العامل السوري في تصحيح مسار السياسة التركية الخارجية

08-10-2007

العامل السوري في تصحيح مسار السياسة التركية الخارجية

الجمل: بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، وتولي زعماء الحزب عبد الله غول منصب الرئاسة، ورجب أردوغان منصب رئاسة الوزارة، بدأت تتضح بعض المعالم الجديدة للسياسة الخارجية التركية المتوقعة في فترة ما بعد فوز حزب العدالة والتنمية.
* مكانة الشرق الأوسط في السياسة الخارجية التركية:
خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في مرحلة الحرب الباردة، ارتبطت تركيا بسلسلة من الاتفاقيات الإستراتيجية أخذت تركي باتجاه دائرة الروابط الأمريكية – الأوروبية – الإسرائيلية، وقد ترتب على ذلك أن أصبحت، أو بالأحرى وجدت تركيا نفسها بعيدة وقد انتبذت لنفسها مكاناً قصيّاً عن بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية.
اقتصر الدور التركي خلال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى قبل عامين تقريباً، على القيام بدور الوكيل للسياسة الخارجية الأمريكية، والقاعدة العسكرية لحلف الناتو وللقوات الأمريكية، والصديق المخلص لإسرائيل...
تداعيات هذه التوجهات السياسية التركية، ترتب عليها بالمقابل قيام الدول الشرق متوسطية المجاورة لتركيا، بعدم إفساح المجال لتركيا في قضايا التفاهم والتعاون الإقليمي، الأمر الذي أدى إلى عزل تركيا عن قضايا مجالها الإقليمي، هذا وتجدر الإشارة إلى أن الدور التركي في المنطقة، قد اكتسب في بعض المراحل طابعاً عدائياً، وعلى وجه الخصوص ضد العراق، وتسبب بالكثير من المشاكل ضد سوريا وبالذات في قضايا المياه وملف اللاجئين الأكراد...
* حزب العدالة والتنمية وتصحيح توازن الدور والمكانة في السياسة الخارجية التركية:
السياسة الخارجية التركية، تتجاذبها -على أساس اعتبارات الخصائص الجيو–سياسية للدولة التركية- العديد من الدوائر الإقليمية والدولية، ومن أبرزها: الشرق الأوسط (سوريا - العراق)، الشرق الأدنى (إيران، أرمينيا، أذربيجان)، البلقان (اليونان، بلغاريا، رومانيا)، القفقاس (منطقة جنوب غرب روسيا)، هذا بالنسبة للدوائر الإقليمية، أما بالنسبة للدوائر الدولية، فقد ظلت تركيا حصراً، ساحة مغلقة لنفوذ مثلث: الولايات المتحدة – إسرائيل – والاتحاد الأوروبي.
من المعروف أن هناك ارتباط وثيق بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، وطبيعة هذا الارتباط تختلف بحسب طبيعة توجهات النظام الحاكم، فهناك دول تُكيِّف سياستها الداخلية بحسب متطلبات السياسة الخارجية، ومن أمثلتها تركيا نفسها خلال فترة التبعية والارتباط الشديد بالسياسات الأمريكية والغربية، وهناك دول تُكيِّف سياستها الخارجية بحسب متطلبات السياسة الداخلية، وهي الدول التي تلتزم بانتهاج سياسة خارجية تخدم مصالحها الوطنية والقومية، وقد تميزت سوريا بهذا الاتجاه من بين معظم دول العالم الثالث، التي ما زال الكثير منها يتعجل الارتماء في دائرة التبعية والسير في ركب تلبية أجندة السياسة الخارجية الأمريكية... حتى لو كان ثمن ذلك التضحية بسيادته الوطنية، كما في حال الدول العربية التي فتحت أراضيها بسخاء لاستضافة القوات الأمريكية... إلى الحد الذي وجدت هذه الدول نفسها معه واقعة تحت الاحتلال العسكري الأمريكي غير المعلن...
أجندة حزب العدالة والتنمية التي وجدت الدعم والمساندة بواسطة الناخبين الأتراك كانت واضحة وبسيطة للغاية، وتركز بشكل تام على تحقيق هدف إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية، وبكلمات أخرى، فإن حزب العادلة والتنمية أصبح بعد فوزه مطالَباً بإثبات مدى مصداقيته إزاء ما طرحه من شعارات أيدها الأتراك، وحملته إلى كراسي الحكم..
لعبت تركيا دوراً كبيراً في صياغة وتشكيل تاريخ الشرق الأوسط القديم والوسيط والمعاصر، وفترة الستين عاماً التي انقطعت فيها تركيا عن بيئتها الشرق أوسطية لا تعني شيئاً بالنسبة للتاريخ التركي العريق الذي يمتد لآلاف السنين...
وحالياً، فإن على حكومة حزب العدالة والتنمية أن تستخدم هذا الرصيد التاريخي جيداً، باعتباره يمثل أحد العوامل والروافد المهمة لبناء القوة القومية التركية، ولحسن الحظ أن الرأي العام التركي قد أدرك جيداً الضعف والانحطاط الذي تعرضت له تركيا طوال الستين عاماً الماضية من جراء الركوب في قاطرة التبعية الأمريكية، والقيام بدور القاعدة التجسسية والعسكرية الأمريكية – الإسرائيلية لشن الحروب السياسية والسرية ضد بلدان المنطقة والاتحاد السوفييتي السابق، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الباهظة التي تكبدتها تركيا بسبب علاقاتها وروابطها مع إسرائيل... علماً بأن وضع تركيا كان يمكن أن يكون أفضل بأضعاف المرات لو تخلّت عن إسرائيل ولجأت إلى بناء روابط التعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع العالم العربي.
* العامل السوري هل يكون أول المؤشرات في تصحيح مسار السياسة الخارجية التركية:
نقلت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم: هاآرتس، أورشليم بوست، وايديعوت أحرونوت، خبر لقاء وزير الخارجية التركي علي باباجان، وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية، والذي سبقه لقاء باباجان والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز.
لقاء الوزير التركي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني "خرج منه الوزيران، دون الإدلاء بأي تصريحات ولم تتطرق أي جهة لما دار فيه"... ولكن لقاء الوزير التركي مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز تطرق للآتي:
* طالب الوزير التركي بالآتي:
 * قيام إسرائيل بتقديم المعلومات والتفسيرات لتركيا حول الغارة الإسرائيلية، وخزان الوقود الذي أسقطته الطائرات الإسرائيلية بجانب الحدود التركية.
 * ضرورة مشاركة سوريا في المؤتمر الدولي للسلام الذي دعت الإدارة الأمريكية لعقده في يوم 26 تشرين الثاني 2007م بمدينة أنابوليس – ولاية ميرلاند الأمريكية.
* عدم قيام الإسرائيليين باستخدام الأراضي أو الأجواء التركية في القيام بأي عمل عسكري ضد سوريا، وذلك لأن تركيا لن تسمح لهم بذلك.
* تعليقات الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز:
* "بالنسبة للسوريين، إذا كانوا جادين فإن إسرائيل ستكون مستعدة لإقامة السلام، ولكن السوريين يلعبون لعبة مزدوجة، فبينما يطالبون بالسلام، فإنهم أيضاً يقومون بدعم وتقوية الإرهاب العالمي، ويمثلون دولة تابعة لإيران، ويدعمون حزب الله، ويعملون على إسقاط الحكومة اللبنانية..."
* بالنسبة للمعلومات والتفسيرات التي طلبها الوزير التركي حول الغارة الإسرائيلية وخزان الوقود، علق الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز قائلاً: "أرى وأقترح أن نذهب بعيداً عن التفاصيل الكثيرة"... وأشارت صحيفة هاآرتس بأن بيريز كان متجهم الوجه عندما قال ذلك، وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن بيريز طلب من الصحفيين عدم طرح أية أسئلة تتطرق لهذا الموضوع طوال الفترة المتبقية من مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية التركي!!!
لسنا بصدد الدفاع عن تركيا، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها وزير خارجية تركي، ويتحدث أمام الإسرائيليين طارحاً الحقائق بهذا الشكل القوي الواضح... وكما هو واضح فإن الإسرائيليين لم يتعودوا طوال السنوات الماضية مثل هذا النوع من الوزراء الأتراك، والذين يطرحون القضايا إلى الحد الذي يؤدي إلى تجهم وجه الرئيس الإسرائيلي ولجوئه إلى إسكات الصحافة الإسرائيلية من الخوض في التفاصيل الكثيرة، والتي هي تفاصيل -كما هو متوقع- يمكن أن تؤدي إلى كشف لعبة شبكة جون بولتون... وفضح مؤتمر السلام الذي ترتب له في الخفاء إسرائيل ومن وراء أمريكا في العلن.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...