لماذاعاقبت اسرائيل مدير إذاعة فرنسا الدولية ؟
في تشرين الأول 2004، إنقلبت حياة مينارغ رأساً على عقب، إنقلبت بين عشية وضحاها. فما كاد الكتاب الذي أصدره مينارغ وعنوانه «جدار شارون» يرى النور، حتى وجد الكاتب نفسه هدفاً لواحدة من تلك الحملات الإيديولوجية العنيفة، التي يختلط فيها الكذب باللامعقول. فالتهمة الأولى والأخيرة الموجهة لمينارغ تحمل عنوان «معاداة السامية». وهي تهمة واحدة ووحيدة إلا أنها كافية ووافية: لقد أعفي الرجل من كافة مهامه، عزل من منصبه بكل بساطة: «أيها القاضي بقم، قد عزلناك فقم». إن تهمة اللاسامية ـ مع كافة الدسائس وأشكال التلاعبات التي ترافقها ـ هي العبء الثقيل الذي ينوء به كاهل الأشخاص من ذوي المناصب العامة، الذين ينتقدون «إسرائيل»، إنها السيف المسلط على الرؤوس. إنها تهدم المنصب العام وتدمر الحياة الخاصة. ليس لك أن تقول حتى لواحد مثل شارون : «ما أحلى الكحل في عينيك»!. فهذا آلان مينارغ يقدّم لك الدليل الحي على ذلك، إنه المثال الأحدث. أجرت سيلفيا كاتوري لقاءا معه خصيصا لشبكة فولتير، فدار بينهما الحوار التالي:
سيلفيا كاتوري صحافية مستقلة، سويسرية الجنسية، والإيطالية لغتها الأم، لكنها تكتب بالفرنسية. أمضت أعواماً عدة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي، وكانت على صلة وثيقة بوسط الموظفين الدوليين وهيئة الأمم المتحدة والهيئات الدبلوماسية، فعادت عليها بنظرة واسعة للعالم بآليات سلطته ومظالمه.
كانت في «إسرائيل» في شهر نيسان 2002، يوم بدأ شارون عملياته الدامية ضد الفلسطينيين «مجازر جنين وما تلاها». وشغلت بالها الصدمة التي لابد أنها أصابت الاطفال الفلسطينيين على أثر تلك المجازر والعمليات الحربية. فتوجهت إلى فلسطين المحتلة لترى بأم العين ما جرى فاكشتفت ما يتجاوز كل ما كان بوسعها أن تتخيله. ومنذ ذلك الحين وهي تخوض صراعاً لتجذب انتباه وسائل الإعلام والعالم إلى الجرائم التي يرتكبها جيش الإحتلال ضد المدنيين العزّل، وإلى المظالم التي تنزل بالفلسطينيين وأطفالهم، وإلى التعريف بالعمل الشجاع الذي تقوم به حركة التضامن الدولية (جي إس إم)، وهي حركة أنشأها الفلسطينيون ليحيطوا إحاطة مجدية، بكافة الدوليين الراغبين في التوجه إلى فلسطين، كي لايدعوا المدنيين في مواجهة الجيش ومن غير شهود.
سيلفيا كاتوري: ألم تقم بتحطيم أحد المحرّمات وأنت تؤكّد بمعرفة وتبصّر على أنّ «إسرائيل» كيان عنصري؟
آلان ميناغ: ها هي النصوص أمامك. فأنا لم أختلق شيئاً. إن «إسرائيل» تُعتبر عنصرية من الناحية الحقوقية، حسب الأمم المتحدة.
سيلفيا كاتوري: لكنك دفعت ثمناً غالياً. فهل أثرت فيك الإصابة؟
آلان ميناغ: قررت أن أتصدى لكافة الذين يكيلون التهم جزافاً للناس الشرفاء. أنت تعرفين أنني أهتم بأخبار «الشرق الأوسط» منذ زمن طويل. وأنا أعرف حق المعرفة كيف تمارس «إسرائيل» رقابة على الخبر، لأنني مطلع على الأمور عن كثب. ففيها منذ السبعينيات جهاز إستعلامات عسكري. هناك هيئة تهتم بالصحافة حصراً. فجيش الإحتلال الإسرائيلي إذن هو المكلّف من بين جهات أخرى برسم صورة «إسرائيل» في العالم. لأن كل صحفي يتوجه إليها يزود ببطاقة صحفية تصدر عن مكتب صحفي تابع للجيش. كما يتواجد في كل السفارات الإسرائيلية مكتب اتصال، فيه دبلوماسيون مكلفون بالسهر على تحسين صورة «إسرائيل» والحفاظ عليها.
أما بالنسبة لقضيتي فإن التدخل جاء من سفارتي «إسرائيل» في باريس وبروكسل. لقد مارستا الضغط على صحافيين عن طريق ما يدعى بعملاء النفوذ. والهدف أن يقال إنني معاد للسامية، أي الإساءة إلى سمعتي وردع الصحفيين عن التجاوب مع أقوالي.
سيلفيا كاتوري: وهل نُقل هذا إليك من مصدر موثوق؟
آلان ميناغ: أجل وبوسعي تقديم الدليل على ذلك، فهناك صحافيون يستطيعون إثبات الأمر هذا.
سيلفيا كاتوري: كيف لدولة أن تتدخل على ذلك النحو المكشوف؟
آلان ميناغ: ذلك ما يدعى، ضمن الإتصالات، بعملية التلاعب. لقد جرى الأمر بالنسبة لوضعي على محور محدد بدقة. فأنا أمثل حالة نهج وقدوة. وأمسّ بكتابي الأخير، نقطة حساسة. لاسيما أن صورة «إسرائيل» تسوء أكثر فأكثر.
فهناك تقرير صادر عن وزارة الخارجية في آب الماضي، يلقي الضوء على صورتها الحقيقية ويكشف على
أنها فقدت تماماً معركتها الدعائية العالمية. أما وأن «إسرائيل» توشك أن تصنف قريباً في مصاف النظام العنصري السابق لجنوب إفريقيا، فيجعل كتابي يقع في مكانه.
سيلفيا كاتوري: ما تفسير هذه الحملة العنيفة ضدك في حين كتبت أشياء أخرى كثيرة في وسائل إعلام متخصصة أو على مواقع الإنترنت؟
كتاب: جدار شارون
آلان ميناغ: لايعرف عني التساهل في مسألة الإعلام والإلتزام بالاستقامة والشتدد، وأنا على درجة لابأس بها من النزاهة فيما أكتب حول السياسة الإسرائيلية. إنني أتكلم عن حق الطفل والمرأة وما يتعرضان له من تعسف سواء تعلق الأمر بإسرائيل أم ببلدان أخرى .
فليست إسرائيل بلدا على حدة وأنا أدعو بكل بساطة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تتجاهلها إسرائيل. وعلى ذلك فإن إزاحتي ، أي طردي من منصب المسؤولية الذي كنت أشغله، وهو منصب إعلامي، يجعل الذين نالوا مني يصيبون عصفورين بحجر، وأنا في معرض إعداد ملف حول هذا الموضوع .
سيلفيا كاتوري: أي أنك لن تستسلم؟
آلان ميناغ: سوف أقاتل .. ولن أتخلى عن المقاومة.
سيلفيا كاتوري: سوف تقاتل من أجل العودة إلى الإذاعة مجدداً؟
آلان ميناغ: كلا، فالعودة إلى الإذاعة أمر مستحيل. سوف أقاتل كي ينصفوني .
سيلفيا كاتوري: هل لديك مشروع محدد؟
آلان ميناغ: أجل، فنحن بصدد تأسسيس جمعية تضم مئة صحافي على الأقل، تتمثل مهمتها في التنديد بالذين يتهمون كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية غير المشروعة باللاسامية والعنصرية والتعديلية والإنكارية.
سيلفيا كاتوري: وهل ينتظر منها أن تشرك صحافيين من داخل هيئات التحرير الفرنسية؟
آلان ميناغ: أجل إنهم صحافيون من ذوي الشهرة المهنية في فرنسا وفي بلدان اخرى. والهدف كلما أتُهم شخص باللاسامية وجرى التشهير به إعلاميا، أن تقوم جمعيتنا بدراسة وضعه. وإذا ما تبين أنها تهمة ملفقة، فسوف تتدخل مطالبة بالكشف عن حقيقة الوقائع. وهي طريقة لأن نقول بأننا لانقبل بعملية التلاعب .
سيلفيا كاتوري: هل تتدخلون فقط في حال اتهام شخص باللاسامية أم في كافة حالات العنصرية الأخرى؟
آلان ميناغ: إنني أنطلق من فكرة أن فرنسا عنصرية كامنة ضد العرب وعنصرية كامنة ضد اليهود، وليس من النزاهة في شيء إنكار ذلك. ويمكن انطلاقا من هنا وقوع حالات شطط في هذا الجانب أو ذاك، وهذه الإتهامات على كل حال لاتقوم على أي أساس في معظم الحالات. إن استخدام تعبير معاداة السامية كما في حالتي يرمي إلى تثبيط العزائم أو هدم المناصب أو إزالة « المزعجين » من الطريق. فاللجنة التي نحن بصدد إنشائها مهمتها إذن هي التنديد بعمليات التلاعب. فما أن تتفجر حالة ما حتى تتولى « لجنة المئة » أمرها على الفور.
سيلفيا كاتوري: ومتى تصبحون قادرين على العمل ؟
آلان ميناغ: قريباً جداً وآمل أن يكون الأمر ناجزا في كانون الأول من هذا العام .
سيلفيا كاتوري: وهل تعتقدون حقا أن عملكم سيلقى آذانا صاعية في وسائل الإعلام؟
آلان ميناغ: أجل،أعتقد ذلك. فأنا أؤمن بنزاهة الناس. إنني أزاول هذه المهنة منذ ثلاثين عاما، وليس بين زملائي من كان يحسب يوما، قبل قيام حملة الهجمات تلك ضدي، أنني يمكن أن أتهم بأني عنصري أو معاد للسامية. فليس لتلك النعوت من علاقة بمهنتي وحرصي على الإعلام، ولدي أصدقاء عملوا مثلي على الساحة مراسلين حربيين وما زالوا على الساحة وهؤلاء المهنيين الذين يعرفوني يعلمون جميعا أنني أقول الحقيقة، فلايسعهم إذن إلا أن يدعموني.
سيلفيا كاتوري: ألم تكن تتوقع مثل تلك الهجمات؟
آلان ميناغ: هنالك حدس في الصفحة 11 من كتابي « جدار شارون» بما سيقع لي، لكن ليس ضمن تلك الأبعاد. والعجيب في الأمر أن كتابي لم يتعرض للهجوم وذلك ما صرحت به في محاضرة قدمتها.
سيلفيا كاتوري: هل أضرّ بك أيضا أمر تصدّيك لمسائل دينية؟
آلان ميناغ: إنني أبحث في الواقع مسألة تأثير الأديان في العالم . فيسع المرء أن يتكلم بشأن العراق حول نوازع دينية مختلفة. ويدخل بوش الجانب الديني في تصريحاته لكن ما أن تقولي أن ( إسرائيل ) هي ما هي عليه، أي كيان نيوقراطي ( ديني ) حتى تهب في وجهك ثورة عارمة. تكلمت في واقع الأمر عن « اللاويّة»(نسبة الى سبط لاوي، الذي يتخرج منه حصراً رجال الدين اليهود)، عن النجاسة والطهارة، عما يفصل وماله علاقة بالجدار. فذلك بالنسبة لي عنصر جوهري وما كدت أثير المسألة على موجات الإذاعة حتى تحول الأمر إلى نزاع وعراك.
والحال أن منظري الدولة الصهيونية كانوا في البداية علمانيين وأن رجال الدين اليهود قد أدانوا مفهوم الصهيونية نفسه، لكن الدين إتخذ فيما بعد وزنا ذا أهمية قصوى، لاسيما بعد عام 1987. فكافة القوانين تمر عبر النافذة الدينية، ويتعلق الأمر فوق ذلك بديانة تعتبر نفسها سامية على الديانات الاخرى. وأنا أحس بأنني حر في الكلام عن كافة الديانات. أما أتباع الديانة اليهودية فيتكلمون هم أنفسهم عن « الشعب المختار». فلماذا لاأملك أنا الحق في إثارة ذلك المصطلح عن « الشعب المختار» .
سيلفيا كاتوري: ألا تخشى وأنت تصر على هذه الطريقة في التعبير من أن تزيد في خطورة وضعك؟
آلان ميناغ: إنك توحين إلي بأن ألوذ بالصمت وألا أقاتل. هنالك أناس يتلاعبون بالإعلام في فرنسا. إن صحيفة « ليبيراسيون» قد إغتالتني . ثم يتوجب علي أن أسكت ؟ لقد بدأت حياتي المهنية في فيتنام ومررت بمصاعب كثيرة وتعودت على النظرة النسبية للأمور فليست قضيتي بذات قيمة مقارنة مع مايجري في أماكن أخرى وخصوصا في فلسطين. أنا لست رجل سلطة، ولقد قلت في مقابلة مع صحيفة « لوسوار» البلجيكية: إن حريتي في التعبير لاتساوي بضع شرائط تثبت على الكتف، فأنا إنسان حر وفي نيتي البقاء كذلك. فلا حفلات التكريم ولا المال ولا المنصب يمكن أن تحول بيني وبين قول ما أريد. وحين وقعت عقد العمل مع كان هنالك بند عملت على حذفه، إنه لامر طبيعي أن ألتزم جانب التكتم حول الشؤون الداخلية، فلايسع أحد فيما خلا ذلك أن يفرض على صحفي أن يصمت.
سيلفيا كاتوري: هل جرحوك حين منعوك عن العمل؟
آلان ميناغ: ليس الجرح بالكلمة المناسبة. أشعر بالغيظ الشديد وأنا أرى شكلا من الحرية الأساسية في فرنسا وهو يتوارى، ولايسع هذا الواقع إلا أن يدفع بي إلى الردّ وإلى الصراع. فلا يسعني أن أتخيل في بلادي، في فرنسا، إرهابا فكريا يرغم الناس على الصمت وإلا فهم مهددون بالسحق. إنني مستاء من تأكيد ذلك. إذن لست مجروحا بصفة شخصية. كلا كنت أعرف أن هذا الضغط قائم لكن منذ أن وقع ذلك لي، وأنا أقدر مبلغ حجمه.
سيلفيا كاتوري: هل تستند في ذلك إلى تلك الحملات الرامية إلى تبييض صفحة ( إسرائيل) وتلطيخ صورة العرب والمسلمين، والمتوالية منذ 11 أيلول بشكل خاص؟
آلان ميناغ: أجل. وأعتقد أن ذلك صادر عن التلاعب الخالص ضمن خط الإعلام. لقد إستطاعت ( إسرائيل) أن تتطور منذ نصف قرن إعتمادا على صورة الضحية. والحال أن صورة الضحية هذه بدأت تتفتت بقوة ومنذ 1982 بشكل خاص على إثر مذابح صبرا وشاتيلا. فلقد أُرغم مسؤولوا الدعاية الإسرائيلية منذ ذلك الحين على تمويل حملات حتى لاتفقد إسرائيل وضع الضحية ذاك. ولقد إستخدموا في سبيل بلوغ ذلك كافة تقنيات الإتصال الممكنة والتي يمكن تخيلها، وهذا مثال على ذلك .
فبينما يحظّر على الاقنية التلفزيونية في فرنسا وفي الولايات المتحدة بشكل خاص عرض الجثث والتوابيت ودفن الجنود في حال النزاعات، تقوم التلفزيونات الإسرائيلية بفعل عكس ذلك في حال حصول اعتداء في البلاد. فكلما وقع اعتداء في إسرائيل بادر جهاز الإعلام إلى نشر صور الأجساد الممزقة للتسبب بصدمة للرأي العام وتحريكه. وتلك هي تقنية التلاعب بالصورة ويفعل الفلسطينيون الشيء نفسه. فأنا هنا لا أحابي إلا أن موضوع صور الباصات المتفجرة فيما يتعلق بإسرائيل ويتمثل في أنها تبث بغزارة وتوزع مجانا على كافة القنوات في العالم .وفي الوقت الذي تعرض الجثث لدينا بشكل باهت ومموه للتخفيف من الصدمة تحديدا، يعرضونها عليك في إسرائيل مشفوعة بتعليق لتوضيح الصدمة النفسية.
سيلفيا كاتوري: كيف يتصرفون في واقع الأمر؟
آلان ميناغ: إن في طريقة اتصالهم شيئاً خارقاً للعادة. «فإسرائيل» تعيّن في كل سفارة لها قائمين بالإتصالات يتدخلون بشكل منظم مستعينين بعملاء النفوذ. ولقد تجلى ذلك بالنسبة لوضعي، إذ تدخلت السفارة الإسرائيلية لدى بعض الصحافيين لتقول: إن فلانا معاد للسامية وينبغي إرغامه على التزام الصمت. ويعتبر المحامي غولد ناجل هنا في فرنسا واحدا من عملاء النفوذ الذين يعملون لحساب إسرائيل. لقد آخذ علي هذا المحامي أنني تكلمت عن « اللاوية» على موجات إذاعة كورتوازي. وواقع الحال أن «اللاوية» هي السفر الرابع من التوراة الذي يعالج مسألة الفصل ما بين الطاهر والنجس، والتوراة جزء من العهد القديم. فما الذي يحول بيني وبين الكلام عن التوراة؟
سيلفيا كاتوري: لكن، ألم يكن كلامك في إذاعة كورتوازي ذاتي الصبغة السياسية المحددة مبررا إضافيا يعرضك للنقد؟
آلان ميناغ: إنها إذاعة كاثوليكية تقع في أقصى اليمين، إلا أن السيد غولد ناجل أغفل وهو يوجه إلي سهام نقذه. هو نفسه قد تحدث أربع مرات في إذاعة كورتوازي ولم يتوان عن الخروج بتداعيات من نوع « مينارغ تكلم عن « اللاوية» في إذاعة من أقصى اليمين، فهو إذن من أقصى اليمين» .ويرمي ذلك الخلط كله إلى هدف محدد يتمثل في الإبقاء على حالة من التشويش والغموض. وجرت الأمور وفق الطريقة نفسها في بلجيكا حين ذهبت من أجل الترويج لكتابي، فلقد هتفت السفارة الإسرائيلية إلى أحد الصحافيين بألا يجري مقابلة معي لأنني « معاد للسامية». ولكن بم يتهمونني في واقع الحال؟ فحين أتكلم عن الصهيونية، إنما أرجع إليها بوصفها نظرية سياسية إستعمارية .
سياسة ترمي إلى خلق ( دولة ) يهودية لليهود ضمن منطقة مأهولة من قبل. إن قول ذلك ليس ضد الحقيقة، إنها الحقيقة لسوء الحظ. لقد ولدت الصهيونية في بال ضمن سباق من التوسع الإستعماري. لقد غير العالم رؤيته بالنسبة للإستعمار وحين يقول شارون « إن حرب الإستقلال عام 1948 لم تنته وأن كل متر يجري احتلاله هو مكسب لإسرائيل» فذلك موقف إستعماري . وحين يقوم أناس بشجب هذا النوع من التأكيد يتعرضون للإهانة. ( فإسرائيل) بالنسبة لي لا أرى سبباً يجعلها تحاط بمعاملة خاصة. ولابد من قول مايجري هنالك، وأنا أكرر ذلك. ولقد تحدث على موجات تلك الإذاعة ذات الصبغة اليمينية الواضحة أناس من مختلف المشارب، وأن السيد فيليب سان روبير الذي اجرى المقابلة معي في إذاعة كورتوازي ديغولي يساري.
سيلفيا كاتوري: إن الذين ثاروا ضدك بعد حديثك لإذاعة كورتوازي شاركوا إذن في عملية دس وتلاعب ؟
آلان ميناغ: بكل تأكيد أنه دس وتلاعب يقوده رجل مثل غولد ناجل سبق أن أجريت معهد عدة مقابلات في إذاعة كورتوازي. ويستطيع الجميع اليوم أن يشهدوا كيف يجري خلط الأمور للقضاء على أحد الأشخاص. لقد قام غولد ناجل بعملية الخلط هذه حين وضع إسمي في سلة واحدة مع اللاوية ومع غولنيش وهو الشخصية الثانية في الجبهة الوطنية اليمينية بزعامة جان ماري لوبين ومع « مذبحة اليهود»، وذلك كله لأجل هدف واضح هو النيل من سمعتي وبث الغموض . فلدى المواطنين من أتباع الديانة اليهودية عالمان إثنان. هنالك الذين يشعرون بأنهم فرنسيون أولا وديانتهم اليهودية، وهنالك الذين يشعرون بأنهم يهود أولا أي إسرائيليون، ثم فرنسيون من بعد. إنهما عالمان مختلفان إختلافا تاما. فينبغي تحديد أيهما يتمتع بروح قومية حادة. ومن يعتبر دينه مجرد دين فالمسألة فيها التباس كامل وغموض في الرسالة والكلام بشأنها.
سيلفيا كاتوري: لم لايكون هناك صحافيون يقولون الأشياء مثلما هي ؟
آلان ميناغ: لأن البعض يحرص على تأمين مصدر عيشه. فهنالك صحافيون كثيرون يشاطرونني الفهم نفسه للأشياء، لكنهم ليسوا أحراراً. ويخشى أرباب الصحافة خسارة المشتركين ونقص عائدات الإعلان .
سيلفيا كاتوري : ألم يكن موقف جمعية الصاحفيين من قضيتك في غير صالحك؟
آلان ميناغ: يعمل في إذاعة فرنسا الدولية أربعمائة صحافي في باريس و300 مراسل يتوزعون في أنحاء العالم. وجمعية الصحافيين هذه تضم 15 شخصا بينهم ثلاثة فاعلون فقط. ولقد إنطلقت بعملية إصلاح من الأساس نضع الذين هم اكثر جدارة في المقدمة. وقد أدى ذلك إلى خلخلة في العادات وكان هنالك استياء واضح.
سيلفيا كاتوري : أي أن البعض وجد الفرصة مواتية للإنتقام؟
آلان ميناغ: ماأن ظهرت بحقي تهمة معاداة السامية حتى ظهر الإستياء الكامن علناً.
سيلفيا كاتوري : لم تعزون قلّة الصحافيين الذين يخرجون عن الخط المشترك؟
آلان ميناغ: يعود ذلك في وسائل الإعلام إلى ضرورة البقاء ضمن « الإنضباط سياسياً». أي والحق يقال، للتعبير عن التعصب التام. لقد وقعت فرنسا في مطب التعصب الفكري، والخارق في الأمر أنك وأنت تشاهدين التلفزيون، تلاحظين أن الأشخاص الذين يجسدون « الانضباط السياسي» هم أناس بلا ثقافة. فجدتي كانت تقول « الثقافة كالمربيات كلما انبسطت قلّت». لقد مضى الزمان الذي كنا نشهد فيه المجادلات، حيث الناس يتجابهون مسلحين بالحجج، أما اليوم فلا مجابهة. لم يعد هنالك من جدال ذي قيمة، وما نشاهده على كافة الاقنية التلفزيونية وفي وسائل الإعلام بشكل عام إن هو إلا مطر متواصل من المحرّمات أو طريدي المجتمع. إن « المنضبط سياسياً» لايفكر ولايطالع ولا مرجعية له .لاحظي ما أصاب ديودونيه وهو فنان، هل كان محرضا على الشغب بإفراط أو بما فيه الكفاية؟ لكن أليس التحريض جزءا من تبادل الحجج؟ ألا ينبغي التحريض للحصول على رد؟ ليس دور وسائل الإعلام الإدانة. ولم الهجوم على طارق رمضان حين يشرح فكرة ما؟ إذا لم نكن على اتفاق معه نبدأ المجادلة، لكن لانقضي عليه دون وازع. أما أن نصغي له، فذلك أفضل بكثير من تلطيخ سمعته وإزاحته جانبا .
سيلفيا كاتوري : إنك تورد أسماء تنهمر عليها تُهم معاداة السامية زخا متواصلا، أليس مثل ذلك بانتظارك؟
آلان ميناغ: ما أن ينتقد المرء ( إسرائيل ) حتى يُتّهم باللاسامية، لكن الإتهام المتواصل للجميع سيجعل تعبير اللاسامية مبتذلا. وتلك الحالات المفرطة سوف تنقلب ضد (إسرائيل)، ولسوء الحظ أيضا ضد المواطنين الذين يدينون باليهودية ويقبلون بتلك الأشكال من الإفراط كلها .لقد تلقيت على إثر ما وقع لي آلاف الرسائل التي أعرب لي مرسلوها عن تعاطفهم وعن إحتدام غيظهم، ويُخشى أن يؤدي تعصب البعض إلى ( هبّة) من الحقد لدى البعض الآخر فينبغي أن يدعونا ذلك إلى إعمال فكرنا.
سيلفيا كاتوري : وهل ترى هنالك دفاعا على ذلك التعصب وعلى معاداة السامية بإفراط؟
آلان ميناغ: لاأعتقد بعفوية ردود الفعل فهنالك دسائس وتلاعب بكل تأكيد . وهو ما وقع في فرنسا في الشهور الأخيرة هذه. لقد جرت أحداث نسبت إلى العداء للسامية، ثم انجلت أفعال نظمها أشخاص يدينون باليهودية. هنالك خلفية من معاداة السامية محفورة في التراث المسيحي وهي خلفية ضئيلة، وواقع الحال أننا إذا بالغنا في استثارة المجتمع كله حقا وباطلا حول موضوع معادة السامية، فلن نتوصل إلا إلى إثارة سخط الناس وغيظهم. لقد شهدنا في الشهور الأخيرة وزراء يتحركون ويتفاعلون أربع مرات على الأقل، جراء أحداث إرتكبها مواطنون يهود بحق أنفسهم وهم يدّعون بأنهم ضحاياها، فهنالك حاخام طعن نفسه، وهنالك كنيس إحترق بعد أن أشعل يهودي سكران فيه النار. ولقد إستولى الإضطراب على الجميع من دون التحقق من مصداقية الوقائع.
سيلفيا كاتوري : وكيف العمل لوضع حد لتلك الدسائس والتلاعبات؟
آلان ميناغ: عن طريق التعقل والتسامح، فمن الخير لكل امرىء أن يكون مدققا، وأن يتثبت مما هو حق وما هو باطل. فلا يدين إلا إذا توفر ما يبرر الإدانة، لا أن يفعل مثلما هو حاصل الآن، حيث يتحرك المجتمع بكامله تحركا مسبقا حول معاداة السامية. إننا فوق منحدر شديد الخطورة، فالناس يوجهون الإتهامات بسرعة فائقة والصحافيون لايؤدون دورهم في التمحيص والتفسير، وإن ذلك ليحمل أكبر المخاطر.
سيلفيا كاتوري : أنت إذن تحمل المسؤولية للذين يلوحون بشبح معاداة السامية من جهة وللجهل من جهة أخرى؟
آلان ميناغ: أجل ولضحالة ثقافة الصحافيين وصنّاع الرأي. وأعتقد أن التلاعب والدس شيء مقصود، فحين يقعقع بالكلام واحد مثل برنار هنري ليفي ليثبت أن من يعادي الصهيونية إنما هو عدو للسامية فذلك مناف للعقل. ذلك تزوير، فهل الذين يعادون الديغولية هم أعداء فرنسا؟ وهل المعادين للشيوعية أعداء السلاف؟ إن ذلك يسبب الإضطراب والإرباك دونما طائل.
سيلفيا كاتوري : وهل باغتك تقرير دروفان الذي يغرس اسفين اللاسامية أكثر فأكثر؟
آلان ميناغ: إن تقرير روفان فضيحة، فالمرء لايملك الحق عن بعد في انتقاد أي بلد. إذن لن نقوى من بعد على التفكير، فينبغي أن يكون هنا ما يدعونا للتساؤل. إن البلد الوحيد الذي يتمتع داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما يشبه الأب الشرعي، إنما هو «إسرائيل». فلقد صوتت الأمم المتحدة على عدد كبير من القرارات التي ظلت حبراً على ورق. فما السبب؟ وهل ذلك بالأمر المقبول في عالم بحاجة للعدالة والتوازن؟ فهنا تكمن المعضلة.
سيلفيا كاتوري : كلما أصغيت إليك إزددت إحساساً بتصميمك على الرد. إنهم لم يتوفقوا إذن في تحطيم عزيمتك؟
آلان ميناغ: كلا. فذلك أمر بعيد المنال وأقدر أن ما وقع لي حادث عارض لم يحطموا به عزيمتي، ولن يجعلوني ألوذ بالصمت. سوف أواصل التعبير لأقول ببساطة وبما لدي من وسائل حقيقية ما أرى. فإن أقع في الخطأ أكن مستعداً لتقبل كافة الإدانات. لكن أقوالي لم تجر إدانتها البتة. لقد أدانوني لأنني تكلمت.
سيلفيا كاتوري : ألم تشعر بحصول فراغ من حولك؟
آلان ميناغ: كلا على الإطلاق، بل الواقع بخلاف ذلك. فهنالك عدد هائل من الناس الذين انضمو إلي لمواصلة المسير.
سيلفيا كاتوري : هل تشعر بالحقد حيال الذين هاجموك؟
آلان ميناغ: لا، أبداً فالإعلام شيء جماعي، إنني ساخط بصراحة على رؤساء التحرير الذين يفسحون المجال لنصوص دون التحقق من تعابيرها. أما الصحافيون فلا، إنهم يقومون بعملهم على قدر استطاعتهم. وإذا ما جرى التلاعب بهم وتحريكهم من وراء ستار فعليهم أن يتبينوا الحدود. أما المسؤولون الحقيقيون فهم رؤساء التحرير.
سيلفيا كاتوري : ألم يجعلك ما جرى لك متشائماً؟
آلان ميناغ: كلا. ولا مناص من حصول تطور للأشياء. لا جرم أن «إسرائيل» تبذل قصارى جهدها للحيلولة بين الناس وبين معرفة ما يجري. وهذا ما تقوم به السفارات الإسرائيلية وعملاء الإتصال أو عملاء النفوذ والتأثير: منع القاعدة من أن تعرف، والتعامل مع القادة. لكن لا يسع المرء أن يكذب على الدوام. لقد خسرت «إسرائيل» وحركتها الإعلامية. ولم يعد بوسعها أن تظهر بلبوس الضحية فهي المعتدية. ولن يتأخر الناس كثيراً في معرفة من هم القتلة. وعلى الرغم من كافة الوسائل التي تستخدم لخنق الحقيقة، فإن روايات الشهود سوف تظهر في نهاية المطاف. وأنا على قناعة من أن رجال السياسة في أوروبا سوف تجري زحزحتهم من قبل قواعدهم. ولسوف يجدون أنفسهم مرغمين على اتخاذ القرارات الحاسمة يوم يبدأ الناس بالحركة الفعلية. في السلطة في ظل الديمقراطية لا تتحرك ما دام الناس لا يتحركون.
سيلفيا كاتوري : كيف جرى التوصل إلى ممارسة مثل تلك السلطة على هيئات التحرير ولمدة طويلة على ذلك النحو؟
آلان ميناغ: عن طريق القيام بما قاموا به حتى الآن، عن طريق حملات إعلامية قائمة على الكذب، فهم يجندون لها الوسائل ولديهم المال اللازم لذلك.
سيلفيا كاتوري : هل لديك مثال على ذلك؟
آلان ميناغ: هنالك شخص يحرر برقية تتهم فلاناً بأنه «معادي للسامية»، فتتبنى تلك البرقية من قبل صحافيين لا يتحققون من مصدر الخبر. إن المسألة بهذه البساطة. وهنالك بالتأكيد مواضيع تلقى صدى خاصاً.
سيلفيا كاتوري : لكن تلك البرقيات التي هي ثمرة دس وتلاعب ما مصدرها؟
آلان ميناغ: هنالك منظمة غير حكومية إسمها «محامون بلا حدود» أنشأها السيد غولد ناجل، وهذه المنظمة ورمزها «أو إن جي» نوع من طعم أو خديعة لوجود منظمة «أو إن جي» أخرى في فرنسا تحت إسم «محامون بلا حدود». فحين يبعث السيد غولد ناجل ببرقية تحمل إسم المنظمة هذه فإن الصحافي لن يتحقق مما هو كامن وراء تلك الـبرقية، . فالتسمية التي أطلقها السيد غولد ناجل وراء الإلتباس. لقد هاجم السيد غولدناجل كافة الناس بتهمة العداء للسامية. والأمثلة على ذلك دانييل ميرميه وباسكال بونيفاس وآخرون كثيرون. ولقد أفاضت كافة وسائل الإعلام بالكلام عن الإتهامات التي تفوه بها. أما حين خسر السيد غولدناجل الدعاوى التي رفعها بحقهم، فإن وسائل الإعلام لم تنبس ببنت شفة. إنها الأمور وكيف تجري.
سيلفيا كاتوري : هل لديك فكرة من شأنها تطوير عمل أجهزة الإعلام؟
آلان ميناغ: لو قال الجميع ما يعرفون، أي لو قال الحق، ما كنا بلغنا ما صرنا إليه. ولو أدى كافة الصحافيين عملهم بنزاهة واستقامة، لاستطعنا إيقاف فيض الأكاذيب المتدفق، والذي يغمر كل ما له صلة بالعالم العربي. لكن ما يبعث على الطمأنينة هو أن القراء والمستمعين هم أكثر ذكاء وثقافة من الذين يتولون إعلامهم. إنني أكتشف ذلك بسعادة عبر اللقاءات وما أتلقى من رسائل.
المصدر :شبكة فولتير
إضافة تعليق جديد