داعش يُذكر رعاته: «أنا هنا»
محمد صالح الفتيح: أبى تنظيم داعش أن ينتهي شهر رمضان دون أن يكون قد أكمل إرسال رسائله لكل رعاته. بدأ الشهر باستهداف مقر للمخابرات الأردنية في مخيم البقعة شمال الأردن، مودياً بحياة خمسة عناصر من المخابرات الأردنية وعاد ليضرب الأردن باستهداف موقع عسكري في منطقة الرقبان. وبعدها بأيام ضرب مطار أتاتورك في إسطنبول. وخلال الساعات الثمانية والأربعين الماضية حصلت عدة تفجيرات انتحارية في السعودية، بدايةً باستهداف القنصلية الأميركية في مدينة جدة، واستهداف مسجدين في القطيف ومحاولة تفجير بالقرب من الحرم النبوي.
باستثناء الهجوم على مطار إسطنبول، فإن المشترك بين جميع هجمات داعش الباقية هو الوتيرة المنخفضة نسبياً للأعمال الإرهابية، 5 ضحايا في هجوم الأردن الأول و6 في الهجوم الآخر. وأعداد قليلة جداً في هجمات السعودية. ولا بد أن نشير هنا إلى أن محاولة الهجوم على القنصلية الأميركية حصلت في ساعات الفجر الأولى في صبيحة عيد الاستقلال الأميركي، الرابع من تموز، أي أن القنصلية هي حتماً في حالة عطلة، ويستبعد حصول أي ضرر حقيقي في تفجير يحصل في هذا الوقت من النهار أساساً، ساعات الفجر الأولى. وحتى هجوم إسطنبول كان فيه بعض الغموض، أشرت إليه في منشور سابق (الرابط في التعليق الأول)، إذ غلب الطابع الاستعراضي الدرامي على الفعالية التي يفترض أنها هدف الإرهابيين الأول.
حتى الآن، لم يصدر داعش لأي بيان يتبنى فيه هجمات إسطنبول، كما تأخر في إصدار بيان تبني الهجوم على الأردن ولم يكن في بيانه تفسير لأسباب الهجوم. تواتر هذه الهجمات يشير إلى قرار مركزي، وليس مجرد قرار فردي من بعض الخلايا. بأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار يصبح لدينا تفسيران محتملان هما (1) داعش يعلن الحرب الشاملة على هذه الدول الثلاث أو (2) داعش يرسل لهم برسائل تحذير.
استبعد أن يكون هدف داعش هو إعلان الحرب الشاملة فالتنظيم لم يفعل ذلك يوم كان في ذروة قوته، صيف العام 2014، يوم كانت المواقع تتساقط أمامه بلمح البصر، ويوم كان هناك حالة انبهار واسع بظاهرة داعش. والتنظيم الآن أضعف من أن يعلن الحرب وهو في حال تراجع على أكثر من جبهة. ناهيك عن وجود مزاعم كثيرة حول العلاقة العميقة، على الأقل في السابق، بين داعش وهذه الدول الثلاث، بما في ذلك غض الأجهزة الأمنية لنظرها عن الدعم الذي يتم تقديمه من قبل أفراد وجماعات غير رسمية لتنظيم داعش. إعلان داعش الحرب الآن على هذه الدول الثلاث سيدفع الأجهزة الأمنية لهذه الدول لمطاردة هؤلاء الأفراد والجماعات والتضييق عليهم مما يسبب ضغطاً آخر على التنظيم في توقيت سيء جداً له. من المستبعد أيضاً أن يطلق داعش حربه ضد هذه الدول الثلاث بدون أن يقدم تفسيراً «من وجهة نظر شرعية» لهذه الحرب ومثل هذا التفسير لن يخرج على لسان جهة أقل مكانةً من العدناني أو البغدادي نفسه. وهذا ما لم يحصل حتى الآن بالرغم من أن أول العمليات حدثت منذ قرابة الشهر.
لهذه الأسباب، وأيضاً بسبب الوتيرة المنخفضة للعمليات الإرهابية، أميل لتبني التفسير الثاني: تنظيم داعش يرسل رسائل قاسية لرعاته، السابقين؟، ويذكرهم بوجوده وبقدرته على الضرب في أراضيهم وربما ينبههم إلى أن التنظيم، إن تأكد من تخليهم عنه، سيصبح مضطراً لإعلان حرب حقيقية، باستخدام هجمات جدية، ضدهم. للتأكد من صحة هذه النظرية لابد من متابعة ما ستقوم به هذه الدول الثلاث. هنا لابد من الإشارة إلى التالي. تركيا وإن كانت اتهمت تنظيم داعش بالوقوف خلف تفجيرات إسطنبول، حاولت أن تلقي ببعض المسؤولية على روسيا من خلال الإشارة إلى أن المنفذين، وباقي أفراد الخلية، قد دخلوا تركيا قبل شهر باستخدام جوازات سفر روسية. والآن بالرغم من أن وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية تتهم تنظيم داعش إلا أن أصابع الاتهام لديهم حاولت الإشارة إلى إيران وإلى عواقب الصراع الطائفي في العراق. قد يكون من المبكر الربط بين هجمات إسطنبول وقيام تنظيم داعش بهجوم كبير على مواقع القوات الكردية التي تحاصر مدينة منبج (كيف اطمئن تنظيم داعش إلى أنه يستطيع حشد قواته للهجوم على منبج ولن يكون هناك هجوم تركي عليه رداً على تفجيرات إسطنبول؟)، ومن المبكر أيضاً الربط بين الهجوم على الأردن وفشل هجوم «جيش سوريا الجديد» على البوكمال، الذي هو في أحد أهم جوانبه فشل مخابراتي بامتياز. حتى الآن لا يمكن القول أن أياً من الدول الثلاث قد قام بأي رد حقيقي موجه ضد تنظيم داعش وهذا ما يشير أيضاً أن هذه الدول فضلت استلام الرسالة الداعشية بدون أن ترد برسالة قوية. لنراقب أداء داعش في الأيام والأسابيع المقبلة لنتأكد إن كانت محاولته للتذكير قد آتت أُكلها.
إضافة تعليق جديد