ما هي التحديات العسكرية القادمة أمام الحكومة الإسرائيلية؟

16-08-2007

ما هي التحديات العسكرية القادمة أمام الحكومة الإسرائيلية؟

الجمل: نزعة القيام بدور الدولة الحربية الاسبرطية ما تزال تتملك الشعور السائد في أوساط النخب الإسرائيلية، وفي نفس الوقت يقف شبح هزيمة حزب الله عائقاً إزاء إشباع الشعور الإسبرطي، وعلى خلفية شبح حزب الله اللبناني الذي أصبح مصدراًَ للهلع في هيئة الأركان الإسرائيلية والقيادات التابعة لها، وعلى وجه الخصوص القيادة الشمالية، نشرت صحيفة التايمز البريطانية اليوم 15 آب تقريراً أعده الصحفي جيمس هايدرا، حمل عنوان (إسرائيل تنشط من أجل عدوان جديد بعد مرور عام للحرب مع حزب الله)
• الهزيمة ودرامية الذكريات الموجعة:
أخذت الذكرى الإسرائيلية بمرور عام على الحرب طابع الجريمة، وليس مجرد الاحتفالية، وذلك لأن ذكرى حرب الصيف ضد حزب الله تختلف عن ذكريات الحروب الأخرى لدى الإسرائيليين، خاصة وأنهم تعودوا على اجترار (حالة العجرفة) القائمة على الشعور بالقوة والتفوق، كلما جاءت ذكرى حرب 1967م، وحرب لبنان 1982م، ولكنهم هذه المرة، وجدوا أنفسهم يتذكرون حزب الله اللبناني الذي جعلهم يضطرون إلى اجتراع المرارات بطعم العلقم، والتي زاد من إيلامها تقرير فينوغراد، وصور الجنود الإسرائيليين المأسورين بواسطة حزب الله اللبناني وهي تملأ الشوارع والمنعطفات، على النحو الذي يقدم البرهان والدليل للإسرائيليين، بأن زمن انكسار إرادتهم قد حان، وأن هناك المزيد من الانكسارات القادمة.
• عقدة حزب الله وإشكالية العلاج أمام الإسرائيليين:
ألقت هزيمة حزب الله بتداعياتها والتي يتكشف يوماً بعد يوم المزيد من تأثيراتها وصداها العميق الذي مازال يتردد في أركان وأروقة الدولة الإسرائيلية:
- الحكومة الإسرائيلية: مازالت تواجه بسبب حزب الله انخفاض الشعبية وتجاهد من أجل البقاء في السلطة، وظل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أكثر تخبطاً من قبل، أما الرئيس السابق كاتساف فقد لجأ إلى أحضان النساء هرباً من مواجهة الضغوط السياسية، تاركاً إيهود أولمرت وحده يصارع أمواجها، ولم يجد في نهاية الأمر أمامه من مخرج سوى التضحية بوزير دفاعه عامير بيرتس، وقائد القيادة الشمالية وبعض أعضاء هيئة الأركان واستخدامهم كبش فداء، إضافة إلى الاستمرار في كسب ود وزيرة خارجيته تسيبي ليفني الذي سبق أن أذاقته طعم الذل، عندما طلبت منه تقديم استقالته انصياعاً لتوصيات ونتائج تقرير فينوغراد.
لم يجدِ نفعاً كل ما قام به قادة الدولة الإسبرطية للتخلص من (عقدة حزب الله)، وذلك لأن منطق العجرفة الإسرائيلية لا يفهم سوى قاعدة واحدة هي: إن النصر العسكري يمحو الهزيمة، والهزيمة تمحو النصر، ولذلك يحاول الزعماء الإسرائيليون إشعال حرب جديدة، والمشكلة التي تقف أمامهم تتمثل في الإجابة على السؤال: ضد من تكون الحرب؟ وتتزايد المرارة في الإجابة التي تتضمن ثلاث خيارات:
1- الحرب ضد حزب الله
2- الحرب ضد حماس
3- الحرب ضد سوريا
وجميع هذه الخيارات يتميز كل واحد منها بما يكفي لجعل القيادة الإسرائيلية تغض النظر عنه وتلجأ للخيار الأخر، وذلك على النحو الذي جعل أولمرت ووزير دفاعه إيهود باراك ورئاسة الأركان الإسرائيلية، تقف أمام واحدة من عمليات المفاضلة بين الخيارات الأكثر إرباكاً في التاريخ السياسي- العسكري- الأمني الإسرائيلي.
الخيار الأول: الحرب ضد حزب الله مرة أخرى
يعتقد البعض، بان هذه الحرب ضرورة، وذلك لأن نجاح الجيش الإسرائيلي في هزيمة حزب الله سوف يزيل (العقدة) التي تملكت الدولة الإسرائيلية، إضافة إلى أنه سوف يظهر إسرائيل امام حلفاءها وأعداءها بمظهر القوة، وسوف يردع الأطراف العربية الأخرى التي تعمل حالياً من أجل استخدام أساليب وتكتيكات حزب الله اللبناني في الحرب اللامتماثلة.. وسوف يؤدي النصر على حزب الله الى تأمين الحدود الإسرائيلية الشمالية والى دعم حكومة السنيورة وتحالف 14 آذار الحليفة للغرب وإسرائيل، وربما إلى القضاء نهائياً على الطموحات السياسية للشيعة اللبنانيين.. ويقول المعارضون لهذا الخيار، بأن الحرب ضد حزب الله سوف تترتب عليها المزيد من الخسائر الفادحة، وذلك لأن حزب الله أصبح أكثر قوة عما كان عليه من قبل، من حيث العتاد وإعداد القوات، وحجم التأييد الشعبي له، إضافة إلى أن الحرب العدوانية الجديدة ضد حزب الله سوف تؤدي إلى القضاء على الجهود الدولية المتعلقة باستقرار لبنان و بالمحكمة الدولية، وسوف ترفع من حجم المعارضة الدولية ضد إسرائيل، خاصة وأن القوات الدولية الموجودة في جنوب لبنان من الصعب تخطيها، إضافة إلى أن الرأي العام الدولي سوف يقف هذه المرة بقوة إلى جانب حزب الله من جهة وإدانة إسرائيل من الجهة الأخرى، ومن المعلوم في هذا الصدد أن حزب الله قد اكتسب خبرة كبيرة في إدارة الحرب النفسية ضد إسرائيل، وقد ينجح بالفعل في الخروج من موقف المدان في بداية الحرب بسبب نجاح الإعلام الإسرائيلي والغربي في تنميط حزب الله باعتباره المعتدي والجاني الذي قام بخطف الجنود الإسرائيليين ولكن في نهاية الحرب تغير الموقف وأصبحت إسرائيل هي الجانية المدانة وحزب الله هو المجني عليه....
الخيار الثاني: الحرب ضد حماس
يقول المطالبون بهذا الخيار، بأنه يتيح لإسرائيل فرصة القضاء على حركة حماس وإضعافها بشكل لن تستطيع بعده استرداد عافيتها، كذلك سوف تستطيع إسرائيل بعد نجاح حربها ضد حماس أن تقدم الدعم الذي سوف يؤمن استمرارية مستقبل حركة فتح وتوجهات زعيمها محمود عباس، ويقدم رسالة قوية للفلسطينيين بأن عليهم حصراً المضي خلف محمود عباس وحركة فتح..
ويرى أنصار هذه الحرب، بأن القضاء على حماس في غزة سوف يتيح لإسرائيل التفرغ للقيام بعملية (ترتيب الأوراق) في السلطة الفلسطينية، والتنسيق مع الأردن ومصر من أجل تعزيز مركز التيار الذي يقوده سلام فياض داخل السلطة الفلسطينية والتخلص من محمود عباس وحلفاءه بشكل هادئ لا يلفت النظر.
ولكن معارضو هذا الخيار يرون أن الحرب ضد حماس سوف تؤدي إلى وقوع الكثير من الخسائر المادية والبشرية في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى أنها سوف تؤدي إلى رفع شعبية حماس في الضفة الغربية، على النحو الذي يؤدي إلى الإطاحة نهائياً بمحمود عباس وإقصاء حركة فتح عن الحياة السياسية الفلسطينية، وهو ما لا تريده الأردن، لأنه سوف يحفز الإسلاميين الأردنيين إلى ممارسة المزيد من المعارضة ضد النظام الملكي الأردني، وأيضاً لا تريده إسرائيل، لان خسارة محمود عباس وحركة فتح، معناه خسارة الاختراق الأكبر الذي استطاعت الأجهزة الإسرائيلية انجازه وتحقيقه على النحو الذي أتاح لها التغلغل في دوائر صنع واتخاذ القرار الفلسطيني بشكل لم يحدث من قبل ولن يتكرر مطلقاً وسوف تضيع الفرصة الإستراتيجية من يدها..
الخيار الثالث: الحرب ضد سوريا
ويرى المؤيدون لهذا الخيار بأن شن حرب ضد سوريا وكسبها سوف يؤدي نهائياً إلى ضمان أمن إسرائيل، وذلك لأنه سوف لن يضعف سوريا وحسب بل سوف يضعف حزب الله اللبناني وحركة حماس إضافة إلى أنه سوف يؤدي إلى إضعاف ارتباطات إيران بمنطقة شرق المتوسط، وسوف يتيح لإسرائيل التفاوض مع سوريا والعرب من مركز القوة...
أما المعارضون للحرب مع سوريا، فيقولون بأن شن الحرب ضد سوريا ليس مجرد لعبة أو نزهة أو مناورة بسيطة يتم تخطيطها بواسطة جنرالات هيئة الأركان، وتكليف الجيش بتنفيذها وذلك لأن كل المعطيات والوقائع تقول بأن سوريا قادرة على ردع أي هجوم عسكري إسرائيلي دون إرسال جندي سوري واحد للجولان، وقد تحدثت وكالات وأجهزة الإعلام الإسرائيلية والغربية عن قدرات بطاريات الصواريخ السورية، ويرى المعارضون أيضاً بأن شن الهجوم ضد سوريا سوف تكون له المزيد من الانعكاسات السلبية، خاصة وأنه سوف يؤدي بالضرورة إلى توسيع ساحة المواجهة ضد إسرائيل، وذلك لأنه لا حزب الله ولا حركة حماس سوف تقفان على  الحياد إذا تم شن الحرب ضد سوريا.. وبالتالي سوف تجد إسرائيل نفسها في مواجهة حرب تمتد على ثلاث جبهات، ولن تقف الأضرار عند حدود خط المواجهة  بل سوف تصل الضربات هذه المرة إلى عمق إسرائيل وقلبها الحيوي، كذلك سوف تؤدي المواجهة مع سوريا إلى فتح جبهة رابعة في الضفة الغربية، وسوف تكون الأكثر خطورة على أمن إسرائيل بسبب قدرة العناصر المسلحة الموجودة في الضفة الغربية الوصول ضمن فترة وجيزة إلى أي مكان في العمق الإسرائيلي، كذلك محمود عباس وحركة فتح سوف لن يستطيعا القيام بأي شيء لحماية إسرائيل، وربما يتعرضان ان حاولا القيام بشيء لدعم إسرائيل أو حتى وقفا موقف الحياد إلى التصفية النهائية، وبالتالي تنهار كل جهود عملية سلام الشرق الأوسط السابقة، وتصبح إسرائيل في مواجهة موقف سياسي شديد الخطورة، إضافة إلى أن الأنظمة العربية التي ظلت تتعاون حالياً مع إسرائيل ضمن ما يعرف بـ(المعتدلين العرب) سوف تتعرض للمزيد من السخط وربما الانهيار السياسي، وإضافة إلى كل ذلك سوف تتضرر الجهود الأمريكية – الإسرائيلية المتعلقة باستهداف سوريا وإيران عن طريق الأمم المتحدة، وسوف تزداد عزلة أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط، بما في ذلك دولاً مثل تركيا وبلدان الشرق الأدنى الإسلامية..
أن طاقة العنف التي سوف تتولد في الشرق الأوسط ضد إسرائيل وأمريكا من جراء شن الحرب ضد سوريا سوف تؤدي إلى القضاء نهائياً على حكومة السنيورة، وقوى 14 آذار المتحالفين مع أمريكا وإسرائيل، وسوف تدفع حزب العدالة والتنمية التركي إلى المزيد من التعديلات في التوجهات السياسية التركية، وإلى تقوية موقف إيران في الشرق الأوسط، وإلى خسارة إسرائيل لرصيد العلاقات التي بنتها في الماضي عن طريق اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، وأيضاً علاقاتها الثنائية مع تونس والمغرب، وموريتانيا، وتفاهماتها السياسية شبه المعلنة مع السعودية وبلدان الخليج العربي.

الجمل قسم الترجمة والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...