زيباري ينقل تطمينات خطية ... والأسد يحذر من مؤامرات
حمل وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري، تطمينات خطية الى الجانب السوري بأن العراق لن يكون قاعدة لاستهداف سوريا، رغم أنه ربط بين عدم تكرارها وتوقيع المعاهدة الاستراتيجية مع واشنطن، فيما رأى نظيره وليد المعلم أن التسريبات عن عثور الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آثار يورانيوم في موقع الكبر السوري، الذي قصفه الطيران الإسرائيلي، تمثل حملة »تهدف إلى إيجاد ورقة ضغط سياسي« على دمشق، موضحاً أن »اليورانيوم، إن وجد، جاء من المقذوفات الإسرائيلية«.
وتضمنت الرسالة الخطية لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، التي نقلها زيباري إلى الرئيس بشار الأسد، تأكيدات أن العراق لن يكون نقطة انطلاق لمهاجمة أي دولة من دول الجوار تحت أي ظرف من الظروف، وبألا تتضمن المعاهدة الاستراتيجية مع واشنطن »ما يمكن أن يفسر في أي حال من الأحوال بما يمس مصالح الأمن في عموم دول الجوار«. والرسالة تتعلق أيضا »بالعلاقات بين البلدين وآفاق تعزيزها، وآخر التطورات.. لا سيما المفاوضات حول اتفاقية تنظيم انسحاب القوات الأميركية من العراق والعدوان الأميركي على الأراضي السورية«.
وحرص الجانبان السوري والعراقي على التأكيد على حسن العلاقات بينهما. ووجه الأسد دعوة للمالكي لزيارة دمشق، فيما قالت مصادر دبلوماسية غربية إن دمشق وجهت دعوات للدول المعنية في اجتماع اللجنة الأمنية الموسع لدول جوار العراق، الذي يعقد في دمشق في ٢٢ تشرين الثاني الحالي، وعادة ما يحضره ممثلون عن السفارة الأميركية في بغداد.
وقد أكد الأسد »أن سوريا لم ولن تألوَ جهداً في سبيل عودة الاستقرار إلى العراق وتحقيق المصالحة الوطنية بين أبنائه«، مجددا الحرص على »تمتين العلاقات مع العراق الشقيق في جميع المجالات، بما يحقق مصلحة الشعبين الشقيقين وحرصهما على الوقوف في وجه المؤامرات التي تعبث بأمن المنطقة واستقرارها«، فيما عبر زيباري »عن تقدير بلاده الكبير للجهود التي قامت وتقوم بها سوريا للحفاظ على أمن العراق واستقراره، وللأعباء الكبيرة التي تتحملها جراء استضافتها المهجرين العراقيين«.
في مؤتمر صحافي مشترك مع زيباري، قال المعلم إن المحادثات تناولت »العدوان الأميركي على قرية بالقرب من البوكمال واستشهد فيه ثمانية مدنيين سوريين«، مشيرا إلى أن موقف الحكومة العراقية كان »واضحاً من هذا العدوان الغاشم، حيث كانت وجهات النظر متفقة على إدانته«، بينما ذكر زيباري أن الجانبين بحثا »الاتفاقية التي تنظم خروج القوات الأميركية من العراق بحلول عام ٢٠١١«.
وفي ما يخص رسالة المالكي، أشار المعلم إلى أنها تضمنت »تأكيداً أن العراق لن يكون ممراً، ولا تستخدم أراضيه للعدوان على دول الجوار، وبالطبع سوريا، مهما كانت الظروف«، مشددا على أن »هذه نقطة أساسية في العلاقة بين البلدين«. وقد وصف زيباري اللقاء مع الأسد بأنه »كان صريحاً وواضحاً وعميقاً أيضاً، وبُحثت خلاله كل أوجه العلاقات الثنائية بين الشعبين الشقيقين والقضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية«.
وأشار الوزير العراقي إلى أن الرسالة التي حملها »توضيح لموقف العراق، والمدى الذي وصلت إليه المباحثات بين الجانب العراقي والأميركي حول وضعية القوات الأميركية في العراق، وجاء في الرسالة تأكيد واضح وصريح بأنه لن تكون هناك قواعد دائمة في العراق للقوات الأميركية، وأنه لن يُستخدم منطلقاً أو قاعدة أو ممراً للاعتداء على أية دولة من دول جوار العراق«.
وأشار زيباري إلى انه شرح للمسؤولين السوريين المراحل التي توصل إليها الجانبان في »المعاهدة«، موضحاً أنها »صيغة شبه نهائية معروضة لإقرارها من قبل القيادات السياسية العراقية، وهي تحتاج من دون شك إلى إجماع وطني، والقرار النهائي كما أوضحنا للمسؤولين في دمشق سيعود الى مجلس النواب«، متوقعاً أن تُبتّ الاتفاقية خلال الشهر الحالي.
وبخصوص الغارة الأميركية على سوريا، قال زيباري »أوضحنا موقف الحكومة العراقية، وأنها رفضت هذه الغارة على موقع سوري داخل الأراضي السورية، وأن الحكومة العراقية لم تُستشر ولم تتم بعلمها لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الرفض جاء نتيجة لسياسة الحكومة وللدستور الذي يؤكد بشكل صريح بأن العراق لن يستخدم إطلاقاً للاعتداء على أية دولة من دول الجوار«، مشيراً إلى أنه أوضح للمسؤولين السوريين »نتائج تحقيقاتنا مع الجانب الأميركي وما توصلنا إليه«.
وأعلن أن الأسد وجه دعوة للمالكي لزيارة دمشق، مضيفاً »نحن حريصون كل الحرص على هذه العلاقة المهمة والاستراتيجية، واتفقنا على أن هذه الحادثة وبقية الحوادث التي تحدث على الحدود تؤكد الحاجة لتنسيق أمني موسع، وحصلنا على تطمينات بأن سوريا مستعدة لبحث هذه الأمور فنياً«.
واستبعد زيباري تقديم ضمانات لعدم تكرر الغارة قبل توقيع المعاهدة. وقال »في تقديري أن الضمانات الأساسية هي في اتفاقية تحدد عمل هذه القوات«. وأضاف »هذه أحداث خارجة عن سيطرتنا. لو كان هناك اتفاقية لم يكن ليحصل ما حصل. حصلنا على تطمينات من الجانب الأميركي بعد التحقيقات بأن الهدف كان هدفا عراقيا أمنيا، وأننا لم نكن على اطلاع أو معرفة إطلاقا«.
من جهته، قال المعلم »تخيلوا كيف سيكون وضع العلاقات الدولية إذا كان كل بلد سيستخدم طائراته وصواريخه للبحث عن شخص مطلوب في بلد آخر أو في مكان آخر. أليس هذا مجتمع الغابة؟ كانت هناك وسائل وطرق أخرى، خاصة أن الاسم الذي سمعناه متداول من قبل الأمم المتحدة ونحن أجبناها ولدينا وثيقة في مجلس الأمن حول هذا الموضوع، بمعنى أننا كنا متفاعلين إيجابيا«.
وعن التحدي الذي تمثله الحدود بين البلدين، شدد زيباري على أن »الحادث أكد الحاجة القصوى لمزيد من التعاون والتنسيق الأمني بين الأجهزة (السورية والعراقية) لمكافحة الإرهاب. نحن حاولنا أن نتجاوز الأزمة ونتغلب على التوتر«، فيما رأى المعلم أن القلق من الإرهاب العابر للحدود »قائم دوماً.. ان كان من قبل تنظيم القاعدة في العراق، أو المتطرفين في شمال لبنان، خصوصا أن الجغرافيا جعلت من سوريا موقعاً للتنقل، لكن الحقيقة أن ضبط الحدود مع العراق من طرف واحد غير ممكن«.
وأوضح زيباري أن تصريحات »رئيس« إقليم كردستان مسعود البرزاني حول استعداده لاستقبال القوات الأميركية في إقليمه إذا رفض العراق المعاهدة، جاءت ردا على سؤال افتراضي. وكرر قول الرئيس العراقي جلال الطالباني بأن هذا القرار يعود اتخاذه الى الحكومة المركزية.
من جهة اخرى، وردا على سؤال عن التقارير التي سُرّبت مؤخرا عن عمل وكالة الطاقة الذرية، وحديث دبلوماسيين عن اكتشاف يورانيوم في موقع الكبر السوري في دير الزور، أبدى المعلم استغرابه من »انجرار« بعض وسائل الإعلام العربية التي حاولت أن »تبرر« الغارة الإسرائيلية على الموقع، وكأنها »تحرير فلسطين«. ورأى أن »هذه الحملة، والتسريب الذي صدر من بعض الدبلوماسيين الغربيين، وقبيل أن يقدم (المدير العام للوكالة محمد) البرادعي تقريره إلى مجلس المحافظين، مؤشر على أن هدف الحملة الإعلامية، وهذا العمل برمته، هو إيجاد ورقة ضغط على سوريا، بمعنى أن الموضوع ليس تقنيا بل هو سياسي«.
وأضاف الوزير السوري »إذا عدتم إلى أساس الشكوى الأميركية التي قدمت إلى الوكالة الذرية بعد سبعة أشهر على الغارة الإسرائيلية، فهي تقول إنه مفاعل قيد الإنشاء، ولم تقل إنه قيد التشغيل، فالسؤال الذي يطرح نفسه، فمن أين جاءت ذرات هذا اليورانيوم المخصب؟ ألم يسأل أحد ما نوع المقذوفات الإسرائيلية، وماذا تحتوي لدى تدمير هذا المبنى، وألم يسأل أحد الإعلاميين أن للولايات المتحدة وإسرائيل سوابق في استعمال اليورانيوم المخصب في قذائفهم، إن كان في العراق أو جنوب لبنان أو أفغانستان؟ ونقول إننا ننتظر تقرير البرادعي لنقدم ردا عليه«.
وعن العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة، قال المعلم إن »الشعب الأميركي اختار التغيير، ولكن ماذا سيشمل هذا التغيير؟«. وتساءل »هل ستكون من أولويات الإدارة عملية السلام؟ نحن في المنطقة لا نريد سوى الموضوعية من الإدارة المقبلة، ونعلم أن علاقتها مع إسرائيل علاقة استراتيجية، ولكن إذا أرادت صنع السلام فإن النزاهة والموضوعية مطلوبتان من أي وسيط في هذا الصدد«.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد