عبد الله الثاني يبحث في موسكو عن «مخرج آمن»
ملفات عديدة على طاولة المباحثات الروسية ـ الأردنية. ثنائياً، هناك إنشاء مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء، والحصول على رخص ومساعدات فنية لإنتاج أسلحة روسية متوسطة، والمبادلات التجارية، والسياحة، وآخر مستجدات المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. غير أن محور اللقاء يدور حول سوريا.
روسيا العاتبة، علناً، على تزويد الحكومة الأردنية المعارضةَ السورية المسلحة في جنوبي البلاد، بالسلاح والرجال، ستستمع إلى توضيحات أردنية تقلل من حجم الخروق المذكورة، وتذكّر بأن حدودها مع سوريا ظلت، على مدار السنوات الثلاث الماضية، رغم الضغوط، الأقل إيذاءً للنظام السوري من مثيلاتها مع لبنان وتركيا والعراق. وستذكّر، أيضاً، بأن المطارات الأردنية تقدم خدمات لطائرات الشحن التابعة لوزارة الطوارئ الروسية التي تنقل مساعدات من روسيا إلى سوريا. عمّان، بالنسبة إلى تحالفاتها الخليجية والأميركية، تعاونت إلى الحد الممكن في تلافي التدخل في سوريا؛ وبينما يغضب منها السوريون وأصدقاء سوريا، فإنها تثير غضباً مماثلاً لدى الرياض التي وصلت إلى حد اليأس من الغموض الأردني إزاء فتح الحدود أمام معركة جنوب سوريا.
الروس ليسوا غاضبين في الواقع، لكنهم عاتبون ومتفهمون في آن واحد. هناك اتفاق علني مع الجانب الأردني على الحل السياسي في سوريا. لكن، وراء الأبواب الموصدة، هناك موقف أردني مستجدّ. وصل المسؤولون الأردنيون إلى قناعات ثلاث راسخة (1) الرئيس بشار الأسد ونظامه باقيان، (2) لا تدخل عسكرياً أميركياً أو غربياً مباشراً، ولا سماح، أميركياً، بتزويد المعارضة المسلحة بتقنيات عسكرية نوعية، (3) لكن الأزمة مستمرة، ومخاطرها على الأمن الأردني عالية جداً. بالإضافة إلى السوريين الآتين عبر المعابر الشرعية، هناك اللاجئون غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أكثر من ستمئة ألف، أصبح تجمعهم الرئيسي في مخيم الزعتري ـ الذي شهد ما يشبه الانتفاضة أخيراً ـ عالي الخطورة. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في الإرهاب الراجع إلى البلاد، مسلحين وأسلحة ومخدرات... إلخ، وفي الأسابيع الأخيرة شهدت الحدود الأردنية ـ السورية، العديد من الصدامات المسلحة مع مجموعات قادمة من سوريا.
لدى أوساط داخل النظام الأردني، تقدير بأنّ تأخير الحسم في درعا، إنما يُقصَد منه الانتقام من التدخلات الأردنية في سوريا؛ فقد أصبحت درعا أخطر على الأمن الأردني، منها على الأمن السوري؛ أرسلت عمان مبعوثين إلى دمشق، وهي، للمفارقة، تستعجل الحسم العسكري في جنوبي سوريا؛ توصلت إلى أنه لا يوجد معتدلون بين الجماعات المسلحة على الجانب الآخر. وهي تأمل أن يسيطر الجيش السوري على الحدود بين البلدين في أقرب وقت.
كيف انتقلت عمان من الضلوع في المناقشات حول هجوم على جنوبي سوريا إلى الأمل بعودة الدولة السورية إلى الحدود؟
أولاً، يؤكد مسؤولون أردنيون أن المناقشات شيء والقرار الميداني شيء آخر. ثانياً، فهمت عمّان بالخط العريض، السقف الذي يتحرك تحته الأميركيون في سوريا، وهو الضغط والدفع نحو تسوية ملائمة لأهداف واشنطن وتل أبيب، وليس إسقاط النظام السوري. ثالثاً، تفاقم المخاطر الحدودية على الأمن الأردني، رابعاً، المخاوف من تضاعف أعداد اللاجئين السوريين. كل ذلك دفع مطبخ القرار الأردني إلى التوافق، أخيراً، بين الأجنحة المختلفة إزاء سوريا، على استنتاج مفاده الآتي: أن بقاء النظام السوري وانتصاره، وليس إسقاطه أو استمرار الحرب، هو الذي يلبي مصالح المملكة الاستراتيجية، وهو ما يجب العمل عليه، من خلال خطين متوازيين: (1) الدفع نحو الحسم السوري، وخصوصاً في درعا، (2) الدفع نحو تفعيل حل سياسي واقعي في سوريا، أي يأخذ بالاعتبار أن «الأسد باقٍ».
هذه الهواجس والتوجهات حملها الملك عبد الله الثاني نحو موسكو؛ موسكو ـ وليس واشنطن ـ هي الجهة الواقعية للبحث عن مخرج آمن، والتوصل إلى الخطوة التالية بأقل خسائر ممكنة. لكن الخطوة كانت بانتظار فرصة. الفرصة جاءت (1) من قلب الخلاف السعودي ـ القطري، ما أتاح لعمّان أن تحصل على مساحة أوسع للمناورة، (2) الارتباك السعودي جراء إقدام تركيا، بتمويل قطري، على فتح جبهة كسب ـ اللاذقية، وما قد يحققه ذلك من تعاظم النفوذ القطري ـ التركي لدى المعارضة السورية المسلحة، وبصورة خاصة استعادة الإخوان المسلمين لسيطرتهم الميدانية والسياسية على كرسي المعارضة في أي حل قادم.
عمّان منزعجة من الهجوم التركي على كسب، وتعده تطوراً سلبياً، والملك عبد الله الثاني الذي يكنّ مشاعر سلبية نحو رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ويعتبره «محرضاً طائفيا»، سيتحدث مع مضيفه الروسي في هذا الموضوع بلغة واحدة.
عمان تتجه نحو مصالحة مع دمشق، مروراً بمحطة إجبارية، هي موسكو، بحثاً عن تفاهمات وضمانات... إلخ. ذلك واضح. ما هو غير واضح يدور حول السؤال الآتي: هل يمهد الأردنيون لاستدارة سعودية أيضاً؟
تعاون نووي بقيمة 10 مليارات دولار
يتجه الأردن الذي ترهقه فاتورة الطاقة، وتعرقل تطوره الاقتصادي، إلى الطاقة النووية كبديل استراتيجي. روسيا ستبني محطة طاقة كهرذرية في الأردن. وأفاد موقع «روسيا اليوم» بأن وثائق المشروع الذي بحثه بوتين وعبد الله الثاني، ستكون جاهزة للتوقيع قبل حلول الصيف المقبل، على أن يكون الانتهاء من بناء المحطة في عام 2020. ومن المتوقع أن يكون هذا المشروع الأكبر في تاريخ العلاقات الروسية الأردنية الثنائية. ويقدر حجم الاستثمارات فيه بـ 10 مليارات دولار. وستشغل الطاقة الذرية نحو 12% إلى 15% من مجمل ميزان الطاقة في المملكة، وسيوفّر المشروع كامل احتياجاتها من الطاقة الكهربائية، مع وجود إمكانية لتصدير الفائض منها إلى دول الجوار.
في تشرين الأول من العام الماضي، فازت مؤسسة «روس أتوم» الحكومية الروسية بالمناقصة لبناء المحطة التي سيملك الجانب الأردني حصة 51% منها ، وتستثمر «روس أتوم» الروسية فيها 49% من إجمالي كلفتها.
تصنيع أسلحة روسية في الأردن
في عام 2013 أنشأت روسيا وحدة لإنتاج قاذفات (أر بي جي -32)، لتسليح الجيش الأردني، وكذلك لتصديرها إلى الخارج. وجهز الأردنيون الوحدة الإنتاجية، فيما قامت شركة «روس أبورون إكسبرت» بتجهيز الخطوط الإنتاجية والمكائن التي تصنّع وتجمّع القذائف، وكذلك الأشراف على عمل الخبراء الأردنيين.
تريد عمّان، أيضاً، تصنيع الأجزاء الاحتياطية للمروحيات ومنظومات «كورنيت» المضادة للدروع على أراضيها بترخيص روسي. لى ذلك، وجه المجلس الأردني للشؤون الخارجية، أمس، رسالة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تضامناً مع «روسيا الاتحادية التي تواجه الاستفزازات الغربية في أوكرانيا». وحيت الرسالة «عودة القرم إلى الوطن الأم» بوساطة استفتاء حر، وفي ظل الشرعية الدولية.
صخر العدوان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد