سيناريو الدور الأمريكي القادم في اليمن: إلى أين؟

22-03-2010

سيناريو الدور الأمريكي القادم في اليمن: إلى أين؟

الجمل: تزايدت في الآونة الأخيرة اهتمامات الإدارة الأميركية بالتطورات الجارية والمحتملة في مسارات الأزمة السياسية اليمنية, وفي هذا الخصوص, فقد تواترت تصريحات بعض كبار المسئولين الأميركيين, حول الوضع الأزموي الخاص بالملف اليمني, ومدى تأثيرات ذلك على المصالح الأميركية في المنطقة, إضافة إلى مستقبل العلاقات الأميركية-اليمنية: فما هي حقيقة النوايا الأميركالرئيس اليمني علي عبد الله صالحية الجديدة إزاء اليمن؟ وما هي طبيعة توجهات واشنطن الجديدة المتوقعة إزاء اليمن؟
النوايا الأميركية الجديدة إزاء الملف اليمني: ماذا تقول المعلومات؟
تطرقت بعض التقارير الأخبارية الجارية, وبعض التحليلات السياسية على ما أطلق عليه بعض الخبراء تسمية "الاستراتيجية الأميركية الخاصة باليمن" وباستعراض المعلومات الجديدة, والتسريبات الأميركية, نشير إلى الوقائع الآتية:
لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي: عقدت اللجنة اجتماعا مخصصا لجهة الاستماع إلى إفادات الخبير فريدريك كاغان, هذا, وقد تطرق كاغان في إفادته إلى أن اليمن, يعاني حاليا من أزمة سياسية مستفحلة, تتداخل فيها العديد من المكونات التي يصعب اختراقها بسهولة, وأضاف كاغان قائلا, بأن تعقيدات الأزمة اليمنية خلقت مشهدا لأزمة, أصبحت تبدو, وكأنما سوف تستمر لفترة طويلة قادمة وبلا حل.
اقترح كاغان, على لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي, بضرورة وضع خطة أميركية تقوم على دعم اليمن وفقا لسبعة خطوط, هي:
• مساعدة الحكومة اليمنية الحالية لجهة القيام بترميم وبناء شرعيتها وقوتها السيادية الرمزية, وصولا إلى بناء الثقة بين اليمنيين الجنوبيين والحكومة, واليمنيين الشماليين والحكومة.
• مساعدة الحكومة اليمنية الحالية على حماية أجهزة الحكومة والدولة من خطر تغلغل الجماعات السلفية والعناصر الأصولية المتطرفة.
• التعاون مع الحكومة اليمنية الحالية في عملية تفكيك شبكة تنظيم القاعدة التي أصبحت أكثر تمركزا في اليمن عن بقية بلدان المنطقة.
• دعم عملية تطوير قدرات أجهزة الأمن اليمنية لجهة الاضطلاع بأعباء ومسئوليات محاربة تنظيم القاعدة والجماعات الأصولية الأخرى.
• مساعدة حكومة صنعاء في تغطية النقص في إمدادات مياه الشرب والبترول.
• مساعدة حكومة صنعاء في إعادة بناء هياكل ومؤسسات الدولة والحكم القادر على القيام بدور وظيفي فاعل في عمليات الحكم الرشيد.جيفري فيلتمان
• حث الحكومة اليمنية الحالية, لجهة القيام بتقديم التنازلات لخصومها المعتدلين, وفي نفس الوقت القيام بمحاربة خصومها المتشددين.
يعتبر الخبير الأميركي فريدريك كاغان, من أبرز الخبراء الفاعلين والمؤثرين في توجهات الإدارة الأميركية إزاء ملف الحرب ضد الإرهاب, ولتوضيح ذلك, نشير إلى أن فريدريك كاغان, من اليهود الأميركيين الأكثر التزاما بالنزعة الليكودية, إضافة إلى أنه من أبرز مفكري جماعة المحافظين الجدد, وإذا كان اليهودي الأميركي بول وولف ويتز مهندس شن حرب غزو واحتلال العراق, فإن اليهودي الأميركي فريدريك كاغان هو مهندس استمرار الاحتلال الأميركي للعراق, وفي هذا الخصوص نشير إلى أن إدارة بوش الجمهورية السابقة قد استبعدت تقرير لجنة بيكر هاميلتون, واعتمدت بدلا عنه التقرير الذي وضعه فريدريك كاغان في أروقة معهد المسعى الأميركي, وشد على ضرورة زيادة القوات الأميركية, وإنفاذ خطة أمن بغداد, إضافة إلى تعيين الجنرال ديفيد بترايوس قائدا للقوات الأميركية في العراق.
لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي: عقدت اللجنة اجتماعا مخصصا لجهة الاستماع إلى إفادة السفير جيفري فيلتمان, الذي يتولى حاليا منصب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى, هذا, وقد تطرق جيفري فيلتمان في إفادته إلى ضرورة قيام الإدارة الأميركية بالتصدي لعملية اعتماد وانتهاج توجهات جديدة لجهة التعامل مع ملف الأزمة اليمنية, وأشار جيفري فيلتمان في إفادته إلى المحاور الآتية:
• محور سياق السياسة الأميركية: ورأى بأن سياق السياسة الأميركية الجديدة المطلوب إزاء اليمن, يجب أن يتضمن الآتي:
1- القيام بعملية مراجعة شاملة للسياسة الأميركية إزاء اليمن. مع ضرورة أن تتم عملية المراجعة الشاملة هذه وفقا للمنظور الخاص الذي سبق أن اعتمده مجلس الأمن القومي الأميركي في ربيع عام 2009م الماضي إزاء اليمن.
2- اعتماد تعريف موحد لجهة اعتبار أن تنظيم القاعدة هو مصدر الخطر الرئيس الذي يهدد المصالح الأميركية في المنطقة, ويهدد أمن واستقرار الحكومة اليمنية.فريدريك كاغان
3- التأكيد على أن تمركز التطرف في اليمن قد سبق أن دفعت أميركا ثمنه, من خلال: الاعتداءات المتكررة ضد الأميركيين ومنها - اعتداء على فندق عدن خلال وجود بعض العسكريين الأميركيين وهم في طريقهم إلى الصومال لتقديم الدعم لبعثة الأمم المتحدة الموجودة هناك, وقد قتل في الاعتداء أميركيان - الهجوم الذي استهدف المدمرة الأميركية كول والذي أدى إلى مقتل أكثر من ثلاثين بحارا أميركيا - تدبير سلسلة من المخططات التآمرية لجهة استهداف أمن واستقرار السعودية الحليفة لأميركا.
4- استمرار تمركز التطرف في اليمن, كادت أن تدفع أميركا ثمنه بشكل فادح لولا إحباط عملية تفجير طائرة ديترويت في الكريسماس الماضي.
• محور الاستراتيجية المزدوجة الطابع: ركز السفير جيفري فيلتمان على ضرورة اعتماد استراتيجية أميركية جديدة مزدوجة الطابع, يتم على أساسها إسناد السياسات الأميركية الجديدة المتعلقة بإدارة الأزمة اليمنية, وفي هذا الخصوص أشار فيلتمان إلى الجانبين الآتيين:
1- تقوية قدرة الحكومة اليمنية الحالية, فيما يتعلق بتعزيز وتقوية قدراتها الأمنية, وفي نفس الوقت رفع قدراتها إزاء القيام بمكافحة وتقليل خطر المتطرفين المتواجدين ضمن نطاق الحدود اليمنية.
2- معالجة الأزمة الاقتصادية اليمنية, إضافة إلى القضاء على مصادر الخلل والقصور التي تعاني منها مؤسسات الحكومة اليمنية.
وسعى السفير جيفري فيلتمان في إفادته إلى ضرورة أن تلتزم الاستراتيجية الأميركية, وسياساتها الفرعية بعنصر المرونة, وفي هذا الخصوص اقترح السفير فيلتمان, ضرورة أن يتم تفعيل سياسات الإدارة الأميركية الجديدة إزاء اليمن من خلال القنوات والوسائط الآتية:
1- برامج المعونة الأميركية, وعلى وجه الخصوص البرامج الفرعية المتمثلة في برنامج تحسين مستوى وأسلوب معيشة المجتمع, وبرنامج ترشيد عملية الحكومة الوطنية من خلال دعم أداء وقدرات قطاعات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية.
2- مبادرة شراكة الشرق الأوسط, وذلك بالتركيز على دعم وتفعيل قدرات منظمات ومؤسسات المجتمع المدني اليمنية.
يعتبر جيفري فيلتمان من أبرز السفراء الأميركيين ذوي السمعة السيئة في منطقة الشرق الأوسط, فقد سبق و عمل سفيرا للولايات المتحدة الأميركية في لبنان خلال فترة إدارة بوش الجمهورية السابقة, ومن خلال منصبه في السفارة بلبنان, ظل فيلتمان يمارس تدخلا غير مسبوق في الشأن السيادي اللبناني الداخلي, وعلى وجه الخصوص في الدفع باتجاه تسويق العداء ضد سوريا وإيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية, وتقول المعلومات والتسريبات, بأن فيلتمان كان من أبرز الأيادي الخفية التي كان لها حضورها القوي في مسلسل الأحداث والوقائع اللبنانية الدامية المؤسفة, والتي بدأت بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري, واستمرت حتى عشية انتهاء ولاية إدارة الرئيس بوش الجمهورية السابقة!
سيناريو الدور الأميركي القادم في اليمن: إلى أين؟
اهتمت التقارير والتحليلات السياسية العربية المتعلقة بالملف اليمني, بموضوع الاستراتيجية الأميركية الجديدة إزاء اليمن, ولكن حصرا من خلال التركيز على ما ورد في إفادات السفير جيفري فيلتمان أمام لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي, وفي هذا الخصوص تبرز لنا نقاط الضعف الآتية في التقارير والتحليلات السياسية العربية:
• نقطة الضعف الأولى: إغفال إفادات الخبير الأميركي فريدريك كاغان أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي.
• نقطة الضعف الثانية: وصف إفادات فيلتمان أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي, باعتبارها تمثل الاستراتيجية الأميركية, علما بأن الإدارة الأميركية لم تصدر حتى الآن قرارها النهائي لجهة اعتماد استراتيجية أميركية خاصة باليمن.
• نقطة الضعف الثالثة: وصف إفادات فيلتمان أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي باعتبارها تمثل الاستراتيجية الأميركية التي أصدرها الكونغرس, علما بأن مجلس النواب الأميركي يمثل فرعا من الكونغرس, ومجلس الشيوخ الأميركي يمثل الفرع الآخر, أما الكونغرس فيتمثل في الكيان التشريعي الذي يضم الجلسة الموحدة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركي.
• نقطة الضعف الرابعة: عدم السعي لجهة توقع شكل السيناريو المستقبلي الذي يمكن أن تسعى لتنفيذه واشنطن في اليمن خلال الفترة المقبلة.
برغم عدم إصدار الإدارة الأميركية لاستراتيجيتها النهائية إزاء اليمن فمن الممكن الإشارة إلى المعالم والخطوط الحاكمة التي يمكن أن تنطوي عليها توجهات واشنطن المتوقعة إزاء اليمن:
• عدم السعي لإرسال القوات الأميركية لجهة المشاركة في العمليات العسكرية البرية داخل اليمن, وفقط سوف تكتفي واشنطن, أولا بخيار شن المزيد من العمليات العسكرية الجوية, وثانيا بناء بعض القواعد العسكرية الأميركية في المناطق النائية والمنعزلة داخل اليمن.
• ابتزاز موقف الحكومة اليمنية الحالية, عن طريق دفعها لجهة التوقيع على المزيد من الاتفاقيات الثنائية الخاصة مع واشنطن, والتي توفر لواشنطن مفاعيل وخلفيات التدخل في الفترات والمراحل القادمة.
• استخدام وتوظيف برامج المعونة الأميركية, لجهة ترويض الحكومة اليمنية, ومنظمات المجتمع المدني اليمنية, بما يتيح أمركة توجهات الرأي العام اليمني, ودفعه باتجاه التخلي التدريجي عن دعم ومساندة قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي وصولا إلى قبول التعاون مع إسرائيل.
هذا وتشير التسريبات, إلى أن السيناريو غير المعلن الذي يفضله الأميركيون والإسرائيليون هو تقسيم اليمن, وعلى ما يبدو, فإن مفاعيل برامج المعونة الأميركية التي أشار إليها السفير فيلتمان هي مفاعيل سوف يكون لها مفعول قريب الأجل يتمثل في توسيع الفجوة بين الحكومة اليمنية, والحركات المعارضة اليمنية, بما يؤدي بشكل نهائي إلى تقويض عملية إعادة بناء الثقة من أساسها, ويبدو هذا الجانب واضحا من خلال توصيات فريدريك كاغان, التي طالب فيها الإدارة الأميركية بحث الحكومة اليمنية لجهة التفاوض وتقديم التنازلات, وبما أن كاغان و فيلتمان لم يتحدثا عن من هم الخصوم المعتدلين, فإن الخصوم المتشددين هم الذين يتوجب بالنتيجة قيام الحكومة اليمنية بالاستمرار في شن الحرب ضدهم, وهذا معناه استمرار الحرب ضد الحوثيين, وضد السلفيين, وضد الانفصاليين الناشطين في جنوب اليمن، ومستقبلا ضد معارضي التعاون مع فيلتمان وربعه.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...