سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (17)

الجمل- جيروا أو كولما- ترجمة: مالك سلمان:

صرحَ قائد الشرطة الإسبانية إنريكي بارون لصحيفة "لا رازون" في 24 كانون الثاني/يناير أن "الجهاديين" الأسبان قد غادروا إسبانيا إلى سوريا حيث يقاتلون مع "جبهة النصرة", المنظمة الإرهابية المرتبطة بالقاعدة والتي تشن حرباً الآن على حكومة الأسد, بينما غادر آخرون إلى مالي للانضمام إلى القتال ضد القوات الفرنسية هناك.
وتبعاً للتقرير, قتل ثلاثة جهاديون أسبان في سورية حتى الآن. وقد أكد بارون عن قلقه من أن يتسبب هؤلاء الإرهابيون بتعريض الأمن القومي الإسباني للخطر في المستقبل. ففي 11 آذار 2004 تم تفجير عدة قطارات في مدريد مما أدى إلى مقتل 191 شخصاً وجرح مئات آخرين. وقد تم تحميل القاعدة المسؤولية عن تلك الهجمات البربرية.
في كانون الأول/ديسمبر 2011, كتب رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه ماريا آزنار مقالة ﻠ "سي إن بي سي" شرح فيها المخاطر التي يفرزها التوجه الإسلامي ﻠ "الربيع العربي" والحرب في ليبيا. وقد أشار إلى أن القائد العسكري للمتمردين الليبيين عبد الكريم بلحاج كان "أحد المشتبهين المتورطين في تفجيرات مدريد في آذار 2004."
نصبَ الناتو بلحاج "حاكماً" على طرابلس أثناء غزوه لليبيا في سنة 2011. كما أن هذا الإرهابي الليبي كان يكتب عموداً صحفياً, لمدة قصيرة, في صحيفة "الغارديان" البريطانية "اليسارية", حيث زعم أنه يروج للقيم "الديمقراطية".
مع استمرار الدعوات لتنحي الأسد, يظهر تحالف غريب بين الديمقراطيات الليبرالية الغربية والإرهاب الإسلاموي في كافة أنحاء أوروبا. حيث تم توثيق تواجد مقاتلين جهاديين من بريطانيا أيضاً. ومع ذلك, تبدو الحكومة البريطانية غير مبالية بالأمر.
كما تميزت إيرلندا بتقديم أحد أهم المرضى النفسيين الجهاديين لتدمير ليبيا في سنة 2011 والحرب الحالية على سوريا, وهو مجرم مقيم في دبلن يدعى مهدي الحيراتي.
إن إيرلندا, التي حاربت الكولونيالية لمئات السنين, هي دولة محايدة من الناحية الدستورية. فخلال حرب الاستقلال في سنة 1919, أرسلت الحكومة البريطانية العشرات من فرق الموت, المعروفة باسم "البلاك والتانز" ["السود والسمر], إلى إيرلندا بهدف إرهاب البلاد وإخضاعها. وهذا بالضبط ما يفعله الناتو في سوريا اليوم, ومع ذلك فإن الإيرلندي "التاني" ووزير الخارجية إيمون غيلمور ينضم إلى أصحابه في الناتو ليلومَ الحكومة السورية التي تفعل تماماً ما فعله آباؤه لحماية وطنهم الأم ضد العدوان الأجنبي والكولونيالية.
تبعاً للصحيفة اليومية الألمانية "داي فيلت", هناك أكثر من مئة جهادي أوروبي يقاتلون مع القاعدة الآن في سوريا, حيث يؤسسون قاعدة للعمليات ضد المواطنين الأوروبيين. يكتب فلوريان فلاج وكليمنس فيرجن:
"تبعاً لمصادر استخباراتية غربية, يخطط قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني لتوسيع قاعدة عملياته من سورية عبر تركيا وإلى أوروبا. إنه يحضر ليوم سقوط الأسد لكي يجعل سوريا مركزاً للنشاط الجهادي في دول أخرى."
ومع ذلك تستمر الحكومة الألمانية وحكومات الاتحاد الأوروبي في دعم هؤلاء المجرمين في سورية بينما تدعي أنها تحاربهم في مالي. وأخيراً تمت تعرية الجوقة الفارغة للحكومات الغربية ووسائل الإعلام الرسمية بأن الأسد "يقتل شعبَه", حيث يستيقظ الناس في أوروبا اليوم على كابوس خضوعهم لحكام مختلين عقلياً.
كما يحارب الجهاديون الفرنسيون أيضاً في سوريا. فقد قال جاك بيريه, وهو طبيب في "ميديسان سان فغونتييغ" ["أطباء بلا حدود"], العام الماضي إن العديد من المصابين الذين عالجهم في أحد مشافي حلب كانوا جهاديينَ قادمين من باريس. وفي ردٍ على على تصريح بأن الإرهابيين الفرنسيين يقاتلون حكومة الأسد في سوريا, ابتسم قاضي "مكافحة الإرهاب" الفرنسي مارك تريفيديتش وقال: "إنهم أصدقاؤنا, فكيف يمكن لنا أن نسميهم إرهابيين." من الصعب أن نعرف إن كانت ابتسامة تريفيديتش تعني تلميحاً إلى العبثية المذهلة للسياسة الخارجية الفرنسية أو, بالأحرى, اعترافاً صريحاً بأن الدولة الأمنية الفرنسية سوف تحدد من هو الإرهابي بناءً على مصالحها الجيوسياسية.
في مقابلة مع الراديو الرسمي الفرنسي "فرانس آنتر" في 5 كانون الثاني/يناير, حذرَ تريفيديتش من نشوء نظام عقوبات غير شرعي أشبه ﺑ "غوانتانامو بي" في فرنسا في حال تعرض البلاد إلى موجة من الهجمات الإرهابية. ومع ذلك, يعترف هذا القاضي نفسه بأن الدولة الفرنسية تقدم المساعدة للإرهابيين في حربها على سوريا. في مجتمع طبيعي وعادي, كان من الممكن محاكمة تريفيديتش بتهمة تبرير الإرهاب الإسلامي. لكن مجتمعنا ليس مجتمعاً طبيعياً!
في 11 كانون الثاني/يناير التقى راديو "فرانس آنتر" مع تريفيديتش مرة أخرى, حيث سُئلَ إن كان الجهاديون الفرنسيون الذين يقاتلون الحكومة السورية يشكلون خطراً على الأمن القومي الفرنسي, فأعلن تريفيديتش:
"هناك العديد من الجهاديين الشباب الذين توجهوا إلى الحدود التركية بهدف الدخول إلى سوريا ومقاتلة نظام بشار, لكن الفرق الوحيد هو أن فرنسا ليست العدو هناك. ولذلك لا ننظر إلى الأمر بالطريقة نفسها. ربما يشكل هؤلاء الشبان, الذين يقاتلون بشار الأسد الآن, خطراً في المستقبل لكنهم, في هذه اللحظة, يقاتلون بشار الأسد وفرنسا إلى جانبهم. لن يهاجموننا. هنا (في مالي), المشكلة تكمن في أننا لسنا في طرف واحد." وتابع تريفيديتش ليحذرَ أنه في حال عدم سقوط نظام الأسد, من المحتمل أن يحاول الأسد قصفَ باريس! لا بأس بالإرهابيين إذا كانوا يخدمون مصالحنا السياسية. من المحتمل للأسد, وليس للقاعدة, أن يقصف باريس. هكذا يتم قلب الحقيقة رأساً على عقب!
لدينا هنا اعتراف صريح بأن الغربَ يساعد الإرهابيين الإسلامويين لتدمير الأمة السورية بينما يزعم أنه يقاتل الإرهابيين الإسلامويين في مالي, من فم قاضي مكافحة الإرهاب الأول في فرنسا! وفي البرنامج نفسه صرح جان بيير فيليو, وهو خبير في الإرهاب من جامعة "سيانس بو" إن الإرهابيين الذين تقاتلهم فرنسا في مالي ليسوا سوى مهربي مجرمين يعملون في تهريب المخدرات. ولكن لا ضيرَ في القتال إلى جانب مثل هؤلاء المجرمين في سوريا عندما تحاول مصالح الناتو الجيوسياسية استبدالَ الحكومة هناك بعصابته المكونة من الدمى الكولونيالية الجديدة.
حذرَ الإعلامُ المستقل والمحللون الجيوسياسيون العالمَ من خطة الناتو في تجنيد الإرهابيين الجهاديين للقتال في سوريا منذ بداية المأساة في شرق المتوسط في 2011.
والآن, وكما تعترف مصادر الإعلام الرسمي والسلطات القانونية الغربية نفسها بأن هذا ما يحدث فعلاً, تستمر النغمة الجهنمية "على الأسد أن يرحل" و "الأسد يقتل شعبَه", هذه القصة المريضة التي تشكل غطاءً مختلاً, في حجب صوت الأصوات العقلانية التي تُسمَع – بين الفينة والأخرى – على خلفية هدير الإعلام الرسمي.
إن السخرية اللامتناهية, والغطرسة, والنفاق المطلق, والاختلال العقلي الجَمعي للنخبة الحاكمة الغربية تشكل خطراً كبيراً على مستقبل البشرية.

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 25 كانون الثاني/يناير 2013)

الجمل: قسم الترجمة