مائة شخصية سياسية وأدبية صاغت رواية اسمها سورية

15-08-2007

مائة شخصية سياسية وأدبية صاغت رواية اسمها سورية

تحتفي العاصمة السورية دمشق بأكثر من لون للتأكيد على حضارتها وعراقتها التاريخية والثقافية والإنسانية، التي أهلتها عاصمة للثقافة العربية للعام 2008م. وتتنوع مظاهر تعزيز مكانتها على خارطة الحضارة الرئيسية، وتتعددالكتاب: رواية اسمها سورية- المؤلف: مجموعة من الباحثين- تحرير وإشراف عام: نبيل صالح- إصدار خاص- الطبعة الأولى 1428 هـ- 2007 م- عمليات فنية: B J concept. com البرامج المعدة لفعاليات الحدث، وأحد هذه المظاهر الاهتمام بالكتاب والعناية بمحتواه والحرص على جدته. 
 رواية اسمها سورية هو أحدها، وهو حكاية يسردها 38 مبدعا سوريا لمائة شخصية أسهمت في تشكيل هوية المجتمع السوري وثقافته، وحققت انجازات لافته في كل الميادين.نتوقف عند محطات بعضهم بدهشة الاستمتاع، لإبداع يمكن وصفه بالأدبي الموسوعي الروائي الملحمي؛ يحمل مسمى رواية؛ لكنه يختلف عن سياق العمل الروائي المتعارف فهو عبارة عن سير لشخصيات منفصلة و حكايات ملخصة بكثافة، وبأسلوب يجمع الإبداع الأدبي التاريخي والسياسي والبلاغي مع الجدة والمتعة.ونمر بهذا الإصدار الشيق على شخصيات كنا قد تعرفنا إلى بعضها إما من خلال صورة أو خبر أو معلومة هنا أو هنا أما البعض الآخر فمن خلال عمل أدبي أو فني أو موقف سياسي، وتبقى حدود المعرفة بهذه النماذج الإنسانية ظالمة أحيانا، لكونها عامة سطحية تخلو في الغالب من تفاصيل العمق،. 
 وهو ما حرص الباحثون على التركيز عليه، ومنه الجانب الدرامي في حياة كل شخصية في مراحل حياتها إما الطفولة أو الشباب أو بدايات الظهور ونهاياته وما بينهما.ونقتطف من بعض البساتين زهرة، وبدءا من الجزء الأول بعبارة الإهداء ( إلى الوزير الشهيد، رمز الاستقلال والحرية يوسف العظمة).ومن ثم إلى أبي خليل القباني( 1833-1903) وعن هذا الرمز يذكر الباحث راشد عيسى مشاهد من سيرته ؛ ففي يوم الاحتفال بختم أحمد بن محمد آغا آقبيق لحفظ القرآن، وثناء مفتي الديار الشامية الشيخ محمود حمزة به؛ تحدث التراجيديا بملاحظة الشيخ بكري العطار من أن الصبي (يكثر من تحريك أصابع يديه ورجليه، ويكثر في التنغيم والترنيم همسا في فمه، وكثيرا ما يسترسل وهو ساهم غائب عن الدنيا). 
 وهي الملاحظة التي تشير إلى تردده على مجالس الموسيقى ومعاشرة الموسيقيين، وإذ صدقت الملاحظة، فقد تحولت إلى حديث مسهب حول ولع الصبي بالغناء فما كان من مفتي الشام إلا أن أقفل الاحتفال بالانفضاض عنه، وهو يتعوذ من شيطان الغناء والموسيقى والتمثيل، وكانت تلك أول مواجهة في سلسلة مجابهات سيخوضها أبو خليل القباني أمرّ وأكثر شراسة (ص17). 
 تأتي أمتع السير في تقديري الشخصي حول عبد السلام العجيلي بقلم المبدعة سعاد جروس تحت عنوان ( القمة الأكثر ثباتا). 
 إذ تقول: كان يتعمد السير في طريق جانبية قل عدد سالكيها؛ ليحظى بالهدوء كي يساعده على القراءة وهو في طريقه إلى مطحنة والده؛ التي اعتاد العمل فيها خلال العطلة المدرسية. وفي العشرينات اضطر لقطع دراسته الثانوية بسبب مرض ألم به فانصرف إلى القراءة مدة أربع سنوات كان لها أثر بالغ في حياته. خاض أهم تجاربه الوطنية مع قضية فلسطين، عام 1948 اثر القرار القاضي بالتقسيم، وقامت الجامعة العربية بتشكيل جيش الإنقاذ ليدخل الأرض الفلسطينية ويحول دون قيام الكيان الصهيوني. 
 وتألف الجيش من فوجين من المجاهدين التحق عبد السلام بفوج اليرموك المشكل من السوريين بقيادة أديب الشيشكلي وحقق بذلك أمنية خامرته قبل 11 عاما حين قرر الالتحاق بثورة فلسطين ضد الانجليز عام 1937 وقصد دمشق دون علم أهله بعد انتهائه من دراسة الثانوية مقررا الاكتفاء بها ومكرسا حياته للجهاد في سبيل الوطن. حلم بأن يصبح طبيبا يخدم الإنسانية ويخفف آلام المرضى. 
 افتتح عيادة خاصة اختلط من خلالها مع أهالي منطقته كلها وعندما حان وقت الترشيح خاض العجيلي الانتخابات وحقق الفوز و في العام 1962 تم تكليفه بثلاث وزارات هي الثقافة والإعلام والخارجية إلا أن الصفة الأدبية هي الأكثر شيوعا بين الناس. 
 عرف ككاتب أكثر مما عرف كطبيب أو سياسي رغم منجزه الإنساني الهام الذي حققه من خلال مهنته كطبيب، ومما يحسب له دوره الأساسي في مكافحة شلل الأطفال، وكان ذلك في الثمانينات إلى أن قضي تقريبا على المرض بشكل نهائي في سورية. رغم تفرغه للطب خصص وقتا للأدب واعتبر واحدا من المؤسسين الذين أسهموا بدور رئيسي في إرساء تقاليد القصة العربية وتطورها إذ أسس بحق فن الحكاية. 
 تذكر الباحثة موقفا يدل على المكانة التي وصل إليها العجيلي متجاوزا مستوى الثقافة العربية بكثير، وذلك حين طلب الملحق الثقافي الفرنسي منه المرور إلى مكتبه في دمشق أواخر الثمانينات؛ حينها فوجئ بالملحق الثقافي وقد حصل من أقربائه في الرقة على صورة للعجيلي في صباه، وكان قد قام بترميم الصورة وتكبيرها، ولدى استقباله سأله أن يضع توقيعه عليها ليعلقها في صدر مكتبه؛ فقال له كيف تضع صورة لي بهذا الحجم في صدر المكتب؟ 
 إنه مكان لصورة الرئيس فرانسوا ميتران لا صورتي! رد عليه الملحق الثقافي جادا وبإعجاب كبير.. أنت قيمة أكثر ثباتا من ميتران. ذلك مقتطف من سيرة الأديب الطبيب الذي رحل صباح الأربعاء في 5 أبريل 2006 بُعيد رحيل صاحبه محمد الماغوط بيومين. نقرأه في ص 1039- 1052)أما روزا ياسين حسن فتكتب (صرخة في زمن الخوف) عن ماري عجمي ( 1888-1965) إذ تقول: يحسب لماري أنها صاحبة إصدار (العروس ) أول مجلة تنشئها وتديرها وتحررها امرأة في الوطن العربي؛ الأمر الذي ساهم بجعل تاريخ الصحافة السورية يُنصِّب ماري عجمي رائدة الصحافة السورية. 
 كما تورد الباحثة أسبقية ماري عجمي في عروسها بعدد من القضايا؛ فقد تكلمت في ذلك الوقت عن قضية لم تكن قد عُرِّيَت بشكل واسع وهي قضية دعم الاقتصاد المحلي، والحث على استهلاك المصنوعات الوطنية دون غيرها من المصنوعات الأجنبية. ودأبت ماري دوما في مقالاتها في العروس وفي غيرها على الوقوف إلى جانب العامل والفلاح والجندي، وهو موقف لم يكن معتادا في الأوساط المدينية في ذلك الوقت من تاريخ سوريا. 
 وماري عجمي كما بدأت بوصفها الباحثة صبية سمراء في الـ 26 من عمرها تقوم كل حين بزيارة حبيبها المعتقل في السجون العثمانية، وبعد ساعات من الانتظار وراء القضبان تعود دون أن تكلمه، توفيت ماري عجمي وحيدة عجوز حيث لم تحمل السنوات الطوال قلبها على الخفقان من جديد رغم ما يقارب الخمسين عاما بين استشهاد الباتر خطيبها المعتقل مراسل مجلة (العروس) في بيروت منذ أن صدرت في العام 1910ووفاتها، بقيت وحيدة حتى آخر العمر. 
 عمر أبو ريشة (1910 - 0891) الذي أعد لسيرته د. عمر الدقاق؛ بادئا بربيع 1944 حيث كانت انطلاقة ذات شأن في مسيرة أبي ريشة وشهرته مع انعقاد المهرجان الألفي لأبي العلاء في مساحة مدرسة التجهيز بحلب؛حضره أعلام الأدب من لبنان وفلسطين ومصر والعراق، وكان أبو ريشة يومئذ النجم المتألق الذي صفق له الحاضرون طويلا، وأخذت شهرة أبي ريشة منذ ذلك اليوم تتجاوز حدود بلده ووطنه إلى رحاب سائر بلدان العرب؛ إلا أن المنعطف البارز في عالم الشعر والوطنية لديه حين حدثت نكبة العرب في فلسطين سنة 1948 بلغ السخط مداه بين الناس. 
 وتكشف للشعب مدى التخاذل والضعف الذي كان عليه حكامه، ثم حدث أن اجتمع على ضفة النهر في موقع حديقة اللونا بارك جمع حاشد وقف على رأسه عمر أبو ريشة ليلقي القصيدة الأشهر، وهي الميمية التي حملت عنوان (أمتي) وقد صب الشاعر غضبه على الحكام الفاسدين الذين أضاعوا فلسطين، ولا يستبعد أن تكون هذه القصيدة المدوية قد أحدثت هزة في نفوس الجماهير، وأصبحت سببا من أسباب سقوط الحكم في سوريا بعد وقت قصير، وحدوث الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم عام 1949. 
 دريد لحام (المغامر العنيد) هذا ما اختاره الباحث لعنوان من عناوين الفن السوري والعربي، وعنوانا من عناوين الخصوصية والانتشار في الكوميديا التلفزيونية والسينمائية والمسرحية؛ فعلى وقع قبقابه وحركة طربوشه المائل ضبط السوريون إيقاع ضحكاتهم زمنا طويلا، ومن وحي مقالبه ونجاحاته وانتصاراته وخيباته؛ عرفوا الجغرافيا الفنية للحمام السوق والفندق والمخفر والسجن، ولحارة كل من إيدو إلو وغيرها من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية؛ التي كانت تحاكي الواقع وتسخر منه وتقترب منه ببساطة، وتكشف جوهره المعقد بسذاجة ماكرة. 

سيرة دريد لحام تقدم باختصار نموذج الرجل العصامي الذي لم يمنعه فقره من الرغبة في التعلم، وشهادته الجامعية لم تمنعه من أن يتوجه إلى الفن الذي أحب. تعلم أن الكفاح هو أول خطوة في طريق النجاح. وحسب الباحث فإن أكثر ما يميز دريد لحام في سلوكه اليوم، وفي نظرته إلى تلك الطفولة الصعبة التي كان يعمل فيها الأب بائع فحم جوال، وكانت تسهر الأم حتى الصباح على ماكينة الخياطة لتحيك أثوابا بالأجرة، هي ثقافة الرضا. 
 ولعل أعمق ما قاله دريد وهو يصف نفسه قبل أكثر من 42 عاما ويمسك بسر تميزه وفرادته ونجاحه، ما أورده الباحث محمد منصور( أمثل من الحياة طرفين متناقضين؛ طرفا ينزع إلى الرصانة والجدية، والآخر يسير في طريق اللامبالاة والهزل، وتقبع الحقيقة في الوسط؛ حيث لم يفكر أحد حتى اليوم في استجلاء غموضها؛ يطلبونها دائما في الطرفين المتناقضين فيخفقون، ويتولد في نفوسهم كره شديد للحياة، وكان لابد لي من أن أنطلق؛ فبحثت مع الباحثين، واجتزت تجارب المجتمع فعثرت على شخصيتي الحالية.. ص 1403-1417). 
 أما (الجنتلمان) فهو وليد اخلاصي كما وصفه الباحث د. سعد الدين كليب، وقد يكون الكاتب السوري الوحيد، وربما العربي أيضا الذي يبدع في الأجناس الأدبية الثلاثة بهذه الغزارة والسوية الأدبية، وبهذا العدل فيما بينها، فقد صدرت له حتى الآن 13 رواية و17 مجموعة مسرحية و12 مجموعة قصصية، بالإضافة إلى عدد من المقالات الأدبية في قضايا المسرح والثقافة والحداثة، وذلك ما سطر في الصفحات من (1429-1441). 
 ونتوقف مع ياسين رفاعية في ما كتبه من سيرة غادة السمان، أو... عن فتاة سمراء أنيقة خجولة في أول إطلالة لها، وقد اجتازت المرحلة الجامعية مجازة في الأدب الانجليزي بتفوق للعمل في المكتب الصحافي بالقصر الجمهوري بدمشق. وكانت قد أحبت دون جوانا تزوجته وصدمت فيه، ثم تجاوزت الأزمة. ويسرد رفاعية عن كاتبة جريئة خاضت تجارب عديدة لعل أبرزها؛ حكايتها مع الشهيد غسان كنفاني، وعندما تجرأت ونشرت رسائل غسان إليها؛ اطلع قراؤها على قصة حب عظيم عاشها هذا المناضل الفلسطيني مع غادة من طرف واحد؛ مع إنه كان متزوجا وعنده طفل في ذلك الحين. 
 عندما نشرت غادة هذا الكتاب أثار ضجة هائلة بعضها ضد غادة وبعضها معها، واشتدت الحملة عليها؛ لكنها لم تأبه وصمدت حتى إنها لم تكتب لتدافع عن نفسها؛ لكن ما حصل أوقف غادة عن القيام بنشر رسائل أخرى لها من كتاب وصحافيين معروفين، وهي رسائل يقول الباحث لو نشرت لملأت مجلدات من آلاف الصفحات، ومنهم الصحافي الفلسطيني ناصر النشاشيبي؛ الذي نشر بعد رسائل كنفاني إليها؛ رسائلها إليه وفي إحداها رغبتها بالإطلاع على غرفة نومه، والرسائل بخط غادة. وأول ما فعلته غادة إثر هذه الرسائل؛ أن وضعتها في عهدة أحد البنوك، وأوصت بنشرها بعد خمسين عاما من وفاتها. ص 1489- 1497). 
 إصدار بديع يقع في ثلاثة أجزاء من القطع الكبير بمجموع 1580 صفحة، وقد ضم الجزء الأول منه 35 اسما، وضم الثاني ،34 والأخير ضم 31. وهو عمل يشهد على الجهد المبذول ويحقق المتعة ويستحق التقدير.

فاطمة محمد الهديدي

المصدر: البيان 

إقرأ أيضاً:

نبيل صالح : " رواية اسمها سورية " كتاب يكشف أسرار الوحدة الوطنية

عادل أبو شنب يطالب بطبعة شعبية لكتاب «رواية اسمها سورية»

البيان: اقتراح ترجمة «رواية اسمها سورية» كمدخل لفهم العقل العربي

وليد إخلاصي: «رواية اسمها سورية» تتعرض لهجوم غير مسبوق

البيان: «رواية اسمها سورية» كتاب يخوض في الممنوع سورياً

الوطن العمانية: «رواية اسمها سورية» تحلل الشيفرة الثقافية للسوريين

الحياة: «رواية اسمها سورية» تثير عاصفة نقدية في دمشق

المستقبل: «رواية اسمها سورية» استقراء لفلسفة تاريخ سورية الحديث

الشرق الأوسط: «رواية اسمها سورية» كتاب جريء بالمقياس السوري

الوطن السورية: «رواية اسمها سورية» انعاش للذاكرة الوطنية

الراية القطرية: «رواية اسمها سورية» استقراء لتاريخ سورية الحديث

السفير: «رواية اسمها سورية» تجمع الأبطال والأشرار وتثير شهية النقاد

الكفاح:«رواية اسمهاسورية» مدونةعاطفية وثائقية تجمع الجمالي بالسياسي

قناة المنار: «رواية اسمها سورية» تتجاوز حدود سايكس بيكو

الثورة : "رواية اسمها سورية" تقدم ذاكرة السوريين بلغة الأدب

مونتكارلو: «رواية اسمها سورية»ترسم خريطة سورية الثقافية خلال قرن

الدستور: مئة شخصية تروي التاريخ السوري في "رواية اسمها سورية "

مجلة شبابلك: «رواية اسمها سورية» كتاب كل السوريين

النور السورية: حسبك تجنب اللوم حول "رواية اسمها سورية"

سيريا نوبلز: «رواية اسمها سورية» بين التشويق والتأريخ

الأخبار: العسكر والسياسيون يتداولون بطولة «رواية اسمها سورية»

فواز حداد : رواية اسمها سوريا لم تستقبل بما يليق بها من نقد وتقييم

فلسطين المسلمة: «رواية اسمها سورية» دراما سورية مشوقة

سعاد جروس تكتب عن «رواية اسمها سورية» التي تستنهض ماضينا

الوطن الإماراتية: 38 كاتبا يؤلفون «رواية اسمها سوريا»

«رواية اسمها سورية» في الميزان مع اعلام الزركلي وأعلام سورية

الهدف: صفوة المجتمع السوري يحتفلون بصدور «رواية اسمها سورية»
 


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...