الحرب الباردة في سوريا وأوكرانيا والدور التركي فيها (2) الطريق إلى مصادر الطاقة

الجمل- حسين وودانيلي - ترجمها عن التركية: محمد سلطان:

كنت قد أشرت في المقال السابق لى أن أحد أهم أبعاد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في الموضوعين السوري والأوكراني يدور حول سباق التسلح ويخص بالدرجة الأولى مافيات السلاح في أميركا. برأيي أن هذا أهم سبب ولكن هناك أيضا بعد الطريق نحو مصادر الطاقة .
كما تهدف الحرب الأميركية في سوريا إلى فتح ممر لمصادر الطاقة تمتد من كردستان البرزاني إلى البحر الأبيض المتوسط, كذلك تهدف الحرب الأميركية في أوكرانيا إلى إغلاق صنابير الغاز الطبيعي الروسي الذي يغذي القارة الأوربية.
إن الغاية من منطقة حكم كردية محتمل إقامتها في الشمال السوري (موضوع حظر الطيران no fly zone الذي ذكر في فضائح التسجيلات الصوتية يخدم هذا المخطط) هو فتح ممر لمنطقة كردستان البرزاني الدمية تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط.
هنا يستخدم تنظيم القاعدة بغاية التنظيف، ولكن في النهاية سيتم تنظيفهم من المنطقة. بطبيعة الحال سوف يرتد عناصر تنظيم القاعدة ضد الدولة التركية نتيجة هذا التنظيف, وهذا موضوع آخر نناقشه لاحقاً. نستطيع الفهم من خلال طريق المراسلات بين أميركا وتركيا أنه تم تسليط تنظيم القاعدة ضد النظام السوري. نعم إنه مشروع أميركي. ولكن اليوم لم يعودوا بحاجة لهم. وخصوصاً إذا وضعنا في عين الاعتبار المصلحة الإسرائيلية, فمن الخطأ التفكير في ظل هذه الظروف أن يأتي للحكم في دمشق زعيم ذو شعبية سلفية بدلاً من الرئيس الأسد.

طرد كلاً من بندر وفيلتمان:
أبرز مثال على طرد بندر هو أنه كف يده من سوريا رغم أنه لا يخالف أوامر أسياده الأميركيين أبداً.الجميع يعرف أن الحرب الأميركية في سوريا جاءت نتيجة التخطيط المشترك بين السفير الأميركي السابق في السعودية جفري فيلتمان والسفير السعودي السابق لدى واشنطن بندر بن سلطان. حتى أن هذه الحرب تذكر عند الرأي العام العالمي باسم خطة (بندر- فيلتمان).
اليوم يشغل فيلتمان منصب نائب مستشار السياسة في الأمم المتحدة. في الحقيقة تتم معاقبة فيلتمان بشكل مستتر  بسبب فشله في تحقيق أهداف مخططه طيلة ثلاثة أعوام.
أما بندر وبعد فشل مخططه والاستغناء عنه من قبل أميركا, زعل من أسياده الأميركيين, ومن ثم قام بتهديد روسيا, وأخيراً تم طرده من منصب رئيس جهاز الاستخبارات السعودية من قبل عمه الملك عبد الله.
أعرف أنني أطلت الحديث عن بندر الذي يأتي على رأس الأسماء في تنظيم القاعدة. ولكن ذلك يؤكد صواب استغناء أميركا عن تنظيم القاعدة وإخراجها من اللعبة بعد إكمال مهمتها الموكلة إليها.

ضرب خط (إيران - العراق - سوريا):
 
هناك سبب لعدم تقبل الولايات المتحدة الأميركية للهزيمة في حربهم ضد سوريا؛ ممر آمن لكردستان العراق إلى البحر الأبيض المتوسط هو الأمل الوحيد لإستمرارية دوام هذه المنطقة كما أشرت إليه سابقاً. إضافةً إلى ذلك, إن حكام رأس المال الأميركي لا يتحملون الخطة الإيرانية التي أبرمتها مع كل من العراق وسوريا في نقل احتياطات الغاز الطبيعي الإيراني المستخرجة من حقل بارس الجنوبي في الخليج الإيراني وتصديره من خلال البحر الأبيض المتوسط مروراً بالأراضي العراقية والسورية.
إذا لاحظتم أنه زادت هجمات تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بشكل متزامن خلال هذا المحور وركزت هجماتهم على هذا الخط. كذلك ازدادت هجمات تنظيم القاعدة في محافظة اللاذقية التي يهدف تصدير الغاز من مينائها.
في هذا الموضوع أريد التنويه إلى نقطة هامة؛ الخطة لم تسر كما أرادت الولايات المتحدة الأميركية, وذلك أولاً لأن الأسد يملك منظومة دفاع جوي روسية متطورة جداً . ثانياً هناك توتر بين حزب الاتحاد الديمقراطي الـPYD (أكراد سوريا) وبين بشمركا البرزاني وصلت إلى حد الصدام والاشتباكات الدامية. وهذا يعني أنه يمكن تأجيل عملية تصفية تنظيم القاعدة لفترة من الزمن. ولكن من المؤكد أن بندر وشركائه الأتراك هم المسؤلون عن التصدعات الحاصلة ضمن صفوف تنظيم القاعدة.

مشروع خط (البحر الأحمر - البحر الأسود):
 
نستطيع أيضاً إضافة مشروع خط الغاز الطبيعي الإسرائيلي الذي خططت له مع تركيا. ذكرت وكالة رويترز أن هناك مشروع إنشاء خط غاز من إسرائيل إلى تركيا يمر تحت البحر بكلفة 2.2 مليار دولار قادرة على نقل 10 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
بحسب الوكالة أنه إذا سارت الأمور كما أريد لها, سوف تباشر إسرائيل بإنشاء خط الغاز المذكور بداية عام 2015.
الخطط والمشاريع واضحة رغم أن الأمور لا تسير في سوريا كما يراد لها.

السد الأوكراني للغاز الروسي:
 
إذا كانت الحرب في سوريا هي حرب عصابات قذرة ملائمة لروح الشرق الأوسط, فالأحداث في أوكرانيا تسير بانضباط ضمن قواعد الناتو مذكرةً لنا "تلك الأيام الجميلة من الحرب الباردة".
إن تنظيم الكلاديو المعروف بالنازيون الجدد والمرتبطون بالناتو ينظمون عمليات ضد "العرق الآري" المؤيدين للنظام المهيمن بما يتيح للـCIA فرصة فتح الطريق أمامهم ومساعدتهم في سيرهم.
أساساً هذا المخطط كان قد جهز له سابقاً ولم يبق سوى الضغط على الزناد. وأخيراً ضغط على الزناد وبدأت الحرب. إن حالة أوكرانيا التي هي أشبه بالوقوع بين نارين ساعد في الانقسام وحدوث الاصتدامات.
ولكن اللعنة على أولئك الفدراليون لماذا انخرطوا في هذه الأحداث؟
أولاً لتلقين الدب الروسي درساً لأنه عرضهم لهزيمةً نكراء في سوريا. ثانياً والأهم من ذلك خلق "امبراطورية شر" Evil Empire. أساساً بوتن هو الرجل المثالي لذلك.

كان الهدف كما أراد تنظيم تشيني أن يدخلوا ضمن سباق التسلح، وبذلك سوف تنتهي حالة الجمود الاقتصادي في أميركا. أما السبب الثالث فهو منع الإدمان الأوربي لروسيا. كان ذلك ضرورياً لإشغال الناتو وعدم بقائه بحالة فراغ دونما عمل. إذا ما قطع الغاز الروسي عن أوربا والذي يشكل ثلث حاجة أوربا من الغاز سوف يؤدي ذلك إلى عزلة أميركا سياسياً وسيضاف إليها ركوداً اقتصادياً فظيعاً. حينها من الممكن أن يتحول العالم إلى "عالم شجاع" لا يطغى فيه الدولار على السوق العالمي.
أتاح يانكوفيتش عديم الجدوى هذه الفرصة لأميركا. ولكن الآن, يا لسخرية القدر, الشخص الحاكم في كييف شخص يدل اسمه على معنى "ابن التركي" يدعى تورتشينوف. إن أميركا قادرة عن طريق تورتشينوف هذا أن تمنع مرور الغاز الروسي إلى أوربا عن طريق أوكرانيا.
أساساً كان بوتن يعرف ذلك, ووقع اتفاقية مشروع التدفق الشمالي مع ألمانيا.

مشروع التدفق الشمالي:
 
الآن زادت السرعة في العمل على مشروع التدفق الشمالي. جاءنا مؤخراً تصريح مفاجئ من وزير الطاقة التركي تانر يلدز. أفاد يلدز بأنه إذا طلبت روسيا من تركيا إمكانية تمرير خط غاز التدفق الشمالي من الأراضي التركية, سوف يقيمون الموضوع.
هل رأيتم السبب الذي يجعل السفن الحربية الأميركية والفرنسية تسرح وتمرح في مياه البحر الأسود متحججين بالأزمة الأوكرانية؟ الهدف الرئيسي هو إغراق مشروع التدفق الشمالي في ظلمة البحر الأسود. وهذا جواب مقنع عن سبب زج الضباط البحريين الأتراك الشجعان في السجون ممن منعوا السفن الأميركية من دخول مياه البحر الأسود عام 2008 في الأزمة الجورجية. كما أن ذلك يفسر سبب تنسيب رومانيا وبلغاريا إلى عضوية حلف الناتو.
إن حاجة تركيا للغاز الروسي أدت إلى عدم راحة الدولة التركية في التدخل في شؤون أوكرانيا كما  في التدخل بالشؤون السورية. كما أن تركيا تحاول أن تبقي علاقاتها وطيدة مع روسيا قدر المستطاع. يمكننا قراءة تصريح يلدز من هذه الزاوية. كذلك يمكننا تقييم توجه أردوغان إلى شنغهاي من هذا المنحى أيضاً. مقال يغيت بولوت مستشار أردوغان في صحيفة ستار بعنوان "يتم إبعاد أنقرة وموسكو من أوربا" هو دليل على ذلك. تحول بولوت فجأةً إلى مستشرق وذكر في مقاله كيف تتم خيانة كلاً من روسيا وتركيا من قبل الاتحاد الأوربي, وأنه لا ينتظر توتراً في موضوع الطاقة بين روسيا وتركيا وأن البلدان يثقون ببعضهم في هذا المجال.
ولكن أعتقد نتيجة تحذير واشنطن سوف تتراجع أنقرة كعادتها عن مواقفها وسوف تتخلى عن توجهها الآسيوي, وسوف تلعب في النهاية دور الولد البار ضمن قوانين الصراع الأميركي في الموضوعين السوري والأوكراني. على سبيل المثال انظروا كيف حولوا تقييم نقاط قروضنا إلى نتائج سلبية. إن الاقتصاد الذي يعتمد على السيولة النقدية لا يمكنه أن يحمي مصالحه أبداً.
على ما يبدو أن تنظيم "السلاح والطاقة" الأميركي سيستمر في هدر الدماء في العالم لفترة من الزمن. ولكن إذا تمكنت روسيا والصين من وضع قوانينهم الخاصة في اللعبة مثل اتفاق (روسيا - ألمانيا, الصين - اسرائيل) أي إذا تمكنتا من إقناع حلفاء أميركا في المنطقة, فهم قادرين على قلب نتائج اللعبة لمصلحتهم.

القوانين لمصلحة الطبقة الاقتصادية النخبة:
في دراسة مشتركة أجرتها جامعتي برنستون ونورث ويسترن تمت دراسة القوانين المقترحة التي قبلت في الكونغرس الأميركي منذ عام 1980 وحتى عام 2002 والبالغة 1800 قانون. ويقول التقرير أن القسم الأكبر من القوانين المذكورة تمت الموافقة عليها دون رضاء الرأي العام الأميركي.
تمت الموافقة على جميع حزم الاصلاحات والقوانين المقدمة للكونغرس بما يخدم مصلحة "لوبيات المنفعة" والشركات الكبرى التي لها اتصالات مباشرة مع أعضاء الكونغرس. يقول التقرير: «إن الطبقة الاقتصادية النخبة وأوساط العمل المنظمة تؤثر بشكل كبير على قرارات غرف صناعة القوانين في أميركا. مقابل ذلك إن تأثير المواطنين العاديين على صناع القوانين إما ضئيلة جداً أو معدومة أبداً».
ووصل خبراء الجامعتين الذين أجروا الدراسة إلى أن: «الولايات المتحدة الأميركية هي أشبه بالزمرة الحاكمة التي تنفذ مطالب "لوبيات المنفعة" أكثر من أنها تطبق مبدأ "ديمقراطية الأكثرية"».

(عن موقع: أوضا تي في)

الجمل