الاختراق السوري الثاني أوروبياً: حراك وارتباك في نيويورك
سجلت العلاقات الأوروبية السورية الاختراق الثاني أمس بلقاء وزير الخارجية السورية وليد المعلم بنظيره القبرصي لوانيس كاسوليدس، وذلك للمرة الأولى على هذا المستوى منذ أربع سنوات، بعد لقاء مشابه عقده يوم أمس الأول مع الرئيس التشيكي ميلوس زيمان، في الاختراق العلني الأول من نوعه على مستوى العلاقات السورية الأوروبية.
وأبدى زيمان «موقف بلاده الداعم للشعب السوري وحكومته الشرعية» وفقاً لما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية - «سانا»، فيما شدد المعلم على «أولوية مكافحة الإرهاب وضرورة تعاون المجتمع الدولي في التقيد بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة لمكافحة الإرهاب، وإلزام الدول التي تدعم وتسلح التنظيمات الإرهابية بوقف ذلك».
والتقى المعلم إلى جانب زيمان أمس الأول برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كما التقى بنظيريه العراقي والسوداني.
إلا أن الاختراق الثاني أوروبيا يتمثل بلقاء كاسوليدس، الذي تقيم بلاده علاقات جيدة مع سوريا، ولا سيما بعد تردي العلاقة السورية - التركية، ما يوحي بترجيح المزيد من كفة الحوار الأوروبي مع دمشق، ولا سيما أن قبرص هي الأقرب جغرافياً بين دول أوروبا، ويمكن أن تخضع لتأثيرات الحرب في سوريا، وإن ظلت حتى الآن بعيدة نسبياً عن مضاعفاتها، ولا سيما في ما يتعلق باللاجئين الذين يبحثون عن بلدان أكثر غنى واستقراراً في القارة الأوروبية.
بدورها أخضعت دمشق العلاقات القبرصية ـ السورية للعامل التركي، بشكل شبيه بما جرى مع أرمينيا مؤخراً، فحددت العلاقة مع نيقوسيا وتوسعت نسبياً في العلاقة مع «جمهورية الشمال»، عبر التغاضي عن تنظيم خطوط نقل بحري سياحية إليها في نهاية العقد الماضي».
ويستفيد الطرفان من لقاء المعلم ـ كاسوليدس أيضاً لاجتماع البلدين حول «مخاطر وجود طموحات توسعية لعدو واحد» تراه دمشق يهدد حدودها الشمالية الشرقية، مثلما هو الأمر مع قبرص.
ووفقاً لما قاله ديبلوماسي عربي مقيم في نيويورك، فإن اختراقات من هذا النوع، هي للتأكيد انه ليس ثمة رأي دولي واحد أو توجه دولي واحد اتجاه الأزمة السورية. وقال إن «الاختلاف الموجود يحجبه أحياناً النفوذ الأميركي على مجمل الأطراف»، إلا أنه «يحظى باختراقات بين الحين والآخر»، مشيراً إلى أن «الاختراقات بدورها تكون مبرمجة أحياناً، ومن دول ضعيفة التأثير أو شبه محايدة لقدرتها المرنة على الانعطاف أو حتى لجس النبض».
ويضع الديبلوماسي التصريحات المتناقضة بين «الساعة والأخرى» الصادرة في نيويورك في إطار هذا التفسير، على الرغم من «اليقين بأن اختراقات على مستوى العملية السياسية ما زالت غير منظورة».
ويضع الديبلوماسي «التصريحات ونقيضها من مصدر واحد أحياناً، والتصعيد ومن ثم التخفيف» الذي تشهده منابر الأمم المتحدة حالياً، في إطار «محاولة الديبلوماسيات الموجودة هضم ما طرأ مؤخراً على الساحة الدولية في ما يتعلق بسوريا».
ويضع ضمن هذا الإطار التحركات الروسية الأخيرة، ومبادرة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، مع تصاعد تهديدات الإرهاب الدولي، وموجات اللاجئين والمهاجرين معاً، كما الحرب على اليمن.
ووفقا للتقييم ذاته، فإن الانقسام لم يعد خافياً في صفوف مختلف الكتل، فليس ثمة توافق خليجي على السياسة بشأن سوريا الآن، إذ تقف كل من عمان والكويت والإمارات على مسافات متقاربة من بعضها البعض على خلاف قطر والسعودية.
كما تنفرد دول، مثل تشيكيا وقبرص والنمسا وإسبانيا، بنظرتها للعلاقة مع دمشق، وتتقدم ألمانيا في هذا الاتجاه بخلاف فرنسا وبريطانيا، والأمر ذاته في ما يخص الوضع العربي، الذي كان الانقسام صفته منذ اليوم الأول.
وعموماً ثمة اتفاق على أن تنظيم «داعش» خطر كبير ومستجد. ويقول ديبلوماسي مقيم في نيويورك إن ثلاثة اجتماعات دولية حصلت أمس الأول لمناقشة خطر «داعش» وكيفية مواجهته، أحدها برعاية الولايات المتحدة، قاطعه الروس، الذين أعلنوا عن رغبتهم في إصدار بيان رئاسي حول «مكافحة الإرهاب» في مجلس الأمن، الذي تترأس دورته موسكو حالياً، وهو أمر أعاقه الأميركيون، فتم الاكتفاء بالنقاش.
ويبدي مسؤول سوري تخوفه من أن يكون ثمة من يرغب في إطالة «مسألة الحرب على الإرهاب 30 سنة أخرى، بهدف التغطية على الأزمة السورية من جهة، ولأن الروس هم من طرح استراتيجية عريضة وفعَّالة لمحاربته من جهة أخرى»، وذلك في إشارة لما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه منذ أيام، حيال إيجاد تحالف لمواجهة الإرهاب الدولي شبيه بالتحالف ضد النازية.
ومعروف أن إحدى أكبر العقد تتمثل في العلاقة مع دمشق، ودور الرئيس بشار الأسد في أية تسوية سياسية مقبلة. ورد المعلم، لحظة وصوله إلى نيويورك حيث يلقي خطاب سوريا غداً، على تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، مؤكداً أن «على أوباما وعلى مسؤولين آخرين أن يفهموا أن الشعب السوري وحده هو صاحب القرار في تقرير مستقبله، وقد قلت هذا الكلام منذ مؤتمر جنيف 2 للوزير جون كيري وأكرره الآن، لا أوباما ولا غيره قادر على أن يحدد خيار الشعب السوري».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد