معركة شمال الرقة تتعثر.. والعدناني يقود «داعش»
وسط تعثّرٍ واضح، استمرت الاشتباكات لليوم الثالث على التوالي بين «قوات سوريا الديموقراطية» التي يهيمن عليها العنصر الكردي من جهة، وتنظيم «داعش» في قرى ومزارع ريف الرقة الشمالي من جهة ثانية، وذلك في ظل معلومات تؤكد أن المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني يقوم بدور رئيسي في قيادة العمليات العسكرية ضد الحملة الكردية.
ومن غير الواضح حتى الآن ما هي أسباب التعثر، الذي تجلى بعدم قدرة «قوات سوريا الديموقراطية» على التقدم على الأرض بالوتيرة نفسها التي كانت تتقدم فيها ضد مسلحي «داعش» في معارك سابقة. هل السبب هو شراسة التنظيم في التصدي للحملة العسكرية ضده، أم التقصير أو الاستعجال في التحضير للمعركة وعدم تأمين جميع مستلزماتها السياسية والاجتماعية والعسكرية؟ أم أن ما يبدو تعثراً ليس في حقيقته سوى تكتيك كردي يرمي إلى جس نبض التنظيم قبل إطلاق الحملة الجدية ضده، كما لمَّح أحد قادة الأكراد الميدانيين، أمس الأول؟
واقتصرت سيطرة قوات الأكراد على بعض المزارع التي تقع أساساً في منطقة طالما كانت ميداناً لمعارك الكر والفر بينها وبين تنظيم «داعش»، وهي الواقعة على خط التماس بين الطرفَين مثل الهيشة والفاطسة. وقد كانت الهيشة شرق عين عيسى، على سبيل المثال، شهدت معارك عنيفة بينهما منتصف آذار الماضي. لذلك فإن عدم قدرة «قوات سوريا الديموقراطية» على كسر خط التماس، والتقدم لما بعده، بدأ يثير التساؤلات حول مصير الحملة، خصوصاً في ظل بعض ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية التي لا بد أن تفرض نفسها، بشكل أو بآخر، على القائمين على الحملة.
فمن جهة، حذرت تركيا على لسان نائب رئيس الأركان يشار غولر من التعاون مع «وحدات حماية الشعب» الكردية، واصفاً إياه بالأمر الخطير. وقال غولر، بعد لقاء دام ساعتين جمعه في أنقرة يوم الاثنين مع رئيس القيادة الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فاتيل: «لا تتفاجأوا إذا تخلى عنكم الأكراد حين يشتد الصراع ضد داعش».
ومن جهة أخرى جددت موسكو دعوتها إلى التنسيق مع واشنطن في معركة الرقة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأوزبكية طشقند، إن بلاده لم تتوصل بعد إلى «اتفاق مع الأميركيين بشأن شكوكهم وحتى معارضتهم الانتقال من تبادل المعلومات الاستخبارية إلى تنسيق الأفعال في محاربة الإرهاب». وقد يشير تكرار هذه المطالبة إلى عدم رضا موسكو الضمني عن استفراد واشنطن بمعركة إستراتيجية مهمة من وزن معركة الرقة. وما يعزز ذلك أن الجيش السوري كان قد أعلن، في شباط الماضي، عن إطلاق ما اسماها «المعركة نحو الرقة» انطلاقاً من معاقله في منطقة أثريا بريف حمص الشرقي، كما أن مسؤولاً روسياً صرح نهاية الشهر الماضي عن عزم الجيش السوري، بدعم روسي، على فتح معركتَي الرقة ودير الزور.
كما أن الجهود التي بذلها الأكراد لإبراز دور المكون العربي في عملية تحرير الرقة، تعرضت بدورها لبعض العقبات، وهي جهود كان الأكراد يأملون من ورائها تجنيبهم التعرض للحساسيات القومية المتأججة في المنطقة. فقد أعلن مجلس شورى قبيلة شمر المعارِض عن «رفضه القاطع لمشروع الفدرالية الذي أعلنته مجموعة من الأحزاب الكردية وبعض الفئات الموالية لها»، مشدداً، في بيان، على «وقوفه ضد طروحات التقسيم التي تهدد وحدة التراب الوطني». كذلك صدر بيان عن ممثلي بعض العشائر يؤكد عدم وجود عناصر عربية تنتمي إلى عشائرهم ضمن صفوف القوات التي تخوض معركة الرقة. ولكن الأخطر من ذلك هو ما كشفه المتحدث باسم «حملة الرقة تذبح بصمت» محمد الصالح حول انضمام الآلاف من أهالي الرقة إلى تنظيم «داعش» خلال الأيام الماضية بسبب تخوفهم من الحملة الكردية.
وتساهم بعض التصريحات الكردية في ترسيخ هذه المخاوف، خصوصاً الحديث عن ضم الرقة إلى الفدرالية الكردية كما صرح ممثل «حزب الاتحاد الديموقراطي» في كردستان العراق غريب حسو. وقال الصالح إن حوالي 2250 مدنياً في 38 قرية على خطوط التماس مع «قوات سوريا الديموقراطية» انضموا مؤخراً إلى «دورات شرعية عن الجهاد، وانضم مئة منهم إلى معسكرات قتالية، إضافة إلى وجود متطوعين كثر للقتال داخل المدينة» على حد قوله.
أميركيون يقاتلون على الأرض
وفي صورٍ تعد الأولى من نوعها لجنود أميركيين في ساحات القتال داخل سوريا، نشر أحد مستشاري معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط تشارلز ليستر، عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، صوراً لمقاتلين أميركيين يقاتلون الى جانب «قوات سوريا الديموقراطية» في المعارك التي أطلقتها قوات التحالف الدولي للسيطرة على مدينة الرقة أمس الأول .
وفي تعليقه على الصور كتب ليستر «إنه رائع للغاية أن ترى عناصر من القوات الخاصة الأميركية يقاتلون صفاً واحداً بجانب عناصر اليو بي جي من أجل السيطرة على الرقة شمال سوريا».
وأظهرت الصور عدداً من عناصر الوحدات الخاصة الأميركية يستقلون سيارة مزودة برشاش إلى جانب عناصر من «قوات سوريا الديموقراطية». وكان لافتاً أن الأميركيين كانوا يضعون على ملابسهم العسكرية لصاقات وشارات خاصة بالقوات الكردية.
العدناني يقود عمليات «داعش»
وفرض إطلاق «معركة شمال الرقة» على أبي محمد العدناني، المعروف بصفته متحدثاً رسمياً باسم تنظيم «داعش»، أن يواجه تجربة جديدة باعتباره قائداً عسكرياً.
ومما لا شك فيه فإن معركة الرقة ستكون اختباراً جدياً للعدناني في جانب من مؤهلاته بعيدٍ عما اعتاد أن يواجه العالم به، وهو فن الخطابة والفصاحة. ولا يعود ذلك لكون العدناني الشخصية الأكثر نفوذاً داخل الرقة فحسب، بل لأنه هو مؤسس «لواء المهام الخاصة» (لواء الصدّيق) الذي ينظر إليه على أنه أقوى تشكيلات التنظيم في المدينة.
وفي وسط المعلومات المتضاربة حول بنية التنظيم وهيكلة قياداته في بعض المدن، تسرب منذ فترة أن قيادة «داعش» قلّصت صلاحيات «واليها» في الرقة أبي لقمان (علي موسى الشواخ) مقابل توسيع صلاحيات أبي محمد العدناني، الذي أصبح بمثابة نائب أبو بكر البغدادي لشؤون الشام. وسواء صح ذلك أم لا، فالمؤكد أن العدناني بات يتمتع بصلاحيات واسعة أمنية وعسكرية لا تقتصر على الشام وحدها بل تشمل واحداً من أكثر جوانب نشاط التنظيم خطورة بالنسبة للدول الغربية، وهو ملف العمليات الخارجية. وقد كشفت بعضاً من جوانب هذا الدور الخطير تحقيقاتٌ استخبارية أثبتت ضلوع العدناني في اتخاذ القرار بخصوص تنفيذ بعض العمليات التي استهدفت بلجيكا وباريس مؤخراً.
بالإضافة إلى ذلك، قام العدناني بتشكيل قوة للمهام الخاصة تعرف باسم «لواء الصديق». وإذ لا يعرف تاريخ محدد لبدء تأسيس هذا اللواء، إلا أن المعلومات تؤكد أن المنتسبين إليه يخضعون لدورة تدريبية طويلة نسبياً، تمتد بين ثمانية أشهر وسنة كاملة. وبما أن منتصف العام 2015 شهد ــ بحسب المعلومات ــ تخريج أوائل هؤلاء المتدربين، فهذا يعني أن العمل على تأسيس «اللواء» بدأ مباشرة بعد إعلان «الخلافة» منتصف العام 2014.
ويتم اختيار المرشحين للانتساب إلى معسكرات التدريب الخاصة بـ «اللواء» من أكثر العناصر ولاءً وقوةً، ويخضع هؤلاء للغربلة مرة ثانية أثناء التدريب حيث لا يتم اختيار إلا النخبة من بينهم. وتتركز التدريبات في معسكرات «اللواء» على عمليات الاقتحام الخطرة وحرب المدن.
والتجربة الوحيدة المعروفة لنشاط «لواء الصديق» هو مشاركة قسم من مقاتليه في معارك ريف حلب الشمالي ضد الفصائل المسلحة الأخرى. وبالرغم من أن تدخله في هذه المعارك منذ أواخر العام 2015 ساهم في منع خسارة التنظيم، ومن ثم استرداده لغالبية المساحات التي كان قد فقدها، إلا أن بعض الخسائر التي تعرض لها مقاتلو «اللواء» في بعض الاشتباكات تشير إلى وجود نقاط ضعف في تدريباته، كما حصل في معركة بمحيط حربل حيث خسر 25 من مقاتليه.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد