المفاضلة بين دبلوماسية واشنطن ودبلوماسية دمشق منذسقوط بغدادإلى اليوم
الجمل: برغم تواتر حالات التصعيد والتهدئة على خط دمشق – واشنطن فإن أزمة الإدراك الأمريكي إزاء سوريا ما تزال تلقي بتداعياتها على الكثير من الجوانب ومكونات البيئة الإقليمية الشرق أوسطية.
* خط بغداد – واشنطن: تداعيات ما بعد احتلال بغداد:
شهدت العلاقات السورية – الأمريكية تدهوراً حاداً خلال الفترة الممتدة من لحظة احتلال القوات الأمريكية للعراق وحتى الآن، وتشير التحليلات إلى تزايد التباينات في المواقف بما أدى إلى انتقال خط دمشق – واشنطن من مرحلة الانفتاح الدبلوماسي إلى مرحلة الانغلاق الدبلوماسي ويمكن الإشارة إلى المعالم الرئيسية المتعلقة بهذا التحول على النحو الآتي:
• على الجانب الأمريكي:
- متغير الإدراك: إعادة تشكيل الإدراك الأمريكي لجهة تنميط سوريا باعتبارها بلداً راعياً للإرهاب.
- متغير السلوك: إصدار العديد من القوانين التي تسعى إلى استهداف ومعاقبة سوريا إضافةً إلى قطع الطريق أمام محاولات إعادة العلاقات والتفاهم المشترك.
- متغير الدبلوماسية: الدفع باتجاه محاولة تجميع حلفاء أمريكا حول مشروع عزل سوريا إضافةً إلى محاولة استخدام المؤسسات الدولية في الحملة ضد سوريا.
- متغير التصريحات: تزايدت التصريحات الرسمية التي تدفع باتجاه تهديد واستهداف وتشويه صورية سوريا في الرأي العام الأمريكي والدولي.
• على الجانب السوري:
- متغير الإدراك: أصبح الإدراك السوري أكثر استقراراً لجهة فهم معضلة الإدراك الأمريكي الذي تم تشكيله بواسطة النخبة السياسية الأمريكية المرتبطة باللوبي الإسرائيلي.
- متغير السلوك: بذل المزيد من الجهود من أجل تصحيح الأداء السلوكي الأمريكي إضافةً إلى السعي لجهة الانفتاح إزاء التعامل المتوازن مع الأطراف الغربية وحلفاء أمريكا الذين لم يتخذوا موقفاً سلوكياً قاطعاً لجهة تبني الأداء السلوكي الأمريكي إزاء سوريا.
- متغير الدبلوماسية: الحفاظ بقدر الإمكان على التوازن المؤسسي للعلاقات مع أمريكا لجهة الإبقاء على البنيات والهياكل المؤسسية الدبلوماسية على أمل إتاحة الفرصة لإعادة بناء العلاقات والروابط الإيجابية والفهم المشترك. وقد ركزت سوريا على عدم استخدام حق التعامل بالمثل إزاء السلوك الدبلوماسي الأمريكي الساعي إلى الإخلال بتوازن البنيات التحتية الدبلوماسية مثل سحب السفير الأمريكي من دمشق وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في دمشق أو مضايقة البعثات الدبلوماسية السورية في أمريكا وما شابه ذلك.
* معطيات خبرة التطورات الدبلوماسية الجارية:
يمكن تصنيف معطيات خبرة العلاقات على خط دمشق – واشنطن خلال مرحلة الحرب الباردة ضمن ثلاثة مراحل هي:
• المرحلة الأولى: المرحلة الأولى: في الفترة من عام 1991م وحتى العام 2001م تصفها بعض التحليلات السياسية – الدبلوماسية الأمريكية بأنها مرحلة الفرصة الضائعة لجهة فشل الدبلوماسية الأمريكية في القيام بتوظيف أجندة عملية سلام مدريد بما يؤدي إلى إنجاز اتفاقية سلام سورية – إسرائيلية برغم قيام الإدارة الأمريكية بالإشراف على عمليتي تفاوض مكثفتين بين سوريا وإسرائيل الأولى عامي 1995-1996 والثانية عامي 1999-2000م.
• المرحلة الثانية: الفترة من عام 2001 إلى عام 2003م: تصفها بعض التحليلات السياسية – الدبلوماسية الأمريكية بأنها مرحلة التحضير والانتقال الأمريكي نحو المواجهة الدبلوماسية مع سوريا، تحت تأثير تداعيات أحداث 11 أيلول 2001م والانتصار العسكري الأمريكي الخاطف في أفغانستان لجهة الإطاحة بنظام طالبان إضافةً إلى السيطرة النافذة التي استطاع خصوم سوريا في أمريكا فرضها على عملية صنع واتخاذ القرار الأمريكي إزاء سوريا.
• المرحلة الثالثة: الفترة بين عامي 2003-2004م: تصفها بعض التحليلات السياسية – الدبلوماسية الأمريكية بأنها مرحلة المواجهة الدبلوماسية مع سوريا وذلك على النحو الذي تضمن قيام الإدارة الأمريكية بتوجيه الاتهامات التي هدفت إلى بناء المزيد من الذرائع التي يمكن أن يتم استخدامها في بناء ملف المبررات التي تفسح المجال أمام الإدارة الأمريكية للقيام بالاستهداف الفعلي الميداني في سوريا.
• المرحلة الرابعة: الفترة بين عامي 2004-2005م: تطلق عليها بعض التحليلات السياسية – الدبلوماسية تسمية مرحلة التصعيد والمواجهة التي ركزت فيها الإدارة الأمريكية على استخدام الاتهامات الموجهة ضد سوريا بالاستناد إلى ملف لبنان وملف العراق إضافةً إلى العلاقات السورية – الإيرانية.
• المرحلة الخامسة: الفترة من عام 2006م وحتى الآن: تطلق عليها بعض التحليلات السياسية – الدبلوماسية الأمريكية تسمية مرحلة التهدئة وإعادة الارتباط والانتعاش لوضع الذي كان قائماً على خط دمشق – واشنطن في فترة ما قبل عام 2001م.
برغم الاختلافات والفوارق بين مراحل الدبلوماسية على خط دمشق – واشنطن فإنه تجدر الإشارة إلى الملاحظات الآتية:
• ارتباط هذه المراحل بمتغير الإدراك الأمريكي الذي ظل مرتبطاً بإسرائيل إضافةً إلى تأثير التيارات الليكودية في أوساط نخبة اليهود الأمريكيين.
• ثبات واستقرار الموقف الدبلوماسي السوري لجهة عدم تقلب الدبلوماسية السورية مع تقلبات الدبلوماسية الأمريكية.
• تقلبات وعدم استقرار الدبلوماسية الأمريكية إزاء سوريا كانت إما بسبب تأثير الشعور الأمريكي بالقوة المتفوقة على النحو الذي أدى بواشنطن إلى الدفع باتجاه خيار المواجهة مع سوريا أو بسبب تأثير الإخفاقات الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط على النحو الذي أدى إلى لجوء الدبلوماسية الأمريكية إلى خيار الصمت أو التهدئة أو محاولة التعاون مع سوريا.
* واشنطن وإشكالية خيارات دبلوماسية سوريا:
ما زال متغير الإدراك الأمريكي لجهة المفاضلة والمعاير بين خيارات دبلوماسية سوريا ويقف أمام المزيد من الأسئلة المحرجة وذلك ليس بسبب تأرجح متغير الموقف الأمريكي الرسمي وإنما بسبب تأرجح وحالات النجاح والإخفاق الأمريكي في المسرح الجيوسياسي الشرق أوسطي ونشير إلى التحليلات الآتية:
• خيار المواجهة الدبلوماسية مع سوريا: ويتوقف تطبيقه على:
- نجاح السياسة الأمريكية إزاء الآتي:
* ملف تركيا: لجهة إضعاف حزب العدالة والتنمية التركي أو على الأقل ترويضه بما يؤدي إلى إعادة الحكومة التركية إلى الحظيرة الأمريكية على غرار ما كانت عليه أنقرة خلال فترة تورغت أوزال وديميريل وغيرهم من حلفاء محور واشنطن – تل أبيب.
* ملف العراق: لجهة أن استقرار الوجود الأمريكي في العراق لابد أن يترتب عليه استخدام واشنطن للعراق كقاعدة انطلاق لإنجاز خطوات استهداف سوريا وإيران.
* ملف لبنان: لجهة أن سيطرة حلفاء أمريكا على بيروت ستعزز قدرة واشنطن في استخدام لبنان كبوابة مباشرة لاستهداف سوريا.
* ملف الردع الإسرائيلي: يعتمد متغير الدبلوماسية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وتحديداً سوريا على متغير قوة الردع الإسرائيلي ولكن على خلفية عدم قدرة إسرائيل العسكرية على احتواء خطر حزب الله اللبناني إضافةً إلى نجاح سوريا في تحقيق التفوق الكمي كمعادل للتفوق النوعي الإسرائيلي فإن متغير الدبلوماسية الأمريكية أصبح فاقداً لأهم المرتكزات الهيكلية التي يستند عليها لجهة القيام بالمواجهة الدبلوماسية مع دمشق.
• خيار التعاون مع سوريا: ويتوقف تطبيقه على حدوث أحد عاملين أو كلاهما:
- فشل السياسة الخارجية الأمريكية إزاء ملفات لبنان والعراق وتركيا وإيران والفلسطينيين إضافةً إلى ملف قوة الردع الإسرائيلي وذلك على النحو والذي يتعاظم معه إدراك الإدارة الأمريكية بأن خيار المواجهة مع سوريا لا يجدي نفعاً إن لم يكن يجلب للمصالح الأمريكية المزيد من الخسائر.
- تبني السياسة الخارجية الأمريكية لمبدأ الحياد والموضوعية في التعامل مع أطراف النزاع الشرق أوسطي وعلى وجه الخصوص النزاع السوري – الإسرائيلي إضافةً إلى تخلي الإدارة الأمريكية عن مبدأ تطبيق المعايير المزدوجة وعلى وجه الخصوص مع سوريا ويرى البعض بأن هذا الأمر من الصعب حدوثه في ظل إدارة بوش الحالية التي يسيطر عليها خصوم سوريا.
ونلاحظ هنا أن سيناريو التعاون مع سوريا لا يمكن النظر إليه ضمن إطار العلاقات ضمن إطار العلاقات الثنائية السورية – الأمريكية وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة السياسة الخارجية الشرق أوسطية الأمريكية لجهة العلاقة الخاصة على خط واشنطن – تل أبيب وهي علاقة تمارس بنودها وأجندتها حضوراً فاعلاً في عملية صنع واتخاذ القرار الأمريكي الشرق أوسطي وعلى وجه الخصوص مع سوريا.
* الإدارة الأمريكية وإشكالية الفرص الضائعة على خط دمشق – واشنطن:
يقول ديفيد دبليو ليش الباحث الأمريكي في مركز دراسات مؤسسة القرن بوجود خلاف وفرق كبير بين الخطر الذي تتعرض له إسرائيل بواسطة إيران وحزب الله وحركة حماس وبين الخطر الذي تتعرض له بواسطة سوريا لأن سوريا تطالب بحقوقها وإضافةً لذلك يرى الباحث بأن إسرائيل هي التي تمثل خطراً استراتيجياً على سوريا.
ويشير الباحث إلى أن المطالبة السورية المستمرة باسترداد الجولان لا يمكن أن تتغير إذا تغير النظام في دمشق لأن ما يدركه الإسرائيليون هو أن كل السوريين بمختلف توجهاتهم يطالبون بالإجماع باسترداد الجولان كشرط أساس لأي اتفاقية سلام مع إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد