصريحات والتحذيرات الاستباقية التي لا تشير إلى المخاطر وحسب، وإنما إضافة لذلك إلى الرفض الروسي.
نلاحظ من خلال هذه النقاط، أن الموقف الدبلوماسي الدولي الروسي قد شهد تطوراً كبيراً مقارنة بما كان عليه خلال الفترة الممتدة من عشية غزو واحتلال العراق. وحتى لحظة صدور القرار الدولي 1973 الذي فرض منطقة حظر الطيران ضد ليبيا وأعطى التحالف الدولي ولاية استخدام القوة ضد ليبيا، وتعليمات أخرى:
•    ظلت موسكو طوال هذه الفترة تكتفي بإبداء تحفظاتها في مناقشة القرارات الدولية، وتمتنع عن التصويت. ثم تكتفي بعد ذلك بالوقوف جانباً وتوجيه الانتقادات المنخفضة الشدة ضد واشنطن وحلفاءها الغربيين.
•    الآن، بدأت موسكو، وهي تمارس التحذيرات الاستباقية وتوجه الانتقادات التحذيرية المرتفعة الشدة، إضافة إلى ممارسة الرفض والتهديد باستخدام حق الفيتو إذا سعت الأطراف الغربية لجهة القيام بتمرير القرارات الدولية غير المقبولة روسياً.
هذا، وتقول التقارير والمعلومات، بأن روسيا  لم تعد وحدها التي ترسخت لديها القناعات الراسخة حول قيام واشنطن وحلفاءها الغربيين باستغلال القرارات الدولية لجهة القيام بإطلاق اليد وسوء التنفيذ، فهناك العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي أصبحت تشارك موسكو  في هذه القناعة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، الأمر الذي يطرح الملاحظة الهامة الآتية: إذا كانت فعاليات التحالف الدولي الذي انخرط في مشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب، بما أدى بقيام القوات الأمريكية بعمليات غزو واحتلال أفغانستان والعراق، تمثل بنظر الخبراء الدوليين نقطة البداية في ظاهرة إسقاط الهيمنة الأمريكية على العالم ضمن نظام القطبية الواحدة. فهل سوف تمثل فعاليات الحدث السوري نقطة البداية لعمليات تمرد دولي إقليمي على نظام الهيمنة الأمريكية والغربية بما يؤدي إلى صعود نظام دولي بديل يقوم على القطبية الثنائية أو التعددية القطبية، وبكلمات أخرى، إذا كانت بغداد تمثل لدى الخبراء الدوليين الشرارة التي أشعلت نيران الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط فهل ستمثل دمشق "الطفاية" التي سوف تقضي على نيران هذه الهيمنة؟

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...