حدود الدم لملوك طوائف الشرق الأوسط
يبدو أن المقال الذي نشره العسكري الأمريكي المتقاعد رالف بيترز في مجلة "أرمد فورسز جورنال" في يونيو 2006 بعنوان "حدود الدم" عن إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط، مشفوعا بخارطة تقسم عددا كبيرا من بلدان المنطقة، ما فتئ يثير عواصف من الجدل الساخن، خصوصا في المنطقة.
وفيما لم يستبعد صحافي فرنسي بارز، هو الدبلوماسي السابق إيريك رولو، الذي رأس تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية سابقا، شروع الإدارة الأمريكية الحالية في خطوات عملية في هذا الاتجاه، إذا توفرت لها الظروف الملائمة لذلك، اهتم كتاب عرب بمقال بيترز.
واعتبر الكاتب المصري يوسف القعيد في مقال له حمل العنوان ذاته "حدود الدم"، نشرته صحيفة "الأسبوع" المصرية الاثنين 21-8-2006 أن طروحات رالف بيترز، "هو الشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به أمريكا". لكنه زاد بأن محاولات ترسيم شرق أوسط بهذا الشكل، جرت منذ سنوات طويلة، وفشلت وستفشل.
وأضاف "يبدو أن حرب لبنان كانت مجرد مقدمة يمكن أن تؤدي إليه نحن أمام شرق أوسط جديد لكنه ليس ما تريده أمريكا ولكنه شرق أوسط، الجديد فيه هو عداء أمريكا وإدراك أن إسرائيل عدو لكل عربي ولكل مسلم".
وكان رالف بيترز الذي ألف عددا من الكتب، أشار في موضوعه إلى أن الحدود الحالية في الشرق الأوسط، كما هو الحال في إفريقيا، حتمتها "المصالح الأوروبية". وما لم يعاد ترسيم الحدود - يكتب - لن يكون بالمقدور رؤية بصيص أمل في السلام في الشرق الأوسط.
لكن خارطة بيترز تكاد لا تبقي على دولة واحدة موحدة في المنطقة. فالعراق وإيران وسوريا والسعودية، تقسمها الخارطة لدول، فيما ستنشأ دول جديدة في المنطقة مثل كردستان، ودولة شيعية في مناطق جنوب العراق وأخرى سنية وسط العراق، وسيتوسع الأردن ليضم أجزاء من السعودية.
وما يثير مخاوف بعض المحللين أكثر فأكثر، ليس أن مراكز بحثية أمريكية فحسب تجتهد في الانكباب على دراسة "شرق أوسط جديد"، فبعض الكتاب الأمريكيين المقربين من الإدارة الحالية ذهبوا في الاتجاه عينه.
وكتب الصحافي الأمريكي توماس فريدمان مقالة بعنوان "الشرق الأوسط: تعالوا نعريه.. قبل إعادة ترسيمه" نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 10-1-2005، جاء فيها: بعد احتلال صدام حسين للكويت عام 1990، كتب المؤرخ ديفيد فرومكين مقالة بالمجلة "الإسماثونية" يشرح فيها كيف تكوّن الشرق الأوسط.
وقد جاء في تلك المقالة: "في عام 1922 استطاع تشرشل أن يرسم خريطة الشرق الأوسط العربي، بخطوط تلائم مصالح الإدارات البريطانية المدنية والعسكرية. وسيتفاخر لورنس العرب في ما بعد، بأنه وبالاشتراك مع تشرشل وشخص آخر، رسموا خريطة الشرق الأوسط على وجبة العشاء. وبعد سبعين عاما من ذلك التاريخ، فإن السؤال هو ما إذا كان أهل الشرق الأوسط راغبين أو قادرين على الاستمرار في العيش وفق ذلك التصور؟".
ويمضي فريدمان للقول "يطرح هذا السؤال نفسه اليوم وبصورة أكثر حدة هذه المرة. ما يحدث الآن في العراق، وفلسطين وإسرائيل، ليس سوى "لحظة" تشرشلية أخرى.
فتضاريس ومحتويات هذه الأقاليم شرق الأوسطية المحورية، يعاد ترسيمها حاليا، ولكن لا يعيد ترسيمها قلم إمبريالي من أعلى، وليس منظورا أن يفعل ذلك. إنه يحدث تحت تأثير ثلاثة نزاعات مدنية تشتعل من تحت، وتضطرم في صدور الفلسطينيين والإسرائيليين والعراقيين.
واعتبر رئيس تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسية سابقا، إيريك رولو في حديث خاص لـ"العربية.نت" أن رالف بيترز متطرف في رؤيته، لكن هذا لا ينفي وجود مثل هذا النمط من التفكير في مراكز بحث أمريكية. أبعد من ذلك حسب قوله، إن التفكير ذاته متداول في بعض أوساط الإدارة الأمريكية الحالية، خصوصا في وزارة الدفاع.
غير أن رولو عاد ليؤكد أن التفكير في الأمر لا يعني تنفيذه، إلا إذا توفرت ظروف ملائمة لذلك. وقال إن مثل هذه الرؤى في تقسيم الشرق الأوسط قد تجد آذانا صاغية في الإدارة الحالية التي وصفها بأنها "إدارة خطيرة للغاية"، مضيفا بأنها "أسوأ إدارة في تاريخ الولايات المتحدة".
ويتفق رولو مع المثقف والألسني الأمريكي البارز نعوم تشومسكي في أن إدارة بوش "تشكل خطرا على العالم"، ويمكن أن تشرع في تنفيذ فكرة تقسيم الشرق الأوسط فورا إذا توفرت أسباب ذلك، لأن هدفها "الهيمنة الكاملة" على المنطقة.
وزاد بأن الآليات كافة التي تجعلهم - المحافظين الجدد – يسيطرون على المنطقة ستكون موضع تنفيذ، سواء تم ذلك بضرب إيران وسوريا، أو الإطاحة بنظاميهما، أو تقسيم الشرق الأوسط، أو خلافه. وأوضح بأنهم مترددون حيال ذلك، لأن الحديث كان يدور حول شرق أوسط ديمقراطي وخال من الإرهاب.
لكن ما توضح بعد ذلك طبقا لإيريك رولو هو أن الديمقراطية كانت تعني أنظمة موالية لواشنطن، لأن الأخيرة لم تقبل نتائج الانتخابات أو مآلاتها لصالح "إسلاميين" في بعض البلدان.
وقال إيريك رولو في حديثه لـ"العربية.نت" إنه لا يستبعد أن تعمد واشنطن على المدى الطويل لتقسيم الشرق الأوسط ليسهل عليها التعامل مع بلدان صغيرة. وحسب المعلومات المتوفرة - يقول - هناك آراء داخل الإدارة الأمريكية تؤكد ضرورة تقسيم العراق، و"هذا الرأي كان رأي أقلية، لكنه يزداد يوما بعد آخر مع استعصاء المشكلة".
وبخصوص العراق، أشار إلى أنهم – الأمريكيون – على الأرجح لا يعرفون على وجه الدقة الكيفية التي سيتم بها تقسيم البلد، لكن ربما تكون البداية بدولة كردية، ثم أخرى شيعية غنية وصديقة لواشنطن في الجنوب.
غير أن هذا الاحتمال ذاته تحيطه شكوك نظرا للتجربة السيئة بين الشيعة العراقيين والأمريكيين إبان انتفاضة 1991 في جنوب العراق ضد نظام صدام حسين، وهي الانتفاضة التي لم يدعمها الأمريكيون.
وزاد بأن الحقائق الجيوسياسية والإثنية والاقتصادية، تجعل التفكير يتجه لتقسيم العراق وإيران والسودان ولبنان على المدى البعيد. وقال إيريك رولو إن التفكير في تقسيم إيران وارد، لأنها دولة كبيرة وأصبح لها وزن، و"هم يحتاجون لنظام صديق في طهران، وهذا في تقديري حلم، لأن القومية الإيرانية قوية".
وأضاف بأنه يصعب تقسيم مصر واليمن وسوريا، لكن في المقابل يجري الحديث عن دولتين في لبنان، احداهما مسيحية، والأخرى سنية شيعية (إسلامية)، كما هو شأن السودان، عربية وإفريقية.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد