الحدث العراقي ونظرية فصل المسارين في المفاوضات الأمريكية-الإيرانية
الجمل: وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة عودتنا في التعامل مع الوقائع والأحداث الجارية في الساحة العراقية على أساس أنها مجرد سيناريو للصراع والنزاع بين أمريكا كقوة احتلال والمقاومة العراقية كقوة تحرير، ولكن برغم صحة هذا الجانب فإن ثمة جانباً آخر أكثر عمقاً نستطيع العثور على معالمه الرئيسية وهي كامنة تحت سطح الأحداث.
* القراءة من فوق سطح الحدث العراقي:
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع الانسحاب الأمريكي من العراق:
• طالب نوري المالكي –حليف أمريكا المخلص- بضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق.
• أبدى الرئيس بوش والجمهوريون –المتشددون في إبقاء الاحتلال الأمريكي للعراق- قبولاً لمطلب الانسحاب من العراق.
• استمرت المفاوضات السرية الأمريكية – الإيرانية الجارية داخل وخارج المنطقة الخضراء العراقية.
• زار رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان العراق وتم الإعلان عن مشروع شراكة استراتيجية تركية – عراقية.
• تعرضت بعض وسائل الإعلام بشكل مبهم للزيارة التي قام بها سعد الحريري إلى العراق.
• داخل العراق تزايدت التحركات حول ملف قانون النفط ومشروع الفيدرالية وعاد التحالف السني إلى ائتلاف "حكومة بغداد".
لم تتجاوز التحليلات السياسية لهذه الأحداث والوقائع حدود القراءة الجزئية لجهة التعامل وفقاً لمبدأ كل حدث لوحده، وقد أدت هذه المنهجية إلى غياب الجانب الأهم وقد عودتنا معطيات خبرة تطورات الحدث العراقي منذ حرب الخليج الأولى التي أخرجت القوات العراقية من الكويت وحرب الخليج الثانية التي انتهت بغزو واحتلال العراق بأن هذا الحدث تلعب معطياته دور المؤشر الهام الذي يفيد لجهة قراءة مستقبل النظام الإقليمي الشرق أوسطي. وبكلمات أخرى، برغم الدور الهام الذي ظل يلعبه الصراع العربي – الإسرائيلي في صياغة محددات توازنات البيئة الإقليمية والدولية فإن الحدث العراقي أصبح يعمل بالتوازي والارتباط لجهة العلاقة التأثيرية – المتبادلة مع "الحدث الشرق متوسطي".
* القراءة تحت "سطح الحدث العراقي":
يقول الخبراء، لم تكن حرب الخليج الأولى مجرد عملية عسكرية أخرجت القوات العراقية من الكويت وإنما كانت مؤشراً حقيقياً لتبلور اتجاه ومسار النظام الدولي الجديد بأبعاده الهيكلية – البنائية والقيمية – الإدراكية والتفاعلية – السلوكية بالشكل الذي أدت تداعياته لاحقاً إلى غزو واحتلال العراق نفسه إضافة إلى استهداف سوريا وإيران بالشكل غير المسبوق الذي لم تعد تمثل فيه إسرائيل دور المخلب وإنما برزت واشنطن كمخلب جديد دخل على الخط، من خلال قوانين الكونغرس الأمريكي والقرارات الدولية محاولة بناء الملف النووي السوري كوسيلة نوعية لاستهداف دمشق وما شابه ذلك.
* الحدث العراقي على ضوء منظور المعلن – غير المعلن:
• طالب نوري المالكي بسحب القوات الأمريكية من العراق ويعرف الجميع بما فيهم المالكي نفسه بأن خروج القوات الأمريكية من العراق معناه خروج المالكي من بغداد، وهنا يتساءل المرء: ما هو "غير المعلن" الذي دفع المالكي إلى طرح فكرة تبدو جريئة إلى حد المغامرة؟
• أيد الرئيس بوش والجمهوريون بمن فيهم المرشح المتشدد جون ماكين فكرة الانسحاب من العراق ويعرف الجميع أن الانسحاب من العراق هو إعلان هزيمة أمريكا في مشروع الحرب ضد الإرهاب وسقوط استراتيجية الأمن القومي الأمريكي القائمة على مذهبية الضربة الاستباقية وهنا يتساءل المرء: ما هو "غير المعلن" الذي دفع بوش والجمهوريين بما فيهم ماكين إلى الدخول في مغامرة القبول الظاهرة بفكرة الانسحاب من العراق والتي كانوا طوال الفترات الماضية يرفضون مجرد الحديث عنها باعتبارها تمثل هزيمة أمريكا واستسلامها؟
• استمرت المفاوضات الأمريكية – الإيرانية وفي الوقت نفسه استمرت الحشود العسكرية الأمريكية حول إيران ومن الناحية الأخرى استمر تزايد عمليات التعبئة العسكرية الفاعلة على الجانب الإيراني ولكن برغم ذلك، فقد برز المسار الجديد المتمثل في المفاوضات الأمريكية – الإيرانية الأخيرة حول البرنامج النووي الإيراني، وما يقال عنها بأنها مفاوضات اللحظة الأخيرة التي قد تعقبها العاصفة. وعلى هذه الخلفية تبرز العديد من التساؤلات:
- لماذا أضيف المسار التفاوضي الجديد في أزمة الملف النووي الإيراني؟
- هل هذا المسار الجديد مكمل لمسار المفاوضات في المنطقة الخضراء أم أن مفاوضات طهران - واشنطن قد تحولت إلى لعبة تجري فصولها ضمن سيناريو "فصل المسارين" على طريقة "كل واحد لوحده"؟
- ما هو المعلن وما هو غير المعلن على خط طهران – واشنطن؟ وما هي العلاقة بين المعلن وغير المعلن؟
وعلى هذه الخلفية نتساءل: هل سينجح الطرفان في مفاجأة العالم بالصفقات المزدوجة، أم سينجح أحدهما في مفاجأة الآخر كأن تقوم واشنطن بمفاجأة طهران وضربها أو أن تقوم إيران بإجراء تفجيراتها النووية أم سينجح الطرفان في الإبقاء على الأمر الواقع الحالي بحيث يستمر الاحتلال الأمريكي للعراق ويستمر البرنامج النووي الإيراني؟
• زار أردوغان بغداد وبرغم الحرب الباردة على خط أنقرة – واشنطن بسبب استهداف حلفاء واشنطن لحكومة حزب العدالة والتنمية فإن بغداد الواقعة تحت سيطرة واشنطن، أقرت الشراكة الاستراتيجية مع أنقرة، فما هو السبب غير المعلن الذي دفع إلى قيام شراكة أنقرة – بغداد الاستراتيجية والإعلان عنها في مثل هذا الوقت؟ بكلمات أخرى، ما هو الذي حصلت عليه واشنطن من أنقرة لكي توافق على السماح لبغداد بالدخول في مثل هذه الشراكة، والتي جمعت بين حليفها نوري المالكي وأردوغان الذي يسعى بشكل غير معلن لإبعاد تركيا عن محور واشنطن – تل أبيب الذي يسعى بدوره وبشكل غير معلن كذلك لإبعاد أردوغان بواسطة الأيادي الخفية وإقصائه عن المسرح السياسي التركي؟
• زار سعد الحريري بغداد، وكما هو واضح فإنه لا يملك أي وزن إقليمي يتيح له دخول المنطقة الخضراء العراقية فهو ليس في وزن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ولا في مكانة رئيس الوزراء التركي أردوغان، فما هو العامل غير المعلن الذي رتب زيارة الحريري إلى بغداد؟ بكلمات أخرى، لما كانت زيارة الحريري ليست زيارة بـ"الأصالة" وإنما بـ"الوكالة"، فمن هو الطرف الحقيقي الذي كان يمسك بـ"الريموت كونترول" الخاص بزيارة الحريري؟
* أين يوجد مفتاح الشفرة العراقية؟
تقول التسريبات الإسرائيلية بأن سعد الحريري قد قام بزيارة اقتصادية – تجارية للعراق، تمهيداً لإعلان شراكة اقتصادية – تجارية تجمع الأطراف التالية:
• الأمير فهد بن عبد العزيز.
• نوري المالكي.
• عمار الحكيم.
• سعد الحريري.
جدول أعمال زيارة الحريري للعراق تضمن زيارة لمدينة النجف العراقية ولمكتب المرجع الشيعي السيستاني بهدف كسر الحاجز النفسي الذي حدث بفعل التوترات الشيعية – السنية في كل من العراق ولبنان. وقالت التسريبات الإسرائيلية بأن عمار الحكيم يتملكه طموح غير محدود للحصول على المال، ولكنه لا يتمتع بمهارات الحريري في سرعة جمع الأموال، وبالتالي فإن اجتماع موارد الثروة العراقية التي يملكها عمار الحكيم مع المهارة وخفة اليد التي يتمتع بها الحريري سيترتب عليها ظهور أحد الكيانات الاقتصادية الشرق أوسطية العملاقة. وأشارت التسريبات الإسرائيلية كذلك إلى أن مكتب السيستاني قد أبلغ الحريري بأنه يملك مليارات الدولارات تحت تصرفه ولكن المشكلة التي تواجه المكتب هو كيفية التصرف بهذه الأموال وقد رد الحريري على ذلك قائلاً بأنه يملك العديد من المشاريع الاستثمارية الجاهزة للتنفيذ إضافةً إلى أنه جاهز لتقديم المساعدة للمكتب، وتقول التسريبات الإسرائيلية بأن الحريري قد وقف شعر رأسه عندما علم بوجود مليارات الدولارات ولعن الساعة التي لم يكن فيها والده رفيق الحريري مرجعاً شيعياً أعلى!!
برغم أهمية الفساد المالي في تفسير بعض خفايا الحدث العراقي وما يبدو في أروقة المنطقة الخضراء العراقية، فإن المعطيات تشير إلى الآتي:
• سعد الحريري قام بدور الوكيل السني المزدوج فهو مقبول كواجهة مالية لأثرياء السنة السعوديين والخليجيين، ومقبول أيضاً لدى الإسرائيليين والأمريكيين.
• اتصال الشيخ سعد الحريري بالمرجع الشيعي الأعلى السيستاني يهدف إلى تخفيف التوتر الشيعي – السني في كل من لبنان والعراق طالما أن شيوخ السنة السعوديين ممثلين في الشيخ سعد قد باشروا العمل من أجل إعادة بناء الروابط وعلاقات المصالح السنية – الشيعية.
برغم التكتم والغموض حول الزيارة، فإن المطلوب بواسطة محور تل أبيب – واشنطن في هذه المرحلة على الأرجح هو ترتيب المنطقة باتجاه العودة إلى خيار طوني بلير المعروف باسم "الخيار السني" بدلاً عن "الخيار الشيعي" الذي اعتمدت عليه، هذا وبرغم التحليلات الكثيرة القائلة بأن واشنطن تعاني من الضعف المتزايد في الشرق الأوسط، فإن الترتيبات الجارية حالياً يمكن النظر إليها باعتبارها محاولة لترتيب المسرح استعداداًَ لما يمكن أن يحدث في شهر تشرين الثاني القادم، وهو الشهر الذي سيحسم مصير السيناريو النهائي الذي وضعته إدارة بوش لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد