الأميركيون: مجتمع لا يحتمل البراءة
الجمل ـ بشار بشير: ونحن نستنكر الأعمال الأرهابية وأستهداف المدنيين أينما كان . هذا لسان حال كل من علَّق على إنفجارات بوسطن ( وليس إنفجاري بوسطن كما يحاول الإعلام أن يسوق تخفيفاً من وقع ما حدث في أميركا ) أما لسان حالي فهو... أنا لا أستنكر ولعلني (لو قمعت ضميري قليلاً) لشجعت ما حصل . لسان حال البعض إما الإستنكار لأسباب سياسية أو القول أن الشعب الأمريكي بريء لا يجب أن يؤخذ بجريرة حكوماته . ولسان حالي يقول : لا أبرياء في أميركا فهذه البلد هي التي تفخر بأنها الأكثر حرية وديوقراطية وأن حكومتها هي خيار الشعب . صحيح أن الإعلام يتدخل كثيراً في الأنتخابات الأمريكية ولكنه الإعلام الأمريكي القائم عليه أمريكيون , وصحيح أن هناك جماعات ضغط سياسية كثيرة في أمريكا ولكنها جماعات ضغط أمريكية مشكلة من أميركان حتى لو ضغطت لصالح غير أميركان (كأسرائيل مثلاً ) أي أن المجتمع الأمريكي مجتمع مسؤول تماماً عن قرارات قيادته فلايقول أحد أنه مساق من الإعلام أو مشغول برزقه لأن كل الأسباب التي ستساق هي من صنع الأمريكان الذين أرتضوها لأنفسهم ولم يفرضها عليهم أو يسوِّقها لديهم أحد فليس للإعلام التركي تأثير في أميركا وليس لجماعات الضغط الفرنسية تأثير في أميركا وليس للقواعد العسكرية الدانيماركية تأثير على القرار الأميركي ما يؤثر على الأمريكان هو ما يصنعونه ويرتضونه فقط .
هل يستحق الأمريكان الشفقة والتعاطف . عندما تابع الأسباني أمريكو أكتشافات كولومبوس فوصل لأمريكا الشمالية كانت أسبانيا قد بدأت مرحلة إنحدارها كقوة أستعمارية مقابل بزوغ بريطانيا التي قررت السيطرة على القارة الجديدة ديموغرافياً فبدأت بإرسال أعداد كبيرة من البريطانيين إلى أميركا, بعضهم هاجر بقراره الخاص وهم في أغلبهم أفاقون ومغتنمو فرص ومفلسون ساعون للثراء و طبقات دنيا تحاول أن تجرب حظها في العالم الجديد يرافقهم المرسلون قسراً وهم المحكومون و المسجونون الذين أرسلوالى أميركا لرفع عدد البريطانيين فيها إحكاماً لسيطرة بريطانيا عليها . هذا هو الخليط الذي أسس أميركا والذي بدأ كتابة تاريخه بإبادة السكان الأصليين لهذه القارة هذه الإبادة التي لازالت منهجاً أمريكياً حتى اليوم لم ينفع التطور والتمدن يتغيير فكر الأمريكيين تجاهها . إبادة الهنود الحمر لم تكن لأسباب ديموغرافية فالقارة واسعة جداً لدرجة تكفي سكانها الأصليين والقادمين معاً لكن الإبادة كانت تعبيراً عن طباع الأمريكان الذين بعد إنتهائهم من إبادة الهنود أفصحوا عن ثقافتهم المتمثلة بتقديم أنفسهم عبر القتل والعنف عبر القتلة والسفاحين رغم وجود العديد من المبدعين الأمريكان لكن المجتمع الأمريكي أبى أن يقدم نفسه للعالم إلا من خلال العنف والقتل لذلك على مر التاريخ الأمريكي " القصير " قدمت لنا أميركا نماذج غير مسبوقة من السفاحين لم تكتفي بتقديم نفسها من خلالهم وإنما تباهت بجعلهم أيقونات أمريكية وسعت لتحويلهم إلى أيقونات لجميع الأمم , من بوفالو بيل سفاح الهنود الحمر , إلى بيلي ذا كيد القاتل المخمور, إلى جيسي جيمس ( حبيب الأمريكان ) زعيم عصابة قتل وسرقة قطارات ( هو وبيلي ذا كيد صنعوا أسطورة أسمها الكاوبوي أصبحت عنوان الحضارة الأمريكية ) إلى الأخوة ديلنجر وهم عصابة قتل وسرقة , إلى بوني وكلايد أيضاً عصابة قتل وسرقة لنصل إلى الأختصاص الأمريكي الفريد وهو القتلة المتسلسلين الذين يقتلون لا لسبب وإنما حباً بالقتل ولا تخلو لحظة من التاريخ الأمريكي من قاتل متسلسل شهير : تيد باندي , دونالد غاسكنز , بيل جونيس ( إمرأة ) القائمة طويلة جداً وأكثر الأسماء فيها يعاملوا كرموز تاريخية لا كمجرمين ويخلدوا بأفلام وكتب ومسرحيات . هكذا يتعامل الأمريكيون مع القتله , حتى قتلة رؤسائهم فجون بوث قاتل لينكولن , و لي هارفي أوزوالد قاتل كينيدي ( أو هكذا يدعون ) وجاك روبي قاتل لي هارفي أزوالد , وحتى المعتوه جون هينكلي الذي حاول قتل ريغان وغيرهم كثيرون كلهم في نظر المجتمع الأمريكي المبني على العنف تجاوزا كونهم قتلة ليصبحوا أيقونات إجتماعية وهكذا وصلنا للإنتاج الأميركي الحالي وهو القتلة الجماعيين وهم الأفراد العاديين الذين يقررون فجأة التعبير ببلاغة عن الثقافة الأميركية فيقتحم أحدهم مدرسة أوجامعة أو مركز تسوق مطلقاً النار على من حوله , قتل عبثي ومجاني فسره المجتمع الأمريكي بأنه تعبيرعن الغضب والأحباط لدى هؤلاء القتلة , لم يستطيعوا حتى اليوم الإعتراف بأنهم يقتلون لأنهم نتاج المجتمع الأمريكي المقدِّس للعنف والقتل . مجتمع لم يمانع قصف اليابان بقنبلتين نوويتين جعلوا العالم كله يشعر بالذنب تعاطفاً مع اليابان إلا الأمريكان الذين يعتبرونه عملاً بطولياً رغم أنهم هم الأولى بالإحساس بالذنب والعار على هكذا عمل ولكنها ثقافتهم التي تمجد العنف والقتل . عنف المبادأة بالهجوم والقتل ( هوجموا مرة واحدة في تاريخهم من قبل اليابان وبقية حروبهم كلها هم بدؤوها وغالباً بلا سبب ) قتلوا مئات الآلاف في كوريا قتلوا ملايين في فيتنام قتلوا الآلاف في أميركا الجنوبية في غزوات سريعة قتلوا أكثر من مليون في العراق ظلماً وبلاسبب قتلوا ولا زالوا يقتلون في أفغانستان قتلوا في أوروبا لإعادة رسم خريطتها والآن يقتلون في سورية (وإن كان بالواسطة ) . هذه ليست مسؤولية الحكومات الأمريكية هذه مسؤولية الشعب الأميركي فبوش الأبن مثلاً نجح في دورته الأولى بحكم المحكمة نظراً لضآلة الفارق بالأصوات بينه وبين منافسه وفي الدورة الثانية وبعد أن شن الحرب على العراق أصبح بطلاً وطنياً وفاز بأغلبية أصوات شعبه التائق دوماً للعنف والقتل. الشعب الأميركي يعرف الحب والسلام في السينما أما في حياته الحقيقية فالبيض يكرهون السود والسود يكرهون اللاتينيين و اللاتينيين يكرهون الآسيويين و الكل يكره الكل و أفضل طريقة للحياة أن لا يكون لك علاقة بمن حولك حتى بعائلتك ويفضل أن تكون عضواً بعصابة هي تحميك من القتل وأنت تقتل من أجلها سواء كانت عصابة أزقة أو عصابة لها جذور تاريخية مثل الكلوكلوكس كلان أو لها أفكار سياسية كالتنظيمات اليمينية التي تملأ أميركا المهم أن يكون إِمامك العنف .
ككل حضارة في التاريخ لأميركا إنجازاتها الحضارية التي لا تُنكَر ولكن كل حضارة في التاريخ تقدم نفسها كما تشاء فاليونان قدموا نفسهم كفلاسفة و الرومان قدموا نفسهم كمهندسين وقانونيين رغم أنهم شنوا حروباً لا تنتهي ( ككل الأمبراطوريات ) والصينيون قدموا أنفسهم كفنانين ومخترعين والفراعنة قدموا أنفسهم كآلهة وبنائين كل السابقين كانت لهم حروبهم ولكنهم لم يشاؤوا أن يقدمو أنفسهم من خلالها , المقدونيون قدموا أنفسهم كمحاربين وكغزاة وكذلك ممالك أسيا كالمغول والتتار والهون , أيضاً هؤلاء كان لهم إنجازاتهم الحضارية كغيرهم من الحضارات والإمبراطوريات ولكنهم شاؤوا أن يقدموا أنفسهم كمحاربين وكغزاة أي كمؤمنين بالعنف والقتل . وهكذا هي أميركا لا تشذ عن التاريخ هو يفتح لها الأبواب وهي ككل الإمبراطوريات تختار الباب الذي ستلج التاريخ منه , وهي قد اختارت , اختارت العنف والقتل بدل أن تختار العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء رغم أن البابان متاحان لها . واختارت باباً آخر صغير لم يتح لغيرها أسمه صنع تاريخ أصطناعي إفتراضي عن طريق الكذب فأطلقت لهذا السبب أفلام هولييود وإعلامها الكاذب تريد أن تكذب بهما على نفسها قبل أن تكذب على الآخرين وعلى التاريخ .
لكل ما سبق لا يمكنني أن أستنكر أي تفجير في أميركا ( مع أنني ضد العنف لدرجة أني لا أقتل حتى النمل في منزلي وأنا معجب بالفيلسوف الذي لم يؤلمه فقط افتراس الكواسر لطرائدها بل آلمه أيضاً قضم القطعان للعشب فحتى العشب مخلوق حي قد يَتألم دون أن نعرف) .
منذ عام 67 وأميركا تحاربنا وتقتلنا ( كسوريين تحديداً ) قد يكون لها أسبابها الأستراتيجية ولكن بالنسبة لي هي تقتلنا وغيرنا لأنها مجتمع عنيف محب للقتل , لحمته تشكلها محاربة الآخرين وفي الحرب أنت إما قاتل أو قتيل إما منتصر أو مهزوم لذلك لا يمكنني أن أستنكر لا يمكنني أن أتعاطف لا يمكنني إلا أن أقف مع وطني فالمعادلة قد صاغتها أمريكا و لسنا نحن من وضعها : ما يضرها يفيدنا .
إضافة تعليق جديد