100 يوم على التدخل الروسي في سوريا: ما الذي تغير؟

12-01-2016

100 يوم على التدخل الروسي في سوريا: ما الذي تغير؟

«ما بعد تشرين الأول ليس كما قبله»، بهذه العبارة يلخص ضابط سوري الأوضاع الميدانية بعد التدخل الروسي في سوريا الذي تجاوز يومه المئة، فما الذي تغير فعليا في ميادين القتال السورية؟
 يقسم الضابط في الجيش السوري إجابته على هذا السؤال إلى شطرين، الأول تكتيكي، والآخر استراتيجي.
ويوضح الضابط، «قبل التدخل الروسي في سوريا كنا فعلياً في حالة دفاع. صحيح أننا نفذنا عمليات تقدم عديدة، إلا أن معظم قواتنا كانت في حالة دفاع». ويقول: «بعد ذلك تغيرت الأوضاع، أمّن سلاح الجو الروسي غطاء فعالاً للعمليات البرية، فانتقلنا إلى إستراتيجية الهجوم، وهو ما جرى في ريف حلب الشرقي والجنوبي، وريف حماه الشرقي، وحتى في ريف حمص، وصولا إلى المنطقة الجنوبية وريف اللاذقية».طائرتان حربيتان روسيتان في مطار حميميم في اللاذقية
ويضيف الضابط: «أصبح الاعتماد على عنصر المشاة كبيراً، خصوصاً مع توفير غطاء ناري فعال لتقدمه، لذلك تغيرت تجهيزات الفرد في الجيش السوري، وتم تزويد قوات المشاة بأسلحة فردية خفيفة تساعد في عمليات الالتحام المباشر، وحرب العصابات، وهو ما حصد نتائج كبيرة على الأرض».
ومنذ بدء التدخل الروسي في سوريا، الذي أعلن عنه في 30 أيلول الماضي، أنشأت موسكو قاعدة جوية في مطار حميميم قرب مدينة جبلة في اللاذقية الساحلية، وقامت بتدعيم الأسطول الروسي، ووجهت قاذفات إستراتيجية نحو المعارك في سوريا، في حين أعلن الجيش السوري عن تأسيس «الفيلق الرابع اقتحام»، الذي أوكلت إليه مهمات التقدم البري تحت الغطاء الناري الكثيف.
التدخل الروسي بدأت تظهر آثاره بسرعة كبيرة، فبعد أقل من أسبوعين على بدء الغارات الروسية، فتحت قوات الجيش السوري أكثر من 10 جبهات في وقت واحد، في سابقة منذ بدء الحرب السورية قبل خمس سنوات، لتبدأ بعدها ملامح خطة الجيش السوري ونظرته للمعارك على الأرض، والتي تمثلت بفتح طرق التواصل الرئيسية بين المدن السورية، فانطلقت معارك عنيفة في ريف حمص الشمالي الذي دخله الجيش السوري في سابقة أيضاً، في حين اندلعت اشتباكات عنيفة في ريفي حلب الجنوبي والشرقي، وأخرى في مناطق ريف درعا الذي تعرض لنكسة في حزيران من العام الماضي، بالتزامن مع تحقيق اختراق في ريف دمشق، حيث اخترقت قوات الجيش السوري الغوطة الدمشقية، في أول خرق من نوعه، واستعادت مطار مرج السلطان وقرى محيطة عدة.
وبشكل تفصيلي، تمكنت قوات الجيش السوري بعد التدخل الروسي من التقدم على جميع المحاور، ففي الجنوب تمكنت قوات الجيش السوري من استعادة مقر «اللواء 52» والتقدم نحو مدينة الشيخ مسكين التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، الأمر الذي يعني قطع طريق إمداد المسلحين بين درعا وريف دمشق.
وفي ريف دمشق، فتح الجيش السوري معارك متزامنة في ثلاثة محاور، في سابقة أخرى، حيث ضغط على مسلحي الغوطة الشرقية، من أطراف بلدة حرستا، وأطراف جوبر، قبل أن يتمكن من اختراق عمق الغوطة والسيطرة على مطار مرج السلطان، الذي شكل بداية لتغير الخريطة الميدانية قرب العاصمة.
وفي حمص، اقتحمت قوات الجيش السوري الريف الشمالي، واقتربت من منطقة الدار الكبيرة، ما ساهم بتشكيل طوق يتكامل مع معارك ريف حماه، في حين تمكنت قوات الجيش السوري من وقف تمدد مسلحي تنظيم «داعش» في الريف الجنوبي الشرقي، الذي شهد عمليات كر وفر قبل أن تتمكن قوات الجيش السوري من السيطرة على مهين وحوارين والاقتراب من القريتين الإستراتيجية، مع استمرار الضغط على مواقع التنظيم في تدمر.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر متابع لملف المصالحات في حمص أن عمليات الجيش السوري في ريف حمص الشمالي ساهمت بشكل كبير في تسريع مصالحة حي الوعر، والذي دخل خطة زمنية لإخلاء المسلحين منه، الأمر الذي ينهي آخر وجود مسلح في مدينة حمص.
وفي ريف حماه، قوبلت عمليات الجيش السوري على محور الطريق العام الواصل بين حلب ودمشق، مروراً بحماه وحمص، بردة فعل عنيفة من قبل الفصائل المسلحة، حيث تمكنت هذه الفصائل من اختراق مدينة مورك، وإيقاف العمليات على المحور الشمالي للمدينة، في حين استكملت قوات الجيش السوري عملياتها على المحور الشرقي، وتمكنت من عزل مسلحي ريف حمص الشمالي عن ريف حماه، ما وضع تلك الفصائل في دائرة الحصار.
ريفا حلب الشرقي والجنوبي، وريف اللاذقية الشمالي، شهدت التطورات الميدانية الأبرز بعد التدخل الروسي، حيث سيطر الجيش السوري والفصائل التي تؤازره على معظم الريف الجنوبي، وأصبحت على بعد خطوة من اقتحام محافظة إدلب التي استنفر المقاتلون الموجودون فيها (فصائل «جيش الفتح») وتوجهوا نحو ريف حلب الجنوبي على شكل قوافل استهدفتها قوات الجيش السوري تباعاً.
وقال مصدر عسكري: «تكمن أهمية ريف حلب الجنوبي من كونه البوابة نحو دخول إدلب من جهة، وكونه يأتي استكمالاً لمعركة الطرق الرئيسية، حيث أصبح طريق حلب ـ دمشق ضمن دائرة السيطرة من جهة حلب». وتبقى منطقة الزربة في الوقت الحالي خارج سيطرة الجيش السوري في الريف الجنوبي الغربي، حيث يستعد لدخولها، وفي حال السيطرة على المنطقة يمكن لقوات الجيش السوري التوجه نحو الريف الشمالي، أو اختراق إدلب عبر منطقة سراقب.
وفي ريف حلب الشرقي، تمكن الجيش السوري من تحقيق انتصار كبير عبر فك حصار تنظيم «داعش» عن مطار كويرس العسكري، الذي تحول إلى أحد أبرز مفاصل الحرب السورية، قبل أن توسع قوات الجيش السوري من دائرة سيطرتها في المنطقة التي يسيطر عليها «داعش»، حيث باتت قوات الجيش السوري على أبواب منطقة تادف ومدينة الباب، إحدى ابرز معاقل التنظيم في الريف الشرقي.
وتتكامل عمليات الجيش السوري في ريف حلب الشرقي مع عمليات «قوات سوريا الديموقراطية» في منطقة سد تشرين في أقصى الريف الشرقي، حيث ازدادت الضغوط على مناطق نفوذ تنظيم «داعش» في منبج والباب، وأصبح عناصر التنظيم تحت وطأة فكي كماشة تزداد ضغوطاً مع استمرار التقدم على هذه المحاور.
ريف اللاذقية الشمالي بدوره، شهد ابرز التطورات الميدانية، حيث فتحت قوات الجيش السوري معارك عنيفة عبر ثلاثة محاور، وتمكنت من تحقيق تقدم كبير فيها. وفي هذا الصدد، يؤكد مصدر ميداني أن الجيش السوري نجح في استرجاع نصف المساحة التي كانت تسيطر عليها الفصائل المسلحة في الريف المفتوح على تركيا، موضحاً « قبل بدء المعارك في ريف اللاذقية الشمالي كان المسلحون يسيطرون على نحو 18 في المئة من مساحة (محافظة) اللاذقية، الآن لا تتجاوز نسبة سيطرتهم 9 في المئة». ويضيف: «معارك ريف اللاذقية الشمالي ترتبط بشكل وثيق مع المتغيرات السياسية، حيث كان المسلحون في هذه المنطقة يتلقون دعماً كبيراً من تركيا، وينشطون تحت مظلتها، الآن كسرت هذه المظلة».
مصدر عسكري سوري يرى، خلال الحديث عن التطورات الميدانية في سوريا بعد التدخل الروسي، أن آثار هذا التدخل «بدت واضحة على متغيرات خريطة السيطرة: الاختراقات من جهة، وتحصين مناطق تمركز قوات الجيش السوري من جهة أخرى». ويقول إن «طبيعة المعارك في سوريا معقدة، الروس يعرفون ذلك، لذلك يجري العمل بصبر وتأن». ويضيف: «التغيرات الجلية والخروقات في خريطة السيطرة بدت خلال ثلاثة أشهر فقط، وهذا أمر مبشر جداً، خصوصاً أن الفصائل التي تقاتل هنا تتلقى دعماً من دول إقليمية عدة، تقوم بمدها باستمرار بأسلحة ثقيلة ونوعية».

6 آلاف طلعة جوية
 أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية أن المقاتلات الروسية الموجودة في سوريا نفذت منذ بداية العام الحالي 311 طلعة قتالية في 10 محافظات، دمرت خلالها نحو 1100 موقع للإرهابيين، في حين كانت أعلنت في وقت سابق أن عدد الطلعات الجوية في سوريا منذ بدء العمليات وحتى 25 كانون الأول الماضي بلغت 5400 طلعة، الأمر الذي يعني أن عدد الطلعات الجوية خلال فترة مئة يوم بلغت نحو 6 آلاف طلعة جوية.
وقال رئيس الإدارة العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي، في مؤتمر صحافي عقده أمس، إنه «في كانون الأول الماضي تم تحرير 134 بلدة وقرية سورية من أيدي الإرهابيين، كما تم تحرير 19 بلدة أخرى منذ بداية السنة الجديدة». وأضاف: «أبرز النجاحات في المعارك ضد الإرهابيين تم تحقيقها في محافظات حلب واللاذقية وحماه وحمص والرقة».
وأوضح رودسكوي أن الضربات الروسية استهدفت مواقع من البنية التحتية النفطية التي يسيطر عليها الإرهابيون، ومواقع لاستخراج النفط وتكريره، ونقاط تمركز عصابات إرهابية وآليات حربية تابعة لها، مشيراً إلى أن الغارات الروسية تنفذ من أجل إضعاف قدرات العصابات الإرهابية أو لتقديم الدعم المباشر للجيش السوري وللتشكيلات الأخرى التي تحارب تنظيم «داعش».
وكشف أن الطائرات الروسية في سوريا تدعم حاليا 11 فصيلا من المعارضة الديموقراطية تضم ما يربو عن سبعة آلاف شخص. وقال: «خلال الأيام القليلة الماضية وجه سلاح الجو الروسي 19 ضربة جوية لمساندة فصائل جيش أحرار العشائر المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر».

«الائتلاف» يتهم موسكو بقتل مئات المدنيين
 أصدر «الائتلاف السوري» المعارض في السابع من كانون الثاني الحالي بياناً اتهم فيه روسيا بالتسبب بمقتل 1730 شخصاً، وتدمير عشرات المراكز الطبية والمدارس ودور العبادة والبنى التحتية لمؤسسات.
وفي وقت يصف فيه «الائتلاف» التدخل الروسي بـ «العدوان»، شكك مصدر سوري بحقيقة أرقامه، معتبرا أنها تأتي في سياق «الضغط السياسي». وتساءل المصدر: «لماذا لم يتحفنا الائتلاف بعدد المدنيين الذين سقطوا نتيجة غارات التحالف الذي تقوده أميركا».
وذكر «الائتلاف»، في بيان، انه «من أصل 12 ألف غارة استخدم فيها الغزاة (روسيا) القنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ الفراغية استهدفت 94 في المئة من الهجمات مواقع مدنية وأخرى تابعة للجيش السوري الحر»، متهماً موسكو بعمليات أدت إلى «تهجير نحو نصف مليون سوري من ديارهم في أرياف اللاذقية وحمص وحماه وحلب».
ورأى المصدر السوري أن سبب سخط «الائتلاف» يعود إلى التصنيف الذي تتبناه موسكو للفصائل الإرهابية، والذي يتوافق تقريباً مع تصنيف دمشق، ويتعارض مع تصنيف «الائتلاف» ومن ورائه السعودية وقطر، خصوصا ما يتعلق بـ «جيش الإسلام» و «حركة أحرار الشام» التي يروج لها على أنها «فصيل معتدل»، إضافة إلى الفصائل المقاتلة في أرياف اللاذقية وحمص وحماه.
ويأتي بيان «الائتلاف» بعد أيام من نشر «منظمة العفو الدولية» تقريراً (في 23 كانون الأول الماضي) اتهمت فيه روسيا بقصف المنشآت المدنية في محافظات حلب وإدلب وحمص، والتسبب بقتل أكثر من 200 مدني، وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية التي وصفت التقرير بأنه «زيف وأوهام».
وربط المصدر السوري بين بيان «الائتلاف» الذي ينشط من اسطنبول، وارتفاع منسوب التوتر الروسي - التركي بعد قيام تركيا بإسقاط مقاتلة روسية في ريف اللاذقية، إضافة إلى استهداف المقاتلات الروسية لقوافل النفط المسروق الذي كان يهرب إلى تركيا.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...