مليون نازح عراقي ينقلون الفلوجة والأنبار إلى ريف دمشق
كان للاجراءات الاخيرة التي اعتمدتها السلطات السورية للحد من اعداد اللاجئين العراقيين وتنظيم وجودهم في اراضيها، وقع الصدمة لدى غالبيتهم، فيما ارتاح عدد كبير من السوريين، خصوصا ان وجودهم ارتبط بموجة ارتفاع اسعار شملت كل السلع ولا سيما منها تلك التي تتصل بالعقارات وايجارات البيوت، الامر الذي انعكس سلبا على الكثير من الشرائح المتوسطة والفقيرة في سوريا، وتحديدا في مدينة دمشق وضواحيها حيث اكبر جالية عراقية.
وفي حي جرمانا جنوب دمشق، تقيم الغالبية العظمى من الجالية العراقية في سوريا، وقد فضل العراقيون من ابناء الطائفة السنية، الى غالبية من مسيحيي العراق، الاقامة فيها، استنادا الى ابو صهيب الزوبعي الذي يدير مطعم "نخيل بغداد" في هذا الحي. وهو يقول: "اختار اخواننا الشيعة السكن في حي السيدة زينب منذ وقت طويل، اما اخواننا المسيحيون فسكنوا في جرمانا حيث يقيم مسيحيون والسنة كذلك سكنوا فيها".
وفي جرمانا الكثير من الاشارات التي تدل على الهوية المذهبية للاجئين العراقيين، كجدار كتب عليه "حي الفلوجة" واسماء مطاعم مثل "مطعم حاج حسين الفلوجي" و"مطعم الانبار". واضافة الى حيي جرمانا والسيدة زينب، هناك تجمعات للعراقيين في حي مساكن برزة شمال شرق دمشق، وحي قدسيا في الشمال الغربي، الى منطقة حرنة قرب مدينة التل شمال دمشق، الى مخيم اليرموك وحي التقدم جنوب العاصمة. كذلك هناك نسبة لا بأس بها من العراقيين في محافظتي حلب في الشمال وحمص في الوسط.
ومنذ الحرب الاميركية على العراق عام 2003 ونتيجة "سياسة الباب المفتوح" التي اتبعتها دمشق، باتت في سوريا اكبر جالية للعراقيين خارج العراق. فاستنادا الى تقديرات حكومية رسمية، يبلغ عددهم اليوم نحو 1,280,000 شخص، وظهر هذا الرقم اخيرا خلال اجتماع للحكومة السورية قبل اقل من شهر اذ كانت في صدد معالجة اسباب موجة الغلاء والبحث في ايجاد حلول لها. وخلال ذلك الاجتماع، طرح هذا الرقم عن حجم وجود العراقيين في سوريا.
وفي هذا الصدد قال مصدر سوري اقتصادي مطلع: "الواجب القومي يحتم على سوريا فتح أبوابها لهم، صحيح ان هذا الوجود تسبب بارتفاع الاسعار، وكانت هناك نتائج سلبية على بعض الشرائح من المواطنين، لكن ذلك لا يعني ان وجودهم كان سلبيا تماما بل على العكس، فالعراقيون كانوا أحد أسباب ارتفاع الاحتياط الأجنبي في سوريا والذي يصل اليوم الى 20 مليار دولار اميركي، اضافة الى ان بعضهم يشيد منشآت اقتصادية في سوريا. لكن تأثير الاخوة العراقيين على ارتفاع الاسعار يكمن في ان معظمهم من البالغين وعددهم في سوريا أدى الى ارتفاع عدد السكان بنسبة 10 في المئة عام 2006، وباتوا يشكلون ما نسبته 7,5 في المئة من مجموع السكان في البلاد".
وجاء في تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين أواخر عام 2005، أي بعد نحو سنتين ونصف سنة من الاحتلال، ان نسبة الشيعة من اللاجئين في سوريا 57 في المئة ومن السنة 21 في المئة ومن المسيحيين 19,6 في المئة. أما السبب الرئيسي لاختيارهم سوريا مقصدا فهو "الأمن، وحسن الضيافة، وظروف الحياة الملائمة". وقد وصف اكثر من 90 في المئة من العائلات العراقية التي تعيش في سوريا علاقاتهم مع المجتمعات المحلية بأنها "ودية".
واليوم وبعد صدور التعليمات الجديدة عن وزارة الداخلية السورية بتنظيم وجود اللاجئين العراقيين والحد منه من طريق منع العمل بالتعليمات السابقة التي كانت تسمح للعراقي بالحصول على اقامة مدتها ثلاثة اشهر، اذ قلصت الى اسبوعين فقط، وترحيل كل عراقي يرتكب مخالفة قضائية يعاقب عليها القانون السوري وحرمانه لاحقا العودة الى سوريا – بعد هذه الاجراءات، شعر عراقيون بالقلق على مستقبل وجودهم في سوريا، كمدير مطعم "نخيل بغداد" الذي قال: "انخفض العمل عندنا وقلت الزبائن وجلس العراقيون في بيوتهم يفكرون في ما يفعلون وخصوصا من بدأ منهم بتنفيذ مشاريع اقتصادية".
بعض المراقبين ساورته الشكوك في قدرة السلطات السورية على الحد من لجوء العراقيين الى الأراضي السورية، ففي رأيهم ان "كل المخالفات في تصاريح الإقامة تجعل اللاجئين العراقيين عرضة للاستغلال من البعض".
وليس لدى العراقيين عموماً تصاريح عمل في سوريا، ولذا فإن عملهم يبقى غير قانوني. وبحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة، تصل نسبة البطالة بينهم إلى 80,7 في المئة في أوساط النساء و 52,9 في المئة في أوساط الرجال. ويشكل الرجال الذين تجاوزت أعمارهم 50 سنة نسبة لا تزيد عن 11 في المئة من القوة العاملة، بينما يشكل الأولاد والمراهقون بين 13 و22 سنة نسبة 18 في المئة من هذه القوة.
أما الحال الصحية الأساسية لمعظم اللاجئين العراقيين، فمرضية بفضل المساعدة الطبية التي تقدمها المفوضية السامية من خلال شركائها. كما أن العائلات العراقية تستطيع الاستفادة من التسهيلات الصحية للقطاعات العامة في سوريا، وخصوصاً حالات الإسعاف والتلقيح، في حين تحال بقية الخدمات الصحية على القطاع الخاص أو الخيري لمعالجتها. ويتألف القطاع الخيري من منظمات غير حكومية ومنظمات مجتمعية محلية كالهلال الأحمر السوري، ومنظمة "كاريتاس" التي تدعمها المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين.
وفي التعليم، وعلى رغم أن للأولاد العراقيين الحق في دخول المدارس السورية فإن نسبة منهم تصل إلى 30 في المئة ممن هم بين سن 6 و11 سنة لا يدخلون المدارس. ويعتبر الفقر، والوضع القانوني غير الآمن، السببين الرئيسيين لامتناع الأسر عن تسجيل أولادها في المدارس. كما أن إجراءات التسجيل المعقدة والمتطلبات الإدراية، إلى حالات قبول الأولاد في صفوف أدنى، هي أيضا عوامل تساهم في خفض معدل الانتساب إلى المدارس وتسرب التلاميذ. أضف، أن الأولاد العراقيين يواجهون صعوبات في التكيف مع بيئة مدرسية جديدة ومنهاج دراسي مختلف.
ومن حيث حركة العائلات العراقية التي نزحت بسبب الحرب، وفد 92,1 في المئة من هذه العائلات إلى سوريا مباشرة، بينها 69,6 في المئة استقرت في محافظة ريف دمشق و 29,1 في المئة في مدينة دمشق و 1,3 في المئة في محافظة الحسكة. بينما جاء نحو 4 في المئة إلى سوريا بعدما أقاموا في الأردن، و2,3 في المئة من إيران، و1,6 في المئة من بلدان أخرى.
وكان من أهم أسباب اختيارهم سوريا مكاناً للإقامة، وفقاً للأولوية، الأمن، حسن الضيافة، رخص المعيشة، إمكان الترحيل ومن ثم التوطين في بلد ثالث، وتعليم الأولاد وأخيرا لم شمل العائلات. ذلك أن 36 في المئة من عائلات اللاجئين العراقيين لها أقرباء في سوريا، الى وجود الأماكن المقدسة، كتلك القائمة في حي السيدة زينب التي يفضلها شيعة العراق.
شعبان عبود
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد