حول تحقيق سيمور هيرش عن الكيماوي السوري
الجمل ـ عبد المتين حميد: على الرغم من المحاولات الحثيثة للإدارة الأمريكية اقناع العالم بقيام النظام السوري باستخدام الغاز و بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد هو من أعطى الأوامر لهذا الهجوم, فإنّ جميع السوريين متأكدين من كذب هذه الإدعاءات, و في غاية اليقين من أنّ العصابات الوهابية (بغض النظر عن اسمها) هي من أطلقت الصواريخ.
و لكن الأمر الخطير هو محاولة الإدارة الأمريكية التغطية على أي اتهام و عدم السماح بالتلميح عن مسؤولية التنظيم الوهابي "جبهة النصرة" باستخدام الغاز, مع أنّ أمريكا أدرجت "جبهة النصرة" على اللائحة السوداء للتنظيمات الإرهابية! و هذا ليس بجديد على الإدارة الأمريكية التي غطّت سابقاً على اتهام اسرائيل و السعودية (كلّ على حدة) في تنفيذ هجمات 11 أيلول على الرغم من وجود دليلين دامغين أولهما هو معرفة الموساد بالعملية قبل قيامها و عدم تحذيره للسلطات الأمريكية و ثانيهما هو مشاركة 15 سعودي من أصل 19 إرهابي في تلك العملية. و كذلك أيضاً التغطية على اتهام اسرائيل و السعودية في مقتل رفيق الحريري, فعلى الرغم من ظهور فيديو أبو عدس الذي بثته فضائية الجزيرة الذي يقول فيه بأنّ جماعة "النصرة والجهاد في بلاد الشام" هي المسؤولة عن عملية اغتيال الحريري (ادّعى أبو عدس بأنّهم فعلوا هذا انتقاماً من السعودية) – يمكن أن ننوّه هنا إلى الحرب التي كانت تدور وراء الكواليس وقتها ما بين الوليد بن طلال وابن عمه سلطان بن تركي من جهة وعبد العزيز بن فهد وشريكه رفيق الحريري من جهة أخرى؛ و كان مسرح العمليات هو لبنان ومن بين أدواتها رئاسة الوزارة التي يتنافس عليها الوليد بن طلال و رفيق الحريري. و في أحد تسريبات الجديد السابقة في حوار المحققين مع الحريري الصغير قال: الوليد كان لا يكف عن إهانة والدي.
إذاً الإدارة الأمريكية تملك ماضياً عريقاً في حماية المشتبه بهم الرئيسيين – أي أدواتها– و في التلاعب بالأدلة لتوجيه الاتهامات إلى الآخرين. و على الرغم من أنّ هذه التزييفات كانت تُكشف و تُفضح إلا أنّ الإدارة الامريكية لم تكن تكترث فهي غير مطالبة بالتبرير. فمثلاً هي لم تكترث لكشف التلاعب في أدلّة تفجيرات برجي التجارة العالمي ولا في قضية الحريري و لا في اكتشاف فضيحة جوانتنامو و قبلها سجن أبو غريب – و للمصادفة فإن سيمور هيرش هو نفسه من كشف فضيحة أبو غريب في مقالة نشرتها له صحيفة النيويوركر عام 2004 و التي أبت أن تنشر تحقيقه الحالي عن الكيماوي السوري و كذلك فعلت صحيفة الواشنطن بوست. لا بدّ و أنّ أكبر عملية تزوير للأدلة و تشويه للحقائق قامت بها أمريكا كانت في العام 2003 عندما ادّعت امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل – وهنا الكيماوي – بالإضافة إلى وجود علاقة قويّة بين صدام حسين و تنظيم ارهابي هو "القاعدة". لقد اعترف كولن باول بقيام الإدارة الأمريكية بتلفيق كافة الأدلة بهدف اتهام صدام حسين. و هنا لا بد من التساؤل إن كان بالفعل صدام حسين هو من أمر باستخدام الكيماوي في حلبجة؟
بالاعتماد على حملة إعلامية ممنهجة تمكّنت الإدارة الأمريكية من ترسيخ معادلتها القائمة على "السبب و النتيجة"؛ حيث أنّ "السبب" هو (سلاح دمار شامل أي الكيماوي + دعم تنظيم إرهابي) يؤدي إلى النتيجة (غزو عسكري + الاعتراف بالخطأ). و لكن هل سيتوقف الأمر هنا؟ بالطبع لا, فلكل فعل رد فعل. و بالتالي هذه "النتيجة" الأخيرة هي "السبب" في المعادلة التالية والتي نتيجتها (لن يعترض أحد)؛ فبما أنه لم يعترض أحد – وهذا هو "السبب" – أصبح بإمكان أمريكا أن تقوم بتكرار هذه المعادلة من جديد – وهذه هي "النتيجة". و لسوء حظها فقد اختارت سوريا.
اتهم أوباما علناً و في خطاب متلفز موجّه للأمة, الأمريكية بالطبع, الرئيس الأسد بأنه هو من أمر باستخدام الكيماوي لضرب شعبه, و هو على علاقة مع تنظيم إرهابي هو "حزب الله". و هكذا صِيغ الطرف الأول من المعادلة و هو "السبب". فماذا عن "النتيجة"؟ أبداً لم تكن "النتيجة" ذاتها, فأمريكا تراجعت عن ضرب سورية في آخر لحظة, و الاختلاف الثاني في "النتيجة" هو أنّ من كشف الكذبة الأمريكية حول الكيماوي العراقي هو شخصية عسكرية بينما من كشف الكذبة الأمريكية حول الكيماوي السوري هي شخصيات مخابراتية, فحسبما قال هيرش فإن أجهزة الاستخابرات الأمريكية مستاءة جداً من قيام أوباما و صحبه بارتكاب هذه الكذبة!
فلماذا تراجعت الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض عن مهاجمة سوريا و تمرير القرار إلى الكونغرس للموافقة على الهجوم؟ يعتقد هيرش بأنّ السبب هو قيام أجهزة الاستخابرات الأمريكية بمواجهة أوباما بالأدلّة الدامغة على أنّ الرئيس الأسد لم يفعل شيئاً خطأً, مما اضطر أوباما إلى التراجع. نحن كسوريين متيقّنين من عدم صحة هذا الكلام. و شخصيّاً لا أعتقد بأنّ لبوتين, الذي يهتم بأمن اسرائيل, دوراً في هذا التراجع الأمريكي و لاسيما و أنّ بوتين يمتلك صورة نادرة له و هو يضحك, خلال لقائه مع بندر ليلة الضربة المتوقّعة؛ ربما من الأفضل تذكّر زيارة فيلتمان و جلوسه مع المرشد الأعلى السيد خامنئي التي تبعت زيارة السلطان قابوس.
يصرّ هيرش على توجيه اللوم إلى أوباما مع أنّ الرئيس الأمريكي لم يعد هو المقرِّر بل هو فقط يصدّق على القرارات. هذا الإصرار يدفع للتفكير فيما إذا كان هناك من علاقة ما بين هذا التحقيق و الهجمة السعودية–الإسرائيلية على أوباما بسبب الاتفاق النووي.
من ناحية أخرى, فإن هناك معادلةً أمريكية أخرى قائمة على "السبب و النتيجة", ألا وهي معادلة الثورات الملوّنة, فـ"السبب" فيها هو وجود انتخابات مزوّرة (لا يهم إن كانت مزوّرة أم لا, يكفي القول بأنها مزوّرة) فتكون "النتيجة" هي نزول الناس إلى الشارع. و هذه النتيجة الأخيرة هي "السبب" للمعادلة التي تليها و التي تملك "النتيجة": تشكيل حكومة موالية لأمريكا. و يا للحكمة الإلهية من أن تفشل هذه المعادلة أيضاً على الأرض السوريّة.
هل انتهت القصة هنا؟ على الأغلب لا, فأمريكا تعيد تكرار معادلاتها الناجحة ولا يهم إن فشلت المعادلات في سوريا فهو فشلٌ سببه وعي الشعب السوري الذي ليس كمثله شعب. و من أهم الأمثلة على تكرار أمريكا لمعادلاتها هو السماح بالإطاحة بمحمد مرسي عن عرش مصر بعدما كانت هي من أوصلته إلى العرش نفسه قبل سنة واحدة فقط و بنفس الطريقة مع وجود بعض الاختلاف في عملية الإخراج. و التكرار الآخر هو الثورة الملوّنة من جديد في أوكرانيا, حيث يقول ماكين من هناك "أنا فخور جداً بما يفعله الشعب الأوكراني من أجل استعادة الديمقراطية في بلدهم". هل من الممكن أن نستنتج شيئاً من هذا؟ أجل بالطبع, فبالإمكان التكهن بأن أمريكا تريد تكرار معادلتها المتعلقة بسلاح الدمار الشامل من جديد؛ ولكن يتبقى معرفة جواب السؤالين " أين " و " متى "؟ لقد تصاعدت مؤخراً أنباءٌ عديدة عن سعي السعودية للحصول على السلاح النووي من باكستان؛ ليس المهم أن تمتلكه.
بعد ثلاث سنوات من "الربيع العربي", ما من شيء مُستبعد. لا بد و أنّنا سنحظى بمشاهدة ممتعة لنهائيات كأس عالم متميّزة في صيف 2014.
الجمل
إضافة تعليق جديد