الانعطافة الأوروبية تجاه "الجهاديين": هل تفجّر العلاقة بين "النصرة" و"الحر"؟
الانعطافة الغربية والعربية النسبية باتجاه الاستغناء عن الرهان على "الجهاديين"، التي كان آخر محطاتها اجتماع بروكسل بين تسع دول أوروبية وعربية، انعكست بشكل مباشر على المشهد "الجهادي" في سوريا.
فمن جهة بدأت بعض دول الجوار بالتشدد في مراقبة حدودها، ومحاولة ضبط مسألة العبور منها وإليها، ومن جهة أخرى تتزايد المؤشرات على إمكانية انفجار العلاقة بين "جبهة النصرة" من طرف وبين "جبهة ثوار سوريا" وفصائل "الجيش الحر"، المدعومة غربياً وعربياً، من طرف آخر، بعدما كانت "النصرة" بمثابة حليف لها في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وإذا كانت هذه الانعطافة المتأخرة تشير إلى جدية بعض الدول في درء خطر "المقاتلين الأجانب" عن أراضيها ومصالحها، بعدما أصبحت السيطرة عليهم متعذرة، نظراً إلى تزايد أعدادهم ودقة الخبرات العسكرية التي حصلوا عليها، فإن انعكاسات هذه الانعطافة على الداخل السوري وترجمتها فوراً على شكل توتر واحتقان بين الفصائل المسلحة، تمثل بالمفهوم المعاكس دليلاً على أشكال الترابط التي كانت سائدة قبل الشروع في الانعطاف، بين أجهزة استخبارات هذه الدول وبين "الجهاديين"، سواء كان هذا الترابط مجرد "تقاطع مصالح مرحلي" أو أقل أو أكثر من ذلك، بما يتراوح بين الاختراق وبين التبعية المطلقة.
واتخذ الأردن، الذي حضر اجتماع بروكسل، خلال الأيام الماضية إجراءات توحي بتشدده في مراقبة حدوده مع سوريا، حيث قام سلاح الجو الأردني للمرة الثانية بالإغارة على سيارات تحاول العبور إلى أراضيه آتية من الداخل السوري، كما أطلق حرس الحدود الأردني النار على قافلة "جهاديين" كانت تحاول الدخول إلى سوريا.
وعلى ما يبدو فإن عدم حضور السعودية اجتماع بروكسل، يشير إلى أن الرياض لم تتخذ قرارها بعد في مواكبة هذه الانعطافة، وأنها لا تزال تراهن على فئة من "الجهاديين" في تنفيذ أجندتها الخاصة بسوريا. ويعزز من ذلك أن الطرق والمعابر أمام السعوديين الراغبين في القتال في سوريا ما زالت مفتوحة للخروج من بلادهم. وبعدما كشفت "السفير" الأسبوع الماضي عن وصول "الجهادي" السعودي محمد سعد الشمري إلى سوريا قادماً من الرياض - برغم منعه من السفر والأمر الملكي بمعاقبة مَن يقاتل في الخارج (علماً أن الشمري اعتقل في السعودية بعد عودته من سوريا، حيث كان يشارك في القتال) - فقد تمكّن سعودي آخر هو أبو عمر عبد العزيز بن علي السويد، من الخروج من بلاده والوصول إلى الأردن عبر معبر حديثة، بهدف التسلل عبر الحدود الأردنية والدخول إلى الأراضي السورية، وذلك قبل أن يطلق عليه حرس الحدود الأردني النار ويرديه قتيلاً، فجر الجمعة الماضي.
وعلمت "السفير" أن السويد كان مطلوباً من قبل المباحث السعودية، ومع ذلك تمكن بطريقة ما من الإفلات منها، رغم إرسال المباحث دورية لمطاردته في ضاحية الحمر غرب مدينة بريدة، وهو ما يشير إلى استمرار السلطات السعودية في ممارسة سياسة غض النظر عن خروج "الجهاديين" من أراضيها وتوجههم إلى سوريا، لاسيما أن عبد العزيز معروف بميوله "الجهادية" ومناصرته لتنظيمات "القاعدة". ويعزز من هذا الاحتمال شهادة قريبه عاصم السويد، الذي أكد أن عبد العزيز خرج عبر مطار الرياض، فكيف يمكن لشخص ملاحَق أمنياً أن يسافر بشكل نظامي عبر المطار؟
وبرزت خلال الأيام الماضية مؤشرات تدلّ على اتجاه العلاقة بين "جبهة النصرة" من جهة، وكل من "جبهة ثوار سوريا" وفصائل "الجيش الحر" من جهة أخرى، إلى الانفجار بما يشبه سيناريو القتال مع "داعش". وهو ما يمكن اعتباره ترجمة ميدانية من قبل الفصائل المعتبرة "معتدلة" والمدعومة علناً من دول غربية وعربية، لما جرى في كواليس اجتماع بروكسل.
واتسعت رقعة التوتر بين "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" في درعا بعد إقدام الأخيرة على اعتقال "قائد المجلس العسكري في درعا" أحمد النعمة، وما تبعه من مقتل "أمير جبهة النصرة" في بصرى الشام علي النعيمي (أبو حسين). وما يشير إلى أن تداعيات اعتقال النعمة قد تؤدي إلى تفجّر العلاقة واندلاع صراع مسلح بين الطرفين، أن "جبهة النصرة" اعتقلت أمس الأول قائد "لواء شهداء نوى" زهير دبو، بعد اشتباكات أسفرت عن مقتل "الأمير الشرعي للنصرة" في نوى المدعو أبو ثابت الشرعي، وعنصرين من اللواء. وجاءت هذه الاشتباكات ردّاً على إنذار كان وجهه زهير دبو إلى "النصرة" بوجوب مغادرة المدينة، ما دفع الأخيرة إلى إعداد كمين مسلح وإلقاء القبض على دبو ووضعه في معتقلاتها.
ومن جهة أخرى، ذكرت لـ"السفير" مصادر محلية في مدينة إدلب أن العلاقة بين "جبهة ثوار سوريا" و"جبهة النصرة" تتجه، وإن ببطء، إلى حافة الصراع بينهما. وأكدت المصادر أن "جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف (وهو في الوقت نفسه يحافظ على منصبه كأحد أعضاء "المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر" من دون أن يتعاطى بهذه الصفة) تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام "جبهة النصرة" في ريف إدلب، وخصوصاً في المنطقة الحدودية مع تركيا، حيث سجل خلال اليومين الماضيين حدوث "تحرشات" بين عناصر معروف وعناصر زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني في منطقة أطمة ذات المعبر الحدودي.
ورغم أن "جبهة النصرة" تلتزم الصمت إزّاء تصرفات معروف، إلا أن بعض الإعلاميين المقربين منها بدأوا يفقدون صبرهم، ويعبّرون بوضوح عن حقيقة الوضع بين الطرفين. فقد أكد الإعلامي أبو عمر اللاذقاني، المقرب من "النصرة"، أنه "منذ إرسال قيادة قطاع إدلب مؤازرة إلى الساحل للمشاركة في معركة الأنفال، بدأ مرتزقة معروف التحرش بالأخوة في إدلب". ووصل الغضب باللاذقاني لدرجة أنه طالب قيادات "جبهة النصرة" بـ "إيقاف معركة الأنفال، وتأديب مرتزقة معروف ومافيا (زعيم "داعش" أبو بكر) البغدادي، لأن الوضع لم يعد يحتمل".
ومن المرجح أن "جبهة النصرة" ستحاول قدر الإمكان استيعاب الاستفزازات في إدلب، وعدم التصعيد العسكري مع "الحر" في درعا، بانتظار ما ستسفر عنه المعارك الدائرة بينها وبين "الدولة الإسلامية" في دير الزور.
إلا أن تسارع الأحداث في الوقت نفسه يضغط على "النصرة" بشكل كبير، لاسيما أنها تدرك أن الانعطافة الإقليمية والدولية سيكون أحد آثارها انتهاء شهر العسل بينها وبين باقي الفصائل، لذلك يغلب على تصرفات "النصرة" في هذه المرحلة، الانفعالية المبالغ فيها، لأنها تتوقع أن يأتيها الطعن من حيث تحتسب أو لا تحتسب. فهل تقع "جبهة النصرة" في فخ انفعالها وتسرِّع بالتالي من انقلاب الفصائل عليها، أم تستمر في شراء الوقت والوهم؟
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد