نهاية تاريخ التعاون العربي وسردية المدن المزدوجة
الجمل: تشير تطورات الوقائع الجارية في الساحة الإقليمية والدولية إلى أن الحدث السوري سوف يشكل نقطة تحول بارزة وعلامة فارقة في تشكيل وإعادة تشكيل الكثير من معطيات خارطة النظام الدولي، فما هي حقيقة هذه التغييرات، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالعلاقات البينية الشرق أوسطية والعربية والإسلامية، وبكلمات أخرى هل انتهى تاريخ التعاون في المنطقة ليحل محله تاريخ الصراع؟
* الحدث السوري في الميزان: سردية المدن المزدوجة؟
بدأت منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من مطلع هذا العام وحتى الآن، وهي في مواجهة المزيد من العواصف السياسية والتوترات الساخنة، وفي هذا الخصوص نشير إلى تحول العواصم الشرق أوسطية إلى ما يشبه المدن اليونانية والرومانية القديمة، خلال مرحلة "دولة ـ المدينة"، وفي هذا الخصوص نشير إلى الثنائيات الآتية:
• ثنائية الرياض ـ أنقرا: وتمثل التحالف الجديد الذي بدأ يمارس حضوره العدواني القوي في المنطقة مستفيداً من دعم أطراف مربع: واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن.
• ثنائية دمشق ـ طرابلس: وتمثل الأطراف المستهدفة بواسطة العدوان، فدمشق تتعرض حالياً لفعاليات عملية سرية إعلامية ـ مخابراتية ـ دبلوماسية خارجية، تسعى إلى استغلال وتوظيف فعاليات الاحتجاجات السياسية الداخلية، بما يؤدي إلى إصدار قرار دولي يدخل كامل الساحة السورية في نفق التدويل، وطرابلس تم بالفعل إدخالها في نفق التدويل. وثم تطوير عملية الاستهداف الدبلوماسي إلى استهداف عسكري دولي، وإضافة لذلك فإن ما يحدث حالياً في طرابلس هو مجرد نموذج يجري تطبيقه على الساحة الليبية كمخبر تجارب إلى حين إسقاطه لاحقاً على الساحة السورية، وطبعاً بعد القيام بتصحيح الأخطاء وإجراء عمليات "ضبط الجودة" بحيث يصبح أكثر فعالية في المسرح السوري.
• ثنائية المنامة ـ صنعاء: وتمثل ثنائية الأنظمة السياسية المطلوب العمل لجهة حمايتها من "شعوبها المجرمة" التي تجرأت على القيام برفضها، وحالياً تسعى أطراف مربع واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس بالتعاون مع ثنائية الرياض ـ أنقرا من أجل تخفيف تداعيات الضغوط التي يقوم بها حالياً "الشعب اليمني المجرم" و"الشعب البحريني المجرم"، إضافة إلى إنزال بنود القانون الدولي برداً وسلاماً على هذه الأنظمة، بما يبعد عنها شبح إدانة مجلس الأمن الدولي. وشبح المحكمة الجنائية الدولية.
• ثنائية تونس ـ القاهرة: وتمثل ثنائية "الشعوب المجرمة" التي فاجأت أطراف مربع واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن، وثنائية الرياض ـ أنقرا، وجعلت من سقوط الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمراً واقعاً، والمطلوب حالياً أن تتعاون عواصم: واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن ـ أنقرا ـ الرياض، لجهة الحفاظ على نفس نمط النظام السابق، وذلك حتى لا يتمادى الشعب المصري المجرم، والشعب التونسي المجرم لجهة القيام باستغلال فرصة الانتخابات وتصعيد "الرؤساء الأشرار" إلى سدة الحكم في القاهرة وتونس.
على خلفية التطورات والوقائع الجارية حالياً، سوف نشهد المزيد من الجهود المكثفة الساعية إلى إخماد صعود الثورات الشرق أوسطية الحقيقية. وفي نفس الوقت دعم صعود الثورات المصنوعة المزيفة بما يتيح لاحقاً إعادة تشكيل وتركيب خارطة الشرق الأوسط الجديد التي وضعها خبراء مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي.
* خارطة طريق التحالف العثماني ـ الوهابي: إلى أين؟
تتعرض سوريا حالياً لعملية تدخل خارجي بالغة التعقيد والخطورة، وعلى أساس الاعتبارات التحليلية السياسية الإقليمية، فإن هذا التدخل يجد تعبيره الواضح من خلال الشواهد العملية الآتية:
• التدخل الوهابي: ويتمركز في مدينة الرمثا الأردنية حيث يوجد ضابط الارتباط المخابراتي "الوهابي" الذي يشرف على إدارة وتوجيه فعاليات استهداف دمشق عن طريق "درعا" الحورانية، ودير الزور "الشمرية".
• التدخل العثماني: تحدث أحد شهود العيان قائلاً بأن جرحى المجموعات المسلحة التي استهدفت مؤخراً منطقة جسر الشغور، قد تم نقلهم للعلاج عبر أحد الطرق المفتوحة لعبورهم إلى داخل تركيا لتلقي العلاج والإسعافات في المستشفيات التركية.
• وتأسيساً على ذلك، أصبح من الواضح أيضاً أن التدخل الإقليمي بواسطة أطراف التحالف التركي ـ السعودي، يرتبط بدوره بتحالف أطراف مربع: واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن، وهو التحالف الرباعي المعني حالياً بتقديم عملية الإسناد الدولي لجهود التحالف التركي ـ السعودي. وفي هذا الخصوص نشير إلى أن هذا التحالف سوف لن تتوقف فعالياته عن العمل، وذلك لجهة تعدد بنود جدول أعماله في كافة الساحات الإقليمية.
ولأغراض التوضيح نشير إلى مسارات بنود جدول الأعمال هذا على النحو الآتي:
ـ المسار الأول: إكمال عملية استهداف طرابلس بما يؤدي إلى وقوع ليبيا تحت الاحتلال الدولي. وفي نفس الوقت السعي لإكمال عملية استهداف دمشق بما يدفع بالساحة السورية إلى نفق التدويل، ويتم الدفع بها في نفس السيناريو الليبي.
ـ المسار الثاني: إكمال عملية إبقاء وجود القوات الأمريكية في العراق، بما يبقي العراق والعراقيين لفترة طويلة قادمة تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي، إضافة إلى تعريض القوام العراقي إلى انتشار سرطان القواعد العسكرية الأمريكية بحيث تلعب دور حلقة الوصل التي تربط بين القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في السعودية والخليج والقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في تركيا، وجورجيا.
ـ المسار الثالث: دعم فعاليات الحركات الوهابية السلفية الناشطة في مناطق القوقاز الشمالي: الشيشان ـ الداغستان ـ أنغوشيا ـ شركيسيا، بما يؤدي إلى تعزيز فعاليات حضور موسكو عبر إغلاق بوابة القوقاز الشمالية التي تمثل الممر الحيوي الجيوساسي الروسي، وبهذا تكتمل الخطوة الأولى الأكثر أهمية لحصار وتطويق روسيا.
ـ المسار الرابع: استهداف إيران، عبر حائط القواعد العسكرية الأمريكية الممتدة عبر الحائط الرأسي (القواعد في السعودية والخليج ـ القواعد في العراق ـ القواعد في تركيا ـ القواعد في جورجيا).
وإذا أضفنا لذلك الوجود العسكري الأمريكي في باكستان، والوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، إضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي المحتمل في أوزبكستان، فإن إيران تكون قد وقعت عملياً بين خطين من سلاسل القواعد العسكرية الأمريكية الممتدة رأسياً من ناحية الشرق وناحية الغرب.
سوف يمضي التحالف العثماني ـ الوهابي قدماً، وعلينا أن نتوقع المزيد من فعاليات هذا التحالف، بما يمكن أن يتجاوز المنطقة باتجاه الآتي:
• السعي إلى التورط في إشعال مشروع انفصال مقاطعة سينكيانج الصينية، التي تسكنها قومية الإيغور، ذات التوجهات الإسلامية السنية المرتبطة بالوهابية السعودية، وذات الأصول التركية القومية الاجتماعية، وهو مشروع يخدم توجهات تحالف أطراف مربع: واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن الساعي أصلاً إلى تقسيم الصين.
• السعي إلى التورط في مخططات إعادة ترتيب المسرح الأفغاني ـ الباكستاني، عن طريق الدفع باتجاه عقد مصالحة باكستانية تجمع بين أمريكا وحركة طالبان الباكستانية، وعقد مصالحة أفغانية تجمع بين أمريكا وحركة طالبان الأفغانية، وتقول المعلومات بأن جهود المنظمات الوهابية الناشطة في باكستان وأفغانستان قد حققت تقدماً كبيراً في هذا الاتجاه، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك تصريحات وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز التي أعقبت زيارته وجولاته الأخيرة، والتي قال فيها بالحرف الواحد أن التفاهم والحوار الأمريكي مع حركة طالبان ممكن وقابل للتحقق على أرض الواقع. وعلى خلفية ذلك علينا أن نتوقع بأن يسعى التحالف الأمريكي ـ الوهابي ـ الطالباني المحتمل إلى العمل باتجاه استهداف إيران من الناحية الشرقية المطلة على باكستان وأفغانستان.
هذا، وتشير المعلومات والمعطيات الجارية أن جدول أعمال التحالف الوهابي ـ العثماني سوف لن يكون منحصراً في هذه البنود، وذلك لأن خارطة طريق هذا التحالف سوف تظل قابلة للمزيد من عمليات الإضافة والتعديل، وعلى وجه الخصوص، طالما أن التحديات والمصاعب سوف تفرض المزيد من الضغوط والمستجدات التي تفرض بدورها المزيد من البدائل والخيارات الجديدة.
* التحالف العثماني ـ الوهابي: سيناريو المقلب الاستراتيجي
تقوم مذهبية التحالف العثماني ـ الوهابي، على الجمع بين عاملين أساسيين، يمكن الإشارة إليهما على النحو الآتي:
• العقل العثماني: تستند توجهات السياسة الخارجية التركية الحالية، على المعطيات الأساسية التي أوردها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في كتابه الضخم الذي حمل عنوان (العمق الاستراتيجي) والذي ترجمته ونشرته "قناة الجزيرة" ضمن سلسلة إصداراتها، وتقوم فكرة العمق الاستراتيجي على فرضية عبقرية الموقع الجيوسياسي التركي الذي سوف يتيح لتركيا، أن تقع بين العالم العربي ـ الإسلامي المتخلف، والعالم الأوروبي الغربي المتطور.
• المال الوهابي: ويستند على الأرصدة المالية الضخمة بسبب عائدات النفط والتي فرضت واشنطن على الرياض إيداعها في البنوك الأمريكية حصراً. والآن، وبعد انتشار القوات الأمريكية والقواعد العسكرية الأمريكية في السعودية وبلدان الخليج، فقد أصبحت الرياض أكثر التزاماً لجهة إنفاق هذه الأرصدة وفقاً لبنود الميزانيات التي تقوم بوضعها وزارة الخزانة الأمريكية.
على أساس المعطيات المعلنة يفترض محور الرياض ـ أنقرا أن الجمع بين العقل العثماني والمال الوهابي سوف يعيد المنطقة إلى أمجاد الماضي التليد. وتكتمل مرة أخرى عودة "الباب العالي" الإصطمبولي.. ولكن، على أساس المعطيات غير المعلنة، فإن العودة إلى "الباب العالي" الإصطنبولي ليست سوى ضرباً من الوهم، طالما أن الجيوسياسيا والجيوبوليتيك لا يعرفان الأوهام الافتراضية. وسوف تكون المفاجأة إن السيناريو الذي سوف يعقب المسارات الأربعة المشار إليها هو بالضرورة سيناريو تقسيم السعودية نفسها إلى خمس دول كما ورد في مشروع الشرق الأوسط الجديد. وتركيا إلى ثلاث دول. وعندها سيعرف أركان التحالف العثماني ـ الوهابي ما معنى "جزاء سنمار" خاصة وأن هذا الجزاء سوف يكون قاسياً طالما أنه سيتم على يد وتحت إشراف أطراف محور واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد