سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (15)
الجمل - روندا هوبن- ترجمة: مالك سلمان:
1. آراء متضاربة حول "قرار 28 أيلول/سبتمبر لمجلس حقوق الإنسان"
في 28 أيلول/سبتمبر, طالب "مجلس حقوق الإنسان" في الأمم المتحدة بتصويت بالإجماع على قرار يُحَمِل الحكومة السورية المسؤولية عن العنف في سورية. وقد أشار القرار بشكل خاص إلى "مجزرة الحولة" التي وقعت في سورية في 25-26 أيار/مايو 2012. قال القرار إنه:
"يدين بأقوى العبارات مجزرة قرية الحولة بالقرب من حمص, حيث اكتشفت بعثة التحقيق أن قوات حكومة الجمهورية العربية السورية وعناصر من الشبيحة هي التي ارتكبت هذه الجرائم البشعة والشائنة, ويؤكد على ضرورة محاسبة المسؤولين."
بعد أن عارضت الدعوة إلى التصويت على القرار بشكل انفعالي وتهليلي, شرحت ماريا خودنسكايا-غولينتشيف, ممثلة الاتحاد الروسي, سبب عزم بلادها على التصويت ضد القرار. ومن بين الأسباب العديدة التي قدمتها كان الاعتراض بأن القرار لم يكن دقيقاً وكان متحيزاً في تحميله الحكومة السورية المسؤولية عن المجزرة. وشرحت قائلة: "لا يمكننا أن نتفق بشكل خاص مع النتيجة أحادية الجانب المذكورة في التقرير فيما يتعلق ببعثة التحقيق في مأساة الحولة." وأشارت, "نعتقد أن مسألة تحميل الذنب لا تزال مفتوحة. يجب إجراء تحقيق شامل ودقيق. يجب عدم اتهام الحكومة إن لم يتوفر دليل كاف على ذلك."
كما أشارت ممثلة الاتحاد الروسي إلى النتائج المؤذية التي يمكن أن يسببها مثل هذا التقرير على تأزيم النزاع. وقالت: "لسوء الحظ, تقوم بعض الدول بالتشجيع على الإرهاب في سورية. ولذلك لا شك لدينا أن وسائل الإعلام عملت على تهويل هذه الحادثة واستغلالها بهدف التشجيع على استخدام القوة ضد هذا البلد."
كما قال ممثل الصين إن بلاده ستصوت ضد القرار أيضاً. وشرح أن الضغط على طرف واحد من طرفي النزاع لن يساعد في حل هذا النزاع.
وأعلن الممثل الكوبي أيضاً أن بلاده ستصوت ضد القرار. ومن بين الأسباب التي قدمها هو الاعتراض على أن هدف بعض المتبنين لهذا القرار يتمثل في فرض تغيير النظام على الشعب السوري من خلال قرار تم التوصل إليه من قبل أطراف موجودة خارج البلاد. وتابع الممثل الكوبي قائلاً إن هدفاً كهذا يهدد بإعادة سورية إلى العصر الحجري.
عندما تم التصويت, كان هناك 41 صوت مؤيد للقرار, و3 أصوات ضده (الصين وكوبا والاتحاد الروسي), مع امتناع 3 دول عن التصويت (الفليبين والهند وأوغندة). وقد شرح الممثل الهندي سببَ امتناع بلاده عن التصويت بالقول إن واجبَ "مجلس حقوق الإنسان" يقتضي العمل بحيادية وإصدار قرارات متزنة وموضوعية. وتنطوي ملاحظات الهند على أن القرار ضد سورية لم يكن متزناً ولا موضوعياً.
مع أن سورية ليست عضواً في "مجلس حقوق الإنسان", تم إعطاء ممثل سورية, فيصل خباز حموي, الإذن بالكلام. من بين الاعتراضات التي قدمها على القرار أنه لم يأخذ بعين الاعتبار تقرير "لجنة تحقيق" المشكلة من قبل الحكومة السورية في مأساة الحولة. كما أشار إلى العملية المغلقة التي لجأ إليها أولئك الذين أعدوا التقرير. قال إنها عملية لم تقبل بأية اقتراحات لتعديل التقرير. إذ إن هذا التواصل في "مجلس حقوق الإنسان" يكتسب أهمية إضافية عند النظر إليه في سياق طلب "مجلس الأمن" السابق من الأمين العام للأمم المتحدة, بن كي مون, و " بعثة الإشراف التابعة للأمم المتحدة في سوريا " بالتحقيق في مجزرة الحولة ورفع تقرير عن نتائج التحقيق إلى مجلس الأمن.
تم طرح هذا الطلب في تصريح صحفي أصدره مجلس الأمن في 27 أيار/مايو 2012. وعبر عملية غامضة, تم تحويل طلب مجلس الأمن بالتحقيق في مجزرة الحولة, الذي كان سيتم بمشاركة "بعثة الإشراف التابعة للأمم المتحدة في سوريا" (من الآن فصاعداً "بعثة الإشراف"), إلى عملية مختلفة كلياً تم تنفيذها من قبل "لجنة حقوق الإنسان" و "بعثة التحقيق" التي شكلتها, "البعثة الدولية المستقلة للتحقيق حول الجمهورية العربية السورية" (من الآن فصاعداً "البعثة الدولية المستقلة"). إن الكيفية التي حصل بها هذا التحول وأهمية هذا التغيير يستحقان اهتماماً خاصاً من قبل المهتمين بالدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في النزاع في سوريا.
2. ماذا حلَ بتقرير "بعثة الإشراف التابعة للأمم المتحدة في سوريا" حول مجزرة الحولة؟
من المفيد مراجعة طلب مجلس الأمن بالتحقيق في مجزرة الحولة بمشاركة "بعثة الإشراف". ففي 27 أيار/مايو, بعد وقوع مجزرة الحولة بوقت قصير, أصدر مجلس الأمن بياناً صحفياً. وقد قال في التصريح:
"طلب أعضاء مجلس الأمن من الأمين العام, بمشاركة ‘بعثة الإشراف التابعة للأمم المتحدة في سوريا’, بمتابعة التحقيق في هذه الهجمات وتقديم النتائج إلى مجلس الأمن."
لاحظوا أنه كان المطلوب من الأمين العام أن يقدم نتائج تحقيق "بعثة الإشراف" إلى مجلس الأمن.
وهناك مقالة متعلقة بالموضوع نشرتها "رويترز" في 29 أيار/مايو, بعد إصدار مجلس الأمن لبيانه الصحفي بيومين. في المقالة, تم الاقتباس عن كارن أبو زوغ – وهي مفوضة في "البعثة الدولية المستقلة" التي شكلتها "لجنة حقوق الإنسان" – قولها: " سنناقش مع ‘بعثة الإشراف’ في الأيام القليلة القادمة حول ما إذا كان بمقدورنا أيضاً أن نلقي نظرة وربما نتأكد من المعلومات التي نحصل عليها من خارج البلاد."يمكن اعتبار مثل هذا التصريح بمثابة اعتراف بأن "بعثة الإشراف" كانت ستجري تحقيقاً على الأرض وأن "البعثة الدولية المستقلة" سوف تضيف ما تستطيع إضافته من مصادرها خارج البلاد. وقد اعترفت أبو زوغ في ذلك الوقت بالدور الموكل إلى "بعثة الإشراف" من قبل مجلس الأمن للمشاركة بإجراء التحقيق.
في مؤتمر صحفي مع صحفيين في دمشق في 15 حزيران/يونيو, شرح الفريق أول روبرت مود, رئيس "بعثة الإشراف", التقدمَ الذي أحرزته "بعثة الإشراف" في إجراء تحقيقاتها في مأساة الحولة. قال إن "بعثة الإشراف" قد زارت الحولة برفقة فريق من المحققين. وقد أجروا مقابلات. قابلوا سكاناً محليين سردوا قصة, ومن ثم التقوا سكاناً محليين سردوا قصة أخرى. لكن الظروف التي قادت إلى مجزرة الحولة, الظروف التفصيلية, والحقائق المرتبطة بالحادثة, بقيت غامضة لمحققي "بعثة الإشراف". وقد قادَ ذلك الجنرال مود للقول إن كان هناك قرار لدعم تحقيق أوسع على الأرض, فإن بمقدور "بعثة الإشراف" المساعدة في ذلك.
وقال إنه نتيجة لعملها, تمكنت "بعثة الإشراف" من تجميع الحقائق التي استطاعت تأسيسها من خلال مشاهدات الفريق على الأرض, بالإضافة إلى التصريحات المتناقضة والمقابلات مع الشهود. وقد أرسلت "بعثة الإشراف" هذه الحقائق على شكل تقرير إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
إذا أخذنا هذه الأحداث بعين الاعتبار, يمكننا بشكل منطقي أن نتوقع أن الأمين العام سيقدم النتائج المتناقضة لتحقيق "بعثة الإشراف" إلى مجلس الأمن, ومن ثم يقرر مجلس الأمن إن كان سيطلب من الأمين العام تأسيس تحقيق موسع على الأرض حول الظروف التي أدت إلى مجزرة الحولة وسادت أثناءها. وسف تقدم "بعثة الإشراف" التسهيلات لهذا التحقيق الميداني الموسع, كما أشار الجنرال مود. وكجزء من هذا التحقيق الموسع, بمقدور "البعثة الدولية المستقلة" المنبثقة عن "لجنة حقوق الإنسان" – كما قالت أبو زوغ في تعليقاتها في مقالة "رويترز" في 29 أيار/مايو – أن تساهم في التحقيقات من خلال تقديم معلومات من خارج سوريا إن كانت مفيدة.
ولكن ليس هذا الذي حدث.
فبدلاً من ذلك, ساد الصمت في مقر الأمم المتحدة حول نوايا الأمين العام فيما يتعلق بتحويل نتائج تحقيق "بعثة الإشراف" إلى مجلس الأمن.
لم يعطِ المتحدث باسم الأمين العام أي إشارة إلى أنه قد تم استلام "التقرير" إلا عندما تساءل الصحفيون عن ذلك.
في 21 حزيران/يونيو, رداً على سؤال طرحه أحد الصحفيين, اعترف المتحدث باسم الأمم المتحدة أن الأمين العام قد استلمَ "تقرير الحولة" الذي قدمته "بعثة الإشراف". وقد وضح المتحدث باسم الأمين العام:
"المتحدث: في الحقيقة, أرسلن ‘البعثة’ ملاحظاتها حول مجزرة الحولة إلى الأمين العام للإطلاع. ويقوم الأمين العام, بدوره, بإرسال هذه الملاحظات إلى لجان الأمم المتحدة المعنية بمراقبة حقوق الإنسان في سوريا. وحالما تنتهي هذه اللجان من عملها, سوف يتم تقديم نتائج هذه الحادثة المروعة, كما يتفق الجميع, من قبل الأمين العام إلى مجلس الأمن."
يثير هذا التصريح السؤال حول أسباب إحالة نتائج "بعثة الإشراف" إلى ما أسماه "لجان الأمم المتحدة المعنية بمراقبة حقوق الإنسان" بدلاً من تقديمها بشكل مباشر إلى مجلس الأمن كما طلب مجلس الأمن في بيانه الصحفي في 27 أيار/مايو.
لكن تصريحَ المتحدث يُقر بأن الأمين العام قد استلمَ تقريرَ "بعثة الإشراف" حول مجزرة الحولة وأنه كان لزاماً على الأمين العام أن يقدمه إلى مجلس الأمن. ومع ذلك, وحتى بعد عدة أشهر, قال أعضاء مجلس الأمن إن المعلومات المتضاربة التي تم جمعها نتيجة التحقيق الميداني التي أجرته "بعثة الإشراف" لم تكن قد قدمت بعد إلى أعضاء مجلس الأمن.
عندما طرح السؤال مرة أخرى حول تقرير الحولة المفقود الذي أعدته "بعثة الإشراف", في المؤتمر الصحفي الذي أقامه المتحدث باسم الأمين العام في 14 أيلول/سبتمبر, وعدت مساعدة المتحدث بأنها ستحصل على جواب على سؤال الصحفي. وفي رسالة إلكترونية, بعد ذلك بعدة أيام, في 17 أيلول/سبتمبر, كتبت مساعدة المتحدث: "متابعة لسؤالك يوم الجمعة, ذهب تقرير ‘بعثة الإشراف’ (أي, تقرير مود) إلى ‘لجنة حقوق الإنسان’ ومجلس الأمن. ولذلك فإن أية معلومات أخرى هي بين أيديهم."
ولكن عندما عقدَ رئيس مجلس الأمن لشهر تشرين الأول/أكتوبر, سفير غواتيمالا غيرت روزنتول, مؤتمراً صحفياً في 2 تشرين الأول/أكتوبر, سُئلَ إن كان مجلس الأمن قد تلقى تقرير الجنرال مود. وكان رده:
"حسب معرفتي, الجواب هو: لا."
ثم أضاف: "أنا شخصياً, بصفتي عضواً في المجلس, لم أرَ ذلك التقرير."
من الواضح, تبعاً للسفير الغواتيمالي, أن أعضاء مجلس الأمن لم يروا تقريرَ "بعثة الإشراف" حول مجزرة الحولة, على الرغم مما جاء في الرسالة الإلكترونية التي أرسلتها مساعدة المتحدث باسم الأمين العام والتي تقول فيها إن تقرير "بعثة الإشراف" قد أرسلَ إلى مجلس الأمن.
كما أن رسالة إلكترونية أرسلت إلى المتحدث باسم "لجنة حقوق الإنسان", حول ما إذا كانت "لجنة حقوق الإنسان" قد رأت تقرير "بعثة الإشراف" حول مجزرة الحولة, لم تلقَ أي جواب.
ثم في 16 تشرين الأول/أكتوبر عقدَ عضوان في "البعثة الدولية المستقلة", التي عينتها "لجنة حقوق الإنسان", مؤتمراً صحفياً في مقر الأمم المتحدة. وفي هذا المؤتمر الصحفي طرحَ سؤال على المفوضة كارن أبي زوغ وباولو بينيرو, رئيس البعثة, إن كانا قد شاهدا تقريرَ "بعثة الإشراف" حول مجزرة الحولة الذي سلمه الجنرال مود إلى مقر الأمم المتحدة. قالت أبو زويغ إنها تلقت تلخيصاً للتقرير لكنها لم ترَ التقريرَ نفسَه. لم يكن هناك أي مجال لطرح أسئلة أخرى حول هذا الموضوع خلال المؤتمر الصحفي. وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي, سئلت أبو زوغ عن مضمون الملخص الذي قدم حول تقرير الجنرال مود. أجابت إن مضمون التقرير سري.
3. تقرير "البعثة الدولية المستقلة" بصفته وثيقة أحادية الجانب
أصدرت "البعثة الدولية المستقلة" تقريراً مبدئياً عن الحولة من 20 صفحة في 26 حزيران/يونيو بعنوان "تحديث شفهي للبعثة الدولية المستقلة للتحقيق حول الجمهورية العربية السورية" (من الآن فصاعداً "تقرير التحديث الشفهي"), وتقريراً نهائياً في آب/أغسطس بعنوان "تقرير البعثة الدولية المستقلة للتحقيق حول الجمهورية العربية السورية" (من الآن فصاعداً "تقرير آب/أغسطس"). يتكون "تقرير آب/أغسطس" من 107 صفحات, لكن الجزء المتعلق بمجزرة الحولة لا يتجاوز حوالي 7 صفحات (ص: 10-12 و 64-47).
يبدو أن تقريري "البعثة الدولية المستقلة" لا يساندا التحقيقَ الميداني الذي أجراه فريق "بعثة الإشراف", كما قالت أبو زوغ في البداية, لكنهما يحلان محله. يبدو أن تقرير "بعثة الإشراف", الذي يحتوي على آراء ومقابلات متضاربة من سكان الحولة والذي وصفه الجنرال مود للصحفيين في 15 حزيران/يونيو, قد اختفى. وبدلاً من تقرير "بعثة الإشراف" الذي يتضمن السردين المتناقضين لسكان الحولة, مما يستدعي الحاجة إلى تحقيق ميداني مدعم بشكل أفضل, فقد أعلنت "البعثة الدولية المستقلة" – ودون تقديم أي دليل فعلي – مسؤولية الحكومة السورية عن مجزرة الحولة.
على النقيض من تصريح الجنرال مود للصحفيين بأن "بعثة الإشراف" قد زارت موقع مجزرة الحولة برفقة فريق من المحققين, لم تقم "البعثة الدولية المستقلة" بزيارة موقع مجزرة الحولة. وعندما سئلَ بنيرو عن سبب عدم تضمين معلومات من تقرير "بعثة الإشراف" في تقرير "البعثة الدولية المستقلة", أجاب إن التقرير لا يتضمن سوى المعلومات التي تحصل عليها "البعثة" من محققيها الخاصين. ويتناقض هذا التصريح مع "تقرير آب/أغسطس" الذي يحتوي إشارات إلى المعلومات الموجودة في تقرير "بعثة الإشراف", ولكن ليس فيما يخص مجزرة الحولة.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 15 حزيران/يونيو, قال الجنرال مود إن تقرير "بعثة الإشراف" حول الحولة تضمنَ تصريحات ومقابلات مع سكان المنطقة تروي قصتين متناقضتين. لكن "تقرير آب/أغسطس", الذي أعدته "البعثة الدولية المستقلة", ينص على قصة واحدة فقط ويزعم أنهم إما لا يمتلكون أية معلومات أخرى أو أن المعلومات التي وصلتهم غير متماسكة, ولذلك فقد اعتبروا أن هناك قصة واحدة فقط. ولا تحتوي التقارير التي أعدتها "البعثة الدولية المستقلة" أية تصريحات أو مقابلات ميدانية, باستثناء مقابلات هاتفية أو عبر "سكايب" مع المسلحين أو مع أولئك الذين يدعمون القصة التي قدمها المتمردون المسلحون حول مجزرة الحولة.
قال الجنرال مود إن نطاق المعلومات الضروري يتمثل في " الظروف التي قادت إلى مجزرة الحولة, الظروف التفصيلية, والحقائق المرتبطة بالحادثة." وقد وضح إن هذه الظروف بقيت غامضة بالنسبة إلى "بعثة الإشراف" وهذه المعلومات ضرورية لوضع أساس لتقرير حول مأساة الحولة يتصف بالحيادية والتوازن ويكون مبنياً على فهم حقائق ليس فقط ما حدث في الحولة بل أيضاً الظروف التي قادت إلى هذه المأساة.
بينما كان نطاق السؤال الذي طرحه الجنرال مود و "بعثة الإشراف" في التحقيق حول الحولة يضع ما حدث في الحولة في سياق أوسع, تعمل تقارير "البعثة الدولية المستقلة" على تضييق نطاق السؤال المطروح بحيث يتم تجاهل السياق الأوسع.
يستند "تقرير آب/أغسطس", الذي أعدته "البعثة الدولية المستقلة", إلى سؤال رئيسي يدور حول قدرة الحكومة السورية على الوصول إلى المنطقة التي حدثت فيها المجزرة. ويفترض "تقرير آب/أغسطس" أن الحكومة السورية كانت تسيطر على إحدى نقاط التفتيش في المنطقة التي حدثت فيها المجزرة. وبناءً على هذا الافتراض, يزعم "تقرير آب/أغسطس" أن الحكومة السورية مسؤولة بالتأكيد عن المجزرة.
ولكن, بشكل عام, تختلف القصص المقدمة عن أحداث المأساة حول ما إذا كان الجيش السوري قد فقد السيطرة على نقاط التفتيش حول المنطقة التي وقعت فيها المجزرة. كما أن هناك اتفاقاً عاماً أن المنطقة المعنية كانت تحت سيطرة المتمردين المسلحين حتى قبل وقوع المجزرة بفترة من الزمن.
حتى أنه تمت الإشارة إلى هذا الاتفاق العام بشأن سيطرة المسلحين على المنطقة التي وقعت فيها المجزرة في رسالة إلى مجلس الأمن أرسلها بان كي مون بعد وقوع المجزرة بوقت قصير. فقد كتب بان كي مون في رسالته إلى مجلس الأمن:
"كانت القرى المعنية خارج سيطرة الحكومة, لكنها كانت محاطة بقوى عسكرية كبيرة." (الأمين العام, 27 أيار/مايو 2012) لكن تقارير "البعثة الدولية المستقلة" تتجاهل حقيقة أن المنطقة كانت تحت سيطرة المتمردين المسلحين.
وبشكل مماثل, لا تعطي تقارير "البعثة الدولية المستقلة" أي سبب يدفع الحكومة السورية إلى بح هؤلاء المدنيين.
إن هذه المعلومات ضرورية لبناء أساس يقوم عليه تقرير حول مأساة الحولة يتمتع بالحيادية والتوازن, ويكون مبنياً على حقائق ليس فقط ما حدث في الحولة بل أيضاً على الظروف التي قادت إلى المأساة.
وقد وضح الجنرال مود الحاجة إلى فهم الحقائق المرتبة بالحادثة نفسها والتي بقيت غامضة حتى بعد التحقيقات التي أجرتها "بعثة الإشراف".
لكن "تقرير آب/أغسطس" يتعامل مع استنتاجاته الافتراضية بصفتها حقائقَ, عوضاً عن الاعتراف بأن هناك حقائق هامة مرتبطة بالحادثة نفسها بقيت غامضة وهي بحاجة إلى تمحيص وتوضيح قبل تحديد المسؤول عما حدث.
ومن الضروري أيضاً أن نتذكر أن تحقيق "بعثة الإشراف" تكشف عن قصص ومقابلات متضاربة حول ما حدث في الحولة. ومع ذلك لا يعترف "تقرير آب/أغسطس" بصحة ذلك وبالحاجة ليس فقط إلى الاعتراف بهذه القصص المتناقضة بل أيضاً إلى إجراء تحقيقات دقيقة بمقدورها أن تحلَ هذه المسائل العالقة.
تتذمر تقارير "البعثة الدولية المستقلة" حول عدم قدرة محققيها على الوصول إلى الناس على الأرض في سوريا, ولذلك كان عليهم الاعتماد على المقابلات عبر الهاتف و "سكايب". لكن فشلَ محققي "البعثة الدولية المستقلة" في إجراء تحقيق متزن وحيادي يوضح السببَ الذي دفع الحكومة السورية لعدم السماح لهم بإجراء تحقيق في سوريا.
يجب التساؤل عن سبب عدم قيام محققي "البعثة الدولية المستقلة" بتحديد أو لقاء أشخاص بمقدورهم تقديم تصريحات ومقابلات متناقضة مشابهة لتلك التي جمعتها "بعثة الإشراف" ورفعتها إلى مقر الأمم المتحدة. كما أن هناك عدداً من الشهود الذين أشارت إليهم وسائل الإعلام البديلة أو مصادر المنظمات غير الحكومية تختلف قصصهم عن الأحداث عن نتائج "تقرير آب/أغسطس". وينقل بعض وسائل الإعلام البديلة والمنظمات غير الحكومية هذه أنهى عندما حاولت تقديم المعلومات إلى "البعثة الدولية المستقلة", تم رفض عرضها. لذلك, من الصعب أن نفهمَ زعمَ "البعثة الدولية المستقلة" بقدرتها على إنجاز تحقيق متزن وحيادي دون قبول مثل هذه العروض والبحث عن مثل هؤلاء الشهود.
فبدلاً عن ذلك, استندت تقارير "البعثة الدولية المستقلة", وخاصة "تقرير آب/أغسطس", إلى آراء المتمردين المسلحين. حتى أن "تقرير آب/أغسطس" يسيء تمثيل ما قالته "البعثة الدولية المستقلة" في "تقرير التحديث الشفهي" السابق. إذ قدم "تقرير التحديث الشفهي" ثلاثة احتمالات بديلة فيما يخص المسؤول عن ذبح المدنيين.
يقول "تقرير التحديث الشفهي":
"أولاً, أن المرتكبين كانوا ‘الشبيحة’ أو ميليشيات محلية أخرى من القرى المجاورة, تعمل ربما مع قوات الأمن السورية, أو بمعرفتها؛ ثانياً, أن المرتكبين كانوا من القوات المناوئة للحكومة التي تسعى إلى تصعيد النزاع ومعاقبة أولئك الذين لا يدعمون التمرد أو يعارضونه؛ أو ثالثاً, مجموعات أجنبية مرتبطة بجهات مجهولة."
قال "تقرير التحديث الشفهي": "مع وجود هذه الدلائل, لم يكن بمقدور ‘البعثة الدولية المستقلة’ استبعاد أي من هذه الاحتمالات."
وأضاف, بعد عدة مقاطع:
"لم تستطع ‘البعثة الدولية المستقلة’ استبعادَ تورط مجموعات أجنبية مرتبطة بجهات مجهولة. فقد تلقت ‘البعثة الدولية المستقلة’ معلومات تشير إلى أن المجموعات المسلحة المناوئة للحكومة في تلدو قد تلقت في ذلك اليوم ‘الدعمَ من مجموعات أخرى من المناطق المجاورة.’ كما تم جمع معلومات من الشهود تصف المرتكبين على أنهم حليقو الرؤوس ولهم لحى طويلة, وينطبق هذا التوصيف على المجموعات الأجنبية والشبيحة في سياقات أخرى. لكن ‘البعثة’ لم تثبت هذه المعلومات في تقريرها."
استناداً إلى هذه المقولة, قال "تقرير التحديث الشفهي":
"إن ‘البعثة الدولية المستقلة’ عاجزة عن تحديد هوية المرتكبين في هذا الوقت ... ."
ودون تقديم أي دليل مادي جديد, ينص "تقرير آب/أغسطس" على أنه "لا يوجد شك بأن الحكومة السورية هي المسؤولة عن مجزرة الحولة."
حتى أن "تقرير آب/أغسطس" يسيء تمثيل حقيقة تقديم "تقرير التحديث الشفهي" لثلاثة آراء بديلة حول المسؤول عن موت المدنيين في الحولة.
بين صدور "تقرير التحديث الشفهي" في 26 حزيران/يونيو وصدور "تقرير آب/أغسطس", وجدت "البعثة الدولية المستقلة" طريقة ما لتتفيه المعايير التي يمكن من خلالها تحديد المسؤول عن المجزرة. كما استبعدت "البعثة الدولية المستقلة" القضايا العريضة والأسؤلة والالتزام بإظهار اهتمام حقيقي بخلفية الأحداث التي حدثت في الحولة.
ودون تقديم أي توضيح, اختفى تقرير "بعثة الإشراف" الذي قال الجنرال مود إنه سلمه إلى مقر الأمم المتحدة. وبالتالي, تم إنهاء مهمة "بعثة الإشراف" نفسها. كما أن طلبَ مجلس الأمن من بان كي مون بموافاته بنتائج التحقيقات التي توصل إليها فريق "بعثة الإشراف" في الحولة لم تتم الاستجابة له أبداً.
لو أن مجلس الأمن كان قد استمع إلى تفاصيل الطبيعة المتضاربة للآراء والمقابلات الموثقة في تقرير "بعثة الإشراف" وزود الإعلام والجمهور بهذا التقرير, لكان ذلك قد ولدَ ضغطاً جماهيرياً لمتابعة "بعثة الإشراف" لمهمتها وتشكيل فريق محايد ومتخصص يقوم بتحقيقات ميدانية بمساعدة من "بعثة الإشراف". لكن ذلك لم يحدث. فمع اختفاء تقرير "بعثة الإشراف" حول الحولة, سمح مجلس الأمن بإنهاء مهمة "بعثة الإشراف".
وبالتالي, فقد سُمِحَ ﻠ "البعثة الدولية المستقلة" المعينة من قبل "لجنة حقوق الإنسان" بتقديم تقرير بديل يفتقر إلى معرفة مباشرة بتفاصيل ما حدث في الحولة أو أي مقابلات مباشرة مع الشهود الذين يتمتعون بمعرفة مباشرة بالأحداث التي يتم التحقيق فيها.
ويمكن للمرء أن يتساءل عن سبب هذه النقلة من تقرير "بعثة الإشراف" حول الحولة – الذي يتضمن معلومات ناتجة عن تحقيق ميداني تتضمن آراء ومقابلات متناقضة, كما طلب مجلس الأمن – إلى تقرير "البعثة الدولية المستقلة", المعينة من قبل "لجنة حقوق الإنسان", الذي لا يقدم أي دليل فعلي ويكتفي بتحميل الحكومة السورية المسؤولية عن مجزرة الحولة.
هذا سؤال بحاجة إلى مزيد من التدقيق والتحليل. وهناك إشارة هامة, في هذا المجال, وردت في ردِ المتحدث باسم الأمم المتحدة في 21 حزيران/يونيو على سؤال من الصحفي الذي سأل عما حصل لتقرير "بعثة الإشراف".
فبدلاً من إرسال التقرير بشكل مباشر إلى مجلس الأمن كما هو متوقع, قال المتحدث إن الأمين العام سوف "يرسل هذه الملاحظات إلى لجان الأمم المتحدة المعنية التي تقوم بمراقبة حقوق الإنسان في سوريا."
لكن البيان الصحفي لمجلس الأمن في 27 أيار/مايو طلب من الأمين العام الاعتماد على "بعثة الإشراف" في إجراء تحقيق حول مجزرة الحولة ومن ثم رفع نتائج التحقيق إلى مجلس الأمن. ولم يطلب مجلس الأمن إحالة تقرير "بعثة الإشراف" أولاً إلى لجان الأمم المتحدة التي تراقب حقوق الإنسان في سوريا.
إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات اللاحقة, يصبح سبب هذه النقلة أكثرَ وضوحاً. فقد تعهدت "بعثة الإشراف" بالتزام الحياد في مهمتها (راجع, مثلاً, المؤتمر الصحفي الذي عقده الجنرال مود في دمشق في 5 تموز/يوليو, حيث يصف كيف حاول الحفاظ على الحيادية في عمل "بعثة الإشراف"). وعلى النقيض من ذلك, لم تعمل "البعثة الدولية المستقلة" للحفاظ على الحيادية في تحقيقها, لكنها انحازت في جمعها للمعلومات التي بنت تحقيقها عليها واختيار الأشخاص الذين اتصلت بهم.
وقد نتج عن هذا التحيز في تحقيق "البعثة الدولية المستقلة" "تقرير آب/أغسطس" الذي تعرضَ لانتقادات محقة لتقديمه نتائج أحادية الجانب وإلقاء اللوم بشأن مجزرة الحولة دون أي دليل كافٍ.
وفوق ذلك, إذا سأل أحد أياً من مسؤولي الأمم المتحدة المعنيين عن تقرير "بعثة الإشراف", من المرجح أن تتم الإشارة إلى "تقرير آب/أغسطس" الذي أعدته "البعثة الدولية المستقلة".
لذلك يبدو أنه بُعَيدَ تسليم تقرير "بعثة الإشراف" حول الحولة إلى مقر الأمم المتحدة, تم اتخاذ قرار بعدم تسليمه إلى مجلس الأمن وتحضير "البعثة الدولية المستقلة" لتقرير بديل, على الرغم من عدم معرفة هذه الهيئة المباشرة بالحقائق المتعلقة بالمجزرة وعدم اتصالها بالأشخاص الذين شهدوا المجزرة.
كما يبدو أن استبدالَ تقرير "بعثة الإشراف" حول الحولة بتقارير "البعثة الدولية المستقلة" المعينة من "لجنة حقوق الإنسان" لم يلقَ اهتمامَ وسائل الإعلام, على الرغم أن وسائل الإعلام البديلة قد وجهت انتقادات عديدة إلى تقارير "البعثة الدولية المستقلة".
فعلى سبيل المثال, مارينيلا كوريجيا ناشطة تعمل مع "الشبكة المناهضة للحرب – روما" الإيطالية انتقدت تقارير "البعثة الدولية المستقلة". وتستنتج أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار التفويض الدولي ﻠ "البعثة", نرى أن تحيزَ وأحادية "تقرير آب/أغسطس" يدعوان إلى الذهول والقلق. وتسأل: "ألا تمتلك الأمم المتحدة آلية تقييم داخلية للحد من مثل هذه الإساءات في ‘توثيق’ الأحداث التي من واجب الأمم المتحدة أن تتصرف بناءً عليها؟"
في الوقت الحالي, يبدو أن الجواب على سؤالها هو أن الأمم المتحدة لا تملك أية آلية داخلية لمنع هكذا إساءات, باستثناء التصريحات القليلة للأمم الأعضاء الراغبين في التحدث وتقديم انتقاداتهم, كتلك الأمم التي صوتت ضد, أو امتنعت عن التصويت على, قرار "لجنة حقوق الإنسان" في 28 أيلول/سبتمبر الذي أدانَ سوريا.
ولكن, لسوء الحظ, إن لقرار استبدال تقرير "بعثة الإشراف" – المبني على تحقيق ميداني حيادي – بتقرير "البعثة الدولية المستقلة" – المنحاز والمبني على تحليلات أحادية واستنتاجات افتراضية – تأثيراً هاماً على الأمم المتحدة. فعلى الأمم المتحدة الالتزام بالحيادية لكي تتمكن من المساعدة على حَل النزاعات التي تهدد الأمنَ والسلامَ الدوليَين. أما إذا عملت الأمم المتحدة بصفتها ممثلاً سياسياً عن بعض الأمم الأعضاء الأقوياء الذين يتدخلون في النزاعات المحلية في دول أخرى بهدف تغيير النظام, فإن المهمة الجوهرية للأمم المتحدة سوف تتعرض للتشويه والإعاقة.
تُرجم عن (‘غلوبل ريسيرتش’, 2 كانون الأول/ديسمبر 2012)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد