المغنيات السوريات أسيرات الشللية الموسيقية الجديدة
أكثر من غياب تسجله الأغنية السورية اليوم، فبعد انقضاء عصر الإذاعة التي خرّجت الكثير من الأصوات الغنائية.
بالاعتماد آنذاك على المعهد الموسيقي الشرقي الذي أسسه فخري البارودي أواخر أربعينيات القرن الفائت، مرحلة يصفها البعض بالزمن الجميل للأغنية السورية التي قدمت أصواتها، على نحو زكية حمدان، مها الجابري، كروان، إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم (28) لعام 1990 بإحداث معهد عالٍ للموسيقا بدمشق، وهو مرسوم أعطى فكرة جيدة عن اهتمام الدولة بالفن الموسيقي، حيث جاء في نص مادته الثانية «تعليم أصول الغناء الفردي والجماعي، العربي والعالمي وإعداد باحثين موسيقيين وخاصة في الموسيقا العربية..» ..لكن ما الذي حدث بعد عشرين عاماً على تأسيس المعهد الذي أعطى أولوية كبرى للموسيقا الكلاسيكية من غناء أوبرالي وغيره على حساب الموسيقا العربية، أدى فيما بعد إلى غياب مستمر لمناهج تعليم الغناء الشرقي، وتفضيل الموسيقا الغربية على كل ما يمت بالغناء العربي، الغريب في الأمر أن أغنية اليوم هي على الأغلب مزيج غريب عجيب من موسيقا الجاز والروك والتكنو، فمنذ إطلاق مجموعة من الموسيقيين السوريين لمفهوم الموسيقا البديلة على أغلفة ألبوماتهم مطلع الألفين، ومن ثم تنكرهم لهذا المفهوم، لم تجد الموسيقا الشرقية من ينتصر لها في قاعات المعهد العالي للموسيقا، باستثناءات تكاد تكون نادرة، ومع غياب منهاج واضح لتدريس الموسيقا الشرقية في المعهد، وحلول أصول الغناء الأوبرالي كتعويض لهذا النقص، تقول المغنية «ليندا بيطار» خريجة المعهد العالي 2007: «لا يوجد منهاج لا للغناء الشرقي ولا لمعظم الآلات الشرقية، فالمعهد قام على تدريس الموسيقا الكلاسيكية، والأساتذة ينظرون إلى الموسيقا الشرقية نظرة دونية، مع أن الأوروبيين يعتبرونها أهم من موسيقاهم، ويهتمون بها كثيراً»، وتتساءل بيطار «لماذا لا نستفيد من المنهاج الذي وضع لتدريس الطلاب في معهد «صباح فخري» في حلب، لقد اطلعتُ عليه وهو منهاج مهم جداً في أصول الغناء الشرقي».
رغم النظرة السلبية نحو الموسيقا الشرقية إلا أن المعهد عندما يشارك بحفلات موسيقية في أوروبا يبعث بفرق للغناء الشرقي، تقول «بيطار»: « بالنسبة لي لا أميل لغناء الجاز و الروك، ومع أنني درست سنتين غناء أوبرا، إلا أنني وجدت نفسي كمغنية شرقي، فأنا بذلك أستطيع أن أقدم ما أحبه، المشكلة الأساسية أن مغني الشرقي في المعهد لا يعرف شيئاً عن المقامات، ولولا اجتهادي الشخصي لما تعرفت على مبادئ هذا الغناء، فطالبة الغناء الشرقي يجب أن تتعلم الارتجال والمواويل والتحويل من مقام إلى آخر، من دون ارتكاب أخطاء.
رغم أن رئيسة قسم الغناء الشرقي «لبانة قنطار» تبذل جهداً كبيراً في تدريب الطلاب على /إخراج الصوت والتنفس/ إلا أن ذلك ليس كافياً في غياب أستاذ المقامات الشرقية، فكل طلاب الغناء الشرقي مطالبون في مادة إخراج الصوت أن يغنوا مثل بعضهم من دون أن يغني أحد بخامته ولمساته الخاصة، خذ مثلاً مغنيات الأوبرا كلهن يغنين غناءً شرقياً بالطريقة نفسها من دون امتلاك الشخصية الخاصة بهن».
أزمة هوية في الغناء السوري
تاريخ الأكاديمية الموسيقية بدأت في المعهد العالي للموسيقا عام 1990إذ كانت «لبانة قنطار» أولى خريجات الغناء الأوبرالي مع زميلتيها «وفاء سفر» و«نعمى عمران» حيث تعلمن أصول الغناء الأوبرالي، ولم تسع المغنيات الثلاث عندها إلى الشهرة والمال، فابتعدن عن جو الحفلات والسهرات الليلية، وعن ذائقة جمهور يعتبر المطرب أو المغني جزءاً من عشائه، تقول «قنطار» التي اختيرت كواحدة من أفضل خمس مغنيات أوبرا في العالم بعد فوزها في مسابقة الملكة «إليزابيث» في بلجيكا 2000: «هناك مشكلة هوية في الغناء السوري وهناك قطيعة بين جيل مغنيات الأمس واليوم، وهذا يعتمد على العلاقات العامة والترويج للفنان أو الفنانة، فنحن متخلفون للحاق بركب الحياة الموسيقية بشكلها الأكاديمي التي بدأت في مصر قبل مئة سنة بتأسيس أوبرا قصر النيل، والفارق بيننا وبينهم أربعون عاماً، مسألة الهوية في الغناء السوري مسألة شائكة، إلا أننا استطعنا في المعهد أن نفتتح قسماً للغناء العربي منذ خمس سنوات وصار هناك مدرسة لتعليم أساليب وتقنيات الغناء العربي، استطعت من خلالها أن أقترح طريقة لها علاقة بأهمية الصوت وإصداره مستفيدة من دراستي للأوبرا»، وتضيف «قنطار»: «الأغنية السورية غير موجودة، لأنه ليس لدينا ملحن قادر على تقديم أغنية سورية حقيقية فيها كلام متداول وعميق في الآن ذاته، ولديه إمكانيات التأثير في الناس، أضف إلى أن اللحن السوري اليوم بعيد عن مجتمعه كل البعد ويعتمد على الثيمات التركية والهندية، وفق خليط غير متجانس، هناك شيء غريب يحدث لموسيقانا، خذ مثلاً «لينا شاماميان» التي درستها أصول الغناء الأوبرالي لمدة ثلاث سنوات لكنني لا أعتبرها مغنية أوبرا، فهي لم تقدم ولا حفلة أوبرالية على المسرح، وما تؤديه اليوم في أغنياتها هو تطعيم للموسيقا الأرمنية مع أغان سورية فولكلورية، وهذا ليس أغنية تراثية، بل يعبر عن رؤيتها وفهمها الشخصي لموسيقا تريد تقديمها بشكل مختلف، والناس اليوم تتشرب كل ما يقدم لها لأنها في حالة عطش، لكن ما يقدم ليس نتاجاً للمجتمع والثقافة السورية، فمن هو القادر اليوم على تأليف أغنية تعبّر عن واقعنا الثقافي والاجتماعي، من دون اجترار للأغنية الشعبية..».
غياب المؤلف الموسيقي السوري لم يقف في وجه «لينا شاماميان» التي اتكأت فيما تقدمه على الفولكلور الشعبي، مرة في ألبومها الأول «ها الأسمر اللون»، وأخرى في ألبومها الثاني «شامات»، لذلك تعلق «شاماميان»: «ما أشتغل عليه له علاقة بما يسمى «موسيقا العالم» أو «موسيقا الشعوب» بالعمل على الأغنيات القديمة وطرحها بطريقة معاصرة، وهذا النوع هو نمط موسيقي قائم بحد ذاته شاركت فيه في كل مهرجانات العالم، فأنا أشتغل على الفلكلور المعاصر، ولست مع من يغيرون في مخارج الحرف العربي ليصبح على مخارج حروف الأغنيات الأجنبية التي يلحنون عليها ألبوماتهم..، الموسيقا التي أشتغل عليها موجودة رغم كل مايقال، خذ مثلاً مغنية فلسطينية مثل «ريم البنا» اشتغلت على أغاني الفلكلور الفلسطيني وحولتها إلى حالة من النضال الثقافي للتأكيد على هويتها العربية، المشكلة أن هناك أشخاصاً لا يعرفون ولا يريدون أن يعترفوا بعمل الآخر، ومعايير النجاح هنا هي الحفلات التي أقمتها والألبومات التي أصدرتها، فلا يكفي أن أقدم موسيقا لا يسمعها أحد». وبشأن غياب منهاج خاص بالغناء الشرقي تضيف «لينا»: «ليس هناك منهاج للموسيقا الشرقية السورية كمثيلاتها من المدارس المغربية والتركية والعراقية التي لها أصول عريقة في هذا النوع من الغناء، فنحن لا نملك منهاجاً أكاديمياً، ومغني الشرقي لا يحتاج فقط إلى دراسة الصولفيج بل إلى دراسة الآلة، إضافة إلى افتقادنا إلى خبراء آلات شرقية، و إلى باحثين موسيقيين في المقامات الشرقية، فكل شيء يخضع لمعيار شخصي، كما لا يوجد اهتمام بالموسيقا التي نؤديها أحياناً في حفلات تكريم مغنيات سوريات كأسمهان وزكية حمدان».
المغنيات يبحثن عن مؤلف
يبدو أن حالة المغنيات السوريات أشبه بشخصيات «لويجي بيرانديللو» التي تبحث عن مؤلف، هذا ما اجتازته «رشا رزق» من خلال تصديها لكتابة وتلحين أغنياتها متجاوزةً القطيعة بين القديم والحديث، فهي كما تقول ليست مع أغنيات البوب العربي الموجودة على الفضائيات، وتصنفها بأنها انعكاس للوضع الثقافي المتردي عربياً، فالأغاني التي تكتب اليوم يجب أن تكون بنت عصرها، تقول «رزق»: «نحن مفلسون، وفي ورطة ثقافية مرعبة، إلا أنني أعتبر ما أقدمه صدمة للمجتمع، لقد مللت الكليشيهات الغنائية المفرغة من أي معنى، نحن بحاجة إلى أغنية ناضجة، وهذه وظيفة الموسيقا الجادة، وليس موسيقا التسلية، أنا لست ضد التراث، لكن ما يقدم اليوم بالشغل على الفولكلور هو نوع من النوستالجيا، ومن الخطأ أن نضع الثقافة في متحف لأن حاضرنا مفلس، من المؤسف أن هناك من يتعربش على هذه الأزمة، ورغم معرفتي للتراث إلا أنني أرفض أن أعيش عليه، هذا ما أطمح إليه مع فرقة «إطار شمع»، كما أرفض أن يصنف ما أغنيه تحت مفهوم (الموسيقا البديلة)» إنه مفهوم روجته الصحافة، تتساءل «رزق»: «يجب أن نقدم هذه حداثة موسيقية مغايرة، فقلبي محترق على الثقافة السورية، وعلى جمهور يستأهل أن نقدم له شيئاً جديداً أسوةً بالحداثة التي استطاع الفنان التشكيلي السوري أن يقدمها في لوحته»، لكنها في الوقت ذاته تقول: «إن موسيقانا ليست للعامة، يا أخي نحن نخبويون..»
«لكن ما هو معيار النخبوية أصلاً؟» تتساءل «شاماميان» «قبل أن ننتقد الآخرين، علينا انتقاد أنفسنا، فأنت هنا تبرر فشلك عندما تقسو على الناس، والمشكلة أن من يهاجم التراث، لا يعرف ما هو هذا التراث والفلكلور أصلاً، متهماً إياه بالقديم، فالتراث يحمل تطور المجتمع، إنه يأتي بالتراكم وهذا ما طرحته على مدى سنوات، خذ مثلاً ما فعله الموسيقي الأرمني «غومي داس» الذي جمع موسيقا أرمينيا وأعاد توزيعها وحافظ عليها بتدوينها، المشكلة الحقيقية هو كيف نفهم الحداثة، لذلك عملت في فرنسا في إطار ورشات عمل على موسيقا شعوب البحر المتوسط، لكن ما هو غائب لدينا حتى الآن هو أصول الغناء الشرقي، فمثلاً في تركيا حتى يستطيع المغني الشرقي أن يصل إلى مرتبة الاحتراف يجب أن يدرس الإيقاعات والأدوار، والموشحات، وأصغر تفاصيل الآلات الموسيقية الشرقية، في حين أن طالب الغناء عندنا مضطر أن يؤدي كل الأنماط الموسيقية من روك وكلاسيك وجاز حتى يثبت موهبته».
من يدعم المواهب؟!
إذا كانت مغنيات اليوم يقدمن أصواتهن عبر أكثر من نمط موسيقي إلا أن ذلك وبتصنيف علماء الصوت يؤدي إلى التأثير على قوة الصوت وشخصيته «أراكس شيكيجيان» والتي عملت على تدريس أكثر من مغنية سورية أصول الغناء الأوبرالي تقول: «إن عمر مغنية الشرقي ينتهي في الأربعين»، أما بالنسبة لمفهوم الاحتراف العالمي للعازفين والمغنين يقول المؤلف الموسيقي «معن خليفة»: «لا بد من الاختصاص بنوع واحد من الغناء، لتطوير المهارات وفهم هذا النوع إلى أقصاه، لكن للأسف إن المغنيات السوريات يحتجن إلى الرعاية، إضافةً إلى الخوف عليهن من الغرور الذي يؤدي إلى ضياع الموهبة، إنهن بأمس الحاجة إلى شركات تدعم موهبتهن، كما في العقد الذي وقعته المغنية «شهد برمدا» مع شركة «نينار»، أهم من ذلك، كيف تسوق هذه الشركات لإبداعهن إعلامياً، يجب أن نوقف مصطلح الموسيقا البديلة، التي اخترعت لمهاجمة الفولكلور، فنحن بحاجة للمزيد من المغنين، ويتساءل خليفة: «لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين و نصدر مواهبنا إلى الخارج؟ أين المغنية السورية «إيمان باقي»؟ لقد هاجرت إلى مصر، و«تالار دكرمنجيان» التي تعيش في الخارج أيضاً واستطاعت أن تنافس الأوروبيين في عقر دارهم، مع أنها مغنية آتية من بلدان العالم الثالث، وهل نتذكر «ربا الجمال»... الغناء الشرقي يأتي بالتوارث والمراكمة، لماذا هذه القطيعة بين تراث «ميادة حناوي» ومغنيات اليوم؟ لماذا لا يكون لدينا مغنيات مثل التونسية «كريمة الصقلي» والمصرية «مي فاروق» و«آمال ماهر» واللبنانيتين «ريما خشيش» و«جاهدة وهبة» هؤلاء جميعهن استطعن أن يمزجن الحداثة بالأصالة العربية دون التخلي عن مرجعيتهن، ودون إلغاء الآخر».
الموسيقا العربية يجب أن تأخذ من النبع ولها تراثها وعطرها الخاص كي تستطيع أن تنافس الآخرين، للوصول إلى شخصية لأغنية سورية معاصرة، يؤكد «معن خليفة» أن أي تطور في الموسيقا والأغنية السورية لا يمكن أن يتم دون تفعيل قانون حقوق الملكية الفكرية، فالموسيقا بشكل من أشكالها صناعة وتكمن مسؤولية الأكاديمية في صناعة موسيقي قادر على الاحتراف بشكل واضح لنوع من أنواع الموسيقا سواء كان شرقياً أو كلاسيكاً أو أي نوع آخر «ويرد خليفة على الشكوى من غياب المؤلف السوري» بعدم انفتاح المغنيين والمغنيات السوريين على المواهب التلحينية الكثيرة لدينا، فواجب أصالة نصري مثلاً البحث عن الملحلنين السوريين المغمورين وهذا واجب على الجميع اتباعه، فلايمكن أن نتجاهل الإرث الموسيقي الموجود في لا وعي محبي الموسيقا السورية التي كالأرض والأغصان والماء كنز لابد من اكتشافه» بالمقابل ترفض «لبانة قنطار» التصالح مع كلمة «مغنيات» وتعتبرها إجحاف بحق الكثيرات، وتقول: «المغنيات لسن في المستوى ذاته، فأنا أعرف كل واحدة ماذا قدمت وماذا فعلت كي تصل، وهناك الكثيرات من المغنيات السوريات استفدن من نجاح ثلاث مغنيات، فالمرة الأولى التي توجهت إلينا الأنظار كانت عندما شاركتُ في مسابقة الملكة «إليزابيث»، ليقول جميع من حضر الحفل آنذاك، إن هناك طلاب غناء أقوياء في سورية، لذلك أرفض وضع الجميع في خانة واحدة، هذا ما علمته لطلابي، وما اشتغلت عليه عندما أحضر شهراً كاملاً من أجل حفلة أوبرا، أتساءل حقاً: من هن هؤلاء المغنيات؟ فلا واحدة تشبه الأخرى، وكل واحدة منهن لها تجربتها الخاصة، لذلك جاهدت أنا و«رشا رزق» لتفعيل قسم الغناء الأوبرالي في المعهد، وبرأيي ألا تعطى شهادة المعهد العالي للموسيقا إلا بعد أن تقدم المغنية عدة حفلات وعروض أوبرا على المسرح».
إذا كانت عروض الأوبرا هي الأهم عند رئيسة قسم الغناء الشرقي، فالتجربة الشخصية عند المغنية «شمس إسماعيل» والتمرين الذاتي يعوضها عن الفشل الموجود في تدريس الغناء الشرقي في المعهد كما تقول «إسماعيل» «لا يوجد منهاج لتدريس الموسيقا الشرقية، في حين أن الأوبرا لها مدارسها العريقة، كالروسية والأمريكية»، حاولت «شمس» التي تغني للسيدة فيروز بأن تشتغل على الأغاني الأكثر قرباً من الجمهور، وبنبرة دافئة استطاعت أن تكوّن مع مجموعة من خريجي المعهد فريقها الخاص، إلا أنها تعاني من غياب الرعاية، فقد خطت طريقها خارج قاعات الأكاديمية، لكنها في الوقت ذاته اجتهدت وقدمت الكثير من الحفلات التي لاقت رواجاً عند الجمهور السوري، تقول «إسماعيل»: «رغم أنني لم أسجل ألبوماً واحداً حتى اليوم، إلا أن هناك الكثير من الأغنيات التي أديتها للرحابنة و«زكي ناصيف» وُزعت في كل محلات بيع الأشرطة الموسيقية، وهي عبارة عن حفلات تداولها الناس الذين أحبوا صوتي بطريقة شخصية».
غياب المنهاج
يبدو أن هناك شبه إجماع على غياب المنهاج في تدريس أصول الغناء الشرقي، وهذا ما عبرت عنه المغنية «رغد العنزي» خريجة المعهد العالي للموسيقا 2007 بقولها: «لا يوجد منهاج لدراسة الغناء الشرقي ما اضطرني إلى دراسة الغناء الأوبرالي، كما أن هناك عدم استقرار في كافة المناهج لجميع المواد الموسيقية في المعهد، فلولا شغلي على نفسي لما استطعت أن أؤدي الأغنية التي أحبها، دراستي الأوبرا ليس لها علاقة نهائياً بالغناء الشرقي، لقد اعتمدت على ما سمعته من أجل أن أصبح مغنية شرقي محترفة، بالمقابل لم أقدم حفلات أوبرا فاختصاصي الأساسي هو آلة الفلوت».
وتضيف «العنزي» بأن لديها مشاريع كثيرة ذهبت مع الريح، بسبب الشللية التي تستشري في جو الموسيقا السورية اليوم، وتقول: «حاولت المشاركة مع أكثر من فرقة كمغنية لكن هناك شلة واحدة موجودة وتتكرر في كل الفرق واقفةً في وجه أي وافد جديد، من هنا كل الفرق الصغيرة التي يؤسسها الشباب تشبه بعضها، وغالباً تعمل هذه الفرق في محلات السهر الليلي، فما يهم الجميع هو المال وليس الفن»
فضلت «رغد» أن تغني مع فرقة «حرارة عالية» عندما وجدت ما يشبهها وتتساءل «العنزي»: «أين الهوية اليوم فيما تقدمه المغنية الفلانية من أغاني الروك؟ أين تاريخ سورية الموسيقي فيما تؤديه مغنيات الجاز؟».
اتجاه مختلف ومغاير سلكته «وعد بو حسون» كمطربة تخصصت منذ البداية بغناء الشعر الغزلي والصوفي، فمع صدور أولى أعمالها «صوت الحب» عن (معهد العالم العربي) بدأت مشروعها الفني من ثالوث إبداعي: العزف على العود والغناء والتأليف الموسيقي، وذلك وفق بحث مضنٍ في النصوص الشعرية القديمة، وبعد مشاركتها في أكثر من مهرجان دولي تمكنت «بو حسون» بصوت فخم ومميز أن تسجل حضوراً لافتاً في قصر الحمراء مفتتحة دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، حيث غنت هناك أشعار ولادة وابن زيدون وابن عربي وجلال الدين الرومي تقول «بو حسون»: «اعتمدت على رصيدي الشخصي، ومن الذي سمعته قبل دخولي إلى المعهد، لتكوين ثقافتي الموسيقية، كما أنني درست آلة العود وفق أصول المدرسة الأذربيجانية، وأبحث اليوم عن نصوص للشاعرة الجاهلية (عشرقة المحاربية)» كي أقوم بتلحينها، وتشكو «بو حسون» من غياب ورشات العمل والمدرسين غير الثابتين و غياب الدورات الخارجية لطلاب الغناء الشرقي: «في المغرب هناك مدرسة الموشحات، ولدينا في حلب الكثير من القدود والأندلسيات نستطيع أن نتعرف عليها بطريق الفطرة، لكن ذلك غير مدرج في برامج المعهد، لذلك حاولت أن أجد طريقي الخاص، وجاءت الأغنية الصوفية بمثابة هويتي الإبداعية التي أسستها منذ مشاركتي الأولى في مهرجان «فاس» للموسيقا الروحية، أهم من ذلك أنه يجب على مغنية الشرقي أن تتعلم أصول النطق ولفظ الحروف بشكل صحيح، إضافة إلى تعزيز مشاركاتها الخارجية ومواجهتها للجمهور على خشبة المسرح».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد