الصراع على عراق ما بعد الاحتلال
الجمل: تطرقت التقارير الجارية إلى التوترات السياسية العراقية الأخيرة باعتبارها تندرج ضمن تداعيات خروج القوات الأمريكية من العراق، ولكن على أساس اعتبارات المعلومات الحقيقية، فإن الحدث السياسي العراقي الجاري حالياً هو بمثابة القمة التي تخفي تحتها جبل الجليد: فما هي طبيعة وحقيقة الحدث السياسي العراقي، وما هي مخزونات العنف الهيكلي الكامنة ضمن سياقاته السياسية وإلى أين سوف يمضي العراق، هل باتجاه الحرب الأهلية والتقسيم، أم باتجاه الوحدة الوطنية والاستقرار، أم باتجاه المنزلة بين المنزلتين؟
* حسابات زمام المبادرة والسيطرة: سردية صعود المالكي
تقول المعلومات والتسريبات بأن قيام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بإشعال المواجهة مع زعماء التيار الإسلامي السني العراقي، طارق الهاشمي، الذي يتولى منصب نائب الرئيس العراقي، وصالح المطلك الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء العراقي، قد تم على خلفية عملية ترتيب طويلة هادئة لتوازنات عوامل القوة داخل الإطار المؤسساتي الدولاتي السياسي العراقي، وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى المعلومات الآتية:
• عند تشكيل الحكومة العراقية الجديدة على خلفية نتائج الانتخابات العراقية، لاحظ الجميع أن نوري المالكي قد تولى منصب رئيس الوزراء، إضافة إلى قيامه بتولي مهام منصب وزير الدفاع، ووزير الداخلية، ووزير شؤون الأمن القومي.
• تولي نوري المالكي للمناصب الوزارية الثلاثة (الدفاع ـ الداخلية ـ الأمن) كان بسبب الخلافات التي حدثت في التفاوض بين الكتل السياسية العراقية الأربعة (ائتلاف دولة القانون ـ التحالف الوطني ـ القائمة العراقية ـ التحالف الكردستاني).
• خلال تولي نوري المالكي مناصب الوزراء الثلاثة، قام بإعادة ترتيب هياكل المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية، بما أدى إلى سيطرة أنصاره على قيادة الجيش وقيادة الشرطة والقيادات الأمنية.
هذا، وتقول التسريبات بأن جهاز المخابرات العراقية كان يعمل بشكل مستقل، وكان تحت سيطرة العناصر السنية، ولكن، عندما تولى نوري المالكي المسؤولية عن وزارة شؤون المخابرات، قام بتأسيس جهاز مخابرات إضافي موازي للجهاز الموجود، ثم بعد ذلك عمد إلى جعل تقارير جهاز المخابرات الجديد الإضافي هي المعتمدة بواسطة الحكومة العراقية التي يتولى فيها المالكي منصب رئيس الوزراء.
استطاع نوري المالكي أن يتصرف بعقل سياسي إزاء إدارة الصراع بين وزير الداخلية السابق جواد البولاني، ووزير الدفاع السابق عبد القادر محمد جاسم العبيدي، بحيث انتظر نوري المالكي تفاقم الصراع بينهما لجهة الوصول إلى نقطة الذروة الحرجة. ثم بعد ذلك نجح في الانقضاض عليهما، بما أدى إلى جعل قيادة الجيش والقيادات الشرطية تابعة للمالكي، أما رئيس جهاز المخابرات السابق محمد الشهواني، فقد ظل نوري المالكي يتجاهل تقاريره، مفضلاً الاعتماد على تقارير جهاز مخابراته الجديد، بما أدى في نهاية الأمر إلى دفع محمد الشهواني إلى التخلي عن رئاسة الجهاز تحت ضغط مشاعر الإحباط والغضب، تاركاً الساحة المخابراتية خالية لجهاز المخابرات الجديد الذي يقوده شيروان الوائلي أحد أبرز أنصار المالكي.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن الزعيم نوري المالكي، إضافة إلى سيطرته على أجهزة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وأجهزة المخابرات، فإنه يحكم قبضته على جهازين يتبعان مباشرة له، هما: جهاز قوات مكافحة الإرهاب، والتي سبق أن أوقعت بحوالي 20 مسؤولاً في وزارة الداخلية من أنصار وزير الداخلية السابق جواد البولاني، بما أدى إلى وقوع الوزارة تحت سيطرة المالكي، وجهاز قوات العمليات الخاصة الخارجية، وإضافة لذلك قام بتوزيع وربط اختصاصات الأجهزة الأمنية والمخابراتية بين الوزارات التابعة له، ولمكتب رئيس الوزراء العراقي الذي يجلس على قمته.
* القوى السياسية ـ العسكرية العراقية الأخرى: ماذا تقول آخر المعلومات
على أساس اعتبارات اصطفافات الخارطة السياسية ـ العسكرية العراقية، يمكن الإشارة إلى القوى الآتية:
• تيار الزعيم مقتدى الصدر: بعد الصراعات السياسية والمواجهات الدامية التي دارت بين أنصار الزعيم مقتدى الصدر والزعيم نوري المالكي، شهد معسكر أنصار الزعيم مقتدى الصدر التطورات الآتية:
ـ تزايد حدة الانقسام بين التيار الصدري الذي يمثل الواجهة السياسية، وجيش المهدي الذي يمثل الواجهة العسكرية.
ـ تمت عملية تجميد جيش المهدي الذي كان قوامه يتراوح بين 40 إلى 60 ألف عنصر.
ـ برزت لاحقاً ثلاثة كيانات عن جيش المهدي المجمد، هي ميليشيا كتائب يوم الميعاد وقوامها 5 آلاف عنصر، وتتميز بالتدريب والتسليح الجيد، وميليشيا عصايب أهل الحق وقوامها حوالي 5 آلاف عنصر وهي مرتبطة بإيران، إضافة إلى كتائب حزب الله وقوامها حوالي 5 آلاف عنصر، وهي مرتبطة بإيران وحزب الله اللبناني.
• تيار الزعيم عمار الحكيم: يشكل بالأساس الحلف الرئيس لإيران، ولاحقاً، شهد هذا التيار التطورات الآتية:
ـ حمل لفترة طويلة اسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، ولاحقاً تحول ليحمل اسم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
ـ ظلت ميليشيا فيلق بدر تشكل الذرائع العسكرية لهذا التيار، ولكنها لاحقاً استقلت عن المجلس الأعلى الإسلامي لتحمل اسم منظمة بدر، آخدة شكل الحركة السياسية السلمية، ويقودها حالياً هادي العامري الذي يتولى حالياً منصب وزير النقل العراقي.
ـ برغم الخلافات والانقسامات، فإن العلاقة وثيقة للغاية بين المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي يقوده عمار الحكيم، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري.
• تيار السنة العراقيين: تعرض إلى العديد من الانقسامات والتحولات السياسية، وحالياً تشير المعلومات إلى أن التيار تعرض للتطورات الآتية:
ـ وجود أربعة فعاليات حركية، هي: المجلس الوطني لصحوة العراق ـ تنظيم القاعدة ـ أنصار النظام السابق ـ الحركات الإسلامية السنية الصغيرة.
ـ يمثل المجلس الوطني لصحوة العراق الفصيل الرئيسي، ويرتبط بتحالف شيوخ حركة أبنا العراق، الذين يمثلون الزعامات القبلية الإسلامية السنية، وحالياً تضم حركة بناء العراق حوالي 50 ألف عنصر.
ـ توجد توترات شديدة بين حركة أبناء العراق، ومركز السلطة في بغداد، وفي حالة لجوء حركة أبناء العراق لجهة التعبئة العشائرية والقبلية في المناطق الإسلامية السنية فإن استقرار العراق سوف يكون محفوفاً بمخاطر هائلة.
• التيار الكردستاني: برغم مشاركته في السلطة المركزية، فإنه ما زال يشدد قبضته على إقليم كردستان العراقي، وتقول المعلومات بأن هذا التيار قد شهد التطورات الآتية:
ـ يواجه ضغوط متزايدة بواسطة أطراف مثلث بغداد ـ طهران ـ أنقرا.
ـ يواجه الخلافات الداخلية المتزايدة، ولكنه برغم ذلك ما زال يبدو أكثر تماسكاً في الملفات المتعلقة بمصير إقليم كردستان.
ـ استطاع بناء قدرات عسكرية هي قوات البشمركة وقوامها 200 ألف عنصر.
ـ سعى الفصيلان الرئيسيان لجهة إحكام السيطرة على قوات البشمركة، والتي أصبحت تتكون من 100 ألف عنصر تابعين للحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني ويتمركز في العاصمة أربيل، و100 ألف عنصر تابعين للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني ويتمركز في السليمانية.
ـ خلال فترة الاحتلال الأمريكي أصبحت قوات البشمركة كاملة التجهيز، بحيث أصبحت تملك الدبابات والمدرعات والمركبات ومنظومة الدفاع الجوي، إضافة إلى الهيلكوبترات، الأمر الذي جعل قوات البشمركة الأفضل تنظيماً وتسليحاً من بين كل الفصائل المسلحة العراقية.
ـ سعت القيادة الكردستانية لجهة إدماج بعض فصائل البشمركة ضمن الجيش الوطني العراقي، وفي هذا الخصوص تم إدماج: فرقتان متتخصتان بالقتال الجبلي قوامهما 29500 عنصر ضمن الجيش العراقي، تم إدماج فرقة قوامها من 10 إلى 12 ألف عنصر ضمن قوات حرس الحدود العراقية، تم دمج فرقتين من قوات "زريقاني" المختصة بالعمليات الشرطية ضمن قوات الشرطة الفيدرالية العراقية.
ـ أنشأت قيادة قوات البشمركة 21 لواءً جديدا، قوامهم الإجمالي في حدود 50-70 ألف عنصر.
هذا، وتقول التحليلات، بأن إدماج قوات البشمركة بهذا الحجم ضمن قوات الجيش والشرطة العراقية، سوف يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل قيام الجيش العراقي بأي عمليات عسكرية ضد إقليم كردستان في حالة حدوث أي تمرد مسلح في الإقليم.
تقول التسريبات والمعلومات، بأن انتشار الميليشيات العسكرية المسلحة العراقية بهذه الكثافة، قد أدى في ظل انعدام السيطرة وفاعلية القيادة إلى انتشار جماعات الجريمة المنظمة، وتقول التسريبات بأن أعداد هذه الجماعات كبيرة بشكل يفوق حد الوصف، إضافة إلى أن الأكثر خطورة يتمثل في أن عناصر هذه الجماعات هم من نفس عناصر الميليشيات وقوات الجيش والشرطة والأمن، الأمر الذي جعل من الصعب جداً ملاحقتها بواسطة أجهزة الدولة. وتشير التقارير إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد تزايداً هائلاً في فعاليات الجريمة المنظمة وعمليات السلب والنهب والاختطاف والتهريب وما شابه ذلك.
سوف يواجه الزعيم العراقي نوري المالكي المزيد من المهام الصعبة، ومن أخطرها، الاستهداف الإقليمي الخارجي بواسطة دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية، باعتبارهم الأطراف الإقليمية الأكثر اهتماماً بدعم صعود التيارات والقوى السنية العراقية في مواجهة نوري المالكي، والذي يسعى للمضي قدماً باتجاه تعزيز روابط العراقي مع مكونات بيئته الجيوسياسية التاريخية المتمثلة في سوريا وإيران ولبنان وهو الأمر الذي أشعل المزيد من مشاعر الغضب والمخاوف في أوساط خصوم سوريا وإيران الإقليميين والدوليين. وبكلمات أخرى ينظر الخبراء إلى نجاح المالكي في بسط الاستقرار كمؤشر يفيد لجهة حسم الخيار الجيوسياسي المتعلق بمنظومة التكتل الإقليمي السوري ـ العراقي ـ الإيراني ـ اللبناني، والذي سوف تضطر تركيا إلى اللحاق بركبه، وتضيف التحليلات بأن فشل نوري المالكي في بسط السيطرة غير وارد ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ وذلك لأن الحركات السنية المعارضة لنوري المالكي أصبحت تعاني من حالة الضعف المتزايدة في ظل تداعيات الانسحاب الأمريكي، وعدم قابلية الساحة العراقية لانتقال عدوى احتجاجات الربيع العربي التي تسعى الحركات الإسلامية السنية لاستغلالها وركوب موجتها العارمة بقيادة محور الرياض ـ الدوحة.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد