العربي الوحيد بين العرب: رجب طيب أردوغان
تزامن بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان مع التدشين الرسمي لخط باكو جيهان الذي ينقل نفط أذربيجان وقزوين إلى ميناء جيهان عند خليج الإسكندرون في تركيا.
يمثل هذا المشروع رمزاً للتعاون الاستراتيجي بين أنقرة والقوى الغربية، ولا سيما واشنطن، في محاولة لإعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية لمصلحتها.
أنقرة هذه، التي مثلت حصان طروادة إسلامياً طوال خمسين عاماً لمصلحة إسرائيل، تحالفات وتشكيل ذهنيات معادية للعرب، تبدو اليوم، ومنذ ثلاث سنوات، عصية على المنطق المعاكس للتاريخ والجغرافيا والنضال المشترك تحت الراية العثمانية.
اليوم تتجدّد رابطة المصير المشترك، على الأقل لدى الشارع في كلا الطرفين.
كانت اسطنبول السباقة لتظاهرات التنديد بحصار غزة وتدميرها بعد أسر الجندي الإسرائيلي. وكانت اسطنبول السباقة في رفع الصوت لجمع التبرعات لضحايا العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان، تحت شعارات مختلفة منها ولو ما في حدا؟ يداً بيد مع الشعب الفلسطيني. أليس من يمسح الدموع التي لا تنضب للشعب الفلسطيني؟.
أينما تنقلت تسمع الصراخ العميق للأتراك، من سائق سيارة الأجرة الى الأكاديمي الذي قد يعرّف عن نفسه بأنه مؤمن أو ملحد. لم تتمالك الصبية سلمى، وكانت للتوّ تنتهي من وضع اللمسات الأخيرة على نشاط يشارك فيه إسرائيليون، من ذرف الدموع على ضحايا الهمجية الإسرائيلية في لبنان. قلت لها: من أجل دموعك يا سلمى لن نترك أي ساحة مشتركة بين العرب والأتراك إلا وسنعمل على ترسيخها.
باستثناء قلة من الأقلام الفردية التي تدافع عن المشروع الأميركي في الشرق، باعتباره فجر التغيير، تكاد تركيا تكون صوتاً واحداً. غوندوز أقتان، مثلاً، السفير المتقاعد ورئيس مركز أسام للدراسات في أنقرة، شكل مفاجأة البرنامج التلفزيوني الذي شارك بعض من كبار الساسة والأكاديميين مثل وزير الخارجية السابق ياشار ياقيش ورئيس الاستخبارات السابق ماهر قايناق، وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو، وعلي بولاج وجنكيز تشاندار وكاتب هذه السطور. لم تدع إسرائيل لأحد من أصدقائها في تركيا ولو بقعة صغيرة لستر عورتها. استخدام القوة بصورة مفرطة كانت العبارة المتداولة، بديلاً من كلمة العدوان أو الإجرام. الجميع يرون إسرائيل أمام مأزق حقيقي: قتل وتدمير، وماذا بعد؟ في النهاية هناك واقع احتلال أرض وأسر شعب. ولا مناص من الاعتراف بحقوق الآخرين.
أفردت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة معظم أخبارها وصورها للمجازر الإسرائيلية في لبنان. المسؤولية الكاملة تقع عليها، مهما ادعوا الحق في الدفاع عن النفس. الكاتب المعتدل طه أقيول، قد يُضمّ الى قائمة معادي السامية عندما وصف في ذروة غضب، التكتيكات الإسرائيلية بـ النازية وإسرائيل تجذّر بنفسها ردود الفعل على عدوانها.
تحتاج الكتابات التركية في الأسبوع الأول من العدوان على لبنان إلى دراسة توثيقية وتحليلية ك<شهادة تاريخية> على الروح المشتركة للشعبين العربي والتركي.
كانت السلطة في تركيا على الدوام في وادٍ (مع إسرائيل) والشارع في وادٍ آخر: مع بولنت أجاويد الذي دفع ثمن وصفه لممارسات إسرائيل بالإبادة خروجاً من الحكومة، كان النموذج يبدأ بالتبلور. ومع رجب طيب أردوغان اكتمل النموذج. هناك شبه إجماع على أن أردوغان بمواقفه المشرّفة ومفرداته التي استخدمها ضد إسرائيل، يعتبر الأكثر عروبة بين العرب، بل لعله العربي الوحيد بينهم! هل سيدفع الآن ما دفعه أجاويد سابقاً؟ سؤال يُطرح رغم إدراك واشنطن صعوبة ذلك والتي تحاول استيعاب أردوغان عبر رشوة بإعطائه ضوءاً أخضر (غير مؤكد بعد) للقيام بهجمات جوية (وربما برية لاحقاً) ضد قواعد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
انضمّت مصر والسعودية والأردن إلى جبهة محمّلي حزب الله مسؤولية ما يجري. لكن أردوغان يمشي بعكس التيار: ما هو همّ إسرائيل؟ هل تريد احتلال كل فلسطين؟ نحن نريد أن نعرف ذلك؟
ومع ذلك يعترف الجميع بمحدودية تركيا على القيام بدور فاعل ومؤثر. هذه كانت خلاصات العديد من المشاركين في مؤتمر السياسات الدولية ومستقبل الشرق الأوسط، الذي عقده ملتقى أبانت في المنتجع الجبلي بولو بين أنقرة واسطنبول. ماهر قايناق يرى أنه لا مجال لقيام تركيا بخطوات جادة، وقد بدا ذلك من استمرار العدوان على لبنان وفلسطين. فلتركيا أيضاً حدود في سياساتها الخارجية، هي الذاهبة الى الاتحاد الأوروبي.
تركيا حاضرة في منظمة المؤتمر الإسلامي عبر أمينها العام أكمل الدين إحسان أوغلو، الذي التقيناه والذي يرفض فكرة أن المنظمة عاجزة، بل قامت باتصالات هاتفية مع كوفي أنان ونجحت في إقناع مجلس حقوق الإنسان لإرسال بعثة تقصي حقائق إلى غزة (!).
وعما إذا كان سيدعو الى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية الإسلاميين، قال أوغلو إنه لا توجد في الوقت الراهن مثل هذه الفكرة، ولكنها قد تكون قائمة في أي لحظة.
يقع أكمل الدين إحسان أوغلو، الناشط بإيمان وعقل في عجز المنظمة التي ترهلت كما هو الواقع الإسلامي، وقد تحرك ديناميته بعض المياه الراكدة في محيط من التخاذل والتواطؤ. ولكن أنى له ذلك؟ نافياً، إحسان أوغلو، أي تواصل مع المسؤولين اللبنانيين.
تركيا الرسمية في كفة، لكن تركيا الشعبية ليست في كفة أخرى. الجميع في مركب واحد. مؤتمر الشرق الذي يضم نخبة من المثقفين الأتراك من كل الاتجاهات يعتزم زيارة المنطقة مطلع الأسبوع المقبل. البداية مؤتمر صحفي وتضامن مع الشعب اللبناني (والفلسطيني) من دمشق. وإذا توافرت الظروف الأمنية المناسبة سيأتي الوفد الى بيروت ليكون الى جانب الشعب اللبناني الذي عرفه زائراً وداعماً قبل سنتين في خطوة غير مسبوقة من جانب منظمات المجتمع المدني في تركيا. ولم تتأخر معظم وسائل الإعلام التركية في إرسال مندوبين لها إلى بيروت وقاموا بنقل حي من وقت لآخر للعدوان الإسرائيلي.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد