معرفة حقيقة القناصة ومن يقف وراءهم

المراسل: ضيف حلقة اليوم الباحث والكاتب الروسي المعروف نيكولاي ستاركوف صاحب عدد كبير من المؤلفات المعنية بما يُعرَف بالثورات الملوّنة, والذي أطلق عدداً من المقالات تحمل آراء تستحق المناقشة تتعلّق بدور القنّاصة في أحداث الثورات التي اشتعلت في العالم العربي.
المراسل : أريد أن أعرف ما هي طبيعة النظريّة التي تتحدّث عن دور هؤلاء القنّاصة في أحداث الشرق الأوسط ؟
ستاركوف : نُراقب اليوم عملية تدميرية منظمة تقوم بها الولايات المتحدة وبريطانيا, تهدف في المُحصّلة إلى تخريب النظام السياسي والاقتصادي العالمي, لذا نَسأل من أين للولايات المتحدة هذا المستوى المعيشي العالي رغم الأزمات ؟! الولايات المتحدة قلقة من انخفاض قيمة الدولار وإذا استمرّ بالتدهور فإنَّ واشنطن ستفقد قوّتها وتفوّقها ولذلك فهي تَسعى إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وجَرِّهِ مجدّداً كي يكون عبداً للدولار, ليبقى العملة القوية الوحيدة في العالم ولإدامة القروض الأمريكية, ولِتُحَقّق هذا الهدف ينبغي إشعال الحروب, فالحربان العالميتان الأولى والثانية خَلَقت القوة الأمريكية وجَعَلتها مُهيمنة, وقد باءَت بالفشل محاولة واشنطن لجرّ الكوريتين للحرب, الهند وباكستان لا تُريدان القتال ولم تَنشب حرب بين إيران وإسرائيل, وهنا تَلجأ الولايات المتحدة إلى الخَيار الاحتياطي, زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في العالم العربي الغني بالثروات. عملياً المشكلات التي تُعاني منها البلدان العربية والإسلامية ليست بِدعة, وهي موجودة في معظم بلدان العالم, ويمكن إذا شِئنا التلويح بشعار تحرير إيرلندا الشمالية من قبضة لندن فيما لو أراد أحد زعزعة استقرار بريطانيا العظمى ويمكن عبر الإنترنت التحريض على العصيان ولكن لكي تتحقّق الثورة يجب أن يُراق الدم ويتساقطَ القتلى في الشوارع وإذا لم تُطلق السلطات النار على المتظاهرين فإنه (يجب مساعدتها) على هذه الفِعلَة.
هنا تحديداً دور القنّاصة.
المراسل: معذرة أنتم تقولون أن كل مايجري هو من ترتيب أمريكي بريطاني, لكن توجد أسباب موضوعية للثورات الشعبية في العالم العربي؟
ستاركوف: نعم توجد أسباب موضوعية, فهذه البلدان تواجه صعوبات اقتصادية وسياسية حقيقية ولكن ألا يلفت نظركم أن تنفجر الثورات دفعة واحدة وبتسلسل مريب وفي منطقة محددة تُعتبر عَصباً اقتصادياً خطيراً في العالم ؟! برأيي فإنّ هذا التوافق ليس صدفة ! ولكي يكره هذا الشعب حكومته يجب إراقة الدماء ولأن السلطات تستخدم الغاز المُسيل للدموع مثلاً أو خراطيم المياه أو الهراوات فإن ذلك لن يُساعد على تفاقم المواجهة وعندها يظهر على السطوح قنّاصة مجهولون يطلقون الرصاص على المتظاهرين ويقتلون بعضهم, هذه الصورة شاهدناها في تونس وظهر القناصة في مصر وفي ليبيا في مدينة بنغازي تحديداً. وهنا يجب التذكير بأن المُدوّن الذي أبلغ بأن قوات القذافي تخرقُ الهدنة وبعد ذلك بدأت غارات حلف الناتو, هذا المدوّن قُتِلَ في ظروف غامضة وبطلق ناري من قنّاص مجهول. القنّاصة هؤلاء قَتلوا (38) متظاهراً في اليمن, ويُمارسون اليوم نفس المهمة في سوريا وبين القتلى هناك جنود وضباط وتنقل شاشات الجزيرة والـ BBC صوراً عن دموية النظام الذي يقمع ويقتل المتظاهرين ويعدم الجنود الذين يرفضون إطلاق النار على الحشود المُحتَجّة. التقنية واحدة في كل الدول التي تعيش الاحتجاجات الشعبية .
المراسل : لاحظت أنكم تبحثون عن مشكلة القنّاصة حتى في عُمق الثورة الروسية البلشفية, هل من المعقول أن يكون لهؤلاء أيضاً دور في تفجير الثورة البلشفية أو على الأقل تحويلها إلى مسار آخر؟
 ستاركوف: الاستفزاز والتخريب عمرهما مئات السنين خلال ثورة شباط البرجوازية من عام 1917 في روسيا, تحدّثوا عن شرطة أطلقت النار على المتظاهرين في (البيتروغراد) من بنادق رشاشة وفي تلك الفترة لم تكن قوات الدرك الروسية تملك ذلك النوع من البنادق, الأمر الذي أشار له الكاتب والمؤرخ الروسي (ألكسندر سالجينيتسن), لقد سقط في تلك الثورة قتلى برصاص قنّاصة مجهولين ولم يُعثر لهم على أثَر ولم يتم الكشف عن ملف الجريمة إلى يومنا هذا . أما الشرطة المزعومة التي أطلقت النار من أسلحة لا يملكونها فقد دخلوا التاريخ على أنهم قَتلة النظام القيصري وعاشت روسيا نفس القصة في تموز من نفس العام ونفس السيناريو تكرر عام 1993 حين قام قنّاصة من سطح السفارة الأمريكية في موسكو بقتل عسكريين روس أمام مبنى البرلمان أو مجلس السوفييت الأعلى الذي حلّه (يلتسين) وأدى الحادث إلى دفع القوات المسلحة إلى اقتحام البرلمان . نفس القنّاصة ظهروا في قرغيزستان العام الماضي (2010) وقاموا بقتل الأوزبك والقرغيز لتأجيج النزاع العرقي. في إيران قبل عامين قُتلت فتاة بنيران قنّاص أثناء التظاهرات الاحتجاجية على نتائج الانتخابات . لذا أنا أريد أن أسأل لماذا تلجأ السلطات إلى أسلوب غبي وغير فعّال كالقنص من السطوح في حين يمكن تفريق التظاهرات بوسائل فعّالة كما حدث في البحرين حين دخلت القوات السعودية إلى المملكة واستخدمت الأسلحة الرشاشة وليس بنادق الصيد وقضت على التظاهرات في غضون بضع ساعات؟
المراسل : أفهم من ذلك أنكم تستثنون البحرين من هذه المؤامرة التي تجري في الشرق الأوسط؟
ستاركوف: ينبغي فهم حقيقة أن الولايات المتحدة تُزيل الأنظمة الموالية لها لأنها غَدت مُستَهلكةً وتستبدلها بأخرى ليس مستبعداً أن تحملَ طابعاً إسلامياً راديكالياً لتفجير منطقة الشرق الأوسط بأكملها وحتى المملكة العربية السعودية ليست بمنأى عن هذا السيناريو وعن محاولة التثوير وربما أيضاً قطر والبحرين وإن كانتا تواليان الولايات المتحدة. فالسيناريو في مرحلته الأولى يشمل البلدان العربية ومن ثم باكستان حليفة الصين, الأمريكيون سيخرجون من أفغانستان وعليهم التفاهم مع طالبان والإعداد لاقتحام طاجيكستان ومن ثم أوزباكستان برجال طالبان وعندها ستواجه روسيا مشكلة لاجئين لتختنق بها. قُصارى القول: البرنامج الأمريكي طويل الأمد, ويُنفّذ على مراحل لضرب كل القوى الجيوسياسية الخصم للولايات المتحدة.
المراسل: لماذا لانرى القنّاصة في العراق , أيضاً توجد في هذا البلد حركات احتجاجية ومظاهرات؟
ستاركوف: الجواب ببساطة يعادل الجواب على السؤال لماذا لا تقوم الولايات المتحدة وفرنسا بعملية برية في ليبيا ؟ السبب : أنه لا يجوز أن توجد قوات أمريكية حيث توجد القاعدة وعلى هذا المنوال, فإن القنّاصة لن يظهروا في بلد مثل العراق خاضع تماما للاحتلال وتحت السيطرة الأمريكية المطلقة, حكومة بغداد موالية لواشنطن فلماذا يتعيّن إسقاطها الآن ؟ وقبل أن تُنجز المهمات المنوطة بها في هذه المرحلة . في تونس تم إلقاء القبض على قنّاصة يحملون جوازات سفر سويدية ادّعوا أنهم جاؤوا لصيد الخنازير البرية, أي سخرية سواح يصطادون الخنازير في بلد مضطرب ! لقد أُطلِقَ سراح القنّاصة فالثورة نجحت في تونس ولم يَعُد أحد يسأل عن سرّ هؤلاء.
المراسل : لماذا لا يتم إلقاء القبض على هؤلاء القنّاصة في سوريا وفي اليمن؟
ستاركوف: سؤال أوجهه أنا شخصياً إلى الأنظمة, وقد شاهدنا كيف أن وسائل الإعلام تتحدث عن سياح أو صحفيين أبرياء ألقت السلطات القبض عليهم وتبدأ حملة مسعورة لإطلاق سراحهم تهدف إلى تخويف السلطات والتعمية على دور القنّاصة. أنصح السلطات السورية بالحذر من الأسطح ومراقبتها لأن القنّاصة وصلوا إلى هذا البلد.
المراسل: كيف سيكون تطور الأحداث في ليبيا , سوريا وفي اليمن كل بلد على حدى؟
ستاركوف: سيُطاح بنظام علي عبد الله صالح دون شك, خاصة وأن حرباً أهلية تدور في اليمن منذ فترة ليست قصيرة, آمل أن تفشل خطط الولايات المتحدة في سوريا وأن تُظهر سلطاتها قدراً أكبر من الحكمة والحصافة في التعامل مع الأحداث وأن لا تتساهل مع المخربين . أما في ليبيا فإن القذافي لن يستسلم بسهولة وسيصمد وربما سيتركونه وشأنه إلى حين تدبير عملية سرية لاغتياله أو دسّ السُّم له, حلف الناتو لن يغفر للقذافي أنه قاوم آلته العسكرية الضخمة ولم ينهزم أمامهم بسهولة, وسيكون الرهان على ثوار بنغازي لمواصلة تفجير الوضع في ليبيا.
المراسل: أما فيما يتعلّق بسيناريو تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب , الشرق الغني بالبترول والغرب الذي سيكون بقيادة القذافي ولكنه سيكون غرباً فقيراً؟
ستاركوف: في حال رحيل القذافي فإن ليبيا ستتقسّم إلى أجزاء وليس فقط إلى شرق وغرب, القذافي هو ضمانة وحدة ليبيا, وضعٌ مثل بقاء بنغازي بيد الثوار وطرابلس بيد القذافي لا يروق للولايات المتحدة وبريطانيا, يجب إقامة دولة الخلافة الإسلامية في ليبيا لإشعال حرب في المنطقة هدفها النهائي تعزيز قوة الدولار وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي.
المراسل: لقد وجهتم تحذيراً إلى القيادة الروسية بأن ما يجري في الشرق الأوسط هو جزء من مخطط عالمي يهدف في المحصّلة النهائية إلى خنق الصين ومن ثم خنق روسيا, من أين تنطلقون ؟ هل لديكم معلومات دقيقة حول هذا الموضوع أم هي مجرد استنتاجات باحث؟
 ستاركوف: في ليبيا حصلت سابقة خطيرة التدخل الخارجي في شأن داخلي, الغرب الآن يُزوّد المعارضة الليبية بالسلاح تجاوزاً على قرار مجلس الأمن الدولي بل أن القرار يُحرِّم تصدير السلاح إلى ليبيا. سابقة تُشكل خطراً على روسيا لأنها تواجه حركة انفصالية في شمال القوقاز, من يضمن ألا تظهر حفنة مسلحين أمام الكاميرات ملوّحين بالرشاشات ويطالبون بالاستقلال وبحماية المدنيين لتأتي القاذفات الأمريكية فتقصف الأراضي الروسية ! السابقة الليبية خطر على كل دول العالم وليس فقط على روسيا . لذلك وجّهتُ رسالة مفتوحة إلى الرئيس (ميدفيدف) قبل قرار مجلس الأمن طلبتُ فيها التّحقّق من أحداث ليبيا قبل اتخاذ أي قرار لأن حجم الأكاذيب والافتراء فاقَ التصوّر ولعبت الجزيرة والـ BBC دورا رئيساً في تلفيقها .
المراسل: بماذا تنصحون إذاً أجهزة الأمن والشرطة والسلطات في بلدان الشرق الأوسط حتى تتجنّب دور القنّاصة في خلق هذه الفوضى؟
ستاركوف: أنصحُ بطرد الصحافة الغربية وقطع الإنترنت, وأن يظهر رئيس الدولة ليُعلن بأن الأجهزة الأمنية قد وضعت كل بنادق القنص تحت السيطرة والمراقبة وأنها سحبتها من الخدمة لقطع الطريق على القنّاصة الوافدين أو المندسين, يجب أن يتم ذلك أمام عدسات التصوير وضمن رقابة شعبية, كما أنصح بالسيطرة على أسطح المباني المحيطة بمواقع التظاهرات والاعتصامات.
المراسل: لماذا الصحفيون بالذات يُطردون من هذه البلدان التي تشهد ثورات؟
ستاركوف: لأن الصحفيين هم الغطاء المفضّل والمحبب لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.

المصدر: بريد الجمل