تسخين جبهة درعا.. والرهان على «النصرة»

19-02-2014

تسخين جبهة درعا.. والرهان على «النصرة»

كان العمل على تسخين الجبهة الجنوبية في سوريا جاريا على قدم وساق منذ عدة أشهر، بعيداً عن نتائج مؤتمر «جنيف 2» ومآلاته المحتملة.
وكان وضع اللمسات الأخيرة بهدف إعداد الأرض لعمل عسكري ضخم يجري بالتزامن مع جلوس الوفدين الحكومي و«الائتلافي» المعارض حول طاولة المفاوضات في العاصمة السويسرية. فلم يكن أحد يصدق أن مؤتمر جنيف سيفضي إلى حل سلمي للأزمة السورية، لذلك كانت العديد من الأطراف الإقليمية والدولية تضع الخطط لتحقيق انتصار في المعركة المقبلة التي تم اختيار مدينة درعا لتكون ميداناً لها.
وبالأمس، أعلن 49 فصيلا في «الجيش السوري الحر» عن توحدها تحت راية واحدة وجسم عسكري واحد ومسمى واحد، أطلقت عليه «الجبهة الجنوبية»، وهو ما يعزز القناعة بأن المعركة في درعا تنتظر إطلاق الرصاصة الأولى كي تشتعل.
وبحسب بيان تشكيلها يناهز تعداد «الجبهة الجنوبية» الـ 30 ألف مسلح من فصائل منتشرة في منطقة جنوب سوريا بما فيها دمشق وريفها، ومحافظات درعا، القنيطرة، والسويداء. وليس هناك قائد واحد لـ«الجبهة الجنوبية» إنما هنالك قائد لكل لواء أو كتيبة.
وقياساً على تنظيم فصائل المقاومة، فالمقاومة ليس لها قيادة تنظيمية إلا ان أهداف مجموعاتها واحدة، متقاطعة في هدف لقائي واحد، وكل قائد له حرية القيام بالعمليات وإدارة مجموعته بالطريقة التي يراها مناسبة. وتسعى «الجبهة الجنوبية» لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد «للقيام بحكومة مستقرة تمثل كل السوريين».
وهناك عوامل عديدة عسكرية ولوجستية تضافرت لتجعل من مدينة درعا الخيار الأفضل لخوض معركة ما بعد جنيف، فمحافظة درعا تحتفظ بحدود طويلة مع الأردن، وهو ما يضمن للفصائل المسلحة خطوط إمداد آمنة بنسبة كبيرة. كما أن مطارات الأردن وبعض أراضيه الحدودية تحولت إلى مخازن أسلحة لإمداد الفصائل المسلحة في سوريا بشتّى أنواع الأسلحة والذخائر، وإلى معسكرات لتدريب عناصر هذه الفصائل من قبل ضباط أميركيين وغربيين وأردنيين، بالإضافة إلى غرف العمليات العسكرية التي تنتشر على حدود البلدين لتأمين السيطرة والتحكم في مجريات المعارك بإشراف خبراء أميركيين.
وخلال الفترة الماضية نجحت الفصائل المسلحة بالاستيلاء على كافة المخافر الحدودية الممتدة على طول الحدود الأردنية، كما استطاعت أن تسيطر على عدد من القطع العسكرية في ريف درعا، قد يكون أهمها الكتيبة 49 للدفاع الجوي.
لكن هل هذه العوامل والتطورات كافية وحدها لاختيار درعا كميدان للمعركة الجديدة؟ خصوصاً أن كلاًّ من ريف حلب وإدلب ودير الزور والحسكة يتمتع بنفس هذه الخصائص العسكرية واللوجستية، بل إن الحدود مع تركيا أطول بعدة مرات من الحدود مع الأردن، كما أن الحدود الجبلية مع لبنان تبدو مناسبة أكثر للعمل العسكري ولإخفاء طرق الإمداد عن صواريخ الطيران الحربي السوري. فما هي ميزة درعا التي رشحت جبهتها للتسخين في هذه الفترة؟.
لن يكون هنا مجال التفسير، إلا ان مدينة درعا وريفها بقيا لسبب أو آخر خاليين تماماً من أي تواجد لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). ودرعا هي المدينة الوحيدة التي حافظت فيها «جبهة النصرة» على كافة مقراتها ومستودعات أسلحتها بعد الخلاف بين زعيمها أبي محمد الجولاني وزعيم «داعش» أبي بكر البغدادي في نيسان الماضي، في الوقت الذي خسرت فيه غالبية مقراتها ومستودعاتها في المدن السورية الأخرى بعد قيام «داعش» باستعادتها في أعقاب الخلاف.
وقد حاول «داعش» منذ عدة أشهر الدخول إلى محافظة درعا، حيث أرسل عدداً من عناصره و«شرعييه» لافتتاح مقر يبدأون العمل منه على ترسيخ تواجد التنظيم في المحافظة، إلا ان «جبهة النصرة» رفضت هذه الخطوة وتعاونت مع عدة فصائل حتى نجحت في طرد عناصر «داعش» من درعا، وهو ما دفع القيادي في «الدولة الاسلامية» السعودي عقاب ممدوح المرزوقي، الذي كان على رأس من دخلوا إلى درعا، إلى توجيه الكلام إلى «شرعي النصرة» في درعا سامي العريدي بالقول انه سيبقى يدعو عليه حتى موته، مشيراً إلى أن «جبهة النصرة» هي قائدة «الصحوات» في الشام، وقد قتل المرزوقي منذ أيام في معركة بالمنطقة الشرقية.
وبالتالي فإن جبهة درعا لا تعاني مما تعاني منه الجبهات الأخرى من حروب مركبة، حرب ضد القوات السورية وحرب ضد «داعش»، وما يستتبعه ذلك من فوضى وحالات اختراق ومخاوف أمنية ومحاذير كثيرة أكدت المعارك الدائرة في الشمال والشرق بين «الجبهة الإسلامية» و«داعش» مدى خطورتها وتأثيرها في مجريات المعارك مع الجيش السوري، الذي استطاع في ظل هذا الصراع أن يحقق تقدماً كبيراً على أكثر من جبهة، سواء في حلب أو في دير الزور.
مع الإشارة إلى أن الجبهة الجنوبية، وفي وقت قصير قبل الإعلان عن تأسيس «الجبهة الإسلامية» خسرت اثنين من قادتها العسكريين البارزين. ففي تشرين الأول الماضي قتل كل من المقدم المنشق ياسر العبود في درعا ورئيس غرفة عمليات «المجلس العسكري» في القنيطرة صقر الجولاني، كما حدثت عدة محاولات اغتيال لبعض قادة الكتائب في درعا، نجح بعضها وفشل بعضها الآخر.
وذلك في الوقت الذي تعزز فيه التحالف بين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» في محافظة درعا، حيث تمكنا خلال فترة وجيزة من الهيمنة على ساحة العمل العسكري في درعا، وقد قاما مع بعضهما بالعديد من العمليات المشتركة، حيث كانت «النصرة» تقوم بالتخطيط لتنفيذ عمليات انتحارية ضد أحد مقار أو حواجز الجيش السوري بينما يقوم عناصر مشتركون من «النصرة» و«الأحرار» بمهاجمة الحاجز أو المقر، كما حدث في الحراك أو المسيفرة أو المعهد الفندقي أو غيرها.
ويقود «جبهة النصرة» في درعا أبو جليبيب، وهو أردني اسمه الحقيقي إياد الطوباسي. وثمة معطيات تشير إلى أن الطوباسي، أثناء اعتقاله في السجون الأردنية، دخل في لعبة أجهزة الاستخبارات، ويعتبره البعض أحد أبرز القادة المخترقين من الاستخبارات الأردنية. كما أن وجود الشيوخ أبي محمد المقدسي وأبي محمد الطحاوي وأبي قتادة الفلسطيني، وهم من زعماء التيار «الجهادي» في السجون الأردنية، أصبح عاملاً مساعداً للاستخبارات الأردنية في التأثير في «جبهة النصرة» عبر غض النظر عن هؤلاء الشيوخ، والسماح لهم بزيارات من بعض رسل «النصرة» لاستفتائهم في مواضيع كثيرة، لا سيما موضوع الخلاف مع «داعش»، الذي كان لهؤلاء الشيوخ مواقف وفتاوى متوافقة مع موقف الاستخبارات الأردنية الساعية إلى كبح جماح تمدد «داعش» ووقف سيطرته على المناطق المسماة «محررة».
وإلا فكيف يمكن تفسير أن يتمكن سجين من إصدار عدة بيانات خلال فترة وجيزة من دون حصوله على ضوء أخضر؟ وهل كان يمكن لهذه البيانات أن تخرج لو أنها تتضمن فتاوى في مصلحة «داعش»؟.
قد لا يكون الأمر واضحاً، خصوصاً في ظل عمليات التمويه التي تجري لإخفائه عبر تشكيل جبهات هنا وهناك في أنحاء درعا. لكن يمكن القول ان تسخين الجبهة الجنوبية يعتمد في قسم كبير منه على «جبهة النصرة» وحليفتها «أحرار الشام». ولا يمكن لأي معركة في درعا أن يكون لها نصيب من النجاح إذا لم تشترك فيها «جبهة النصرة»، لذلك فإن رهان الأطراف الإقليمية والدولية في درعا هو بالدرجة الأولى رهان على «النصرة»، التي سبق للولايات المتحدة أن وضعتها على قائمة المنظمات الإرهابية ووضعت مكافأة مالية لمن يدلي بأي معلومات عن أميرها الجولاني.
ولا غرابة في ذلك، بل إن بعض خصوم الجولاني بدأوا بمناداته «شيخ شريف» في إشارة إلى الرئيس الصومالي الشيخ شريف أحمد الذي كان يقود حركة إسلامية متطرفة (المحاكم الإسلامية) قبل أن يضع يده بيد الولايات المتحدة ويصبح فجأة من رموز مناهضة الإرهاب في بلاده.

عبدالله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...