هل ستعيد هيفا صياغتنا

07-10-2013

هل ستعيد هيفا صياغتنا

الجمل ـ بشار بشير: الحرب التي تجري في سورية هي قمة جبل الجليد لما يجري في العالم أجمع , تغيرات سياسية وربما بنيوية عميقة هي في طور التشكل لتُنتج عالماً مختلفاً عن الذي ألِفناه خلال الثمانية وستون عاماً الماضية , أبرز التغيرات التي بدأنا نلاحظها هي إضمحلال وإنتهاء صلاحية الكثير من المفاهيم بحيث أصبح من الضروري إجراء مراجعة لها مع إعادة شرح وتعريف .. هذه بعض المفاهيم التي أصبحت بحاجة لمراجعة :
الدولة المدنية : (والمقصود بها عكس الدولة الأمنية)  هل هي الدولة التي نحلم بالوصول لها ؟ وهل يمكن أصلاً الوصول لها؟ التجربة أثبتت أن أعرق الدول المدنية لا تتوانى عن خلع قناعها المدني والعودة للدولة الأمنية عند مجابهة أي مشكلة حقيقية , هذا ما رأيناه في أميركا وبريطانيا وفرنسا .أما في سورية فلم نعد في وارد إنتظار الدولة للتكشير عن أنيابها الأمنية بل أصبح هذا مطلب شعبي , وفي الحقيقة فإن مقولة د. شعيبي أن الدولة الأمنية هي ممر إجباري نحو الدولة المدنية صحيحة مع تعديل بسيط هو أن الدولة الأمنية هي الدولة الحقيقية الراسخة وهي ليست معبَرا نحو نظام دولة آخر . المشاكل الكبيرة التي واجهت سورية ودول أخرى أكثر تجذراً في النظام المدني أثبتت أن قيام الدولة وبقائها وإمكانية العيش بها لا يمكن أن تتم إلا على اساس النظام الأمني و أقصى ما يمكن فعله لكي لا يطغى النظام الأمني ويتحول لنظام قمعي هو إيجاد سلطة تشريعية وسلطة قضائية نزيهتين وفاعلتين , بالإضافة للسلطة الرئاسية المناسبة وهنا يمكن القول أن سورية محظوظة بوجود سلطة رئاسية قادرة على االسيطرة على النظام الأمني وواعية كفاية للمقدار اللازم أستخدامه من هذا النظام . المؤكد أن الأزمة السورية قد فرضت إعادة مراجعة لمفهوم الدولة المدنية ليس على صعيد القطر السوري فقط وإنما على صعيد المنطقة وربما على صعيد  العالم .
الشرعية الدولية : وعلاقة الحرب السورية بهذا المفهوم هي أن هذه الحرب أعلنت سقوط أمبراطوريات عظمى وسقوط هيمنتها مما فتح المجال لإنتقاد و تغيير المفاهيم التي رسختها وعلى رأسها مفهوم الشرعية الدولية التي صاغتهُ أميركا وفرضته على العالم وهو في الحقيقة ليس شرعية ولا دولية بل هو المزاجية الأميركية  وهي مزاجية من نتاج عقلية عنصرية مجرمة فرضت مفاهيمها وبطشها على العالم باسم الشرعية الدولية التي أصبح من الضروري أن تعود لمعناها الحقيقي ولأصحابها الحقيقيين أي المجتمع الدولي فرغبات أميركا المريضة والمتوحشة ليست رغبات دولية ولايمكن إعطاءخا بعد اليوم صفة الشرعية .
الأمة العربية الواحدة : وهي أمة لم يصدف أن وجدت في أي لحظة من الزمن فحتى في أوج الأمبراطورية الإسلامية لم يكن هناك أمة عربية واحدة, ومع التقدم في التاريخ زاد التمايز بين الشعوب المتجاورة في المنطقة الجغرافية التي يطلق عليها اسم الوطن العربي .والأزمة  السورية بينت أن هذا التمايز وصل بين بعض الأقطار لمرحلة العداوة . بإختصار الشعوب الحضارية المتمدنة يوجد حد أدنى من الروابط الإنسانية (التفهم والتعاطف) بينها , مثلاً سورية (لبنان والأردن وفلسطين ضمناً) العراق الجزائر مصر اليمن تونس المغرب السودان ليبيا موريتانيا عمان هذه الدول من الطبيعي وجود وإيجاد الكثير من الروابط و الصلات بينها ليس بالضرورة لتشكيل أمة (أوروبا أتحدت دون تشكيل أمة أوروبية)  ويبقى خارج هذه المصفوفة كما حزرتم دول البداوة التي بالتأكيد لن نُصبح أمة واحدة معها و من الصعب كما بينت الحرب السورية إيجاد روابط وصلات معها ضمن الشكل المدني الحضاري وذلك لإصرار هذه الدول كما اتضح على تغليب شكلها البدوي المنغلق على أي علاقة بينها وبين دول جوارها . إذاً كنتيجة للحرب السورية ولما سمي الربيع العربي ولمجمل تاريخ الأربعين سنة الماضية  أصبح من الضروري إعادة صياغة مفوم الأمة العربية الواحدة على الأقل على صعيد تحديد أي الأقطارهي الصالحة لتكون ضمن هذا المفهوم .
الإسلام والمسلمين : هذان المفهومان هما صاحبي الحظ الأكبر بتعريفهما بشكل دقيق ... هذا ما كنا نتوهمه إذ يبدوا أن كل مجموعة من المسلمين وضعت تعريفها الخاص للإسلام وللمسلمين وصدف أنه لزمن طويل لم تحاول أي مجموعة مقارنة تعريفها بتعاريف المجموعات الأخرى وإنما جرى الإكتفاء بالحديث عن المفهوم المجرد دون تعريفه وهكذا ظنت كل مجموعة أن تعريفها هو نفس تعاريف المجموعات الأخرى أو أن تعريفها هو السائد الذي تأخذ به المجموعات الأخرى . لكن في لحظة ما (وهي لحظة تأتي كل فترة من التاريخ) عندما أعلنت واحدة من المجموعات تعريفها تفاجأ الآخرون (أو تظاهروا بالمفاجأة) وأعلنوا هم ايضاً تعاريفهم لنكتشف أن لكل ملة ولكل نحلة ولكل طائفة ولكل مذهب ولكل مجموعة تعريفها الخاص للإسلام والمسلمين ولنكتشف أننا لانملك في الحقيقة تعريفاً لا للإسلام ولا للمسلمين فما تظنه أنت إسلاماً يعتبره هو بدعة ومن تعتبره أنت مسلماً يجده هو كافراً . هل من سبيل لتصحيح مشكلة عمرها ألف وأربعمئة سنة وإيجاد تعريف جامع ومُجمَع عليه للمفهومين المذكورين .

أثبت التاريخ أن الحروب هي الصانع الأكبر للهوية الشخصية والقومية أو أنها المدمر لهما وبين الصنع والتدمير تقبع المفاهيم التي نعتنقها أثناء وبعد الحرب وبقدر ما تكون مفاهيمنا محددة ومعرَّفة بشكل واضح بقدر ما تكون هويتنا ووجودنا مثلها .

أخيرا لاعلاقة لهيفا بما تقدم.. ولكنها زعبرة لاصطيادكم.. بكل محبة واحترام..

الجمل

التعليقات

شكراً على الزعبرة التي تدفع أمثالي لاكتشاف علاقة موقع مثل الجمل وركابه الكرام بمايسمى ظاهرة هيفا وهكذا وجدت نفسي وسط فخ جميل ينقل أفكاراً اقترب من بعضها وأناقش بعضها الآخر : الدولة الأمنية ضرورة نعم ولكن على من يحكموا باسمها ان لايتغولوا ويظلموا عندها ستكون الدولة المثالية برأيي المتواضع ,لقد اثبتت التجربة السورية -بشكل خاص -وتجربة دول الانتفاض العربي ان الأمن هو المطلب الأساس لحياة الناس قبل الأكل والشرب وحرية التفكير والتعبير :لااجزم ان ماجرى ويجري هو تآمر على الشعوب لإثبات أن عليهم القبول بواقعهم والصمت ولكنها فكرة تخطر بالبال وتدغدغ .العالم كله من أدناه إلى أقصاه يحتاج الأمن والأمان أولا وهكذا وصلنا إلى القبول بأي شيء ليعود الأمن لحياتنا . امريكا هي دولة قامت من مجموع المساجين المحكومين بالإعدام أي ببساطة من القتلة فلا يحكم بالإعدام إلا القاتل ,ثم تبعهم الباحثون عن الثروة ,وقاموا بإبادة سكان البلاد بالملايين واستقدموا العبيد من افريقيا وعدوهم عبيداً لسواد بشرتهم وهذا سبب عنصري واضح ,وشكلوا دولة هيمنت بالقوة وبضعف من هم حولها. ومن كانت جيناته القتل والسرقة والنهب لايمكن أن يكون رسول حضارةوهذا مايفسر انتشار الجريمة بشكل مذهل في اوساط الاميركيين رغم محاولاتهم المستميتة لإخفاء الحقيقة .مثل هذه الدولة لن تكون رسول سلام ومركز اشعاع حضاري وعلى العالم الانتفاض وإعلان الثورة على -البلطجة- الاميركية وهذا شيء لم يعد بعيداً جداً لكنه يحتاج وقتاً بالتاكيد أما الحديث المضحك عن أمة واحدة تتمدد على اراض شاسعة لايجمعها جامع فهذه مهزلة فكرية : فكروا قليلاً ماالرابط بينك وبين أهل البداوة اللذين يصرون أن اجمل أوقاتهم حين -يتمرمغون وهو قول مقصود لأن الجميع يعرف من يمرغ نفسه بالتراب ويرفس وينهق-برمال الصحراء؟ ماالذي يجمع ابن الحضارة في سورية الكبرى مع ابن السودان ؟او موريتانيا ؟مع احترامي لكل شعوب الأرض ,لو لم يقم بدو الحجاز باستعمار هذه البلاد الشاسعة باسم نشر دينهم بالسيف والقتل والذبح وفرض الجزية وهو ما يفعله أحفادهم اليوم في سورية والعراق-وليس كما يكذبون بانهم فاتحون رحماء -لمن يشك اعد قراءة التاريخ بعين وقلب وفكر مفتوح .ولو لم يفعلوا لكان الأمازيغ في شمال افريقيا يبسطون هيمنتهم ويقيمون دولتهم ويتحدثون لغتهم ,ولكان أهل الشام يتابعون تطورهم الحضاري بحتمية التطور الحضاري وربما كانوا هم السباقين في مجال العلوم كافة لأنهم من احتك بالروم وتبادلوا العلوم واكتشفوا وطوروا وكذا اهل النوبة في مصر والسودان وبقية شعوب العالم التي عشش فيها الفكر الإسلامي .لن يقوم للعالم (الإسلامي)قائمة إن لم يعد دراسة تاريخه وتطوير افكاره والتخلص من كل الأدران. لست ضد من يريد الاعتقاد بمفاهيم الإسلام كما جاء بها محمد لأني أعدها فلسفة شبيهة بالبوذية والمسيحية واليهودية ومن حق كل إنسان أن يختارها عن اقتناع بمحتواها ولكني ضد أن يقال أنها فرض لايجوز مناقشته ومن يرفضها يجب قتله لأنها دين الله المفضل من قال أن هذه المقولة هي الحقيقة ؟ألا يقول اليهود أن دينهم هو المفضل وأنهم شعب الله المختار وكذا المسيحيون والبوذيون و...و.. كل واحد يدعي ذلك ويكفر ماعداه والحل أن يترك لكل إنسان أن يقرأ ويطلع ويختار وربما _وهو المرجح عندي- سيترك كل هذه المعتقدات ويبحث لروحه عن فضاء آخر يبعث السلام في نفسه .حين نصل إلى هذا سنجد أن الإنسان يعيش بسلام مع نفسه أولاً ومع من حوله ثانياً .ربما يلعن البعض منكم أفكاري ويعدها تجديفاً وربما يلعنني لابأس ولكن ازيحوا معتقداتكم جانباً لخمس دقائق فكروا بما قرأتم ثم قرروا .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...