الحدود العراقية تهتز في الأنبار
بدا، أمس، أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") قد نجح في نقل المعركة إلى الحدود الغربية للعراق، وذلك في محاولة لفرض أمر واقع ميداني جديد، بعدما استعادة القوات العراقية زمام المبادرة بشكل ملحوظ في وسط البلاد خلال الأسبوع الماضي.
ونجح التنظيم المتشدد، بمساندة جماعات متشددة أخرى، في السيطرة على ثلاثة معابر يتقاسمها العراق مع سوريا والأردن في محافظة الأنبار، ما يعني فرض سيطرته على معظم المعابر الحدودية الغربية، وتوجيه ضربة جديدة لسلطة الحكومة العراقية.
وفي موازاة هذا التطور الميداني الخطير، كان القرار الدولي لمساندة العراق في حربه، يواجه عدداً من الصعوبات، خصوصاً في ظل صراع خفي بين واشنطن وطهران لكسب النفوذ في البلاد، ووسط معارضة سعودية بدت واضحة لتدخل خارجي.
وبرز بالأمس موقف إيراني تجاه الأحداث في العراق، عبّر عند المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي الذي قال إن "قوى الهيمنة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة هي التي تقف وراء إثارة الفتنة والنزاع في العراق"، مؤكداً ان الجمهورية الإسلامية تعارض بشدة أي تدخل أميركي في شؤون العراق الداخلية، ومشدداً على أن الحل لإخماد نار الفتنة في يد الشعب والحكومة والمرجعية الدينية العراقية، فيما نصح الرئيس الإيراني حسن روحاني "حماة الإرهابيين" بأن يكفّوا عن دعمهم بدولارات النفط، معتبراً أن عليهم "إدراك أنهم سيدفعون الثمن لاحقاً".
من جهته، حذّر الرئيس الأميركي باراك اوباما، في مقابلة مع شبكة "سي بي اس" بثت مساء أمس، من المخاطر التي يمثلها هجوم المسلحين في العراق على استقرار المنطقة برمّتها، معتبراً أن "أيديولوجيتهم المتطرفة تشكل تهديدا على الأمدين المتوسط والطويل" بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي "بشكل عام، ينبغي أن نبقى متيقظين. المشكلة الحالية هي أنّ (مقاتلي) تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يزعزعون استقرار البلد (العراق)، لكن بإمكانهم ايضاً التوسع نحو دول حليفة مثل الأردن".
ورأى أنّ خطر هذه الجماعات المتطرفة "يتحول إلى تحدّ عالمي يتعين على الولايات المتحدة مواجهته، لكننا لن نتمكن من مواجهته لوحدنا".
اما وزير الخارجية الأميركي جون كيري نفى، بعد لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، المحطة الأولى من جولة تشمل الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، تدخل واشنطن في "اختيار أو الدفاع عن أي فرد أو مجموعة من الأفراد لتقلد قيادة العراق"، مشيراً إلى ان "الولايات المتحدة تتطلع إلى أن يجد الشعب العراقي قيادة مستعدة لتمثيل كل شعب العراق، وتكون مستعدة لتقاسم السلطة وعدم استبعاد أحد".
وتابع قائلاً إنّ "الولايات المتحدة بذلت الدم وعملت بجهد لسنوات حتى يختار العراقيون قادتهم... لكن داعش عبر من سوريا وبدأ التآمر من الداخل ومهاجمة طوائف، وهو يحاول التدخل لمنع العراق من اختيار القيادة التي يريدها".
وذكر مسؤول في الخارجية الأميركية أنه أثناء جولة كيري في الشرق الأوسط وأوروبا "سنحثّ دول المنطقة التي لديها علاقات ديبلوماسية مع العراق على أخذ التهديد بالجدية ذاتها الذي نأخذه"، مضيفاً "ثم سنؤكد على ضرورة أن يسرع القادة العراقيون في تشكيل حكومة" جامعة.
وعلى خط موازٍ، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع كيري، في اتصال هاتفي أمس، الوضع في العراق وفي سوريا. وذكر بيان صادر عن الخارجية الروسية أن الوزيرين بحثا تأزم الوضع في العراق نتيجة هجوم مسلحي "داعش"، وأعربا عن قلقهما العميق من تصعيد التهديد الإرهابي في المنطقة، كما تطرقا إلى مسائل عدّة من بينها إنهاء عملية تدمير السلاح الكيميائي السوري.
وكان لافروف أكد، في ختام زيارته للسعودية أمس الاول، أن "الجانبين الروسي والسعودي نسّقا خلال اللقاءات عددا من المسائل المحددة بشأن كيفية قطع الطريق أمام قوى الإرهاب ودعم استقرار دول المنطقة".
وأشار مصدر سعودي إلى أنّ لافروف ونظيره السعودي سعود الفيصل اتفقا، خلال لقائهما في جدة، على "تركيز الجهود في المرحلة الحالية على ضمان أمن العراق وسلامته الإقليمية وتحقيق وحدته الوطنية"، مضيفاً أنّ الرياض شددت على ان "تحقيق هذا الهدف يستلزم الشروع في تشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة لكافة أبناء الشعب العراقي بمختلف فئاتهم... مع التأكيد على أن أي تدخل خارجي في هذه المرحلة من شأنه تكريس الأزمة، وتعميق الاحتقان الطائفي".
ميدانيات
ميدانياً، برز خلال اليومين الماضيين الهجوم الذي قاده "داعش" في شرق البلاد، بالقرب من الحدود السورية والأردنية، وكذلك الحدود السعودية.
وبعد يوم على سقوط معبر القائم في محافظة الأنبار، المحاذية للحدود السورية بيد مسلحين يتبعون لـ"داعش"، توجه مسلحو التنظيم شرقاً حيث سيطروا على مدينتين إضافيتين هما راوة وعنه القريبتين من القائم.
وقال المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية الفريق قاسم عطا، في مؤتمر صحافي في بغداد، إنه "كإجراء تكتيكي ولغرض إعادة انفتاح القطاعات في قيادة الجزيرة والبادية تم انفتاح هذه القطاعات في اماكن قوية لكي يكون هناك تأمين لمبدأ أساسي وهو القيادة والسيطرة". وأضاف أنّ "هذا الموقف يخص راوة وعنه والقائم، والقوات الأمنية متواجدة لإعادة الانفتاح، وربما تنسحب من منطقة هنا لتقوية منطقة أخرى".
ويشكل سقوط مدينتي رواة وعنه خطراً حقيقياً على سد مياه قريب يقع في مدينة حديثة، والذي إن جرى تدميره سيؤثر بشكل كبير على الشبكة الكهربائية في البلاد ويسبب فيضانات. وجرى بناء السد في العام 1986. لكن مسؤولين عسكريين أكدوا أنّ ألفي عنصر من القوات الأمنية انتقلوا إلى المنطقة لحماية السد.
وقتل 21 شخصاً من وجهاء مدينتي راوة وعنه العراقيتين على أيدي مسلحين ينتمون إلى تنظيمات متطرفة تقودها جماعة "داعش" بعد سيطرة هؤلاء المسلحين على المدينتين في غرب العراق، بحسب ما أفادت مصادر أمنية وطبية.
وأوضحت المصادر أن عناصر تنظيم "داعش" والتنظيمات الأخرى قاموا خلال الساعات الأخيرة بقتل وجهاء المدينتين القريبتين من القائم عبر عمليات "اغتيال" رميا بالرصاص في شوارع مدينتي راوة وعنه.
وفي جنوب معبر القائم، ذكرت مصادر أمنية أنّ المسلحين استولوا على معبر الوليد. وقالت المصادر الأمنية إن بعض المسؤولين من مكتب الجمارك ومن مصرف حكومي عند معبر الوليد الحدودي فرّوا غرباً في اتجاه سوريا، فيما اتجه اخرون شرقاً داخل اراضي العراق.
كذلك، تمكن المسلحون بقيادة "داعش" من السيطرة على بلدة الرطبة الواقعة على مسافة نحو مئة كيلومتر من الحدود الأردنية والحدود السعودية في محافظة الأنبار، لتكون رابع بلدة في المحافظة تسقط في أيدي المسلحين في اليومين الأخيرين، فيما نقلت وكالة "اسوشييتد برس" عن مسؤولين قولهم إنّ المسلحين سيطروا أيضاً على معبر الطريبيل الرقيب والواقع عند الحدود الأردنية.
وتقع الرطبة على الطريق السريع الرابط بين بغداد والأراضي الأردنية، وهي تشكل شريان رئيسي للمواصلات، إلا أنها نادرا ما كانت تستخدم في الفترة الأخيرة بسبب الوضع الأمني المتدهور.
وقال وزير الدولة الأردني للإعلام محمد المومني إنّ حركة المرور توقفت عبر الحدود العراقية الأردنية في وقت متأخر أمس، وأنّ الوضع على الجانب العراقي "غير طبيعي". وقال لوكالة "رويترز" إنّ "آخر حركة كانت بحدود الساعة السابعة والنصف مساء"، لافتاً إلى ان "المسؤولين على الحدود يقولون إن الاوضاع غير طبيعية على الجانب الآخر من الحدود".
وفي محافظة صلاح الدين، شنّت القوات العراقية غارة على موقع لمسلحين وسط مدينة تكريت، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، فيما صدّ مسلحون موالون للحكومة هجوما على ناحية العلم شرق المدينة. وأفاد شهود عيان بأنّ سبعة أشخاص قتلوا، على الأقل، وأصيب نحو 15 في الضربة الجوية في تكريت التي ذكروا انها استهدفت محطة لتعبئة الوقود، فيما ذكرت قناة "العراقية" الحكومية أن الغارة اسفرت عن مقتل أربعين" من مسلحي "داعش" على الأقل.
وفي ناحية العلم الواقعة شرق مدينة تكريت، قتلت مستشارة محافظ صلاح الدين الشيخة أمية ناجي الجبارة بنيران قناص أثناء هجوم شنه مسلحون في محاولة للسيطرة على الناحية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد