موسكو توسّع «رعايتها» في الشرق السوري: ضبط التوتر، وإدارة ملف النفط
بينما تقترب المعارك الأخيرة ضد «داعش» في شرق سوريا من خواتيمها، تتحرك موسكو بنشاط على خط الوساطة بين دمشق والأكراد، لضبط مشهد الميدان هناك، وضمان مستقبل المنطقة النفطية وإسهامها في اقتصاد سوريا ما بعد الحرب
مع انتهاء معارك «التحالف الدولي» داخل مدينة الرقة، تحوّل التركيز إلى ريف محافظة دير الزور، الذي يشهد عمليتين منفصلتين ضد «داعش»، من قبل حلفاء موسكو وواشنطن. ويبدو الريف الشرقي للمحافظة هو الملعب الوحيد لـ«تنافس» هاتين العمليتين على تركة «داعش»، وذلك بعد أفول سيطرة التنظيم في ريف المدينة الشمالي الغربي، والتقاء الجيش السوري مع «قوات سوريا الديموقراطية» في محيط قرية الحسينية الغربي، على الضفة الشمالية للفرات.
وبدا لافتاً أن اللقاءات التي رعتها موسكو لاحتواء التوتر والتصعيد بين دمشق والأكراد قد تكرّست مفاعيلها على الأرض. فالطرفان يشتركان اليوم في جبهة طويلة تمتد من محيط منبج حتى ريف دير الزور الشرقي القريب، من دون إغفال محيط منطقة عفرين. ورغم الملفات الإشكالية التي تجمعهما، فإن تلك الجبهات تشهد هدوءاً واستقراراً غير مسبوقين. وتبلورت أمس إحدى النتائج التي أفضت إليها تلك اللقاءات عبر دخول القوات الروسية إلى المنطقة المحيطة بشركة «كونيكو» للغاز، وحقلي الجفرة والعزبة. فالمنطقة المهمة التي تضم منشآت مهمة لنقل الغاز والنفط، وتعدّ عقدة مركزية في البنية التحتية النفطية في وادي الفرات، شهدت مناوشات بين الجيش السوري و«قسد» خلال تحرك الأخيرة السريع لكسب السيطرة عليها، بعد عبور الجيش لنهر الفرات. وتشير المعلومات الأوّلية حول الاتفاق إلى أنه يتضمن إعادة تشغيل هذه الحقول ونقاط التوزيع والنقل بإشراف فنيّ روسيّ وحماية أمنية توفرها «قسد»، في أسلوب يشابه طريقة إدارة وتشغيل حقول نفط رميلان ومعمل غاز الجْبِسة في الشدادي، في ريف الحسكة. ومع النظر إلى هذه المستجدات اللافتة، التي تمهّد لتعاون أوسع تحت الرعاية الروسية، ينتظر ما ستفضي إليه العمليات العسكرية شرق نهر الخابور، حيث أحد أهم الحقول النفطية في الشرق، وهو حقل العمر.
ويبدو أن الوساطات الروسية مع الجانب الكردي تتوسع بشكل لافت. فقد زار أمس عضو المجلس الاتحادي الروسي ونائب الرئيس الشيشاني، زياد سبسب، مدينة القامشلي، والتقى عدداً من القيادات الكردية في المدينة، وذلك لمعرفة مصير عدد من عوائل مسلحي «داعش»، وإمكانية تسليمهم إلى السلطات الشيشانية، بطلبٍ من الرئيس الشيشاني. كذلك، تناقل عدد من المتابعين أخباراً عن تسليم الجانب الكردي عدداً من أسرى «داعش» من أصول شيشانية إلى وفد من الضباط الروس الموجودين في القامشلي، من دون صدور أي تأكيدات رسمية.
وفي موازاة ذلك، عزّز الجيش نقاطه في محيط مدينة الميادين، وقرية ذيبان المقابلة لها على الضفة الأخرى من الفرات، وتمكن من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة التي تركها عناصر «داعش» داخل المدينة. وبالتوازي، ومع مواصلة الجيش عملياته غرب محطة «T2» في ريف دير الزور الجنوبي، حاول التنظيم إشغال الجيش عبر هجوم واسع شنّه على نقاطه في محيط وادي الوعر قرب الحدود العراقية. واستخدم التنظيم عدة سيارات مفخخة لضرب نقاط الجيش المتقدمة هناك، ما تسبّب في انسحاب وحداته من عدد من النقاط هناك، قبل احتواء الهجوم.
وبعيداً عن مجريات الميدان، استقبل الرئيس بشار الأسد رئيس الأركان العامة الإيراني محمد باقري، في العاصمة دمشق. وأكد الجانبان ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين، لا سيما في ضوء المكاسب التي حققتها الحرب ضد الإرهاب، وما أفضى إليه ذلك من «ضرب للمشاريع الغربية». الحديث الإيراني ــ الروسي الذي جمع مكافحة الإرهاب وإسقاط مشاريع خارجية في سوريا، حضر أيضاً في حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مشاركته في «منتدى فالداي الدولي للحوار»، إذ أكد أن «هناك أسباباً كافية لنتوقع (مع كامل الحذر) أننا سوف ننتهي قريباً من الإرهابيين» في سوريا، مضيفاً في الوقت نفسه أن ذلك «لا يعني أن التهديد الذي تتعرض له سوريا والعالم لم يعد موجوداً».
ولفت بوتين إلى الدور الإيجابي الذي لعبته دول لم تشارك بشكل مباشر في محادثات أستانا، بما فيها الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر ودول أخرى. ولفت إلى وجود خطورة من أن «يقود إنشاء مناطق تخفيف التصعيد إلى تقسيم سوريا»، قبل أن يشير إلى أن بلاده تأمل أن «يسمح تعاون جميع القوى في البلاد بمنع ذلك». وشرح أنه «يمكن لمن يتحكم في إدارة تلك المناطق أن يبدأ في إقامة اتصالات مع دمشق، وهو أمر بدأ بالفعل في عدة مجالات»، ذاكراً المنطقة الجنوبية كمثال. وقال إن «هناك مبادرة لعقد مؤتمر سوري يضم كافة الجماعات العرقية والدينية، فضلاً عن الحكومة والمعارضة»، مضيفاً أنه «إذا تم ذلك بدعم من الدول الضامنة، فسيكون هو الخطوة التالية على طريق إيجاد حل سياسي ووضع دستور جديد».
وفي مقابل الرؤية الروسية لخطوات التسوية، تنشط الأمم المتحدة لتعزيز مسار محادثات جنيف والحفاظ على دورها المركزي كراعٍ مركزيّ للحل السياسي المرتقب.
وضمن هذا السياق، عقد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لقاءات مع كبار الديبلوماسيين والعسكريين الروس في موسكو، وعلى رأسهم وزيرا الخارجية والدفاع. وتطرقت المحادثات إلى تطورات مناطق «تخفيف التصعيد» وأجندة جولة محادثات أستانا المقبلة، التي سوف تعقد في 30 تشرين الأول الجاري، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية. وضمن السياق نفسه، طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من دي ميستورا تكثيف جهوده بالتشاور مع الأطراف المعنية لعقد جولة جديدة من محادثات جنيف. ورأى في بيان أصدره المتحدث باسمه، ستيفان دوغريك، أن «التطورات الأخيرة تشير إلى ضرورة إعادة تنشيط العملية السياسية»، مضيفاً أن المحادثات ستلتزم «بيان جنيف 1» وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد