خسائر إسرائيل في تقرير بيكر هاميلتون
تثير النتائج التي خلصت اليها لجنة بيكر هاملتون قلقاً واسعاً في إسرائيل الرسمية. ومع ذلك فإنه عدا الخطأ الذي اقترفه رئيس الوزراء إيهود أولمرت أثناء زيارته لواشنطن الشهر الماضي، حين أشاد بالحرب الأميركية على العراق، تلتزم الحكومة الإسرائيلية الصمت. فهي تعلم أن الجمهور الأميركي قال كلمته في هذه الحرب وهي لا تريد الظهور كمن يستفيد من استمرار التورط الأميركي خدمة لمصالحها.
ومع ذلك تحاول الجهات الرسمية الإسرائيلية القول بأنه لا يمكنها التعليق على تقرير بيكر لا لشيء إلا لأنه شأن داخلي أميركي. غير أن كل من في رأسه عقل في إسرائيل يدرك أن التقرير يتعلق جدياً بالدولة العبرية وفي أكثر من جانب، وأن التغيير الجدي في السياسة الأميركية في المنطقة آت.
ويشير كثير من المعلقين في إسرائيل إلى حقيقة أن روحية تقرير بيكر، وبصرف النظر عن موقف الرئيس جورج بوش، تنبض في عروق الإدارة الأميركية، وأن الحديث عن تسوية مع سوريا أساسها الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان وتسوية مع الفلسطينيين، لا يمكن أن تظل من دون موقف إسرائيلي علني.
وثمة في إسرائيل من يعتقد أن واحدة من بين أهداف زيارة أولمرت الأخيرة لواشنطن تمثلت في محاولة الاطمئنان على الموقف الأميركي منها بعد تقرير لجنة بيكر. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية حينها إلى أن أولمرت أبلغ مقربيه أنه سمع من بوش ما يفيد بأن هناك من يوصي، وأنا من يقرر.
ومن الواضح أنه يصعب على الإسرائيليين تقبل أشخاص مثل جيمس بيكر الذي جر رئيس الحكومة الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل إسحق شامير، من أنفه، إلى مؤتمر مدريد. وهو الذي اشتهر بمخاطبته رئيس الحكومة الإسرائيلية قائلاً إنه يعرف رقم هاتفه. كما أنهم لا ينسون شتائمه لليهود أو حتى منعه بنيامين نتنياهو من دخول وزارة الخارجية الأميركية.
غير أن تقرير بيكر هذه المرة ليس له علاقة بأسلوب الرجل في التعامل مع إسرائيل، وإنما بالواقع الأميركي المأزوم الذي يصفه في العراق والمنطقة، وبالسبل التي يقترحها للخروج من هذا الواقع. والتقرير، باختصار، يرسخ في الذهن أن أميركا خسرت الحرب وأنها تبحث عن سبل لتقليص الأضرار.
ومع ذلك، فإن السفير الإسرائيلي في واشنطن داني أيالون أبدى تقديره قبل أن يغادر منصبه بأن تقرير بيكر لن يقود الى تغيير مثير في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي كل ما يتعلق بإسرائيل بشكل خاص. وبتقديره، فإن بوش كان ولا يزال صديقاً حقيقياً لإسرائيل وسيمتنع عن ممارسة الضغط على اولمرت.
ويعود قلق إسرائيل على وجه الخصوص إلى حقيقة تراجع دور أميركا في المنطقة بعد انكسار حدة هجومها، مما يعني تنامي دور قوى الممانعة العربية. وهي ترى أن أميركا، والحال هذه، ستميل أكثر إلى إرضاء الدول العربية على حساب إسرائيل. ولذلك فإنها تلحظ أن اثنتين من التوصيات الأهم في التقرير تتعلقان بها وهما: تحفيز المسيرة السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وفحص إمكان الاتصالات مع سوريا ومع إيران.
وربما لهذا السبب تحاول إسرائيل إقناع الأميركيين بتبني خطة الانطواء بالتوافق، خاصة في ضوء المساعي التي يبذلونها مؤخراً لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني. ومعروف أن أولمرت عرض أيضاً على الرئيس الأميركي بلورة محور إقليمي مع الدول العربية المعتدلة عبر الاستعداد لبدء مفاوضات على أساس خطة الانطواء بالتوافق أو على أسس المبادرة العربية.
ونقل مراسل هآرتس في واشنطن عن مسؤول أميركي قوله إن المعضلة الحقيقية في العراق ليست إن كان ينبغي للولايات المتحدة أن تخرج أم لا، وإنما الوضع الذي ستتركه خلفها. وهناك من يعتقد أن على العراقيين أن يحلوا مشكلتهم بأنفسهم، في حين لا تزال الإدارة الأميركية ترى استحالة التخلي عن مسؤوليتها وإبقاء فراغ خطير وراءها.
وأشار المعلق العسكري في يديعوت أحرونوت رون بن يشاي، في مقالة بعنوان يريدون الهرب، لا يعرفون إلى أين، إلى أوجه الشبه بين خطة الفصل التي يقترحها بيكر لأميركا عن العراق وخطة إيهود باراك للانسحاب من لبنان. وكتب أن الانسحاب الأميركي سيقع، ربما أن الرئيس الأميركي محتار، لكن الشعب الأميركي اتخذ قراره: فالناخبون قبل شهر صوتوا للانسحاب الأميركي من العراق وأدخلوا إلى مجلسي الشيوخ والنواب كل من يؤيد ذلك. لذلك وحتى إذا كان بوش على استعداد للمحاربة إلى الأبد، فإنه ملزم في الفترة القريبة بسحب جزء كبير من جنوده من العراق.
وأشار بن يشاي إلى أن تقرير بيكر يطلب عملياً من بوش سد أنفه والتعامل مع كل من سوريا وإيران اللتين لهما مصلحة استراتيجية في انسحاب القوات الأميركية من العراق. كما أن المؤتمر الدولي الذي تقترحه اللجنة وحل الدولتين لا يتحدث عن الضغط المباشر على إسرائيل ولكنه يفهم ضمناً.
عموما ثمة في إسرائيل من يرى أن عملية تخليص أميركا من أوحال العراق تبدأ بالضغط على تل أبيب من أجل حل مشكلاتها مع كل من الفلسطينيين وسوريا ولبنان.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد