"محكمة الجنايات الدولية" بقيادة الولايات المتحدة والناتو تسدد على الأسد
الجمل ـ كين ستون ـ ترجمة: مالك سلمان: في 9 تشرين الثاني/نوفمبر, أجرت "شركة الإذاعة الكندية" (سي بي سي) مقابلة مع لويس مورينو-أوكامبو, المدعي العام الأسبق ل "محكمة الجنايات الدولية". وخلال المقابلة, دعى أوكامبو "محكمة الجنايات الدولية" لتحضير إدانة ضد الرئيس السوري بشار الأسد, كما طالبَ الناتو بإصدار مذكرة لإلقاء القبض عليه. وأضاف أنه يجب تعزيز هذه المذكرة بإرسال قوات الناتو, بما في ذلك القوات الكندية, إلى سورية أو "قصف [سورية] بهدف اعتقاله".
وضحَ أوكامبو أنه بسبب كون الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية, وبما أن هناك ضحايا مدنيين نتيجة الأعمال العسكرية التي تقوم بها الحكومة السورية, ستكون القضية ضد الأسد قوية, مع أنه تجاهل في المقابلة ذكرَ التهم التي يمكن توجيهها ضد الأسد. (هل تُعتبَر مواجهة العدوان الأجنبي جرماً جنائياً تبعاً لقوانين "محكمة الجنايات الدولية" ؟) لم يأت أوكامبو على ذكر القوى الأجنبية, مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر والسعودية, أو مجموعة ال 70 بلداً في ما يدعى بتشكيلة "أصدقاء سورية" التي تتدخل في القضايا الداخلية السورية لتحقيق هدف غير قانوني يتجسد في تغيير النظام. كما أنه لم يذكر جرائم الحرب الفظيعة ضد المدنيين والتفجيرات الإرهابية التي يقوم بها المرتزقة المدعومون من الخارج داخل سورية, هذه الجرائم التي تم تسجيلها بشكل متكرر بتفاصيلها الدقيقة من قبل شبكات الأنباء العالمية, وتم عرضها على "يوتيوب", كما تمت إدانتها, في مناسبة واحدة على الأقل, من قبل مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
بعد دعوته هذه, وبسبب شعور روسيا والصين وجنوب أفريقيا أن الغربَ قد خدعهم بمسألة "منطقة حظر الطيران" في ليبيا (والتي سرعان ما أدت إلى حملة من القصف المكثف بهدف تغيير النظام هناك), نأى أوكامبو بنفسه عن فكرة الغزو الشامل لسورية, مشيراً إلى انعدام الإجماع في صفوف المجتمع الدولي.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يلعب فيها السيد أوكامبو دورَ الواجهة للإمبراطورية الأمريكية. ففي الحقيقة, في كل مناسبة خلال السنوات التسع الأخيرة تورطت فيها "محكمة الجنايات الدولية" – بقيادته - في قضايا تخص القادة السياسيين, كان القادة المتهمين من الأفارقة المناوئين لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية. وقد كان من بينهم الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الليبي معمر القذافي وابنه سيف. من الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة رفضت أن تمارس هذه المحكمة سلطتها على مواطنيها. وبكلمات أخرى, فإن "محكمة الجنايات الدولية" هي شارع باتجاه واحد تسير عليه أهداف السياسة الخارجية الأمريكية العرقية والكولونيالية الجديدة في أفريقيا, لكن الجرائم العرقية وجرائم الكولونيالية الجديدة تمر دون عقاب.
ومع ذلك, لم يكن أوكامبو قاضياً ناجحاً خلال السنوات التسع التي ترأس فيها هذه المحكمة. حيث تمت إدانة 29 أفريقياً لكن الحُكم صدرَ بحَق واحد منهم فقط, وليس بناءً على التهم الأصلية الموجهة في الإدانة. كما كان أوكامبو مثيراً للسخرية عندما أعلن أنه يتلقى التعليمات من سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة, سوزان رايس, ويبدأ تحقيقاً في التهمة المضحكة التي تشير إلى أن حكومة القذافي كانت توزع حبوب "الفياغرا" للجنود الموالين للدولة لتشجيعهم على عمليات اغتصاب جماعية للنساء المدنيات.
تنسجم "محكمة الجنايات الدولية" مع نموذج قانوني دولي جديد من المحاكمات (التي غالباً ما تمولها الولايات المتحدة بشكل مباشر) الخاصة بمناطق ساخنة كونية معينة مثل يوغوسلافيا السابقة و راوندا و سيراليون, التي يتم فيها الحكم على قادة الدول المستهدَفة من قبَل الولايات المتحدة والناتو بهدف تغيير النظام الذي يَلي العدوانَ العسكري الذي يزيحهم عن السلطة. وخلال رئاسته التي دامت تسع سنوات, تجاهلَ أوكامبو جرائمَ الحرب التي ارتكبها جورج بوش الابن وكولن باول وتوني بلير من خلال التحضير لغزو العراق؛ والأفعال الشائنة التي ارتكبها ديفيد كاميرون ونيكولا ساركوزي في ترويجهما لضرب ليبيا؛ والاغتيالات غير القانونية بواسطة طائرات بلا طيارين التي قام بتفويضها باراك أوباما شخصياً ضد المدنيين الأبرياء في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال والسودان. وفي حقيقة الأمر, لم تتم إدانة قائد غربي واحد على الجرائم والاحتلال في يوغوسلافيا السابقة وأفغانستان والعراق وراوندا والصومال وليبيا أو فلسطين. وبكلمات قليلة, تمثل "محكمة الجنايات الدولية" ونظام المحاكم الدولية الخاصة عدالة المنتصر الإمبريالي.
ولكن لماذا اختارت "سي بي سي" أن تجري مقابلة مع أوكامبو حول سورية؟ إن الجوابَ واضح بالنسبة إلى أي مشجع للعبة الهوكي, اللعبة الوطنية في كندا. ففي لعبة الهوكي للمحترفين, التي تجني منها "سي بي سي" أموالاً طائلة, يتركز دور الحَكم على مراقبة خرق اللاعبين للقوانين. وتتم معاقبة اللاعبين الذين يخرقون القوانين, كما يتم الإعلان عن أخطائهم على نظام الخطاب العلني, ويتم عزلهم داخل صندوق العقوبات لعدة فواصل زمنية طيلة الزمن المتبقي لنهاية المباراة. وخلال ذلك الفاصل, يكون اللاعب خارج اللعبة. وبشكل مماثل, في عالم السياسة الدولية, عندما يخرج لاعبون من أمثال الرئيس السوري بشار الأسد عن الخط, فيما يتعلق بحاجات الإمبراطورية الأمريكية, تنشأ الحاجة إلى حَكم (مثل أوكامبو) لتسميتهم وتعريضهم للعقوبة العلنية (التي ترددها, بدورها, وسائل الإعلام السائدة من أمثال "سي بي سي"), وإن كان بالإمكان لإخراجهم من اللعبة؛ أو من خلال تصويرهم على أنهم مارقون دوليون. فعلى سبيل المثال, لا يستطيع الرئيس السوداني عمر البشير مغادرة بلاده بسبب وجود مذكرة بالقبض عليه كان قد أصدرها أوكامبو.
ما قاله أوكامبو فعلياً في المقابلة هو إنه يفضل عملية للناتو في سورية على غرار التدخل العسكري الأخير في ليبيا لأن قوات الناتو التي اشتركت في العملية الليبية نجحت في تأمين الدعم من مسافة آمنة بينما قام المقاتلون المحليون بتنفيذ عملية تغيير النظام على الأرض. عمل أنيق, من الناحية النظرية, تبعاً لأوكامبو لكنه ليس صحيحاً من ناحية التطبيق. ففي واقع الأمر, كان للعديد من دول الناتو المهاجمة قوات على الأرض في ليبيا تعمل على تنظيم وقيادة ‘الثوار’ الليبيين إلى النصر. واليوم, ليبيا دولة فاشلة تتقاتل فيها جماعات مختلفة على السلطة. ومع ذلك, فقد تمت إعادة التنازلات النفطية الليبية لأصحابها الأصليين (قبل حُكم القذافي): الشركات العالمية. كما تراجعت ‘حكومة’ ليبيا الجديدة عن كافة العقود والقروض الموقعة سابقاً مع الشركات الروسية والصينية.
كان أوكامبو في تورنتو في "كلية القوات الكندية" لحضور جلسة مشتركة لمنظمة "بَغووش" الكندية و منظمة "صوت النساء من أجل السلام" الكندية. كان من الأفضل لهما أن تختارا متحدثاً افتتاحياً أفضل من أوكامبو, هذه الواجهة المتسلسلة للإمبراطورية الأميركية.
(المصدر: "غلوبل ريسيرتش نيوز")
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد