الصين تطرح تعزيز التعاون العسكري والأمني ضد الإرهاب وتطلق مبادرة كبرى نحو العالم العربي
في تحول بعيد المدى، أطلقت الصين مبادرة كبرى نحو الدول العربية. هذه المبادرة التي عرَّفت العالم العربي بـ«الشريك المهم لتعزيز التضامن»، تؤكد ضرورة تعزيز «التعاون الإستراتيجي» مع الدول العربية في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن والدفاع والرقابة المالية، وأيضاً التشارك في بناء استعادة «طريق الحرير» التاريخي. في مبادرتها، تمسكت الصين بالحلول السياسية لـ«القضايا الساخنة في المنطقة»، ودعم جهود الدول العربية في «وضع حد لانتشار الأفكار المتطرفة ومكافحة الإرهاب». وبخلاف واشنطن التي تسعى إلى تصدير «الديمقراطية»، أكدت بكين عدم فرض طريق معين على الدول العربية، بل شددت على احترامها للخصوصيات الوطنية.
وتسربت تقارير عن وجود محادثات أميركية صينية بشأن إطلاق مشروع لإعادة الإعمار في الشرق الأوسط، الذي تمزق دوله المجموعات الإرهابية والصراعات الإقليمية الحادة، يكون على شاكلة مشروع «مارشال» الذي أطلقته أميركا لإعادة بناء أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ومؤخراً، برز مؤشران على دخول السياسة الصينية طوراً جديداً في تعاملها مع المنطقة. فقد عرضت بكين استضافة محادثات السلام بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة، واستقبلت وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم وأيضاً رئيس الائتلاف المعارض خالد الخوجة. كما سارعت الصين إلى إرسال دبلوماسي رفيع إلى الرياض وطهران لتهدئة التوتر الذي اشتعل بين العاصمتين مؤخراً على خلفية إعدام السلطات السعودية للشيخ نمر النمر. ويبدو أن هذين التحركين ليسا معزولين، وإنما هما جزء من إستراتيجية صينية جديدة تجاه المنطقة.
وافتتحت الحكومة الصينية العام 2016، بإصدار وثيقة رسمية هي «الأولى من نوعها حول سياسة الصين تجاه الدول العربية»، أكدت فيها أن العالم العربي شريك مهم لتعزيز التضامن والتعاون.
وشرحت الوثيقة التي نشرتها وزارة الخارجية الصينية، ونقلت مقتطفات منها وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا»، أهمية الدول العربية، التي تقع في منطقة الالتقاء بين قارتي آسيا وإفريقيا، وما تتميز به من «طابع تعددي تنوعي ديني وحضاري بارز، وتعرف بعراقة ثقافتها وتاريخها وخصوصيتها في الموارد وإمكانياتها الهائلة في التنمية». وشددت على التزام الصين بتنسيق جهود تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في الدول العربية، من أجل تحقيق الكسب المشترك والتنمية المشتركة من خلال التعاون واستشراف آفاق أكثر إشراقاً لعلاقات التعاون الإستراتيجي بين الجانبين.
ولفتت إلى التزام الصين بتطوير علاقاتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة، إلى جانب دعم عملية السلام في الشرق الأوسط وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة، ودعم جهود جامعة الدول العربية في هذا السبيل، والتمسك بحل القضايا الساخنة في المنطقة بطرق سياسية، فضلاً عن دعم إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، والعمل على دعم جهود الدول العربية لتعزيز التضامن ووضع حد لانتشار الأفكار المتطرفة ومكافحة الإرهاب.
واستطردت الوثيقة في هذا المجال، موضحةً أن الصين، التي تواجه جماعات إرهابية في إقليم شينغيانغ والذي تسرب مقاتلون منها إلى سورية عبر تركيا ليشكلوا «الحزب التركستاني» المرتبط بـ«جبهة النصرة»، «ترفض بشكل قاطع وتدين الإرهاب بكافة أشكاله، وترفض ربط الإرهاب بعرق أو دين بعينه، وترفض المعايير المزدوجة»، لافتةً إلى أن بكين تدعم جهود الدول العربية في مكافحة الإرهاب وتدعم جهودها في تعزيز قدرتها على مكافحة الإرهاب. ودلت على الدواء الصيني لداء الإرهاب والمتمثل في «إجراءات شاملة واستئصاله من ظواهره وبواطنه في آن واحد» مشددةً على ضرورة الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها في عمليات مكافحة الإرهاب المعنية، في نقد مبطن لعمليات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش في سورية.
وأعربت الوثيقة عن رغبة الصين في التعاون مع الدول العربية في إقامة «آلية طويلة الأمد للتعاون الأمني وتعزيز الحوار» حول السياسات وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء التعاون الفني وتدريب الأفراد، الأمر الذي يسمح بمواجهة التهديدات الإرهابية الدولية والإقليمية بشكل مشترك.
وفيما يتعلق بـ«الأمن غير التقليدي»، فقد أشارت الوثيقة إلى دعم الصين جهود المجتمع الدولي في مكافحة القرصنة البحرية ومواصلة إرسال السفن العسكرية للمشاركة في مهام الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية الدولية قبالة خليج عدن والسواحل الصومالية بالإضافة إلى إجراء التعاون في مجال أمن الانترنت. ودعت الوثيقة، بحسب وكالة «رويترز»، إلى مزيد من الزيارات العسكرية رفيعة المستوى والتعاون التقني في مجال الأسلحة والتدريبات المشتركة، بين الصين والدول العربية، مبينةً أن هدف الصين هو «مواصلة دعم الإنشاءات العسكرية والدفاعية (في) الدول العربية والحفاظ على السلام الإقليمي».
وفي ذات المجال، أكدت الوثيقة أن الصين تدعو إلى تطبيق «مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في الشرق الأوسط»، ودعت الدول العربية وسائر الدول بالمنطقة إلى بناء «آلية الأمن الإقليمية» التي تقوم على التعاون الجماعي وتتسم بالتشارك والتقاسم، بما يحقق الأمن والأمان الدائمين والازدهار والتنمية في الشرق الأوسط. وشددت الوثيقة على احترام الصين لخيار شعوب الدول العربية، ودعم جهودها لاستكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية، والتطلع لزيادة تبادل الخبرات حول حكم وإدارة البلاد من خلال مجموعة من النقاط كزيادة التعاون العملي وفقاً لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وخاصة التشارك في بناء «الحزام والطريق» (المقابل المعاصر لطريق الحرير التاريخي).
ولفتت الوثيقة إلى حرص الصين على مشاركة الدول العربية في مساعي تكريس التنوع الحضاري في العالم، وزيادة توثيق التواصل الإنساني والثقافي، وتعزيز التعاون في جميع المجالات لزيادة أواصر التفاهم والصداقة والتكامل والتمازج بين الثقافتين الصينية والعربية، بما يسهم في توحيد جهود الأمتين الصينية والعربية في الدفع بالتقدم والازدهار للحضارة البشرية.
وأشارت الوثيقة إلى أن الصين تدعم تبادل فتح فروع بين المؤسسات المالية الصينية والعربية التي تفي بالشروط المطلوبة والتعاون المهني المتعدد المجالات، علاوة على تعزيز التواصل والتعاون بين الجهات المختصة بالرقابة والإشراف، وتعزيز التعاون النقدي بين البنوك المركزية لدى الجانبين. وسترحب بكين بانضمام الدول العربية إلى «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية».
المصدر: الوطن+ وكالات
إضافة تعليق جديد