فيليب غيرالدي :تاريخ جرائم الحرب الإسرائيلية عار على أميركا
تقريبا الجميع باستثناء ديك تشيني يتفقون على أن السنوات الثماني من حكم الرئيس جورج بوش قد سببت ضررا كبيرا لاسم و سمعة الولايات المتحدة.
والرئيس باراك اوباما ، الذي أشار إلى التراجع الحاد في الآراء المؤيدة لأميركا، أكد مرارا انه سيمنح الأولوية لاستعادة سمعة الدولة في عين العالم .و قد أدرك على المستوى العملي أن السمعة الطيبة لأمة هي العامل الأساسي لسياسة خارجية فعالة،إنها عنصر مرغوب بشكل كبير و لا يكلف نقودا و لا أرواحا و لكنها أكثر فاعلية من أي برنامج مساعدة.
و قيام اوباما بمنح فرصة أول لقاء له مع إعلام أجنبي لقناة "العربية" التي تملكها السعودية أمر له مغزاه.إذ أنه يشير إلى أن الرئيس يفهم بدقة إلى أي مستوى متدني قد وصلت أميركا في عيون العالم . فحملة بوش ضد ما اسماه ب " الفاشية الإسلامية "سببت أضرارا عوضا عن الفوائد،إذ أبعدت عنا بلا ضرورة أكثر من مليار شخص معتنق للإسلام . و قد أتبع اوباما لقاءه مع "العربية" بخطاب بث مباشرة في إيران يحفز فيه الشعب الإيراني و الحكومة للدخول في حوار لتحسين العلاقات . و لاحظ المحللون أن أوباما لم يبتعد عن المطالب الأميركية الأساسية تجاه إيران و التي كتب مسودتها جورج بوش و المتضمنة التخلي عن برنامجها النووي و عن مساندة مجموعات مثل حماس و حزب الله . و لكن و لإنصاف أوباما، فانه إذا مضى بشكل سريع جدا في القضية الإيرانية سيفقد أي دعم من الكونغرس في حال أشار اللوبي المؤيد لإسرائيل لتعرضه للازدراء.و من جهتهم ، يطالب الإيرانيون الإدارة الجديدة بأفعال لا أقوال .
و سيقتنع العالم جيدا بأن التغيير و العقل قد وصلا اخيرا إلى واشنطن في حال قام اوباما بالنظر بشكل جدي في قضية بيع الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، وهذا لا يعني إزعاج إسرائيل و لكن جعلها دولة مثل البقية. فطالما تمتعت إسرائيل بمكانة خاصة ، و ارتكبت جرائم الحرب كجزء من سياسة و مع ذلك و بشكل فريد لا زالت قادرة على شراء السلاح من السوق الدولي .
وإيقاف بيع الأسلحة لإسرائيل هو رد مناسب ، لأن إسرائيل ليست مهددة عسكريا من قبل أي من جيرانها . و الحظر على بيع الأسلحة لها سيكون بمثابة رسالة قوية دون إعاقة قدرتها على الدفاع عن نفسها.
فالأسلحة أميركية الصنع استخدمت لارتكاب جرائم حرب من قبل إسرائيل عام 1982 و 2006 و حديثا في كانون الثاني في غزة.
عام 1982 علقت الولايات المتحدة بيع الأسلحة العنقودية إلى إسرائيل عندما قررت استخدامها ضد المواطنين اللبنانيين و الفلسطينيين في انتهاك لشروط البيع . عام 2006 و 2009 لم تكتف الولايات المتحدة بغض الطرف عندما استخدمت الأسلحة العنقودية و الفوسفور الأبيض ، بل قامت أيضا بدعم الإسرائيليين بالسماح للقتال بالاستمرار و تزويد غطاء سياسي للجرائم المرتكبة.و بعد الوقائع ، تدخلت واشنطن عند الأمم المتحدة لمنع أي إدانة لإسرائيل و رفضت كل التقارير من قبل هيئات تحقيق حاولت توثيق أعمال إسرائيل . و حديثا وصفت الولايات المتحدة تقرير الأمم المتحدة حول الشرور التي ارتكبت في غزة بالمنحاز.
بلا ريب، الكثير من الدول تورطت في جرائم حرب خلال الخمسين سنة الماضية ، لكن إسرائيل قامت بذلك بشكل متكرر كسياسة ترويع ، مستخدمة الاسلحة الأميركية و الغطاء السياسي للمضي في جرائمها .
جرائم الحرب الإسرائيلية قد أساءت لسمعة الولايات المتحدة عبر العالم ، فعندما تتصرف إسرائيل بشكل سيء يرى العالم بان أميركا وراءها ، و أحيانا بشكل فاحش مثلما حصل عندما تحدثت وزيرة الخارجية آنذاك " كونداليزا رايس" عن ما أسمته " آلام ولادة الشرق الأوسط الجديد" بعد تدمير إسرائيل للبنان عام 2006 .
العالم الإسلامي يرى أن إسرائيل يمكنها أن تفعل أي شيء للعرب دون توبيخ أميركي.
و يسبب تغاضي واشنطن عن جرائم الحرب الإسرائيلية أضرارا خطيرة على مصالح أميركا عبر البحار و في الداخل .و استطلاعات الرأي تفترض أن الأجانب الذين يكرهون الولايات المتحدة غالبا ما يفعلون ذلك بسبب دعم أميركا لإسرائيل .و مشاهد الظلم الإسرائيلي للفلسطينيين هي المادة التي تتناقلها التلفزيونات خلال الليل عبر العالم الإسلامي حيث ترى أميركا داعمة لتل أبيب ، و إن كان اوباما حقا يريد القيام بالصواب بحق الشعب الأميركي عندها لن تكون هناك خطوة أكثر أهمية من إيقاف بيع السلاح لإسرائيل.
منذ تأسيسها و إسرائيل ترتكب جرائم حرب حيث ترهب المدنيين الفلسطينيين لتجبرهم على الهرب من منازلهم .
عام 1967 هاجمت إسرائيل "ليبرتي" في المياه الدولية ، مودية بحياة أربعة و ثلاثين بحارا أميركيا و مارينز ، و السبب اعتقادها بان " ليبرتي" التقطت اوامر من قبل الحكومة الإسرائيلية تقضي بإعدام آلاف من الأسرى المصريين الذين اسروا في سيناء .
عام 1982 استخدمت إسرائيل أسلحة عنقودية ضد المدنيين اللبنانيين و الفلسطينيين و وقف ضباط جيشها خلف حلفائهم من الكتائب اللبنانية عندما قتلوا آلاف الفلسطينيين في مخيمات صبرا و شاتيلا للاجئين.
في هجومها على لبنان عام 2006 ، استخدمت إسرائيل قنابل فوسفورية و عنقودية ضد المدنيين . و قد استهدفت القوات الإسرائيلية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و قتلتهم لأنهم كانوا شاهدين على الجرائم ضد السكان المدنيين .و دمرت إسرائيل البنية التحتية اللبنانية مسببة أضرارا بقيمة سبعة مليارات دولار.و قد زودت أميركا إسرائيل بأسلحة جديدة خلال القتال و أجلت جلسات الأمم المتحدة لتمكن تل أبيب من إنهاء عملها.و في الأيام الأربعة الأخيرة من القتال و مع مناقشة وقف إطلاق النار ، حاولت إسرائيل خلق منطقة غير صالحة للسكن على طول الحدود و ذلك بإتخام جنوب لبنان بألف و ثمانمائة قنبلة عنقودية تضم أكثر من 1،2 مليون قنبلة صغيرة .الكثير منها لم ينفجر بعد محولة بذلك أكثر من ربع أراضي جنوب لبنان الزراعية إلى حقول ألغام تنفجر مع محاولة المزارعين العمل في أرضهم.
و حديثا و في حرب كانون الثاني على غزة كان سجل جرائم الحرب الإسرائيلية لا يصدق.و الانتهاكات وثقت بدقة من قبل منظمة حقوق الإنسان و العفو الدولي و الأمم المتحدة و الأطباء الإسرائيليين العاملين لصالح منظمة حقوق الإنسان و الصليب الأحمر.
استخدمت قوات الدفاع الإسرائيلية قذائف المدفعية الفوسفورية ضد منشأة تابعة للأمم المتحدة حيث كان أكثر من سبعمائة شخص يبحثون عن الملجأ فقتل اثنان و أربعون .و كانت الأمم المتحدة اتصلت بالإسرائيليين مرارا لتخبرهم أن المئات من المدنيين يحتمون بالمبنى .و بعد يومين ضربت أيضا مدرسة تابعة للأمم المتحدة كانت توفر الحماية لألف و ستمائة مدني. و الأغلفة المتبقية من القنابل الفوسفورية المستخدمة في غزة تدل على أنها صنعت من قبل "ثيوكول ايرسبيس " و " باين بلاف اريسينال" في الولايات المتحدة.
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرا عن الجرائم ضد المدنيين و تضم: عدم السماح لسيارات الإسعاف عبور نقاط التفتيش لمساعدة الجرحى ، قتل ستة عشر طبيبا و عاملا في سيارات الإسعاف كانوا يحاولون مساعدة المتضررين، قصف المستشفيات و العيادات الطبية و استخدام أطفال فلسطينيين كدروع بشرية . و كل هذه الأفعال هي انتهاك لمعاهدات جنيف . كما استخدمت إسرائيل طيارات دون طيارين لاستهداف و قتل مدنيين و إطلاق النيران على نساء و أطفال كانوا يسيرون رافعين راية بيضاء.
أحد الجنود قال بأن قواعد الحرب قد تغيرت و إذا رأوا عربيا يسير في الطريق فإنهم يستطيعون إطلاق النيران عليه .قائد إحدى المجموعات قال بأن جنوده فهموا بأن " علينا أن نقتل الجميع هناك ، فكل واحد هناك هو إرهابي"
جندي آخر قال بأن أي شخص لم يهرب يعتبر هدفا حيا بغض النظر عن حقيقة أنه لا يوجد مكان يهربون إليه .وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الحاخامات المتطرفين أخبروا الجنود المتوجهين إلى غزة أنهم يخوضون حربا مقدسة و عليهم الاستعداد لطرد كل من هو غير يهودي.بل إنهم ذهبوا لحد نشر مرسوم حبري يأمرون فيه بعدم إظهار أية شفقة على العدو.و بعض وحدات الجيش نشأت بين المستوطنين في الضفة الغربية و هي مكونة من متطرفين يقودهم حاخامات من الخط المتعصب ينادون بإنشاء إسرائيل الكبرى و ذلك بالتخلص من كل العرب.
في كل من جنوب لبنان و غزة كان من الواضح أن إسرائيل تخوض حربا ضد شعب بأسره،هذا مع الإصرار على ادعائها بأن ردودها العسكرية مناسبة و أخلاقية .
و في كل صراع مع جيرانها تظهر على السطح فكرة أن إسرائيل تملك " كارت بلانش" يمكنها من إبادة أعدائها .سواء كان هذا بداعي الرغبة بالترهيب أو انعكاسا لمعتقدات دينية أو ثقافية بأن حياة العرب لا قيمة لها مقارنة بحياة يهودي واحد . و لكن الحقيقة هي أن إسرائيل لا تتردد أبدا في استخدام أي سلاح في ترسانتها و خلق الرعب من خلال عقاب ساحق للسكان المدنيين في كل صراع كانت طرفا فيه.
و الجيش الإسرائيلي الذي يضم على الأغلب جنودا احتياطيين مدربين بشكل سيء يتحمل اللوم على ازدراء حياة الفلسطينيين حين يسلط مراهقين مدججين بالسلاح و ملقنين بشكل عنصري على السكان المدنيين العزل مع إشراف شبه معدوم من قبل الراشدين .
يقول الكولونيل الأميركي "بات لانغ" الذي خدم في الجيش الإسرائيلي في دورة تبادل بين جيشي البلدين أنه رأى الجنود الإسرائيليين يستخدمون سلاح المدفعية ضد امرأة فلسطينية مسيحية كانت تنشر الغسيل فقط لأجل الضحك . وذات مرة علق في تظاهرة عربية في الطريق و فيما بعد اخبره ضابط إسرائيلي أنه كان من الممكن أن يقتل لولا حقيقة انه لا يبدو شبيها بالفلسطينيين حيث أن قتل الأجانب قد يسبب مشاكل .
أما القناصة الإسرائيليين فإنهم ينهون دوراتهم التدريبية بالتصويب على قميص يحمل رسمه مميزة, إحداها كانت لامرأة عربية حامل و تحتها باللغة الانكليزية عبارة صوب على واحد تقتل اثنين.
ومع انسحابهم قام الإسرائيليون بالمزيد من التدمير في غزة فخربوا الأبنية ورموا الأثاث و الممتلكات الأخرى إلى الشارع و دمروا التجهيزات و مؤن الطعام و قصفوا معامل تصفية المياه و ضخ الكهرباء . مما يعني أنهم كانوا يحاولون جعلها غير صالحة للسكن و هكذا يغادرها العرب .
إذن سجل الجيش الإسرائيلي ليس مدعاة للفخر و يجب أن يشعر أي رئيس أميركي بالعار من الارتباط به و خاصة مع استمرا واشنطن بالمطالبة بالدفاع عن إسرائيل ضد اتهامها بجرائم الحرب.
الرئيس اوباما تعهد بتغيير الأشياء و يمكنه البدء بإخبار تل أبيب أن بيع المزيد من الأسلحة لجيش الدفاع الإسرائيلي قد علق و تحت الدراسة و هذا سيكون رسالة بإمكان حتى بيبي نيتينياهو و افيغدور ليبرمان فهمها.
بقلم "فيليب غيرالدي" و هو ضابط سابق في السي آي ايه
ترجمة رنده القاسم
عن موقع Antiwar
إضافة تعليق جديد