الأردن وإسرائيل، انقلاب المعادلات
«إسرائيل ستساهم في حفظ استقرار الأردن على أن يتم ذلك بالتنسيق مع دول المنطقة المعنية وأميركا». في تصريح أفيغدور ليبرمان هذا عرضٌ لإشراكها، من الخاصرة الأردنية المستهدَفة، في ملفات الصراعات والمفاوضات الإقليمية. إسرائيل المعزولة عن تلك الملفات، تخشى تشكّل حلف واقعي في مواجهة خطر «داعش»، يجمع واشنطن وموسكو وطهران ودمشق وبغداد وعمّان، ولا يترك مكاناً لإسرائيل على هامشه.
يمكننا أن نلاحظ، هنا، أن الأميركيين يغضّون البصر عن قيام سلاح الجو السوري بقصف أهداف داعشية داخل العراق الذي تسلّم دفعة أولى من طائرات سوخوي الروسية بموافقة أميركية؛ ما يثير الإسرائيليين أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية يستجير لا بإسرائيل، بل بقبائل «شمّر» لمساعدة العراقيين ضد «داعش»؛ في الواقع إن رجال «شمّر» أقدر على القيام بهذه المهمة من الجيش الإسرائيلي الجبّار، فما بالك بالجيش الأردني، والعشائر الأردنية التي يمكن تحويلها إلى قوة ضاربة أساسية مع انتشار أكثر من مئة ألف متقاعد عسكري رفيعي التدريب، ما زالوا قادرين على حمل السلاح في كل أنحاء البلد؟ إن التهديد الداعشي، بطبيعته وبنيته القبلية ــــ الدينية، لا يمكن مواجهته بمجرد القصف الجوي لسلاح جو متفوّق؛ على هذه الجبهة، المواجهة معقدة للغاية، ولا يمكن انجازها من دون مشاة مقاتلين معبأين، وخصوصاً من دون العشائر، بتحصينها وإشراكها في المعركة. هنا، ليس لدى الإسرائيليين ما يقدمونه.
مناورة ليبرمان المثيرة للسخرية، تقابلها خطورة التسريب الذي نشرته «يديعوت أحرنوت» عن «جهات أمنية»، ويعتبر أن «خط الدفاع عن إسرائيل يبدأ من الحدود الأردنية العراقية، وينتهي في البحر المتوسط». يعني ذلك إعلاناً أولياً بأن تل أبيب تعتبر أراضي المملكة بكاملها، جزءاً من منطقة دفاعها، وأنها تمنح لنفسها الحق، تالياً، بالتدخل العسكري والأمني في البلد، بحجة حماية أمن إسرائيل، ضدّ من؟
ضمن كل الحسابات الميدانية، لا يمكن لمقاتلي «داعش»، تجاوز الحدود العراقية ــــ الأردنية، للقيام بنشاطات عسكرية؛ المسافات شاسعة والصحراء وتمترس القوات المسلحة الأردنية على الحدود، يجعل من هكذا تهديد غير واقعي، طالما لم يحدث انهيار أمني داخلي؛ «داعش»، إذا لم يجر استيعاب خطرها في العراق وسوريا، فهي ستنبثق من داخل الأردن، حيث البيئة الاقتصادية الاجتماعية الثقافية مهيأة، والتأييد حاضر، والتنظيم موجود بالفعل ويستطيع، لعوامل محلية وبسبب عنفيته وثرائه، أن يضم إلى صفوفه آلاف السلفيين الجهاديين، سواء من المقيمين في الأردن أو العائدين من سوريا. إسرائيل، بالطبع، لا تخشى «داعش» نفسها، فالإرهاب التكفيري حليف موضوعي للإسرائيليين، ولكنها تخشى انفلات الحدود الطويلة والسهلة مع الأردن الذي يمور بالتيارات السياسية المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل؛ إسرائيل تتحسّب من هذه اللحظة، وتفكّر هي، أيضا، باستثمارها بالتوسع ، شرقي النهر، وإقامة سياق لهجرة فلسطينية جديدة من الأراضي المحتلة؛ وبالموازاة، تشهد هذه الأراضي تصعيدا إسرائيليا هدفه كبح جماح الفلسطينيين، ولجمهم في ظل التطورات الإقليمية غير المحسوبة.
التهديد الخارجي الأخطر لاستقرار الأردن، لا يأتي من سوريا، ولا من العراق، بل من إسرائيل الماضية في سياسات واجراءات هدفها الرئيسي دفع المزيد من مواطني الضفة الغربية للهجرة شرقي النهر؛ فالأردن، بالنسبة إليها، هو الوطن البديل المعدّ لتصفية القضية الفلسطينية.
من المؤسف أن مطبخ القرار الأردني، لم يطرح، بعد، رؤية للتحديات في ضوء المستجدات؛ يفكّر، حتى الآن، بالإجراءات الأمنية والعسكرية على الحدود السورية والعراقية، ولا يرى، أقله علناً، المشهد الجديد المتكوّن في المنطقة؛ ففي مقابل الخطر الداعشي في العراق، حصل الأردن على مرتكزات قلبت، لأول مرة منذ معاهدة وادي عربة 1994، ميزان القوى لصالحه ضد إسرائيل. هناك، أولاً، صمود سوريا والمقاومة، وثانياً، نشوء نظام سياسي جديد في مصر، يشكل قطيعة موضوعية مع كامب ديفيد، سواء لجهة عودة الجيش المصري إلى سيناء بغطاء إقليمي ودولي، ومعه عودة القاهرة إلى بناء سياسة خارجية مستقلة إزاء إسرائيل، استقلالاً لم يعد مفرٌ منه للقيام بدور خارجي، وثالثاً ما تشهده المنطقة الآن من تكوّن تحالف معاد للإرهاب، بعضوية الأردن وجيشه، بينما تمكث إسرائيل خارجه.
صمود سوريا / المقاومة، وتراجع إطار كامب ديفيد والحاجة الأمنية، الدولية والإقليمية، للجيش الأردني؛ إنها ثلاثة عناصر تسمح لعمّان بإعادة ترتيب علاقاتها مع تل أبيب، بما يخدم المصالح الأردنية والفلسطينية، ويلجم الإسرائيليين، المعزولين على الحدود المصرية، المهددين على الحدود اللبنانية السورية، الجالسين على برميل بارود فلسطيني. حتى الآن، يمارس النظام الأردني شعوره بتنامي قوته إزاء إسرائيل عن طريق إهمالها، وقطع الاتصالات الجوهرية معها، لكن من دون خطوات أخرى، كالتي تم انجازها لتصحيح العلاقات مع السعودية مثل الطلب من ممثلي الفصائل السورية المسلحة مغادرة البلاد فوراً، والشروع في تنسيق أمني كثيف مع سوريا.
إذا كانت معاهدة وادي عربة، تعني، في جوهرها، مبادلة الأمن لصالح الأردن بالسلام وتبعاته لصالح إسرائيل، فإن انضواء الأردن في جبهة مضادة للإرهاب، بما في ذلك انخراط الاستخبارات والجيش في عمليات داخل العراق وسوريا، يُرسل بتلك المعاهدة، موضوعياً، إلى الأرشيف؛ لقد انقلبت المعادلة الأمنية الاستراتيجية، دولياً وإقليمياً، وسيكون على عمان، لترجمة ذلك الانقلاب سياسياً، الشروع في التحصين الاجتماعي السياسي الداخلي، خصوصاً لجهة اتباع سياسات والقيام بإجراءات تحدّ وتوقف تهميش المحافظات والعشائر والمتقاعدين العسكريين.
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد