سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (16)
الجمل - بروفسور ميشيل تشوسودوفسكي- ترجمة: مالك سلمان:
"وهكذا أغطي نذالتي العارية, ... وأظهر قديساً, خاصة عندما ألعب دور الشيطان." (وليم شكسبير, "الملك ريتشارد الثالث")
لقد تم التأكد الآن من أن مجزرة الحولة, التي راح ضحيتها أكثر من مئة رجل وامرأة وطفل, لم ترتكبها ميليشيات ‘الشبيحة’ الموالية للحكومة كما زعمت جوقة الإعلام الغربي دون أية دلائل.
تؤكد عدة تقارير موثوقة, بما في ذلك تقرير أخير ﻠ "فرانكفورتر آلجماين تزايتونغ", بشكل لا يقبل الشك أن إرهابيي ‘الجيش السوري الحر’ "المعارض" كانوا وراء هذه الجريمة الوحشية.
"كان جميع القتلى من عائلات الأقليات العلوية والشيعية في الحولة. أكثر من 90% من سكان الحولة هم من السنة. تم ذبح العشرات من عائلة سنية واحدة كانت قد اعتنقت الإسلام الشيعي. كما تم قتل أفراد عائلة الشمالية, وهي عائلة علوية, وكذلك عائلة عضو سني في البرلمان السوري تم اعتباره بمثابة عميل. وبعد المجزرة مباشرة, قام المرتكبون بتصوير ضحاياهم وتقديمهم بصفتهم ضحايا من السنة في أشرطة فيديو نشرت على الإنترنت." ("فرانكفورتر آلجماين تزايتونغ", 8 حزيران/يونيو 2012, مترجم عن الألمانية)
يدعم تقرير "فرانكفورتر آلجماين تزايتونغ" التقريرَ الذي أعده الصحفي الروسي مارات موسن الذي يشمل على شهادات مفصلة:
"عندما سيطر المتمردون على نقطة التفتيش في مركز البلدة وتمركزوا بالقرب من قسم الشرطة المحلي, بدؤوا بتجميع كل العائلات الموالية للحكومة في منازل مجاورة, بما في ذلك العجائز والنساء والأطفال.
تم قتل عدة عائلات من عائلة السيد, بما في ذلك 20 طفلاً, بالإضافة إلى عائلة أبي رزق. تم قتل الناس بالسكاكين ثم أطلقوا عليهم النار من مسافة قريبة.
بعد ذلك قدموا [جثث] القتلى إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كضحايا لقصف الجيش السوري, وهو شيء لم يتم إثباته من خلال العلامات على أجسادهم." (مارات موسن, "مجزرة الحولة: إرهابيو المعارضة قتلوا عائلات موالية للحكومة", ‘غلوبل ريسيرتش’, 1 حزيران/يونيو 2012)
يدحض هذان التقريران أكاذيبَ وفبركات الإعلام الغربي. ففقد تم ذبح عائلات كاملة موالية للحكومة في الحولة. كان غلإرهابيون مجموعة من المرتزقة والقتلة المحترفين الذين يعملون بإشراف ما يسمى "الجيش السوري الحر".
ويقترح تقرير سابق نشر في "دير شبيغل" (آذار/مارس 2012) أن "الجيش السوري الحر" متورط في عمليات قتل جماعي روتينية ومنظمة. وتركز المقالة على عمليات القتل المرتجلة في حمص التي يتم تنفيذها بتفويض مما يسمى "كتائب الدفن".
فتبعاً لشهادة الجلاد, كانت "كتيبة دفن" واحدة في حمص مسؤولة عن إعدام 350 – 400 شخصاً بما في ذلك "السجناء" (أي, الشيعة والعلويون) و "الخونة" (أي, السنة). و "الخونة" ["العَواينية"] هم مدنيون سنة داخل المناطق المدنية والريفية يعبرون عن معارضتهم لحكم الرعب الذي يقيمه "الجيش السوري الحر".
"منذ الصيف الماضي, قمنا بإعدام حوالي 150 رجلاً, وهم يمثلون 20% من سجنائنا," يقول أبو رامي. ... لكن الجلادين في حمص كانوا أكثر انشغالاً بالخونة في صفوفهم نفسها من سجناء الحرب.
"إذا أمسكنا بسني يتجسس, أو إذا خان أحد المواطنين الثورة, نقتله بسرعة," يقول المقاتل. وتبعاً لأبي رامي, أعدمت كتيبة حسين للدفن بين 200 و 250 خائناً منذ بداية الانتفاضة." "صورة المتمردين في حمص وجلادوهم", "شبيغل أونلاين", 29 آذار/مارس 2012)
الأسئلة الهامة التي لا يطرحها تقرير "شبيغل" هي: من الذي يقف خلف هذه المجموعات المتمردة؟ من هو الذي يقرر, ضمن صفوف "الجيش السوري الحر", تصنيف "السجناء" و "الخونة"؟ تذكروا أن الجلاد مجرد شاب يطيع أوامر جهات عليا.
مجزرة الحولة: الحرب الإعلامية
من الضروري التركيز على الطبيعة الوحشية لعمليات القتل هذه, والتي يتم تحميل حكومة الأسد المسؤولية عنها. فهي تشكل مكوناً مركزياً من الحرب الإعلامية للولايات المتحدة والناتو. والهدف منها هو إثارة "موجة مفيدة من الكراهية" ضد حكومة الأسد, حيث تزود الدعم الجماهيري لتدخل عسكري على أرضية إنسانية. (راجع: ميشيل تشوسودوفسكي, "سوريا: قتل المدنيين الأبرياء كجزء من عملية سرية أمريكية. حشد الرأي العام لدعم حرب تحت ذريعة ‘مسؤولية الحماية’ ضد سوريا", ‘غلوبل ريسيرتش’, 30 أيار/مايو 2012)
فدون الدعم القوي للرأي العام, سينهار تبرير شن الحرب مثل كومة من ورق اللعب.
لم يتم استغلال مجزرة الحولة فقط كذريعة للدعوة إلى تغيير النظام, بل أيضاً كتبرير لعزل سوريا سياسياً. فبعد الإعلان عن المجزرة مباشرة وقبل البدء بأي تحقيق, قطعت عدة دول غربية علاقاتها الدبلوماسية بسوريا. يبدو أن هذا القرار – المنسق من قبل وزارة الخارجية الأمريكية – كان مخططاً سلفاً قبل وقوع مجزرة الحولة: "انضمت الولايات المتحدة إلى عدة أمم أخرى في طردها دبلوماسياً سورياً رفيع المستوى رداً على قتل أكثر من 100 رجل وامرأة وطفل في قرية الحولة السورية في 25 أيار/مايو. ... وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ڤكتوريا نولاند, في 29 أيار/مايو, إن المسؤولية عن المجزرة تقع "بالتأكيد عند قدمي نظام الأسد" ومجموعة الميليشيا التابعة له, "الشبيحة".
في مجلس الأمن/الأمم المتحدة, أصبحت مجزرة الحولة ذريعة للحرب, أي التبرير الوحيد لشن حرب على خلفية إنسانية. فقد تمت دعوة مجلس الأمن لإعطاء الضوء الأخضر لتدخل للناتو مبني على ذريعة "مسؤولية الحماية" انتقاماً للجرائم المزعومة التي ارتكبتها حكومة بشار الأسد ضد الشعب السوري.
ولكن ماذا يحدث الآن؟
تم ارتكاب الجرائم الوحشية من قبل وحدات "الجيش السوري الحر", وهو كيان مسلح يتلقى الدعم المباشر من التحالف العسكري للولايات المتحدة والناتو وإسرائيل. ولا يمكن تحميل الحكومة السورية مسؤولية أعمال القتل التي ترتكبها قوات المتمردين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
من يقف خلف هذه المجموعات المتمردة؟ ما هي الطبيعة الدقيقة للعلاقة بين "الجيش السوري الحر" والتحالف العسكري الغربي؟
ما هي بنية القيادة؟
ما هي طبيعة هذه العملية السرية الوحشية؟
من أمر بارتكاب هذه الجرائم الوحشية ضد الشعب السوري؟
لو يتم الكشف عن هذه القضايا للرأي العام, فسوف تتم تعرية أكاذيب وفبركات الإعلام الغربي. وبالتالي, سوف تتداعى ذريعة شن الحرب على سوريا باسم "مسؤولية الحماية".
لذلك من حق المرء أن يعتقد أن موجة جديدة من الأكاذيب والفبركات الإعلامية سوف تشن لإخفاء الحقيقة.
لكن السؤال يبقى.
إذا لم تكن حكومة الأسد خلف المجزرة, ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد أولئك الذين أمروا بارتكاب هذه المجزرة؟ إن الحكومات الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا), مدعومة من تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر, هي الأطراف المشبوهة الرئيسية.
تم إرسال المرتزقة وفرق الموت, بما في ذلك الميليشيات المرتبطة بالقاعدة, إلى سوريا كجزء من عملية استخباراتية سرية. كما تعمل القوات الخاصة التابعة لعدة دول غربية بصفة مستشارين عسكريين على الأرض السورية.
ما نتعامل معه هنا هو مشروع إجرامي يشكل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي. والذين أعطوا الأوامر بالقتل هم ما يسمون أنفسهم أعضاء في المجتمع الدولي.
ما هو الموقف الذي يجب على الأمم المتحدة أن تتخذه من حكومات الدول الأعضاء المتواطئة مع هذه الجرائم البشعة ضد الإنسانية؟ ربما يكون هذا سؤالاً افتراضياً لأن ثلاثاً من هذه الدول الأعضاء المتواطئة أعضاء دائمون في مجلس الأمن/الأمم المتحدة.
لكن يجب ألا تكون هناك معايير مزدوجة في القانون الدولي فيما يتعلق بالجرائم ضد الإنسانية.
إن نفس المعايير التي تم استخدامها, دون أي دليل, ضد الرئيس بشار الأسد يجب تطبيقها على أولئك الذين أعطوا الأوامر بتنفيذ هذه العملية السرية الوحشية.
ما هو دور "النظام الأمريكي" وحلفائه (بما في ذلك كياناته العسكرية والاستخباراتية المختلفة) في تأمين الدعم السري والعلني لفرق الموت التابعة لما يسمى "الجيش السوري الحر"؟
هل يجب التفكير في "تغيير النظام" في الدول التي تورطت حكوماتها المنتخبة في جرائمَ ضد الإنسانية؟ لن يأتي الجواب على هذا السؤال من مجلس الأمن/الأمم المتحدة, بل سينبع من العمل الشعبي على مستوى الدول, في أوروبا والولايات المتحدة, الموجه ضد نظام سياسي مجرم وفاسد.
هناك مؤشرات ودلائل موثقة, منذ بداية التمرد في مدينة درعا الحدودية في منتصف آذار/مارس 2011, أن إرهابيين مدعومين من قوى أجنبية تورطوا في قتل المدنيين الأبرياء. وتؤكد مصادر استخباراتية إسرائيلية وجود عملية منظمة لتجنيد المقاتلين الإرهابيين من قبل الناتو:
"تعمل قيادة الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية على رسم الخطط لخطوتهم العسكرية الأولى في سوريا, وهي تزويد المتمردين بأسلحة مضادة للدبابات والحوامات. ...
كما تشير تقاريرنا إلى مناقشة حملة لتجنيد الآلاف من المتطوعين الإسلامويين في دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين. وسوف يقوم الجيش التركي بإيواء هؤلاء المتطوعين, وتدريبهم, وتأمين ممرات لهم إلى داخل سوريا. " ("ديبكا فايلز", "الناتو يزود المتمردين بأسلحة مضادة للدبابات", 14 آب/أغسطس 2011, التشديد مضاف).
تُرجم عن (‘غلوبل ريسيرتش’, 11 حزيران/يونيو 2012)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد