حرب غزة ودبلوماسية حافة الهاوية بين تركيا وإسرائيل
الجمل: توترت العلاقات التركية – الإسرائيلية أكثر فأكثر بسبب ردود الأفعال الرسمية والشعبية التركية إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما كان جديداً بالنسبة للإسرائيليين هو أن هذا النوع من ردود الأفعال التركية لم يعتادوا عليه طوال عقود من الصراع العربي – الإسرائيلي وعلى ما يبدو أن الفترة القادمة سوف لن تحمل للإسرائيليين رياحاً طيبة من أنقرة.
* علاقات خط تل أبيب – أنقرة: دبلوماسية حافة الهاوية:
خلال الفترة الممتدة من صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامية إلى السلطة في تركيا في العام 2002م وحتى 26 كانون الأول 2008م عشية العدوان الإسرائيلي على غزة، كان من اللافت للانتباه أن الانتقادات التركية المتزايدة لإسرائيل تقابلها تل أبيب بالمزيد من الصامت البارد وذلك على أمل أن تنجح الدبلوماسية الوقائية الإسرائيلية إما في إقناع أنقرة بضرورة الاستمرار في ملف العلاقات بما كانت عليه أو استخدام معطيات نظرية المؤامرة لجهة القيام بعملية تغيير النظام في أنقرة وقد فشلت جهود استخدام ملف حزب العمال الكردستاني وجهود استخدام ملف المحكمة الدستورية العليا في تركيا وملف منظمة أرفيناكون السرية وغيرها في تحقيق حلم محور تل أبيب – واشنطن المنشود لإعادة أنقرة إلى عهد سليمان ديميريل أبرز حلفاء إسرائيل واللوبيات الإسرائيلية في تركيا الذي كرمه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لتخليد اسمه ضمن فعاليات المعهد التي يشارك فيها كبار خبرائه من اللوبيات الإسرائيلية.
وصلت علاقات خط تل أبيب – أنقرة إلى حافة الهاوية أولاً عندما رفضت أنقرة استخدام أراضيها في العدوان على العراق من قبل الولايات المتحدة وثانياً عندما رفضت أنقرة استخدام أجوائها في العدوان على سوريا من قبل إسرائيل وثالثاً عندما رفضت أنقرة استخدام أراضيها وأجوائها في محاولة العدوان الأمريكية – الإسرائيلية ضد إيران، ورابعاً عندما ذهب وزير الخارجية التركي إلى تل أبيب منتقداً الرئيس الإسرائيلي بيريز وطالبه بالاعتذار على النحو الذي شكل إهانة جارحة لكبرياء الإسرائيليين وخامساً عندما وجهت القوات التركية ضربتها لحلفاء إسرائيل في شمال العراق وسادساً عندما رفضت تركيا تمرير المساعدات الإسرائيلية لنظام ساخاشفيلي الجورجي مما جعل الإسرائيليين يلجأون إلى استخدام أذربيجان في تقديم هذه المساعدات وسحب المئات من خبرائها الذين كانوا موجودين في جورجيا، وسابعاً –وليس آخراً- وصلت العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى حافة الهاوية مرة أخرى بسبب المواقف التركية الداعمة للقضية الفلسطينية التي كانت أكثر حرارة من مواقف بعض الدول العربية ليس لجهة الإدانة فقط وإنما لجهة المطالبة بتأديب إسرائيل كذلك ضمن عبارة تتماثل إلى حد التطابق مع عبارة الرئيس الإيراني أحمدي التي طالب فيها بإزالة إسرائيل من خارطة العالم.
* أولى ردود أفعال تل أبيب إزاء أنقرة:
حاول المحلل السياسي الإسرائيلي باراك رافيد من خلال تحليل نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن يتطرق إلى الأزمة المستفحلة في علاقات أنقرة – تل أبيب وفي تحليله الذي حمل عنوان «عملية غزة وضعت نهاية لشهر العسل الإسرائيلي مع تركيا»، أشار فيه إلى النقاط الآتية:
• أنهت عملية غزة العلاقة الجيدة التي كانت تربط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت.
• انتقد أردوغان ومساعدوه بشده قيام تل أبيب بتنفيذ العملية العسكرية ضد غزة وقد أدى ذلك إلى انقطاع الاتصالات تماماً بينهما.
• من العلامات غير السارة بالنسبة لإسرائيل ما تمثل في قيام المسؤول التركي أحمد ديفوتوغلو الذي رافق أردوغان في زيارته لدمشق بعقد لقاء مطول مع زعيم حركة حماس السيد خالد مشعل وبعد انتهاء الاجتماع اتصل ديفوتوغلو بشالوم تورغمان مساعد أولمرت متسائلاً عن مدى رغبة الإسرائيليين في وقف إطلاق النار.
• طلبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني القيام بزيارة إلى أنقرة ولكن الرد جاءها مع الرفض وأكدت المصادر التركية للإسرائيليين أن أنقرة سوف لن توافق على الزيارة طالما أن ليفني ترفض التفاهم حول وقف إطلاق النار وتقول المصادر الإسرائيلية بأن الرد التركي بالرفض شكل إهانة بالغة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية التي تعودت على "الدلال والردود الإيجابية" من عواصم بلدان الناتو والاتحاد الأوروبي بما في ذلك أيضاً العواصم العربية كالقاهرة وعمان.
• حاول المسؤولون الإسرائيليون في مكتب أولمرت القيام بلفلفة الأزمة الدبلوماسية التركية – الإسرائيلية عن طريق طرح المزيد من المزاعم القائلة بأن سلوك أنقرة الحالي هو محاولة كسب للرأي العام التركي للحصول على تأييد أكبر في الانتخابات التركية القادمة.
بتحليل النقاط السابقة نشير إلى أن التوتر على خط أنقرة – تل أبيب قد انتقل من مجرد تبادل التصريحات إلى القوام الدبلوماسي المؤسسي لهذه العلاقة وعلى وجه الخصوص كما برز في رفض تركيا لطلب زيارة ليفني وهي مرحلة أكثر خطورة لجهة إمكانية تفاقمها وانتقالها إلى حالة شبه القطيعة وعلى وجه الخصوص إذا نجحت الضغوط الشعبية التركية في إبعاد السفير الإسرائيلي من أنقرة وهو سيناريو بالرغم من أنه مستبعد الحدوث في الوقت الحالي إلا أنه من الممكن طالما أن السياسة هي فن الممكن وأن الرأي العام التركي المعادي لإسرائيل سيكون هو المعيار الحقيقي المحدد لطبيعة سيناريوهات التعاون والصراع على خط أنقرة – تل أبيب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد